أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - شريط ذكريات مفقود














المزيد.....

شريط ذكريات مفقود


علي دريوسي

الحوار المتمدن-العدد: 8410 - 2025 / 7 / 21 - 14:02
المحور: الادب والفن
    


ذات مساء هادئ من أيام الشتاء الباردة ، بينما كان أحمد جالساً أمام حاسوبه يحتسي كوبًا من القهوة الساخنة ويتصفح الفيسبوك بلا هدف محدد، يراقب الصور والمنشورات التي تزدحم على شاشته، قرأ منشوراً طويلاً لشخص اسمه نور يدور حول ذكرياته وتأملاته لأحداث الأيام العشرة التي أطاحت بالنظام الخائن في بلده.

مرحبًا أحمد! هل تتذكرني؟ "لقد مرت ثلاثون سنة على آخر مرة رأيتك فيها!"

قرأ أحمد الرسالة مرتين، يحاول أن يسترجع أي صورة أو موقف يربط هذا الاسم بحياته. لم يجد شيئًا. لكنه رد بابتسامة مهذبة: "مرحبًا نور، أعتقد أن الذاكرة خانتني. هل يمكنك أن تذكرني أكثر؟"

بدأ نور يسرد قصصًا عن مساءات عديدة أمضياها معًا في زمن الخدمة العسكرية، يسهران ويتحدثان عن المستقبل، يناقشان أحلامهما ومخاوفهما. وحدّثه عن أيام حضرا فيها أمسيات ثقافية واستمتعا بالحفلات الموسيقية الصغيرة. وصف أماكن لم تعد موجودة الآن، مثل المقهى في زاوية الحي القديم، والطريق الطويل الذي كانا يسيرانه وهما يغنيان أغاني الشباب.

كانت التفاصيل دقيقة، بل حتى أسماء أشخاص وأحداث لم يسمع أحمد عنها من قبل، أو على الأقل لم يتذكرها. مع كل رسالة جديدة من نور، كان الحيرة في قلب أحمد تتحول تدريجيًا إلى شعور غريب بالضياع. حاول استحضار ذكرياته عن فترة الخدمة العسكرية، لكن عقله كان خاليًا تمامًا من أي صورة لهذا الشخص.
"هل من الممكن أنني نسيت كل هذا؟" تساءل أحمد في نفسه.

لم يستطع أن يصارح نور بعدم تذكره لأي شيء مما يقوله، لكنه بدأ يراوغ، يرسل إجابات مبهمة، ويغير المواضيع. لكن نور كان متحمسًا جدًا، وواصل إرسال الرسائل بحماس:

"أتذكر تلك المرة التي انقطع فيها المطر فجأة ونحن تحت الشجرة؟ كنت تصر على أنك ستصبح كاتبًا يومًا ما!"

"كنت تعشق القهوة المرة، وكنت أنا أسخر منك دائمًا لأنك لا تضيف السكر."

كان أحمد يشعر بأن كل كلمة تحمل ثقلًا يزداد على كتفيه. كيف يمكن أن ينسى شخصًا يبدو أنه كان جزءًا مهمًا من حياته؟

مع مرور الأيام، لم يستطع أحمد أن يتحمل هذا التناقض. أخبر نور في رسالة مليئة بالحزن والاعتذار:
"نور، لا أعرف كيف أقول هذا، لكني لا أتذكر أي شيء مما تخبرني به. أشعر وكأنني خذلتك. أرجوك سامحني. أعتذر منك جداً إذا كان ذلك يسبب لك إحباطًا".

