أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - الشهبي أحمد - شدولارين: قراءة نقدية وتحليلية في رواية د. فتحية الفرارجي – عندما يكتب القلب نفسه ويتطهر بالحبر والحنين



شدولارين: قراءة نقدية وتحليلية في رواية د. فتحية الفرارجي – عندما يكتب القلب نفسه ويتطهر بالحبر والحنين


الشهبي أحمد
كاتب ومدون الرأي وروائي

(Echahby Ahmed)


الحوار المتمدن-العدد: 8416 - 2025 / 7 / 27 - 09:48
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


في رواية "شدولارين" للدكتورة فتحية الفرارجي، ينساب النص كأنه نهر عاطفي متدفق، يحمل في تياراته أصداء الروح ونبضات القلب، ليغمر القارئ في تجربة لا تشبه أي رواية أخرى. هذا العمل ليس مجرد سرد تقليدي يروي قصة، بل هو ترنيمة وجدانية تتجاوز الحدود بين السيرة الذاتية والخيال، بين النثر الذي يتكسر كأنفاس عاشقة وبين الشعر الذي يتفجر كومضات نور في ظلام الروح. إنه نص يعانق الحياة بكل تناقضاتها، حيث يرقص الحب مع الألم، وتتشابك الذاكرة مع الحلم، ويمتزج السفر الجغرافي برحلة البحث عن الذات، ليخلق لوحة فسيفسائية متوهجة، كل قطعة فيها تحكي حكاية، وكل جملة تنبض بحياة مستقلة.
منذ الصفحات الأولى، يأخذنا النص إلى عوالم داخلية عميقة، حيث البطلة—أو ربما الراوية—تتحرك كطائر جريح بين محطات الواقع والمفارقة، بين لحظات الحنين الممزق وومضات الخلاص الروحي. لا توجد خطوط زمنية صلبة هنا، بل تداعيات حرة تحاكي تدفق الوعي، كأن الكاتبة تدعونا للغوص في بحر من المشاعر المتلاطمة. تبدأ الرحلة من جرح داخلي، من علاقة حب ملتبسة تحمل في طياتها عذوبة الشوق ومرارة الفقدان. هذا الحب ليس مجرد قصة عاطفية، بل بوابة إلى استكشاف الذات، حيث تتشابك ذكريات الطفولة المفعمة بالبراءة والعنف مع لحظات السفر الروحي إلى الحجاز. الحج هنا ليس مجرد طقس ديني، بل رمزية كثيفة للبحث عن "بصمة القلب"، تلك الهوية الروحية التي تجمع شتات الإنسان في لحظة الوقوف أمام الذات وأمام الإله.
اللغة في "شدو لارين" هي البطل الحقيقي للرواية. إنها ليست مجرد أداة لنقل الأحداث، بل هي النبض الذي يحيي النص ويمنحه روحه. الكاتبة لا تكتب، بل تغني، كأنها شاعرة بدوية ترتل أناشيدها على إيقاع الصحراء الداخلية. جملها القصيرة تتكسر كأنفاس محمومة، وصورها الشعرية تتراكم كلوحات سريالية تتوهج بألوان الحياة والموت. نقرأ عبارات مثل: "المحبة دكان عالق الذاكرة، شكٌ ممزوج بجمال الظاهر، وجمال الباطن." هذه الكلمات ليست مجرد جمل، بل جواهر مرصعة، كل منها يمكن أن يُقتطف كتأمل مستقل، كأنه يحمل في داخله كونًا من المعاني. اللغة هنا تحفر في الروح كما يحفر النحات في الصخر، تخلق أخاديد من الأمل والألم، وتترك القارئ مذهولًا أمام قوتها التعبيرية.
