علي دريوسي
الحوار المتمدن-العدد: 8384 - 2025 / 6 / 25 - 14:06
المحور:
الادب والفن
في ليلة شتوية باردة، جلس الجد حكيم أمام المدفأة، يحدق في ألسنة اللهب المتراقصة. كان حفيده ياسين، فتى في السادسة عشرة من عمره، يجلس بجواره، يملأه القلق من الأخبار التي تتحدث عن الحروب والأزمات العالمية.
قال ياسين وهو يعقد حاجبيه: "جدي، أليس هذا أسوأ زمن مرّ على البشرية؟ الحروب في كل مكان، الأوبئة تفتك بالناس، والسياسة مليئة بالخداع. أشعر أننا نعيش في عصر الخراب."
ابتسم الجد بحكمة وهز رأسه، ثم ألقى نظرة على كتاب قديم بجواره. فتحه بحذر وأشار إلى إحدى الصفحات قائلاً: "هذا كتاب يعود إلى القرن الرابع عشر، كُتب فيه أن الطاعون الأسود أهلك نصف سكان أوروبا، وأن الناس اعتقدوا حينها أن نهاية العالم قد اقتربت."
قلب الصفحة وأكمل: "وهنا، في القرن الثامن عشر، كتب رجل عن الحروب النابليونية التي دمرت مدناً وشعوباً بأكملها، وأقسم أن زمانه هو الأكثر ظلامًا."
ثم أشار إلى صفحة أخرى وقال: "وهذا نص يعود للحرب العالمية الثانية، حيث ظن الناس أنهم يعيشون في أسوأ العصور، مع الدمار والدماء في كل مكان."
نظر إليه ياسين بدهشة وقال: "إذًا... كل جيل يعتقد أن زمنه هو الأسوأ!"
ضحك الجد بحنان وقال: "نعم، يا بني. البشر دائماً يرون مصائبهم أعظم من مصائب الماضي، لكن التاريخ سلسلة متصلة من الاضطرابات والأزمات. الفرق الوحيد أن كل جيل يعايش مأساته عن قرب، بينما يرى مآسي الماضي كحكايات في كتب التاريخ."
صمت ياسين للحظة، ثم قال: "ولكن هل هناك أمل؟ أم أن العالم سيظل يدور في هذه الدائرة إلى الأبد؟"
وضع الجد يده على كتف حفيده وقال: "الأمل يكمن في أن البشر رغم كل هذه المآسي، يستمرون في البناء والتقدم. نحن هنا اليوم لأن من سبقونا لم يستسلموا. والتاريخ ليس فقط سلسلة من الكوارث، بل أيضًا سلسلة من الانتصارات على الظلام."
نظر ياسين إلى المدفأة المشتعلة، وكأنه يرى فيها انعكاسًا للماضي والمستقبل، ثم تنهد بارتياح، وقد شعر للمرة الأولى أن الحاضر ليس إلا جزءًا من قصة أكبر، وأن الأمل دائمًا موجود لمن يبحث عنه.
#علي_دريوسي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