أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - التوازن














المزيد.....

التوازن


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 8404 - 2025 / 7 / 15 - 14:01
المحور: الادب والفن
    


في مدينة مزدحمة، حيث تتدفق الحياة الإلكترونية من كل زاوية، عاش فؤاد، شاب في أواخر العشرينيات، يعمل مبرمجًا. كان يومه يبدأ وينتهي خلف شاشة الحاسوب، يراقب الأكواد تتحول إلى تطبيقات يستخدمها الملايين، لكنه كان يشعر أن شيئًا ما ينقصه، وكأن حياته تفتقد إلى اللون والروح.

مع كل إشعار يصل إلى هاتفه، ومع كل ساعة إضافية يقضيها على الإنترنت، كان يشعر بالوحدة تلتف حوله كظل ثقيل. لم يكن هناك شيء يحرّك شغفه، أو يخرجه من دائرة العمل والروتين القاتل. كان يمضي أيامه متأملاً، متسائلًا: "هل هذه هي الحياة التي أريدها؟".

ذات مساء، وبينما كان يتجول بلا هدف في حديقة قريبة، لاحظ مجموعة من الأشخاص يجلسون في دائرة حول رجل يعزف على عود قديم. كان العزف عفويًا، والضحكات تنساب بينهم كأنها نسيم عليل. توقف فؤاد للحظات يتأمل المشهد. فجأة، اقترب منه رجل مسن بابتسامة ودودة وسأله:
"هل تحب الموسيقى؟"

أجابه فؤاد بخجل: "لا أعرف. لم أجرب أن أعزف أو أتعلم شيئًا."

ابتسم الرجل وقال: "هذا أول خيط. إذا لم تجرب، لن تعرف. تعال وانضم إلينا، لن تخسر شيئًا."

"لا تحتاج الحياة إلى الكثير من التغيير لنجعلها أفضل، فقد تكفي لحظة واحدة، أو أغنية واحدة، لإعادة إشعال الأمل وتحقيق الحلم".

بدأ فؤاد بحضور جلسات العزف هذه كل أسبوع. في البداية، كان يشعر بالخجل، لكنه مع الوقت قرر أن يجرب العزف على العود. اشترى واحدًا بسيطًا، وبدأ يتعلم الأساسيات من الفيديوهات التعليمية على الإنترنت، وسرعان ما اكتشف أن قلبه ينبض بحماس لم يشعر به منذ سنوات.

لم تكن الموسيقى مجرد نغمات؛ كانت بوابة إلى عوالم جديدة. مع كل وتر يعزفه، كان يشعر أن روحه تتنفس. وجد في المجموعة الصغيرة من العازفين والأصدقاء ملاذًا من ضجيج العالم الرقمي. كانت الأحاديث تدور حول الألحان، والذكريات، وحتى الأحلام المؤجلة.

مع مرور الشهور، أصبح فؤاد أكثر توازنًا وسعادة. لم تعد شاشة الحاسوب تطارده كالسجن. بدلاً من ذلك، كان ينتظر نهاية يومه ليعود إلى عوده ومجموعته الموسيقية. أدرك أن الهواية ليست مجرد وقت فراغ، بل هي دواء للنفس، تُصلح ما يكسره الروتين اليومي.

علمته هذه التجربة أن الحياة ليست عملًا متواصلًا أو انغماسًا في الإنترنت، بل هي لحظات صغيرة من السعادة نصنعها بأنفسنا. الهواية، مهما كانت بسيطة، تعيد للنفس حيويتها، وتجعل الإنسان أقرب إلى ذاته، وإلى الآخرين.

اليوم، يجلس فؤاد مع فرقته الصغيرة في الحديقة ذاتها. يعزفون ألحانًا تعلموها بشغف، وأخرى صنعوها معًا. وبينما ينظر إلى الماضي، يبتسم بفخر. لقد وجد شغفه، وهوايته، ووجد نفسه. أدرك أن الهواية ليست ترفًا، بل حاجة أساسية، مثل الهواء الذي نتنفسه. لا شيء يرهق النفس كغياب الهواية والأصدقاء.



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرجل الذي أخضع الكبرياء
- حديقة التفاهم
- الرواية الأولى
- الطفل الذي لم تحتضنه قريته
- دائرة الزمن
- الفنان والواقع
- خمارة على ضفاف الراين
- التأقلم المهني
- السورية الألمانية مادلين هاردت
- في غرفة الرنين
- المجداف
- جامع جامعة دمشق
- ورشة شعر أدونيسية
- رحلة مع بيغاسوس
- نبض الحياة
- حلم أخضر
- حماة الوطن
- كيفما تكونوا يولى عليكم
- أرض جديدة
- بردى


المزيد.....




- فيلم جديد يكشف ماذا فعل معمر القذافي بجثة وزير خارجيته المعا ...
- روبيو: المفاوضات مع الممثلين الأوكرانيين في فلوريدا مثمرة
- احتفاء مغربي بالسينما المصرية في مهرجان مراكش
- مسرحية -الجدار- تحصد جائزة -التانيت الفضي- وأفضل سينوغرافيا ...
- الموت يغيب الفنان قاسم إسماعيل بعد صراع مع المرض
- أمين معلوف إثر فوزه بجائزة أدبية في المكسيك: نعيش في أكثر عص ...
- الدرعية تحتضن الرواية: مهرجان أدبي يعيد كتابة المكان والهوية ...
- أمين معلوف إثر فوزه بجائزة أدبية في المكسيك: نعيش في أكثر عص ...
- يهود ألمانيا يطالبون باسترداد ممتلكاتهم الفنية المنهوبة إبان ...
- هل تقضي خطة ترامب لتطوير جزيرة ألكاتراز على تقاليد سكانها ال ...


المزيد.....

- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - التوازن