( ثقافةُ الإستئذانُ قبلُ الزيارة )

محمد عطيه الذهبان
كاتب في بعض الجرائد والمجلات
(Mohammed Atiyah Aldhahban)

الحوار المتمدن-العدد: 8445 - 2025 / 8 / 25 - 07:45
المحور: قضايا ثقافية
    

حالةُ تواصلِ الناسِ للزيارةِ فيما بينهم موجودةٌ منذُ قديمِ الزمان لإنَّ الإنسانُ بطبيعتهِ التي خُلقَ عليها تجعلَهُ يُحِبُ أن يغيُّر روتينِ حياتهِ اليومية بين فترةٍ وأُخرى من خلالِ زيارةِ أقاربُه أو أصدقائه في مختلفِ المناطق ، وقد تُثمِرُ هذهِ العلاقات عن المصاهرةُ فيما بينهُم ويتحوَّلونَ كما يُقال من أصدقاء إلى خالٌ وإبنُ اُخت ، كانت سابقًا تلك الزياراتُ أغلبها مُفاجئةً لعدمِ وجود وسائِلُ الإتصالُ بينَ الطرفين . قديمًا عندما يتِمُ زيارةُ بيتٍ ما تجدُ صاحبُ الدار أغلبِ الأحيان متواجدًا فيها ويتمُ الترحيبُ من قِبِله بالضيوف بكلِّ فرحٍ وسعادة . بعد زيادةُ عددِ النفوس في كلِّ بلدانِ العالم وأصبحت مجالاتُ العمل متعدِّدَةً من حيثُ الأنواعِ والأماكن ، أصبح الكثيرُ من الناس يعملُون في مدينةٍ أُخرى غير مدينتهم ويغيبُون عن دارهم لعدةِ أيام على عكس ما ذكرته سابقًا ، ونتيجةً لتوفر وسائِلُ الإتصال في وقتنا الحالي لدى الصغيرِ والكبير ، لذا من الذوقِ والثقافةِ وتجنبًا لإحراجِ أيُ شخصٍ ننوي زيارته علينا أن نُجري إتصالًا عن طريقِ الموبايل وإخبارُه بموعدٌ زيارتنا إليه إن لم يكُن لديه أي إلتزامات ، أو بالإمكان تغييرُ موعدها حسب الوقتُ الذي يسمحُ له بإستقبالنا ، ونخبِرهُ بعدَدِنا كزائرين لكي يحسبِ حسابَهُ من جميعُ النواحي التي تتطلبُ منهُ تقديمها لضيوفه . وبرأيي الشخصي من المعيبِ جدًا زيارةُ أيُ شخصٍ دونَّ سابقُ إنذار لأن قد يكونُ لديه إلتزاماتٌ عائلية أو عملية ينبغي عليه إكمالها ، وزيارتنا هذه قد أثَّرت على كلِّ مخططاتهِ التي كان ينوي القيامُ بها ، وعدمُ الإخبارُ بالزيارة يضعُ البعضُ في خانةِ عديمي الإحساس والشعورُ بالآخرين . كنتُ أسمعُ منذُ طفولتي إنَّ الأهالي في الدوَّلِ الأجنبية لايزورونَ بعضهَمُ البعض دونَ أخذِ موعدٍ بالزيارة قبل مدة معيَّنة ، وهذا يحدثُ حتى بين عائلاتُ الإخوةِ فيما بينهم . ويعتبَرُ هذا ثقافةٌ مجتمعية وعلى الجميعُ إحترامها والإلتزامُ بها . للأسف الشديد لدينا الكثيرُ ممن يفتقرونَ إلى هذهِ الثقافةِ حيثُ يزورونَ أقاربهُم أو أصدقائهم بصورةٍ مفاجئة هم وعائلاتهم أو معهم مجموعة من ألاصدقاء ، والمصيبةُ الكُبرى قد تكونُ تلكَ الزيارة قبلَ موعدِ الغداءِ أو العشاء بساعةٍ واحدة ، أنا هنا أتساءَل أيها الزائِر ألم تُفَكر أو لم يخطِرُ ببالكَ إن هذهِ العائلة التي نويتُم زيارتها قد تكون في ذلكَ اليوم مدعوةٌ إلى مكانٍ ما أو لديهم سفرٌ لمدينةٍ أُخرى