أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - ممزّق بين امرأتين














المزيد.....

ممزّق بين امرأتين


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 8314 - 2025 / 4 / 16 - 18:16
المحور: الادب والفن
    


وقف "شاهر" في منتصف الغرفة، بكامل أناقته، كأنما يستعد لرحلة مصيرية لا رجعة فيها. ارتدى بذلته السوداء التي زادها لمعان الأزرار النحاسية بريقًا تحت ضوء الغرفة الخافت، وتوج إطلالته بقبعته السوداء التي أضفت عليه هيبة رجال الزمن الجميل، تخفي قليلًا من تجاعيد القلق التي حفرتها السنوات على جبينه. في يده، كانت الحقيبة السوداء، ممسكة به بقدر ما يمسك بها وكأنه على وشك الرحيل نحو المجهول. في عينيه، خلف نظارته الزرقاء، كانت تسكن حيرة أكبر من الغربة، وأثقل من الحنين.

ساد في الغرفة صمت يفيض بالذكريات، كأن الجدران تحتفظ بأنفاس الحب العالق فيها. على الطاولة الصغيرة، تراقصت زهور بيضاء في أصيص، شاهدةً على ليالٍ طويلة من الشعر والرسائل التي خطها بيديه. المقاعد الحمراء المزخرفة حول المائدة بدت وحيدة، كأنها تدرك أنه لن يعود ليجلس بجوارها بعد اليوم.
اليوم، عليه أن يحسم أمره.

منذ أن خرج من قريته السورية، فارقها بجسده فقط، أما روحه فبقيت هناك، بين بيوت الطين، وبين الحقول التي لطالما سار فيها صغيرًا، يحلم بالشعر والحب والثورة. ألمانيا منحته ملجأً، لكنها لم تمنحه وطنًا، بل صارت منفاه، سجنًا مترفًا تحاصره فيه أصوات الماضي وصدى القرى المنكوبة.

جلس على طرف الكرسي الأحمر القرمزي، حدّق إلى الطاولة أمامه حيث كان ذات يوم يضع كوب شايه ويكتب آخر قصائده. نظر إلى الزهور البيضاء، وشعر للحظة أن عطرها يحمل شيئًا من رائحة ياسمين أمه في القرية، لكنه سرعان ما أدرك أن رائحة الوطن لا تعوضها زهور مهجّنة.

ولكن... هل يعود؟ وإلى ماذا؟ إلى قرية أرهقتها الحرب؟ إلى بيت ربما صار أنقاضًا؟ إلى شوارع لم تعد تعرفه؟ أم يبقى هنا، حيث يتاح له كل شيء... إلا الوطن؟

أخرج قلمه من جيب سترته، وكتب على ورقة صغيرة وضعها على الطاولة:

"الغريب يظل غريبًا، ولو سكن القصور. والحنين لا يشيخ، ولو شاب الشعر وانحنى الظهر. سأرحل، أو سأبقى... لكنني في الحالتين، سأظل شاعرًا منفياً بين الأرضين."

أخذ نفساً عميقاً، ثم أخرج من جيب سترته رسالة، مطوية بعناية، كأنها وصية يجب أن تُترك خلفه. وضعها على الطاولة، تحت الزهر الأبيض، كأمانة أخيرة إلى من يحب. كان قد كتب فيها:

"حين أعود، إن عدتُ يوماً، سأجدكِ بانتظاري... وإن لم أعد، فاعلمي أنني تركتُ قلبي هنا، بين هذه الجدران، بين صفحات قصائدي، وفي همسات الأزهار التي زرعناها معاً."

أمسك بحقيبته بقوة، ألقى نظرة أخيرة على المكان، عيناه تودع أكثر مما تراقب، ثم أغمضهما واتخذ قراره... تاركًا خلفه عبق الشعر، ورائحة الذكريات.



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماركس وإليانور: بين التنصل والفخر
- هذا كل ما كتبته منذ لحظة سقوط الوحش 5 والأخيرة.
- هذا كل ما كتبته منذ لحظة سقوط الوحش ـ4ـ
- هذا كل ما كتبته منذ لحظة سقوط الوحش 3
- هذا كل ما كتبته منذ لحظة سقوط الوحش ـ2ـ
- هذا كل ما كتبته منذ لحظة سقوط الوحش ـ1ـ
- الطيور والنمل
- أطفال للبيع
- المبادرة التصويبية الثورية لمحاربة الجوع السوري
- حكاية الولد الذي بال على قبر العائلة
- الزمن العكسي
- المجداف والجولاني
- أعشاب جولانية لمعالجة البطالة المقنعة
- الرئيس الذي لم ير المسرح
- حكومة الذقون
- أدب بلا أسوار
- صرخة في البرية
- الحرية تمر عبر المعدة
- مع اقتراب رأس السنة
- أهمية التمويل الذاتي للجامعات


المزيد.....




- مدينة أهواز الإيرانية تحتضن مؤتمر اللغة العربية الـ5 + فيديو ...
- تكريمات عربية وحضور فلسطيني لافت في جوائز -أيام قرطاج السينم ...
- -الست- يوقظ الذاكرة ويشعل الجدل.. هل أنصف الفيلم أم كلثوم أم ...
- بعد 7 سنوات من اللجوء.. قبائل تتقاسم الأرض واللغة في شمال ال ...
- 4 نكهات للضحك.. أفضل الأفلام الكوميدية لعام 2025
- فيلم -القصص- المصري يفوز بالجائزة الذهبية لأيام قرطاج السينم ...
- مصطفى محمد غريب: هواجس معبأة بالأسى
- -أعيدوا النظر في تلك المقبرة-.. رحلة شعرية بين سراديب الموت ...
- 7 تشرين الثاني عيداً للمقام العراقي.. حسين الأعظمي: تراث بغد ...
- غزة التي لا تعرفونها.. مدينة الحضارة والثقافة وقصور المماليك ...


المزيد.....

- مراجعات (الحياة الساكنة المحتضرة في أعمال لورانس داريل: تساؤ ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - ممزّق بين امرأتين