أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - العراق والكويت: ملحمة السقوط العربي في حضرة التحالف الغادر














المزيد.....

العراق والكويت: ملحمة السقوط العربي في حضرة التحالف الغادر


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8424 - 2025 / 8 / 4 - 07:50
المحور: قضايا ثقافية
    


في تلك الليلة التي ساد فيها السكون فوق رمال الخليج، لم يكن القمر في مداره أكثر خجلاً من الضمير العربي وهو ينأى بنفسه عن السؤال الأشد مرارة: كيف اجتمع العرب على العراق كما لم يجتمعوا على القدس؟ كيف تداعت ثلاث وثلاثون دولة، حاملة رايات التحرير، لتقصف بغداد وتفتك بالبصرة وتدفن ما تبقى من الكرامة في خنادق "الشرعية الدولية"؟ لم تكن حرب الخليج الثانية مجرد نزاع على الحدود، بل كانت بداية فصل دموي من فصول التمزق العربي، حيث اجتمع الشقيق والبعيد، والصديق والمنافق، على مذبح واحد، وذُبح العراق بسيفٍ عربيّ هذه المرة، لا بسيفٍ صليبيّ أو فارسيّ.
اندلعت الشرارة الأولى فجر الثاني من أغسطس عام 1990، حين عبرت قوات عراقية الحدود نحو الكويت، في قرار مفاجئ اتخذه صدام حسين بعد أشهر من التوتر، والاتهامات المتبادلة، وصراع نفطي-اقتصادي بين الجارين. قرار لم يحظَ حتى بإجماع داخل القيادة العراقية، لكنه تحول لاحقًا إلى كارثة وطنية ومأساة قومية. فقد وجد العراق نفسه خلال أشهر معدودة في مواجهة أكبر تحالف عسكري تشهده المنطقة منذ الحرب العالمية الثانية.
لم تكن المسألة مسألة اجتياح دولة صغيرة فحسب، بل كانت ذريعة جاهزة لطرد العراق من توازنات المنطقة، وتحطيم جيشه الذي خرج للتو منتصرًا من حربٍ طاحنة مع إيران استمرت ثماني سنوات. فجأة، تشكّل الحلف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، ورفعت رايات "تحرير الكويت"، وتحتها اختبأت نوايا أبعد من الحدود بكثير.الجيش الأمريكي وحده أنزل أكثر من 700 ألف جندي على الأرض وتحتها وفي عرض الخليج. ما لا يُصدّق أن دولة مثل مصر أرسلت 35 ألف جندي ليقاتلوا مع الغريب ضد الشقيق. فرنسا جاءت بـ18 ألفًا، وسوريا – رغم كل عداواتها المعلنة لصدام – دفعت بـ14,500 جندي. المغرب 13 ألفًا، والكويت نفسها بـ10 آلاف. حتى عُمان – التي لم تدخل حربًا منذ قرون – حضرت بـ6300 جندي. باكستان بـ5500. كندا بـ4500. الإمارات بـ4300. قطر بـ2600. وحتى دول لم يسمع العراقيون عنها يومًا في نشرات الأخبار، أرسلت من يشارك في "تحرير الكويت": بنغلاديش، أستراليا، إيطاليا، هولندا، النيجر، السنغال، إسبانيا، البحرين، بلجيكا، كوريا الجنوبية، الأرجنتين، بولندا، تشيكوسلوفاكيا، اليونان، الدنمارك، النرويج، المجر... كلها جاءت، وكأن العراق بات الخطر الوحيد المتبقي على البشرية.وتحت سماء الخليج، علت طائرات التحالف – 1820 طائرة مقاتلة – لتحول الأرض إلى جحيم. وحدها أمريكا دفعت بـ1350 طائرة، والسعودية بـ175، تليها بريطانيا، فرنسا، كندا، الإمارات، الكويت، إيطاليا. كانت السماء ممتلئة بنيران شقيقة، تلقي كل يوم أكثر من 2500 غارة جوية، حتى بلغت الغارات خلال 43 يومًا عددًا جنونيًا هو 109,867 غارة، أسقط فيها أكثر من 60 ألف طن من المتفجرات، بما يكفي لنسف قارة.أما على الأرض، فكانت الدبابات تزحف بلا رحمة: 3318 دبابة من مختلف الجيوش، تتقدم في خطط منظمة لتفتيت القوة العسكرية العراقية، وتدمير البنية التحتية، لا لتحرير الكويت فقط، بل لطمس ملامح الدولة العراقية الحديثة.
قُتل من قوات التحالف 114 جنديًا أمريكيًا، و38 بريطانيًا، وفرنسيان أحدهما – ويا للمفارقة – قضى في الاحتفالات. في المقابل، سقط من العراقيين ما لا يقل عن 100 ألف شهيد، ودمّرت 4000 دبابة، و3100 قطعة مدفعية، و1800 مدرعة، و240 طائرة. أُسر أكثر من 80 ألف جندي عراقي في صحراء لم ترَ في تاريخها هذا الكم من الجنود الأسرى منذ معارك الفتح الإسلامي.وكل ذلك لم يكن بلا ثمن. فقد بلغت تكلفة الحرب 61 مليار دولار، دفعت منها الولايات المتحدة 9 مليارات فقط. أما الباقي؟ فقد تقاسمته دول الخليج: الكويت دفعت 16 مليارًا، اليابان 10، السعودية 10 مليارات (منها 4 مشتقات نفطية)، بريطانيا 6، ألمانيا 6، الإمارات 4، وكوريا الجنوبية 250 مليون دولار.
