أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - الرجل الذي أخضع الكبرياء














المزيد.....

الرجل الذي أخضع الكبرياء


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 8400 - 2025 / 7 / 11 - 13:42
المحور: الادب والفن
    


كان "سالم" شابًا بسيطًا نشأ في قرية صغيرة بين أحضان عائلة متواضعة، لم تحالفه الظروف لمواصلة تعليمه. والده كان عاملًا يوميًا بالكاد يؤمن قوت يومهم، وأمه لا تعرف القراءة أو الكتابة، مما جعل المدرسة رفاهية لا مكان لها في حياة سالم. عندما بلغ السادسة عشرة، ترك الدراسة ليعمل في ورشة نجارة تساعده على إعالة أسرته. لكنه لطالما شعر بشيء عميق ينغرز في روحه، شيء يشبه الحقد على من حظوا بفرص التعليم والشهادات العليا، وكأنهم وُلدوا في عالم آخر، مختلف عن عالمه القاسي والمحدود.

مع مرور الوقت، اختار سالم الهرب من واقعه، بحثًا عن فرصة في بلاد الغرب. هاجر إلى ألمانيا، وحيدًا، دون خطط واضحة، فقط رغبة ملحة في تغيير مسار حياته. لم تكن الحياة في الغربة سهلة، بل مليئة بالتحديات والصعوبات. تنقل سالم بين مهن عدة: عامل نظافة، بناء، بائع في الأسواق، وأخيرًا استقر في مهنة المطاعم. عمله الشاق وشجاعته في مواجهة الحياة جعلاه يقترب شيئًا فشيئًا من تحقيق بعض الاستقرار المادي، لكن الشعور بالنقص ظل يطارده.

مرت السنوات وأصبح سالم في منتصف الثلاثينيات، لا يحمل سوى مهاراته البسيطة وعزيمته الحديدية. في أحد لقاءاته مع الجالية، تعرف على "مريم"، امرأة عربية متعلمة تنتمي لعائلة عريقة، لكنها كانت قد تجاوزت الثلاثين من عمرها، وبدأت تواجه ضغوط العائلة والمجتمع للزواج. كانت مريم قوية الشخصية، تحمل الكبرياء الذي ورثته من والدها المتوفى، لكن خيبة الأمل في إيجاد شريك مناسب جعلتها تقبل بسالم الذي بدا مختلفًا. كان مهاجرًا في أوروبا، وهو ما اعتبرته مؤشرًا على نجاح محتمل في حياته.

رغم تردد عائلتها، وافقت على الزواج، ظنًا أن سالم قد يكون الزوج المناسب مادام يوفر استقرارًا ماديًا. كانت المفاجأة صادمة منذ الأيام الأولى؛ اكتشفت مريم أن سالم يحمل في داخله روحًا جموحًا لا تعرف التفاهم، وحقدًا دفينًا تجاه عالمها الأكاديمي. كان يرى في شهاداتها الجامعية وتاريخ عائلتها المتعلم تهديدًا مستترًا لنفوذه، وكأنها رمز لضعفه القديم.

بدأ سالم يفكر منذ الأيام الأولى للزواج في كيفية إحضار عائلتها إلى ألمانيا. ربما أراد أن يثبت أنه رجل عظيم قادر على تحقيق أحلام الجميع. وبفضل جهوده المضنية، نجح في لم شمل العائلة بأكملها: والدتها، أختها وأبناؤها، وأخواتها الأخريات. وصل الجميع إلى "الجنة الموعودة"، لكنهم لم يدركوا حينها أن حياة اللجوء في الغرب ليست سهلة كما تصوروا.

بدأت المشاكل تتفاقم. عاش الجميع على مساعدات الحكومة لفترة طويلة، لكن سالم، رغم حقده الداخلي، استطاع أن يتحكم في الجميع. بدأ بفرض نفوذه على العائلة، مستغلًا حاجتهم واعتمادهم عليه.

