علي دريوسي
الحوار المتمدن-العدد: 8419 - 2025 / 7 / 30 - 18:19
المحور:
الادب والفن
كان يجلس على شرفته الصغيرة، ينظر إلى الأفق البعيد حيث تذوب الشمس في البحر مثل قطعة ذهب منصهرة. كان يحمل كوب قهوته بيد مرتعشة، ليست رعشة الشيخوخة، بل رعشة الذكريات التي تفيض من قلبه كفيضان لا يعرف التراجع.
هناك، في تلك المدينة التي تركها منذ عشرات السنين، بقيت روحه تجوب الشوارع الضيقة، تطرق الأبواب القديمة، وتهمس للأشجار التي كانت تظلّله يومًا. كان يسمع ضحكات طفولته تتردد بين الجدران العتيقة، يرى وجه والدته يطل من نافذة البيت الحجري، ويشعر بدفء الأصدقاء الذين فرّقتهم المسافات والسنون.
لكن جسده، هذا الجسد المتعب، كان عاجزًا عن اللحاق بتلك الروح التي تصرّ على السفر وحدها. كانت قدماه تسألان عن القوة التي هجرتهما، وكان ظهره ينحني تحت ثقل الشوق. كم كان يتمنى أن تتقلص المسافات، أن يكون الزمن أقل قسوة، أن يمنحه القدر فرصة أخيرة ليعانق ما تركه وراءه.
وحين تهب الرياح، كان يشعر كأنها تحمل جزءًا من روحه العالقة هناك، كأنها تجلب إليه رائحة الأزقة المبللة بالمطر، أصوات الباعة المتجولين، وحكايات الليالي الطويلة. لم يكن الحنين مجرد إحساس، بل كان جسراً شفافاً يمتد بين ما هو كائن وما كان، بين الجسد العاجز والروح الطليقة.
أغمض عينيه،
وترك روحه تسافر مجددًا.
ربما لن يعود بجسده،
لكنه كان يعلم أن روحه
لن
تتوقف
أبدًا
عن
الرحيل.
#علي_دريوسي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