أو قد تمُرُ عائلةُ ذلك الشخص بوعكةٍ صحية لا تُمكِنهم من القيامِ بواجباتِ الضيافةِ تجاهكم ، أو قد تكون مأدبةُ غدائهم أو عشائهم في ذلك اليوم طعامًا بسيطًا ليس مثلُ الأكلُ الذي يقدَّم للضيوفِ ، في هذهِ الحالة ستُربك عائلةٌ كاملة من صغيرهُم إلى كبيرهم ، ستدعهم يعملونَ مثلُ خليةِ النحل لكي يؤمنوا لكم وجبةُ الطعامِ بوقتٍ قياسي . والله ثم والله أمثالُ هؤلاء لايمتلكونَ أي إحساسٍ بل كلمةُ إحساسٍ أو شعور لم تخطُر على بالهم ولم يناقشُها عقلهم في يومٍ من الأيام ، وثقوا يامن أمثالُ هؤلاء ستكونون ضيوفًا ثقلاء على صاحبِ الدارِ وأهله لأنكم جئتُم دونَ إستئذان . قد يقولُ البعضُ إستقبالُ الضيفِ من شِيَمُ العرب بهذا لا أختلفُ معكم وصلةُ الرحِم والتواصل مطلوبان ، لكن كما نوَّهتُ يجبُ أن يسبِقَ تلكَ الزيارات إخبارٌ وتحديدُ موعد بعدها لاضيرَ في ذلك . روى لي في اعوامِ التسعينات أحدُ المعارف إنَّ داره كانت عبارةٌ عن شقةٍ في بغداد وهذا الرجل وعائلته من المُرحبين بالضيوفِ كثيرًا وإنَّ شخصًا من أفرادِ عشيرته قامَ بزيارته وبقيَ لمدَّةِ أُسبوع كامل مما جعلهُ لا يستطيعُ الخروج لأيُ مكانٍ لأنَّ أولادهُ يذهبونَ لأعمالهم ولايصحُ أن يتركَ الضيف وحدهِ مع العائلةِ ، قال حاولتُ تنبيهُه وقلتُ لهُ بالحرفِ الواحد ( ألم تشتاقَ لأولادك لأنكَ لم تشاهدهمُ منذُ أسبوع ، كانَ جوابُه أي والله ذكَّرتِني بهم سوفُ أذهبُ اليومَ إليهم وأعودُ وهُم معي ليقْضوا أسبوعاً اخر في ضيافتِكم ) هل يسمى هذا ضيف كلا والفُ كلا ، بل هذا وأمثالُه يستغلونَ طيبةُ بعضِ الناس على حسابِ راحتَهم . وديننا الإسلامي نبهنا أنَّه إذا ذَهَبْنا ضيوفاً يجبُ أن لانؤذي الشخص المضيٌّفُ لنا ولاندخلُ بيتهُ دونَ إستئذان ، كما ذُكر ذلك في سورة الاحزاب الاية { ٥٣ } التي نبه الله بها أصحابُ النبي محمد ﷺ حيث قال ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَٰكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ ۖ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ ۚ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ۚ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ ۚ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَدًا ۚ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا )
من هنا نعلَمُ إن الله نبَّهنا عن كلِّ شيء وعلينا الأخذُ به ، ولنعلَمُ جميعًا إنَّ الثقافةَ في تصرفاتِنا قد تكونُ أفضلُ بكثيرٍ من الشهاداتِ التي نحصلُ عليها من مختلفِ المراحلُ الدراسية .

#محمد_عطيه_الذهبان (هاشتاغ)       Mohammed_Atiyah__Aldhahban#          

---

ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل