أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - “أيام الغبار”: حين تُحبّك البلاد كما تُجففك














المزيد.....

“أيام الغبار”: حين تُحبّك البلاد كما تُجففك


رانية مرجية

الحوار المتمدن-العدد: 8428 - 2025 / 8 / 8 - 03:01
المحور: الادب والفن
    


في “أيام الغبار”، لا يدوّن سعيد نفاع سيرةً شخصية، ولا يكتب رواية بالمعنى الكلاسيكي، بل يخطّ سفرًا وجوديًا عميقًا عن تلك اللحظة التي ينهار فيها الوطن داخل القلب، وتضيع فيها المحبة بين مطرقة التقاليد وسندان الاحتلال. روايته تشبه الزمن الفلسطيني نفسه: ملبّدة، مربكة، شديدة الرمزية، تائهة بين العشق والمنفى، بين الفقد والانبعاث.
هنا لا يهبط الغبار من السماء، بل ينبعث من الأرض. من الذاكرة. من اللغة. من الأرواح التي تحاول الحياة رغم الحصار المزدوج: السياسي والاجتماعي، الطائفي والوجداني.
الغبار ليس ترابًا.. بل ذاكرة معلّقة في الهواء
الغبار في الرواية ليس مادةً جامدة، ولا مجازًا متعبًا، بل هو الكائن الحيّ الثالث في الحكاية. يتسلل إلى الحواس، إلى العلاقات، إلى العيادة الصغيرة التي بناها راشد وجوليا في بلدة فلسطينية جبلية. حتى الحبّ في هذا المكان لا يُبنى من ضوء، بل من رماد. من دخان الندم. من خوف مرسوم على وجوه من يخشون الخروج عن العرف.
الغبار في هذا السياق هو استعارة وطنية مذهلة: فكما أن الغبار يخنق الأنفاس دون أن يُرى، كذلك تفعل بنا أنظمة القمع، العقائد المنغلقة، وتلك التربية التي تخشى الحبّ وتعبد الخضوع.
الحكاية: جسد يُحب في زمن مكسور
راشد، الطبيب الدرزي، يقع في حب جوليا، الممرضة المسيحية، بكل ما يحمل كل منهما من جراح. لا نتحدث عن حبٍّ بسيط أو عاطفةٍ مراهقة، بل عن غرامٍ يشبه العصيان. عصيان على الانتماء الطائفي، على القرى التي تراقب من خلف الشرفات، على العائلة، وعلى صورة الذات الموروثة.
جوليا بدورها ليست أنثى من ورق، بل امرأة مزّقتها الحياة مبكرًا: اغتصاب، طلاق، هجرة داخلية، وعودة باهتة. لكنها تحبّ. وتقرر أن تحبّ. ورغم أنّ الكاتب لم يمنح صوتها الداخلي المساحة التي يستحقها، إلا أن حضورها يُفهم كصوت الأنثى المقهورة التي تقاوم بنبضها لا بكلماتها.
أبعاد ثلاثية: الحب، الطائفة، الوطن
في “أيام الغبار”، الحب ليس نقيضًا للسياسة، بل أحد فروعها. والحياة اليومية التي يعيشها الثنائي راشد وجوليا ليست رومانسية بل سياسية، لأن مجرد وجودهما كزوجين، وكطبيب وممرضة من طائفتين مختلفتين في عيادة واحدة، هو تحدٍّ للخطاب الطائفي، ورفض لقسمة الجغرافيا الروحية التي فُرضت علينا بفعل الحداثة الاستعمارية والدين المعلّب.
والكاتب يُدخلنا إلى عالم الطائفة الدرزية من الداخل، في مشاهد نادرة، حيث تتجلّى الهوية المركبة. راشد لا يصرّح بأنه ثائر، لكنه يناضل بجسده وبقراره وبحبّه. الرواية تقدم مشهدًا صريحًا للانقسام العميق بين الولاء المفروض والانتماء الفعلي، وتُذكّرنا بأن الاحتلال لا يبدأ عند الجندي على الحاجز، بل في المفهوم الطائفي للوطن والمواطن.
تقنية السرد: صوت يبوح بالحقيقة ويتهرب منها
الكاتب يختار صوتًا سيريًا، لكنه لا يقع في فخّ الاعتراف الكامل. ثمة ما يشبه الاعترافات المبطنة، المجتزأة، التي تُخفي أكثر مما تُظهر. النثر في الرواية شاعري حتى في وصف أكثر المشاهد قسوة، فيخلط بين التوثيق الشخصي والسرد الأدبي. يذكّرنا ذلك بروايات ما بعد المنفى، حيث يصبح السؤال عن المكان مرادفًا للسؤال عن الذات.
وهذا ما يُحسب للرواية: لا تنتمي لنمط “الرواية الوطنية” التي تقدّس الشعارات، ولا “الرواية العاطفية” التي تُجمل الواقع. إنها رواية عن بشرٍ حقيقيين يخطئون ويحبون ويهربون، ثم يعودون إلى قبورهم أحياءً.
ملاحظات نقدية لا تُلغِي الإنجاز
ومع ذلك، لا بد من الإشارة إلى بعض نقاط الضعف البنيوية في العمل، ومن بينها:
غياب العمق الداخلي الكامل لشخصية جوليا: رغم رمزيتها القوية، تبقى جوليا صوتًا غير مكتمل. حضورها الفعلي في السرد أقل من الأثر العاطفي الذي تتركه، وكان يمكن للكاتب أن يمنحها مساحات بوح أوسع.
اللغة الرمزية المكثفة: في بعض المواضع، تكاد الرواية تختنق بكثافة الاستعارات والمجازات، ما قد يُثقل القراءة ويجعل من السرد الأدبي خطابًا فلسفيًا أكثر من كونه تصويرًا روائيًا.
توظيف بعض الشخصيات الثانوية كوظائف رمزية: كمثال على ذلك، شخصية أنس، الابن، تبدو أقرب إلى صوت الضمير أو التكرار النقدي للبطولة الأبوية أكثر منها شخصية مستقلة بذاتها.
الختام: حين يتحول الغبار إلى مرآة
“أيام الغبار” ليست رواية بقدر ما هي مرآة مُغَبَّرة لما نرفض أن نراه. حبٌّ فلسطيني ممزق بين المقدّس والمدنّس، بين الموروث والمستقبل، بين القبيلة والوطن. وهي بذلك، لا تُجمل الواقع، ولا تتأمله بحياد، بل تسحب القارئ إلى داخل العاصفة وتجعله جزءًا منها.
بصوتها الحيّ، تُذكّرنا الرواية أننا لا نُخلق من الطين فقط، بل من الغبار أيضًا. من تلك الذكريات التي لا تموت، ومن تلك الهويّات التي نحملها كندوب لا تُشفى.
وإن كان لا بد من نصّ فلسطيني معاصر يُقْرأ كفعل مقاومة داخلية، فإن “أيام الغبار” تستحق أن تكون في الصفّ الأول



#رانية_مرجية (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة زاخرة وجدانية فلسفية لنص “صهيلُ السؤال في زمنِ الصمت”
- حين تُشرعُ الكلمات نوافذ الحوار _ فوز فرنسيس ورانية مرجيّة
- خبزُها... كتب، وصلاتُها... قصائد
- قراءة لديوان “لماذا تأخرتِ دهراً؟” للشاعر يحيى السماوي
- حينَ يزهرُ الصبّارُ في القلب: قراءة لرواية -إلى أن يُزهر الص ...
- حين يُصبح النقد مرآةً للروح والشعر: قراءة في دراسة إيمان مصا ...
- حين يُقتل الحنان بصمت: قراءة نقدية في “لقد قتل الفقد روح الك ...
- حين يُقتل الحنان بصمت: قراءة نقدية في “لقد قتل الفقد روح الك ...
- يا نارَ الانقسامِ، كُفّي
- من أين أملك لغتي؟
- الكاتب الكبير... الذي لا يكتب!
- -نكبتنا لم تَغِب... بل كبُرت معنا-
- توجيه مجموعات للمتوحدين: عبور إلى عالمٍ آخر
- دوائر الظلم
- الله منحك الحرية… فلا تسلّمها لأحد
- 🌿 القدسُ… حين تتنفسُ الروحُ حجارةً 🌿
- “النهر المتصحِّر”… مرثيّة لوطن مصلوب على ضفاف الخيبة قراءة و ...
- في حضرة الزُرقة النقية
- ما بين الحُبُورِ والوجع
- ✦ بين الحبر والنبض: حين وجدتُ ذاتي بين القراءة وقلوبه ...


المزيد.....




- غزة في المسابقة الرسمية لمهرجان فينيسيا السينمائي
- السلطان و-الزواج الكبير- في جزر القمر.. إرث ثقافي يتوّج الهو ...
- -مكان وسط الزحام-: سيرة ذاتية لعمار علي حسن تكشف قصة صعود طف ...
- السعودية.. الفنان محمد هنيدي يرد على تركي آل الشيخ وتدوينة ا ...
- المخرج علي كريم: أدرك تماما وعي المتلقي وأحب استفزاز مسلمات ...
- وفاة الممثلة كيلي ماك عن عمر ناهز 33 عامًا بعد صراع مع السرط ...
- ليدي غاغا تتصدر ترشيحات جوائزMTV للأغاني المصورة لعام 2025
- عشرات الإعلاميين والفنانين الألمان يطالبون بحظر تصدير السلاح ...
- بين نهاية العباسي وأواخر العثماني.. دهاليز تظهر أثناء حفر شا ...
- ظهور جاستن ببير مع ابنه وزوجته في كليب أغنية Yukon من ألبومه ...


المزيد.....

- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - “أيام الغبار”: حين تُحبّك البلاد كما تُجففك