أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - الفنان والواقع














المزيد.....

الفنان والواقع


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 8381 - 2025 / 6 / 22 - 14:04
المحور: الادب والفن
    


في مدينة الرماد، حيث تتداخل الألوان الباهتة للأفق مع عيون الناس المتعبة، عاش فنان يُدعى "نادر". لم يكن مجرد رسّام؛ كان رجلًا يؤمن بأن الفن هو الهواء الذي يتنفسه، والنبض الذي يبقيه على قيد الحياة. لكنه أيضًا كان فقيرًا. ليس فقر المظاهر، بل الفقر الذي يتسلل إلى الروح، ويُثقل الكاهل بواقع لا يُطاق.

كان يقضي أيامه في مرسم بالكاد تتسع جدرانه لخيالاته، وأمسياته في مقهى يملكه صديقه "عماد"، حيث يملأ أذنيه بشكاوى الزبائن وأحاديثهم الفارغة عن السياسة والأسعار. أما عائلته، فقد كانت تعيش في شقة صغيرة بإحدى زوايا المدينة، بالكاد تؤمن احتياجاتها اليومية.

ذات يوم، بينما كان منهمكًا في رسم لوحة جديدة، اقتحم عليه صديقه عماد المرسم. كان وجهه مشدودًا، كما لو كان يحمل خبرًا ثقيلًا. "نادر، متى ستكف عن هذا الهراء؟" قالها بحدة لم يعتدها منه.

رفع نادر رأسه ببطء، وعيناه تحملان دهشة أكثر من الغضب.

"أي هراء تقصد؟" رد بهدوء يكاد يخفي اهتزاز صوته.

"الرسم! هذا الهوس الذي جعل عائلتك تتضور جوعًا بينما تجلس هنا تغازل الفراغ."

صمت نادر للحظة، ثم نهض واقفًا.

"الفن ليس فراغًا يا عماد. إنه الحياة ذاتها."

"لكن الحياة ليست فنًا فقط، يا نادر. الحياة أيضًا طعام على المائدة، ودفء في الشتاء، وكرامة لعائلتك."

في تلك الليلة، بعد أن غادر عماد، جلس نادر وحيدًا في مرسمه. كان كلام صديقه يرن في أذنيه كإيقاع طبول حرب داخلية. هل كان أنانيًا؟ هل كان عبئًا على عائلته؟ لكنه في الوقت نفسه شعر بأن التخلّي عن الرسم يعني التخلّي عن ذاته.

في الأيام التالية، بدأ يخرج من مرسمه باكرًا ليبحث عن عمل. عمل في متجر بقالة، ثم في مصنع، وأخيرًا في مكتبة. كانت الأعمال تستهلك جسده، لكن عقله ظل شاردًا في لوحاته. كان يرسم على الورق البني الذي يغلف البضائع، وفي أوقات الاستراحة، يرسم على ظهر الإيصالات التي تسقط على الأرض.

بمرور الوقت، بدأ يلاحظ شيئًا غريبًا. العملاء الذين يدخلون المكتبة كانوا يتوقفون أحيانًا ليتأملوا رسوماته المعلقة بجانب المكتب. لم تكن تلك الرسومات مجرد محاولات عابثة؛ كانت انعكاسًا لصراعه الداخلي، مزيجًا من الأمل واليأس.

أحد الأيام، اقتربت منه سيدة أنيقة تحمل كتابًا بيدها. نظرت إلى إحدى رسوماته وسألته: "من رسم هذه؟"

أجاب نادر مترددًا: "أنا."

ابتسمت وقالت: "لدي معرض فني قريب. أود أن أعرض هذه اللوحات فيه."

تردّد نادر. كان جزء منه يخشى العودة إلى حلمه القديم، لكن الجزء الآخر، الجزء الذي ظل حيًا رغم كل شيء، وافق.

بعد أشهر، أقيم المعرض، وحققت لوحات نادر نجاحًا كبيرًا. لم يصبح غنيًا، لكنه استطاع أخيرًا إعالة عائلته بكرامة. الأهم من ذلك، أنه أدرك درسًا مهمًا: أن الفن لا يتعارض مع الواقع، بل يمكنه أن يكون جزءًا منه. وأن الإبداع، مهما كان ساميًا، يحتاج إلى أرضية صلبة يقف عليها.

لم يتخلّ نادر عن الرسم مرة أخرى، لكنه أيضًا لم ينسَ أبدًا أن الحياة ليست لوحة، بل إطار يحيط بها، ويمنحها معنى.



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- خمارة على ضفاف الراين
- التأقلم المهني
- السورية الألمانية مادلين هاردت
- في غرفة الرنين
- المجداف
- جامع جامعة دمشق
- ورشة شعر أدونيسية
- رحلة مع بيغاسوس
- نبض الحياة
- حلم أخضر
- حماة الوطن
- كيفما تكونوا يولى عليكم
- أرض جديدة
- بردى
- ممزّق بين امرأتين
- ماركس وإليانور: بين التنصل والفخر
- هذا كل ما كتبته منذ لحظة سقوط الوحش 5 والأخيرة.
- هذا كل ما كتبته منذ لحظة سقوط الوحش ـ4ـ
- هذا كل ما كتبته منذ لحظة سقوط الوحش 3
- هذا كل ما كتبته منذ لحظة سقوط الوحش ـ2ـ


المزيد.....




- -الزمن المفقود-.. الموجة الإنسانية في أدب التنين الصيني
- عبور الجغرافيا وتحولات الهوية.. علماء حديث حملوا صنعاء وازده ...
- -بين اللعب والذاكرة- في معرض تشكيلي بالصويرة المغربية
- مفاجأة علمية.. الببغاوات لا تقلدنا فقط بل تنتج اللغة مثلنا
- بيت المدى يستذكر -راهب المسرح- منذر حلمي
- وزير خارجية إيران: من الواضح أن الرئيس الأمريكي هو من يقود ه ...
- غزة تودع الفنان والناشط محمود خميس شراب بعدما رسم البسمة وسط ...
- شاهد.. بطل في الفنون القتالية المختلطة يتدرب في فرن لأكثر من ...
- فيلم -ريستارت-.. رؤية طبقية عن الهلع من الفقراء
- حين يتحول التاريخ إلى دراما قومية.. كيف تصور السينما الصراع ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - الفنان والواقع