أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - خمارة على ضفاف الراين














المزيد.....

خمارة على ضفاف الراين


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 8378 - 2025 / 6 / 19 - 02:52
المحور: الادب والفن
    


في حي مزدحم على ضفاف نهر الراين في ألمانيا، وقف كريم، رجل في منتصف الأربعينيات، خلف طاولة خشبية قديمة يراقب زبائنه بعينين تحملان ذكريات بعيدة. لم يكن يتخيل يومًا أن يصبح صاحب واحدة من أشهر الحانات في المدينة. قبل ثلاثين عامًا، وصل إلى هذا البلد قادمًا من قرية صغيرة في شمال سوريا، حاملاً حقيبة مليئة بالأحلام وعزيمة لا تلين.

لم تكن البداية سهلة. بدأ كريم حياته الجديدة عاملاً في مطاعم ومصانع، يجمع المال بصبر وأمل حتى تمكن من فتح مشروعه الخاص. لم يكن ينوي أن يفتتح حانة، لكن الظروف فرضت عليه البحث عن طرق غير تقليدية للنجاح. وهكذا وُلدت "أمواج"، المكان الذي لم يكن مجرد حانة بل مساحة تجمع بين الثقافات.

كانت "أمواج" مميزة بطابعها الفريد؛ إلى جانب المشروبات، كان كريم يقدم أطباقًا عربية تقليدية ويروي لزبائنه قصصًا عن حياته ومغامراته في وطنه الأم. سرعان ما أصبح المكان ملتقى للناس من مختلف الخلفيات، حيث تجمع الألمان والعرب والأتراك والمهاجرون الآخرون تحت سقف واحد، يتبادلون الأحاديث والأفكار.

لكن النجاح لم يكن خاليًا من التحديات. في داخله، كان كريم يعيش صراعًا أخلاقيًا؛ كيف لرجل مسلم أن يتصالح مع فكرة بيع الخمر؟ كان يردد لنفسه: "أنا لا أفرض شيئًا على أحد، وكل إنسان مسؤول عن اختياراته." ورغم الانتقادات التي تلقاها من بعض أبناء الجالية المسلمة، بقي متمسكًا بمشروعه، مؤمنًا بأنه يقدم أكثر من مجرد مشروبات.

في إحدى الليالي، جلس وحيدًا بعد إغلاق الحانة، ينظر إلى صورة والدته المعلقة على الجدار. تذكر كلماتها: "يا بني، مهما فعلت، لا تنسَ أن تبقى كريم الأخلاق." ابتسم لنفسه وهمس: "ربما هذا هو الأهم."

مع مرور الأيام، تحولت "أمواج" إلى أكثر من مجرد حانة؛ أصبحت مركزًا ثقافيًا، حيث خصص كريم ركنًا للكتب بعدة لغات، ونظم أمسيات شعرية وموسيقية تربط بين التراث العربي والألماني. في خضم نجاحه، زارته صحفية شابة تبحث عن قصص مميزة للمهاجرين. تحدثا طويلًا، وبعد أسبوع، نشرت مقالاً بعنوان: "مسلم يصنع السلام في حانة على ضفاف الراين."

أثارت المقالة ضجة إيجابية، وازداد عدد زبائنه. وبينما كان الحي يفخر بمكانه، التقى كريم بماريا، مديرة مكتبة ذات شخصية قوية وابتسامة مشرقة. جمعت بينهما الصدف والأحاديث الطويلة عن الحياة، وسرعان ما تحول تعارفهما إلى حب عميق. وبعد عام، تزوجا في احتفال بسيط جمع أصدقائهما وزبائنهما.

مع نجاحه، بدأ كريم يلاحظ تغيرًا في سلوك بعض الزبائن. كان بعضهم يبحث عن وسائل ترفيه إضافية، مما دفعه إلى اتخاذ قرار صعب: إضافة ماكينات حظ إلى الحانة. لم يكن القرار سهلاً، خاصة أنه كان يعلم أن القمار قد يُنظر إليه بنفس الانتقادات التي تلقاها سابقًا بسبب بيع الخمر، لكنه أقنع نفسه بأنها مجرد خيار لمن يرغب. في البداية، بدت إضافة غير مألوفة، لكن سرعان ما جذبت نوعًا جديدًا من الزبائن، وازدادت الأرباح بشكل ملحوظ.