خسرت الكويت نفسها ما يقارب 110 مليار دولار من آثار الغزو، بينها 80 مليارًا فقط جراء حرق آبار النفط، والباقي من تدمير البنية التحتية. وكلفت إعادة إعمارها 22 مليارًا أُعيدت من احتياطات النفط والتأمينات حتى 2007.
وهكذا، انتهت حرب الخليج الثانية – أو ما سمّوه "حرب تحرير الكويت" – باندحار العراق من الكويت، لا بقرار سياسي ولا باتفاق سلام، بل بتفكيك الجيش العراقي، وتدمير اقتصاده، وفرض حصار مروع دام 13 عامًا، أعاد البلاد إلى ما قبل عصر الصناعة.لكن الأهم من كل ذلك، أن الحرب مزّقت الجسد العربي من الداخل، وكشفت هشاشته وخيانته لنفسه. فقد شارك العرب في ذبح العراق، ثم شاهدوا كيف تساقطت العواصم واحدة تلو الأخرى: بغداد، ثم طرابلس، فدمشق، فصنعاء، والآن بيروت. ذات الطائرات التي قصفت الجيش العراقي، حلّقت لاحقًا في سماء العرب كلهم، وذات الأعلام التي رفرفت في "عاصفة الصحراء" أصبحت عنوانًا للدمار القادم.وها هو العراق، بعد عقود من الخراب، يُسلم على طبقٍ من نار إلى إيران، بحكومات طائفية ومليشيات تصول وتجول، فيما يقف العرب على الأطلال، يندبون ما ضيّعوه، وينتظرون دورهم في تقاسم الخراب.
كم من أمةٍ تتقن طعن أبنائها كما يفعل العرب؟ أسودٌ على بعضهم، وأرانبُ أمام الغريب. يا للمأساة... ويا له من درسٍ، لا يبدو أن أحدًا في هذه الأمة المفرّقة قد تعلّمه بعد.
=============
المصادر
تقارير وزارة الدفاع الأمريكية (DoD) – بيانات عن عدد الجنود والغارات والخسائر.
قرارات مجلس الأمن (الأمم المتحدة) – خاصة القرار 678 و661.
BBC و الجزيرة الوثائقية – أرشيف حرب الخليج الثانية.
مؤسسة البترول الكويتية وصندوق التأمينات – حول تكلفة إعادة الإعمار.
كتاب "حرب الخليج الثانية" – محمد الزواوي
The Gulf War Reader – Sifry & Cerf
صحيفة الشرق الأوسط / الواشنطن بوست – تغطيات الحرب والتمويل.
تقارير صندوق النقد الدولي – خسائر الكويت المالية.
هيكل – "الحرب على العراق" – خلفيات سياسية وتحالفات.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ياسين غالب.. طائر الحرية الذي حطّ في هلسنكي
- الشرق الأوسط الجديد... حين يتهاوى ظلُّ طهران ويُولد الضوء من ...
- الجرذ الذي أكل 62 ترليوناً ولم يتجشأ
- صرخة في وجه التفاهة الإعلامية: حين يصبح الانحدار خبزًا يوميً ...
- -على موائد الإمبراطوريات: حين تُباع الأرواح بثمن الدولار-
- -دولة الوجهين ونصف عمامة-
- -قوّادو الكلمة وباعة الوهم: حين يصبح الإبداع طعنة في خاصرة ص ...
- -شهرة على مقاس العُري… ومثقفٌ خلف الستار-
- استري نفسكِ… قبل أن يفضحكِ هاتفكِ!
- فيروز تودّع نغمة قلبها.. حين بكى الصباح في حضن الوطن
- شمشونا... رماد ملكةٍ لم تولد، وسؤالٌ يمشي في شوارع بابل
- من باع الخور والنفط والأرض
- -المرشح الراقص والناخب الطيّب: من جوبي البرلمان إلى حفلة الد ...
- -الفن العراقي... بين ضوء الماضي وظل الحاضر-
- قفي أيتها الملكة.. فالساقطون لا يرون الهامات المرتفعة
- من أندلسِ تطوان إلى نبضِ بغداد: شهرزاد الركينة… نشيدُ الفنّ ...
- -أنا الحرف الذي لا يركع… هذا بعض ما كنته يا سائلين عن حامد ا ...
- -اخوتنا درع العراق… حين يكون العراقي ظلاً لأخيه-
- من دفتر فكتوريا... حيثُ تنوح الأرقام وتبكي الدولة.
- تَجَلّيات الحضارة الإغريقية بين وهج البدايات ومرآة التأثير ا ...


المزيد.....




- مدرب ركوب أمواج ينقذ 3 أطفال معًا في المحيط بعد هجوم أسد بحر ...
- بريطانيا: مشروع حكومي جديد لإجلاء أطفال مصابين من غزة
- بسبب -الغرافيتي وغزة-.. عمدة أثينا يوبّخ سفير إسرائيل: لا نق ...
- مقتل فلسطينيين في غارات إسرائيلية جديدة على غزة، ومطالبات بت ...
- مدن ألمانية تدرس استقبال أطفال من غزة وإسرائيل
- دراسة صادمة: أقل من 20 بالمئة من الألمان مستعدون للقتال من أ ...
- نتانياهو يطلب من الصليب الأحمر تأمين الطعام للرهائن في غزة و ...
- تركيا.. عريس ينسى عروسه!
- المرصد السوري: أربعة قتلى على الأقل إثر تجدد الغنف في جنوب س ...
- بحسابات رياضية.. هكذا صنعت إسرائيل مجاعة غزة


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - العراق والكويت: ملحمة السقوط العربي في حضرة التحالف الغادر