أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - حكاية الولد الذي بال على قبر العائلة














المزيد.....

حكاية الولد الذي بال على قبر العائلة


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 8234 - 2025 / 1 / 26 - 12:02
المحور: الادب والفن
    


في قرية صغيرة معزولة عن العالم الخارجي، حيث يغطيها غبار الزمن، كانت هناك أسطورة قديمة تقول إن سلسلة ذهبية ضخمة دفنت في وسط القرية هي سر ازدهارها وسعادتها. أحاطها أهل القرية بإجلال لا يُضاهى. "هي بركتنا وحاميتنا"، كانوا يقولون، حتى أنهم بنوا حولها سورًا عاليًا لحمايتها، وأقاموا طقوسًا شهرية للاحتفال بها، وكتبوا القصائد في تمجيدها، وظلت السلسلة رمزًا للتقديس جيلاً بعد جيل.

كان "يوسف"، شاب فضولي من أبناء القرية، مختلفًا عن الآخرين، لم يكن يرى فيها سوى كتلة من المعدن. نشأ وهو يتساءل عن جدوى هذه السلسلة. كلما سأل الكبار عن السبب، قيل له:
"هذه السلسلة هي هبة الأجداد، وجودها فقط يمنحنا الأمن والرخاء."

لكن يوسف لاحظ أن القرية لم تكن مزدهرة كما يزعمون. كانت الطرقات مليئة بالغبار، والمنازل متهالكة، والجوع يطرق أبواب الناس دون رحمة.
"كيف تحمينا هذه السلسلة؟ لماذا نجوع ونخاف بينما نمتلك شيئًا يفترض أنه مقدس؟"

تجاهلوا أسئلته، بل ونظروا إليه كأنه خائن. لكنه لم يتوقف. قرر يوسف ذات يوم أن يتحقق من أمر هذه السلسلة بنفسه وأن يُريهم زيفها بأي وسيلة. كان يؤمن أن الحقيقة قد تكون مختلفة عن الأساطير. وبعد ليالٍ من التخطيط، تسلل إلى السور في منتصف الليل. حفر تحت السلسلة الذهبية، ليكتشف أنها لم تكن سوى سلسلة مغطاة بطبقة ذهبية زائفة، ومثبتة بصخرة لا قيمة لها.

عاد يوسف إلى أهل القرية في الصباح، وهو يحمل قطعًا من السلسلة بيديه. صاح:
"انظروا! هذه السلسلة التي تبجلونها ليست سوى خدعة! نحن من نصنع أقدارنا، لا أغلال موهومة!"

لكن بدلاً من الفرح بالحقيقة، أصيب أهل القرية بالغضب.
"كيف تجرؤ على إهانة إرثنا؟" صاح أحد الشيوخ.
"أنت تريد أن تسلبنا ما يجعلنا نشعر بالأمان!" أضافت امرأة.

حاول يوسف شرح فكرته:
"أنتم أقوياء بما يكفي لتحرير أنفسكم! لستم بحاجة لهذه الأكذوبة. يمكننا أن نبني حياة أفضل بجهدنا وعقلنا!"

لكنهم رفضوا الاستماع. قيدوه بالسلاسل نفسها التي كشف زيفها، ووضعوه في السجن كعبرة لكل من يجرؤ على التشكيك في الأسطورة.

مرت سنوات، والقرية بقيت كما هي، تعاني من الفقر والخوف، بينما يوسف ظل في سجنه. لكنه لم يفقد الأمل. كان يكتب مذكراته ويزرع في كل من يزوره بذرة الشك.

وفي يوم من الأيام، قرر أحد الأطفال الذين سمعوا قصص يوسف أن يتسلق السور مع بعض أطفال القرية ويزيل بقايا السلسلة.

وقف الطفل أمام الناس وقال:
"هذه السلسلة لا قيمة لها، وليست أكثر من وهم. إذا كنتم لا تصدقون، فانظروا!"