لكن مع الأرباح، ظهرت تحديات جديدة. ذات ليلة، رأى رجلًا ينفق كل ما لديه على إحدى الماكينات. سأله كريم بلطف: "هل أنت بخير؟" فرد الرجل بابتسامة متعبة: "أعتقد أنني بالغت قليلاً." كان لهذا الموقف أثر عميق في نفسه. بدأ يتساءل: هل أصبح المكان الذي بناه لتحقيق التواصل الثقافي مجرد وسيلة للربح؟

حاول التبرع بجزء من أرباح الماكينات لجمعية محلية تدعم المهاجرين، لكنه فوجئ برفضهم. قال له أحد ممثلي الجمعية: "نقدّر نيتك، لكننا لا نستطيع قبول المال القادم من القمار، ونحن ملتزمون بمبادئنا، لا يمكننا مساعدة الناس بأموال قد تسبب الضرر لآخرين." كانت تلك لحظة صادمة لكريم، إذ أدرك أن المال الذي يجنيه قد لا يكون نظيفًا كما أقنع نفسه.

عندما قرر إزالة ماكينات الحظ بسبب الضغوط الأخلاقية التي شعر بها، كانت ماريا أول من اعترضت. قالت له بحزم: "كريم، لا يمكنك أن تترك مشاعرك تقود قراراتك دائمًا. الماكينات ليست شريرة، الناس يقررون كيف يستخدمونها." لكن كريم رد عليها: "المال الذي يأتي منها يشعرني بالذنب، حتى التبرع به لم يكن مقبولًا."

حاولت ماريا أن تقدم له منظورًا مختلفًا: "إذا لم يقبلوا التبرع، استخدمه لتحسين الحانة، لدعم النشاطات الثقافية، أو لمساعدة الناس مباشرة." بدأ كريم يقتنع بكلامها، وبدلًا من التخلص من الماكينات، وضع قواعد جديدة: تحديد سقف للعب، واستخدام جزء من الأرباح في تمويل مشاريع اجتماعية، مثل دعم مكتبة الأطفال التي تديرها ماريا.

ذات مساء بارد، جلسا معًا في زاويتهما المفضلة قرب مستوقد النار في "أمواج"، نظرت إليه ماريا قائلة: "انظر إلى ما صنعناه معًا. هذه الحانة ليست مجرد مكان للعمل، إنها بيتنا وبيت لكل من يدخل هنا."

ابتسم كريم وقال: "ربما كنت بحاجة إليك منذ البداية. أعطيتني القوة لأرى الأمور من زاوية جديدة."

في النهاية، أدرك كريم أن النجاح لا يُقاس فقط بالأرباح، بل بالتوازن بين الطموح والقيم. ورغم كل التحديات، ظل مؤمنًا بأن الحياة سلسلة من الدروس التي تدفعنا لنكون أفضل.



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التأقلم المهني
- السورية الألمانية مادلين هاردت
- في غرفة الرنين
- المجداف
- جامع جامعة دمشق
- ورشة شعر أدونيسية
- رحلة مع بيغاسوس
- نبض الحياة
- حلم أخضر
- حماة الوطن
- كيفما تكونوا يولى عليكم
- أرض جديدة
- بردى
- ممزّق بين امرأتين
- ماركس وإليانور: بين التنصل والفخر
- هذا كل ما كتبته منذ لحظة سقوط الوحش 5 والأخيرة.
- هذا كل ما كتبته منذ لحظة سقوط الوحش ـ4ـ
- هذا كل ما كتبته منذ لحظة سقوط الوحش 3
- هذا كل ما كتبته منذ لحظة سقوط الوحش ـ2ـ
- هذا كل ما كتبته منذ لحظة سقوط الوحش ـ1ـ


المزيد.....




- -فيلة صغيرة في بيت كبير- لنور أبو فرّاج: تصنيف خادع لنص جميل ...
- باللغة الفارسية.. شيخ الأزهر يدين استمرار الغارات الإسرائيلي ...
- “اخر كـلام “موعد عرض مسلسل المؤسس عثمان 195 الموسم السابع في ...
- فيلم -المخطط الفينيقي-.. كم تدفع لتصبح غنيا؟
- حرارة الأحداث.. حين يصبح الصيف بطلا صامتا في الأفلام
- -بردة النبي- رحلة كتاب روائي في عقل إيران الثورة
- تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك 2025 بتحديثه الجديد على النايل ...
- قصة الرجل الذي بث الحياة في أوليفر تويست وديفيد كوبرفيلد
- وزيرة الثقافة الروسية: زاخار بريليبين مرشح لإدارة مسرح الدرا ...
- “وأخيرا بعد طول انتظار” موعد عرض مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 1 ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - خمارة على ضفاف الراين