محمد عطيه الذهبان
كاتب في بعض الجرائد والمجلات
(Mohammed Atiyah Aldhahban)
الحوار المتمدن-العدد: 8436 - 2025 / 8 / 16 - 15:39
المحور:
قضايا ثقافية
نشعُرُ بالحُزنِ لأنَ ماضِينا أفضلُ بكثيرٍ من حاضِرُنا سواءٌ كانَتْ أمورٌ إجتماعيةٌ أو ثقافيةٌ أو علمِية أو غيرها ولنَقُم بإجراءِ مقارنةً حولَ حالُ التَدْرِيسُ في كافةِ مُستوياتهِ التعليمية من المرحَلةِ الإبتدائية وماتَلاها من مراحلٌ دراسية ، في السابق لم يكُن التلاميذُ والطلبةُ
يُكلِفونَ ذويهِم مبالِغَ ماديةٌ كثيرة أثناءُ الدراسة لأنَّ عندَ بدايةُ العام الدراسيُ الجدِيد مايتطلَّبُ من الأهلُ هو فقط توفيرُ الملابسُ للمدرسة وبقيةُ اللوازِم توزَّعُ مجاناً من قِبَل المدارس إن كانت إبتدائية أو متوسطة أو ثانوية وما على الطلابِ إلا متابعَةُ الدروسِ والتحضيرُ اليومي للمواد والدراسةُ بشكلٍ مُكثَّف خلالُ الإمتحانات الشهرية أو نصفُ السنةِ ونهايةُ العامُ الدراسي ، ولكن كانتَ المعاناتُ فقط في قلةِ عددُ المدارس خاصةً في المناطقُ الريفية مما يضطرُ الكثيرُ من أبناءِ القُرى لقطعِ عددٌ من الكيلومترات وبعضهم يسلِكُ الطرقُ الوعِرة من أجلِ الذهابِ إلى أقربُ مدرسةٍ على منطقةُ سُكناهُم ، ولاتؤثِرُ عليهم الظروفُ الجويةَ القاسية سواءً كانتُ الاجواءُ مُمْطِرة أو باردةٌ جداً ، ويتوجَبُ على الطلاب الحضورُ قبل الموعدُ المحدَدْ لبدايةُ توقيتُ الدرسُ الأول ومن يتخَلف عن هذا الوقت يتعرضُ للتوبيخِ او الضربُ من قِبَلُ إدارةُ المدرسة ، وعند عودتِهم الى المنزل ألأغلبيةُ منهم قد لايجِدُ إلا بعضُ الخُبزِ والبيض وغيرهُ من الأكلِ البسيط بسببِ حالةُ الفقْر التي يعانونَ اهلهُم منها ، ولكن رغمُ ذلك تجِدهُم مجتهدِين ويلازِمُونَ كُراساتهم المدرسية منذُ عودتهِم من المدرسة إلى وقتٍ متأخرٌ من الليل لإجلِ الإعدادُ والتحضيرُ لمحاضراتِ اليومِ التالي وحسبُ الجدولُ الموضوعُ من قِبَلُ إدارةُ مدارسِهم ، والمعاناتُ الكبيرة عندما يحِلُ الظلامُ أغلبُ تلكَ القُرى تفتقِرُ إلى وجودُ الكهرَباءُ في مناطقها وتكونُ الدراسةُ على مايسمى ( الفانوس ) الذي يعملُ بالنفط الأبيض ويجبُ على الطالبُ أن يكونَ قريبٌ منهُ جداً لكي يرى الكتابةَ في كُراسَتِه . وعندما يأتي الصباح ينهضُ الجميعُ للذهابِ إلى المدرَسَة ويستمُِر الحالُ على هذهِ الطريقة إلى نهايةُ العامُ الدراسي ، وكانت تأتي نتائجُ أغلبِ هؤلاءِ الطلبة النجاحُ بتفوقٍ رغمَ إنَّ الأبوين لايجيدان القراءةَ والكِتابة لكنهُم يُتابِعونَ أولادهم أثناءَ الدراسة ويحِثونهم عليها لغرض تعويضهُم الفرصَةُ التي لم تسنحُ لهُم بأولادهِم لكي يتعلموا وينجحوا ويحصلوا على شهاداتٍ دِراسية ويُصبِحوا في وظائف مختلفة سواءٌ كانت في الطبِ والهندسة وغيرها ، ومع كلِّ ذلك كانَ الدورُ الكبيرُ والأبرَز هو إلى كادرُ المدرَسة المتمثلُ في مُديرُها والمعلِمين والذينَ كانَ الكثيرُ منهُم في ذلكَ الوقت من أبناءِ المدينة ويقْضُون في تلكَ المناطقُ النائية مدةَ أُسبوعٌ أو شهرٌ كامل دونَ الذهابُ إلى عوائلهِم بعد أن يتِم توفيرُ السكنُ لهم من قِبل اهلُ المنطقة التي فيها المدرَسة ، وبالرغمِ من إنهُم أبناءُ مدينة ولم يسبِقُ لهُم أن عاشوا عيشةَ أهلُ الريف القاسية فإنَّ هذا لم يُثني عزيمتَهم عن التعليمِ للطلبة بكلِّ تفاني وإخلاص وحرصٌ ومتابعةُ الطلاب بمهنيةً عالية ، بل حتى كانوا يعلِمُونهم على حملِ المنديل الذي يسمى باللهجةِ العامية ( الچفية ) وقصُ الأظافِر ومتابعةُ ذلك إسبوعياً من قبل إدارةُ المدرَسة ويحاسبُ الطلاب الغيرُ ملتزمينَ ، ونتيجةُ كلُّ ذلك تخرَّجَ على أيديهِم الكثيرُ من الأطباءِ والمهندسين والضباط والطيارين ومختلفِ التخصُصاتِ الوظيفية ، لذلكَ يبقون أساساً لساريةِ العلْمِ في بلدنا . أما اليوم وما أدراكَ ما اليوم كيف هو حالُ الوالدين عندما يأتي العامُ الدراسي الجديد تجدُ الأسواقَ والمكتباتُ مكتظٌة بالأهالي لغرض شراءُ الملابسُ المدرَسِية والملازِمُ للموادِ كلٌّ حسبَ الصفُ الدراسي لهم لذلكَ يصرِفُ الأهلُ مبالغَ طائلةٌ عكسَ ماذكرتَهُ عن أيامِ الدراسةِ سابقاً ، ورغم كثرَةُ المدارس في وقتنا الحالي والتي قد يكون في الحي الواحد داخلُ المدينة أكثرُ من مدرَسة وبمختلفِ المراحلُ الدراسِية وكذلك في الاقضيةِ والنواحي والقُرى . وذهابُ الغالبيةُ العُظمى منهم إلى المدارسُ بالسيارات ويطلقُ عليها تسميَةُ إشتراك بعد أن يتفق الأهالي مع بعضُ السائقين لغرض قيامهِم بواجب توصيلُ أولادهم من المنزل إلى المدارس والعودة بهم مقابِل مبلغ مادي بمعنى آخر أصبحُ الأب يُعاني من كَثرةُ المصاريف التي يتطلَّبُ عليهِ توفيرُها لأولاده وقد تصل إلى مبالغُ ماليةٍ كبيرة إن كانَ لديهِ أكثرُ من طالب ، لذلكَ أصبحَ قدومُ العامُ الدراسي بالنسبةِ للأهل هموماً جديدة تضافُ إلى همومِ حياتهم اليومية ومع كل هذه المصروفات أُشير إلى إنَّ الكهرباءُ تبقى متوفرةٌ على مدارِ الليلِ والنهار والحالةُ المعيشية للغالبية فوقَ المستوياتِ المتوسطة لكن لم ولن يصلُ هؤلاءِ الطلاب إلى المستوى العلمي للذين كانوا يدرسون على الفانوس ، والمصيبةُ الكُبرى عندما تسوءُ الأحوالُ الجوية تُعلِّنُ الحكوماتُ المحليةُ في المحافظات إعطاءُ عطلةٍ للمدارس رغم إنها مبنيةٌ من البلوك عكسُ مدارس أيامُ زمان التي كانَ بناؤها من الطين والسقف ينزلُ منه الماء على رِحلات الطلاب . عندما ينتهي العامُ الدراسي وتظهَرُ النتائجُ المتعارَفُ عليها سابقاً الذ ي لاينجحُ بمادتين يعتبرُ مكمِل ويحقُ له فقط إمتحانُ الدورَ الثاني ، بينما الآن أصبحتُ المادتين ثلاثُ مواد والدور الثاني أصبحَ بعدهُ دورٌ ثالث ومع كلِّ هذه التسهيلات من قبل وزارة التربية والذهابُ والإيابُ بالسيارات إلى المدارِس نجدُ أغلَبهم حتى وإن كانوا متميِزين لديهم أخطاءٌ إملائية كثيرة عندما تقرأُ كتاباتِهم تَجِدُ صعوبَةٌ في قِراءَتها .
وأخيراً بدأ المُهتمِين بمستوى التعليمِ ونتائجِه يشعرُونَ بالإحباطُ والخوف على هذا التَدني المستمرُ في التعليم الحكومي بعد أن سيطرت المدارسُ الأهلية على زِمامُ الأُمور في كلِّ مكان لأنها تُعطي للتدريس أهميةٌ كُبرى وتُتابع الطلاب بدقة ، وكُلُّنا يعْرِفْ إن الذينَ بإمكانهم إدخالُ أبنائِهم فيها فقط مَيسُوري الحال لكونِها مُكلِفة مادياً ، مع العلم إن الإختصاصِيين في تلكَ المدارس هم نفسُهم الذين كانوا في المدارِسُ الحكومية لكنهُم في الأهلية يكونوا أكثرُ حرصاً وإلتزاماً في التدريس لأن للعاملُ المادي دورٌ كبير في هذا الحِرص خوفاً على سمعةُ مدارسهِم ولكي يزدادُ عددُ الطلبةِ الذين يرغبونَ في الدراسةِ في مدارسِهم ، أي كلما كثُرَ العدد زاد الواردُ المادي لهُم ، ولكن ما لنا إلا أن نقول حسبنا الله ونعم الوكيل على من أوصَل التعليمُ إلى هذا الحال .
#محمد_عطيه_الذهبان (هاشتاغ)
Mohammed_Atiyah__Aldhahban#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