كان الرد من نور صادمًا ومليئًا بالخيبة: "كيف يمكنك أن تنسى كل شيء يا أحمد؟ كنا قريبين جدًا، وكأننا إخوة. تلك الذكريات كانت كنزًا لي. كنت أظن أننا شاركناها معًا، لكنها الآن تبدو وكأنها تخصني وحدي. هل يعقل أن تكون هذه الذكريات قد اختفت تمامًا من ذهنك؟"

شعر أحمد بثقل الحزن في كلمات نور وبفراغ كبير في داخله بعد تلك الرسالة. كان موقفًا مربكًا ومؤلمًا. لم يعرف كيف يواجه هذا الغياب في ذاكرته، أو كيف يعوض نور عن الألم الذي تسبب فيه. كان يرغب بشدة أن يتذكر، لكن عقله لم يسعفه. أصبح يتفحص صوره القديمة، يبحث عن أي دليل على تلك الأيام، لكنه لم يجد شيئًا. أخذ نور يبتعد شيئًا فشيئًا، وأصبح الحوار بينهما أقل دفئًا. بدا كأن شيئًا انكسر بينهما.

حاول أحمد أن يخفف من وطأة الأمر، فكتب: "أنا مسافر منذ زمن طويل. آسف حقًا يا صديقي. قد تكون ذاكرتي ضعيفة أو أنني مررت بظروف صعبة أثرت على قدرتي على تذكر تلك التفاصيل. لكنني أود أن أسمع منك أكثر. ربما إذا أخبرتني بالمزيد من التفاصيل، يمكنني استرجاع بعض الذكريات."

في النهاية، أرسل نور رسالة قصيرة، تحمل في طياتها ألمًا عميقًا: "يبدو أن ذكرياتي كانت تخصني وحدي. شكرًا على كل شيء، على الأقل كنت جزءًا من أجمل مراحل حياتي. وداعًا."

قرأ أحمد الرسالة الأخيرة وشعر بفراغٍ عميق. لم يكن يعلم إن كان يجب أن يشعر بالذنب أو الحزن. كل ما أدركه هو أن هناك فصلًا من حياته قد طواه النسيان، وأن شخصًا ما عاش هذا الفصل بكل تفاصيله، وحمل تلك الذكريات معه طوال تلك السنوات. أما هو، فقد بقي عاجزًا أمام ذلك الفراغ الذي خلفه النسيان. هل كان هو فعلاً ذلك الشخص الذي يتحدث عنه نور؟ أم أن الذاكرة اختارت أن تمحي فصلًا كاملًا من حياته؟



#علي_دريوسي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الإبداع والكفاح
- التوازن
- الرجل الذي أخضع الكبرياء
- حديقة التفاهم
- الرواية الأولى
- الطفل الذي لم تحتضنه قريته
- دائرة الزمن
- الفنان والواقع
- خمارة على ضفاف الراين
- التأقلم المهني
- السورية الألمانية مادلين هاردت
- في غرفة الرنين
- المجداف
- جامع جامعة دمشق
- ورشة شعر أدونيسية
- رحلة مع بيغاسوس
- نبض الحياة
- حلم أخضر
- حماة الوطن
- كيفما تكونوا يولى عليكم


المزيد.....




- فرقة موسيقية بريطانية تقود حملة تضامن مع الفنانين المناهضين ...
- مسرح تمارا السعدي يسلّط الضوء على أطفال الرعاية الاجتماعية ف ...
- الأكاديمي العراقي عبد الصاحب مهدي علي: ترجمة الشعر إبداع يوط ...
- دراسة تنصح بعزف الموسيقى للوقاية من الشيخوخة المعرفية.. كيف؟ ...
- كتّاب وأدباء يوثقون الإبادة في غزة بطريقتهم الخاصة
- حين أكل الهولنديون -رئيس وزرائهم-.. القصة المروّعة ليوهان دي ...
- تكريم الإبداع والنهضة الثقافية بإطلاق جائزة الشيخ يوسف بن عي ...
- أهمية الروايات والوثائق التاريخية في حفظ الموروث المقدسي
- -خطر على الفن المصري-.. أشرف زكي يجدد رفضه مشاركة المؤثرين ف ...
- هل يحب أطفالك الحيوانات؟ أفلام عائلية أبطالها الرئيسيين ليسو ...


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي دريوسي - شريط ذكريات مفقود