أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - الطفل الذي لم تحتضنه قريته














المزيد.....

الطفل الذي لم تحتضنه قريته


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 8387 - 2025 / 6 / 28 - 18:11
المحور: الادب والفن
    


في قلب قرية صغيرة تقع بين الجبال، حيث تتشابك الأشجار وتروي الحكايات مع الرياح، ولد طفلٌ اسمه سامر. كان مختلفًا عن أقرانه؛ لا يضحك بسهولة، ولا يجد مكانه بينهم. كانت عيناه الواسعتان تخفيان عوالم من الأسئلة، لكن سكان القرية لم يحاولوا يومًا قراءة تلك العيون.

كبر سامر في كنف العزلة. كان يراقب الأطفال وهم يلعبون في الحقول، لكنه لم يشاركهم. كلما اقترب، ابتعدوا. كانوا يهمسون عنه: "غريب الأطوار"، "لا يشبهنا". حتى الكبار كانوا يعاملونه كظل عابر، بالكاد يلقون عليه التحية.

لم يكن أحد يعرف ألم سامر. كان يستيقظ كل صباح ويسأل نفسه: "ما الخطأ الذي ارتكبته؟ لماذا لا يحبونني؟" كان يحاول أن يجد طريقه إليهم، لكنه كان يعود دائمًا مكسورًا. أصبح صمته درعًا يحميه، لكنه في الوقت ذاته كان جدارًا يفصله عنهم.

في إحدى الليالي الباردة، شعر سامر بأن الجدران التي بناها الآخرون حوله تضيق عليه. قرر الهروب من صمته. تسلل إلى الغابة، وجلس بجوار كوخ مهجور. هناك، عبث بعود كبريت وجذوة حطب صغيرة. في لحظة، اندلعت شعلة صغيرة، فتراقص الضوء على وجهه. كان هذا أول دفء حقيقي يشعر به منذ زمن. بدأ سامر يعود إلى الغابة كل ليلة، يشعل نيرانًا صغيرة ويجلس بجوارها. كان يراقبها وهي تشتعل ثم تخبو، وكأنه يرى فيها انعكاسًا لحياته.

مرت السنوات، وكبر سامر ليصبح شابًا قويًا، لكنه كان وحيدًا أكثر من أي وقت مضى. كان الناس لا يزالون يعاملونه كغريب. وفي إحدى الليالي، بينما كان يسير في القرية، سمع مجموعة من الفلاحين يتحدثون عنه. قال أحدهم: "إنه عبء علينا. لا نحتاج أمثاله هنا". عندها، شعر سامر بأن قلبه اشتعل كما لم يشتعل من قبل.

عاد إلى الغابة، لكنه لم يشعل نيرانًا صغيرة هذه المرة. بدلًا من ذلك، جمع الحطب بكميات كبيرة، وأضرم نارًا ضخمة أضاءت السماء. قرر أن يجعلهم يشعرون بما شعر به طيلة حياته.

تسلل إلى أطراف القرية، حيث كانت البيوت مبنية من الخشب. أشعل أول منزل، ثم الثاني. سرعان ما استيقظ السكان على صوت النيران وهي تلتهم كل شيء. ركضوا مذعورين، يبحثون عن الماء لإخمادها، لكن النار كانت أسرع.

وسط الفوضى، وقف سامر على تل يطل على القرية. كان يراقب ألسنة اللهب وهي ترسم ظلالًا راقصة على وجوه من تجاهلوه. شعر بدفء غريب، لكنه لم يكن ذلك الدفء الذي كان يبحث عنه. همس لنفسه: "أنا الطفل الذي لم تحتضنه قريته، فأحرقها ليشعر بدفئها."

عندما انتهت النار، وأصبحت القرية رمادًا، اقترب منه شيخ القرية، وهو رجل حكيم كان يعرف سامر منذ طفولته. قال الشيخ: "أتعلم، يا سامر؟ النار التي أشعلتها في القرية هي نفس النار التي كانت تلتهمك من الداخل طوال هذه السنين. لكن ما لم تدركه، هو أن احتضانك لم يكن صعبًا كما كنت تظن. كنا بحاجة فقط أن تمد يدك."

انهمرت دموع سامر. أدرك أن انتقامه لم يملأ الفراغ في قلبه، بل زاده اتساعًا. منذ تلك اللحظة دأب يعيد بناء القرية مع سكانها، لبنة بعد لبنة. تعلموا أن يروا الإنسان الذي تجاهلوه، وتعلم هو أن يُظهر لهم الألم الذي كان يخفيه. تحول رماد القرية إلى أرض جديدة، ونبتت بين الأنقاض حياة مختلفة.

لم تعد القرية كما كانت، ولم يعد سامر ذلك الطفل الوحيد. لقد فهم الجميع أن احتضان من يحتاجون الدفء ليس ضعفًا، بل ضرورة، لأن النار التي لا تجد طريقها إلى القلوب، ستبحث دائمًا عن طريق آخر.



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- دائرة الزمن
- الفنان والواقع
- خمارة على ضفاف الراين
- التأقلم المهني
- السورية الألمانية مادلين هاردت
- في غرفة الرنين
- المجداف
- جامع جامعة دمشق
- ورشة شعر أدونيسية
- رحلة مع بيغاسوس
- نبض الحياة
- حلم أخضر
- حماة الوطن
- كيفما تكونوا يولى عليكم
- أرض جديدة
- بردى
- ممزّق بين امرأتين
- ماركس وإليانور: بين التنصل والفخر
- هذا كل ما كتبته منذ لحظة سقوط الوحش 5 والأخيرة.
- هذا كل ما كتبته منذ لحظة سقوط الوحش ـ4ـ


المزيد.....




- إبراهيم البيومي غانم: تجديد الفكر لتشريح أزمة التبعية الثقاف ...
- بوابة التعليم الفني.. موعد إعلان نتيجة الدبلومات الفنية 2025 ...
- البندقية وزفاف الملياردير: جيف بيزوس يتزوج لورين سانشيز في ح ...
- شاهد.. الفنانون الإيرانيون يعزفزن سمفونية النصر في ساحة الحر ...
- طلبة التوجيهي يؤدون امتحان -اللغة الإنجليزية-.. مروحة واسعة ...
- “برقم الجلوس والاسم فقط” Link الاستعلام عن نتيجة الدبلومات ا ...
- العراق يواجه خطر اندثار 500 لهجة محلية تعكس تنوعه الثقافي ال ...
- رحيل الفلسطيني محمد لافي.. غياب شاعر الرفض واكتمال -نقوش الو ...
- موعد نزال توبوريا ضد أوليفيرا في فنون القتال المختلطة -يو إف ...
- الليلة..الأدميرال شمخاني يكشف رواية جديدة عن ليلة العدوان ال ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - الطفل الذي لم تحتضنه قريته