في تلك اللحظة، اقترب طفل صغير يُدعى "سالم" من السلسلة، وبدون تفكير أو خوف، تبوّل عليها. صمت الجميع في رعب. كانوا يتوقعون أن تحدث كارثة، أن تضربهم لعنة أو ينقلب عليهم غضب الآلهة. لكن... لم يحدث شيء. لا برق، لا رعد، لا لعنة.

كان المشهد صادمًا. طفل صغير تجرأ على فعل ما لم يستطع الكبار حتى تخيله. بدأ بعض الحاضرين يتهامسون:
"هل يعقل أن تكون السلسلة بلا قوة؟"
"هل خدعنا أنفسنا طوال هذه السنين؟"

لكن الكبار الذين كانوا أكثر تعلقًا بالأسطورة هبّوا غاضبين. "هذا الطفل جلب العار علينا!" صاح أحد الشيوخ، وسحب السلسلة لتنظيفها كما لو أنها جرح أصاب كبرياءهم. لكن في أعماقهم، بدأت بذور الشك تنمو.

أما يوسف، في سجنه اللعين، فقد شعر أن هذه اللحظة كانت أكثر مما تمنى. لم يكن بحاجة إلى كسر السلسلة أو تدميرها. تبوّل طفل صغير عليها، وأثبت أنها لم تكن سوى كتلة من المعدن، لا أكثر ولا أقل.

وفي الأيام التالية، بدأ الناس يواجهون الحقيقة. ببطء، توقفوا عن إقامة الاحتفالات، وعن تقديم القرابين. السلسلة بقيت في مكانها، لكن لم يعد أحد يقدسها. صاروا يرونها رمزًا لجهلهم القديم، وبدأوا ببناء حياتهم من جديد، تحرروا من خوفهم، من سذاجتهم، ومن أغلال الوهم التي قيدوا أنفسهم بها لأكثر من خمسين عامًا.



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الزمن العكسي
- المجداف والجولاني
- أعشاب جولانية لمعالجة البطالة المقنعة
- الرئيس الذي لم ير المسرح
- حكومة الذقون
- أدب بلا أسوار
- صرخة في البرية
- الحرية تمر عبر المعدة
- مع اقتراب رأس السنة
- أهمية التمويل الذاتي للجامعات
- إلى تلك التي لم ألتقِها بعد
- الأستاذ الجامعي في زمن الذكاء الاصطناعي
- الكاتب والذائقة الأدبية في زمن الذكاء الاصطناعي
- مستقبل القصة القصيرة في زمن الذكاء الاصطناعي
- هل الأديب سياسي؟
- فريق الجيل الجديد
- ذيل السنونو
- العمل -أربعة- في ألمانيا
- حين ينفقع بالون البروفيسور من الضجر 8 والأخيرة
- حين ينفقع بالون البروفيسور من الضجر 7


المزيد.....




- في فيلم -عبر الجدران-.. الفقراء الذين لا يستحقون الستر
- -غرق السلمون- للسورية واحة الراهب عبرة روائية لبناء الوطن
- وفاة الفنان المصري لطفي لبيب عن عمر 77 عاما
- لجنة الشهداء ترفض قائمة السفراء: أسماء بعثية ومحسوبية تهدد ن ...
- رحيل الممثل المصري لطفي لبيب عن عمر ناهز 78 عاما
- تحوّلات مذهلة لفنان حيّرت مستخدمي الإنترنت.. وCNN تكشف ما ور ...
- مدير مهرجان أفينيون يشرح أسباب اختيار اللغة العربية كضيفة شر ...
- عنوان: مهرجان أفينيون يحتفي باللغة العربية بالشعر والرقص
- اكتشاف بصمة يد تعود إلى 4 آلاف عام على قطعة جنائزية مصرية
- -عائلة فوكر تتوسع-.. الإعلان عن موعد عرض الجزء الرابع من فيل ...


المزيد.....

- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - حكاية الولد الذي بال على قبر العائلة