مرت السنوات، ومع تراكم الضغوطات، تنازل الأطباء والمهندسون في العائلة عن كبريائهم للعمل تحت إمرة سالم في مطعمه الصغير. أصبح سالم الزعيم المتحكم في مصيرهم، يفرض قراراته عليهم ويحدد ملامح حياتهم. رغم تضحياتهم، لم يكن سالم يرى فيهم سوى أدوات لتحقيق تفوقه النفسي. كان يقول لنفسه بصوت خافت: "لقد أخضعت عائلة بأكملها، أنا الذي لم أدخل المدرسة أبدًا".

عندما أنهى بناء بيته الكبير في إحدى ضواحي المدينة، كتب على بابه:
"أنا الذي لم أدخل المدرسة في حياتي أنهيت عائلة متعلمة بأكملها."

لم يكن أحد يدرك أن وراء هذا العبارة الكثير من الألم والتناقض.

في المطعم، كانت لسالم حياة أخرى. عمله جعله يحتك بالكثير من الناس، لكنه كان يحتفظ لنفسه بسرٍ غامض. رغم زواجه، كان غالبًا ما تلاحق عيونه الرجال، وتثيره تفاصيلهم. كان يحمل في داخله صراعًا بين ما يتوقعه منه مجتمعه وما يختلج في أعماقه. لم يجرؤ يومًا على مواجهة نفسه أو الحديث عن هذا الجانب، لكنه كان هناك، يحكم تصرفاته ويدفعه لاتخاذ قرارات غريبة أحيانًا.

مرت السنوات، وكبر أبناء العائلة في كنف سالم. بعضهم استطاع أن يشق طريقه ويستعيد كبرياءه، والبعض الآخر بقي تحت سيطرته. أما مريم، فقد تحولت إلى امرأة صامتة، ترى في زوجها رجلًا يملأه التناقض. ظلت تحاول أن تفهمه، أن تعرف دوافعه الحقيقية، لكن سالم بقي دائمًا لغزًا يصعب حله.

في يومٍ ما، جلس سالم أمام بيته الكبير، ينظر إلى العبارة التي كتبها يومًا بفخر. شعر بشيء من الفراغ يلتهمه. كان قد أخضع الجميع، لكنه لم يستطع أبدًا أن يخضع نفسه.



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حديقة التفاهم
- الرواية الأولى
- الطفل الذي لم تحتضنه قريته
- دائرة الزمن
- الفنان والواقع
- خمارة على ضفاف الراين
- التأقلم المهني
- السورية الألمانية مادلين هاردت
- في غرفة الرنين
- المجداف
- جامع جامعة دمشق
- ورشة شعر أدونيسية
- رحلة مع بيغاسوس
- نبض الحياة
- حلم أخضر
- حماة الوطن
- كيفما تكونوا يولى عليكم
- أرض جديدة
- بردى
- ممزّق بين امرأتين


المزيد.....




- الكشف رسميًا عن سبب وفاة الممثل جوليان مكماهون
- أفريقيا تُعزّز حضورها في قائمة التراث العالمي بموقعين جديدين ...
- 75 مجلدا من يافا إلى عمان.. إعادة نشر أرشيف -جريدة فلسطين- ا ...
- قوى الرعب لجوليا كريستيفا.. الأدب السردي على أريكة التحليل ا ...
- نتنياهو يتوقع صفقة قريبة لوقف الحرب في غزة وسط ضغوط في الائت ...
- بعد زلة لسانه حول اللغة الرسمية.. ليبيريا ترد على ترامب: ما ...
- الروائية السودانية ليلى أبو العلا تفوز بجائزة -بن بينتر- الب ...
- مليون مبروك على النجاح .. اعتماد نتيجة الدبلومات الفنية 2025 ...
- الإعلام الإسباني يرفض الرواية الإسرائيلية ويكشف جرائم الاحتل ...
- صدور نتيجة الدبلومات الفنية برقم الجلوس 2025 تجاري وصناعي وز ...


المزيد.....

- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - الرجل الذي أخضع الكبرياء