ما يجعل هذا النص استثنائيًا هو انغماسه الكلي في تجربة الأنثى، تلك الكائنة التي تتشكل وتتحول على امتداد الصفحات. الأنثى هنا ليست مجرد شخصية، بل هي رمز متكامل: هي الحبيبة التي تعشق بجنون، والجريحة التي تحمل ندوبها بكبرياء، والوطن الذي يحتضن ويؤلم، واللغة التي تكتب نفسها بنفسها. الكاتبة تبني عالمًا حيث كل امرأة هي نص مؤجل، وكل نص حقيقي هو امتداد لوجع أنثوي عميق. هذه الأنثى لا تكتفي بالوجود، بل تتمزق وتلملم شظاياها، تكتب وتمحو، تحب وتكره، لتصبح في النهاية مرآة تعكس كل امرأة، وكل قارئ يجرؤ على مواجهة ذاته.
البنية السردية في "شدو لارين" تتحدى التقاليد. لا توجد حبكة خطية تسير من بداية إلى نهاية، بل شذرات متوهجة، مشاهد تحاكي الحلم أو الهذيان الواعي. النص يشبه صندوقًا أسود ينفجر ليكشف عن ذاكرة متشظية، عن أنوثة تتجلى في لحظات الضعف والقوة، عن علاقات وتجارب تتراكم كمرايا متكسرة. لا يمكن للقارئ أن يحدد بدقة أين تبدأ الحقيقة وأين ينتهي الخيال، لأن النص يرفض الحدود، يعيد تعريف الرواية كرحلة داخلية لا نهائية، كغوص في أعماق الندبة الأولى التي شكلت القلب.
الحج يظهر كمحور رمزي يضفي على النص عمقًا روحيًا نادرًا. ليس الحج هنا مجرد رحلة إلى مكة، بل هو طقس تطهير، محاولة للخلاص من أثقال الذاكرة وخيبات الحب. الطواف حول الكعبة يصبح استعارة لحركة الحياة، لدورة الأمل واليأس، والسعي بين الصفا والمروة يتحول إلى رحلة البحث عن الذات. لحظة الوقوف بعرفة هي لحظة الصدق المطلق، حيث البطلة تواجه نفسها عارية من الأقنعة، ودمعة تسقط عند الحطيم تصبح رمزًا للتطهير، للعودة إلى نقاء الروح. الكعبة هنا ليست مجرد بناء، بل قلب ينبض، والبطلة، بعد أن كانت مكلومة، تخرج من هذه التجربة كما لو أنها ولدت من جديد، كأنها كتبت سيرتها بحبر الصرخة المقدسة.
ومن بين لحظات النص الأكثر إثارة، تلك التي تمتزج فيها مشاعر الحنين إلى الحب الأول مع السعي وراء معنى أعمق لوجود الإنسان. تقول الكاتبة: "حينما أنظر إليك، كأنني أنظر في قلبي." هذه العبارة، في بساطتها المذهلة، تلخص جوهر الرواية، حيث الحبيب ليس مجرد شخص، بل مرآة تعكس الذات في أضعف لحظاتها وأكثرها احتياجًا للمعنى. الحب هنا هو لغة الروح، هو الجرح والدواء في آن واحد.
لكن، كما كل عمل طموح، قد يقع النص أحيانًا في فخ الإغراق في الذاتية. اللغة الشاعرية الكثيفة، التي هي أجمل ما في الرواية، قد تتحول في لحظات إلى عبء يثقل كاهل القارئ. بعض المقاطع تبدو كتمارين حسية على اللغة، كأنها لوحات تجريدية تفتقر إلى خط سردي واضح. هذا قد يربك من يبحث عن قصة تقليدية أو صراع مركزي يقود الحبكة. لكن هذا الانزلاق إلى الجمال الخالص يبدو مقصودًا، كأن الكاتبة تقول: "لا أروي قصة، بل أدعوكم لتعيشوا تجربة." إنها تجربة شعرية طويلة، شدو امرأة مكلومة تسرد ما لا يمكن أن يُسرد إلا بلغة القلب.
في النهاية، "شدو لارين" ليست مجرد رواية، بل وثيقة روحية لأنثى عربية تحاول أن تقول كل شيء دفعة واحدة، حتى لو لم يستطع القارئ استيعاب كل شيء. إنها تكتب كما تتنفس، تبوح كما تتطهر، وترحل كما تتجدد. هذا النص ليس للجميع، بل لمن يستطيع أن يتحمل البكاء وهو يقرأ، ولمن يملك قلبًا واسعًا يستوعب أن الأدب، في لحظاته النادرة، يمكن أن يكون فعل نجاة، لا أكثر ولا أقل.



#الشهبي_أحمد (هاشتاغ)       Echahby_Ahmed#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عن البغال التي اعتلت التلال
- ركلة حمار
- مثالب الولادة: صرخة سيوران في وجه العبث
- وصمةُ عارٍ لا تُمحى: فلسطين بين الجوع والخذلان
- حين رفعت المرأة سيفها على الرجل… فمزّقت قلبها
- اذا أردنا إصلاح المجتمع ...من أين سنبدأ؟
- محمد عبد السميع نوح في رواية حركة تنقلات: هجاء السلطة وفضح ا ...
- بوحمارة... حين امتطى المغربَ رجلٌ فوق حمارة
- ثورة الكوميرة: حين صرخ الفقراء فدوّى الرصاص
- إيران بين الضربة والصفقة: من يرسم حدود الشرق القادم؟
- بوجلود بين الذاكرة والتشويه
- مديونية المغرب: حين يتحوّل الدين إلى أسلوب حياة
- بين رصاص الحدود وظلال الوطن: مأساة العودة في قلب التوتر المغ ...
- مقبرة الصمت: لماذا تخشى الأمم المريضة أصوات المهرطقين؟
- من سيقود المغرب؟ سباق الأحزاب نحو حكومة ما بعد الإحباط
- ابن كيران: سياسة -الزواق- بخطاب -بلا نفاق-
- سبعة دراهم لفنجان قهوة... والقدرة الشرائية في غرفة الإنعاش
- الضباع تلتهم قيمنا
- سردٌ يُنصت لصوت الإنسان العربي بين جذور الماضي وتقلبات الحاض ...
- -شيء من بعيد نادني-: بين الهويّة المتجددة والاغتراب الوجودي


المزيد.....




- من مصر والأردن.. قوافل مساعدات تضم 160 شاحنة تتجه نحو غزة
- وسط تدابير أمنية مشددة.. ترامب يلعب الغولف في ملعبه الخاص با ...
- بروكسل وواشنطن تسعيان لاتفاق جمركي قبل انتهاء المهلة
- ناشطون: المساعدات المفاجئة لغزة محاولة لتجميل صورة إسرائيل ت ...
- مستوطنون يقتحمون الأقصى والاحتلال يشرّد 25 شخصا بعد هدم مناز ...
- تأجيل محاكمة كابيلا وسط توترات وتصعيد ميداني شرقي الكونغو
- مراسل الجزيرة نت: هذه حكايتي مع الجوع في غزة
- إعلام إسرائيلي: حرب غزة أوقفت ميناء إيلات وأضرت بالبحث العلم ...
- ترامب يُحذر تايلاند وكمبوديا من وقف التعامل التجاري معهما.. ...
- تأخرت رحلتك؟ إليك استراتيجيات ذكية للاستفادة من وقتك في المط ...


المزيد.....

- قراءة تفكيكية في رواية - ورقات من دفاتر ناظم العربي - لبشير ... / رياض الشرايطي
- نظرية التطور الاجتماعي نحو الفعل والحرية بين الوعي الحضاري و ... / زهير الخويلدي
- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - الشهبي أحمد - شدولارين: قراءة نقدية وتحليلية في رواية د. فتحية الفرارجي – عندما يكتب القلب نفسه ويتطهر بالحبر والحنين