أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - الشهبي أحمد - ركلة حمار














المزيد.....

ركلة حمار


الشهبي أحمد
كاتب ومدون الرأي وروائي

(Echahby Ahmed)


الحوار المتمدن-العدد: 8414 - 2025 / 7 / 25 - 02:14
المحور: كتابات ساخرة
    


في زمن صار فيه الصراخ وسيلةً للإقناع، والشتيمة حجة، والضجيج برهانًا على الوجود، يبدو الترفع عن المهاترات فعلًا راديكاليًا أكثر من كونه اختيارًا سلميًا. لم يعد الصمت موقفًا ساذجًا أو دليل عجز، بل صار ضرورة وجودية في عالم يفيض بالضجيج الفارغ. سقراط حين تساءل بسخريته المبطنة: "إذا ركلني حمار، أفأقاضيه؟ أم أبادله الركل؟" لم يكن يستخف بالعدالة، بل كان يفضح عبثية الانجرار إلى معارك تافهة لا تليق بالعقلاء.

الركلة هنا ليست مجرد عنف جسدي، بل رمز لكل تهجم لفظي، أو حماقة فكرية، أو استفزاز مقصود. والمفارقة أن الرد على تلك الركلة بمثلها، لا يثبت أنك كنت على صواب، بل أنك أصبحت شبيهًا بمن ركلك، مختلفًا عنه فقط في التوقيت. وبهذا المعنى، فإن الصمت ليس هروبًا، بل نوع من الانتصار الخفي؛ هو الرد الذي لا يتوقعه الخصم، فيربكه أكثر من أي عبارة لاذعة.

في حياتنا اليومية، نشهد انهيار النقاشات إلى مجرّد حلبات للصياح، لا لشيء سوى إثبات الذات أمام جمهور افتراضي. يتحوّل الحوار إلى معركة "لايكات" و"ريتويتات"، والهدف لم يعد بلوغ الحقيقة، بل الانتصار بأي وسيلة، ولو على حساب الكرامة والمنطق. لكن ما لا يدركه كثيرون هو أن الصراخ لا يصنع موقفًا، وأن الهدوء لا يعني الاستسلام. فالصوت المرتفع لا يدل بالضرورة على وعيٍ عميق، بل أحيانًا على خواء داخلي يبحث عن غطاء.

المعارك الحقيقية لا تُخاض في العلن دائمًا. بعضها يُخاض داخل النفس، في صراع بين الرغبة في الرد، ونداء العقل الذي يهمس: لا تنزل إلى هذا المستوى. وهي معركة صامتة، لكنها الأعنف. الصمت أحيانًا يُكلّف صاحبه أكثر مما يُكلّف الردّ، لأنه يقتضي انضباطًا ذاتيًا، واستعلاءً على الأذى، وثقة في أن الزمن كفيل بوضع كل شيء في مكانه.

بعض الردود، مهما بلغت فصاحتها، لا تصنع لك احترامًا، بل تكشف لك فقط من يشبهك. أما الترفع، فلا يمنحك فقط عزلة نظيفة من السموم، بل يمنحك احترامًا لا يُطلب، بل يُنتزع. نحن لا نرتقي حين نربح الجدالات، بل حين نتجاوزها.

لهذا، حين تُركل مجددًا، لا تبحث عن محامٍ، ولا تجهز قدميك لركلة مضادة. فقط تأمل الحماقة في وجهها الخالص، وامضِ… صامتًا، راقيًا، مُنتصرًا.



#الشهبي_أحمد (هاشتاغ)       Echahby_Ahmed#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مثالب الولادة: صرخة سيوران في وجه العبث
- وصمةُ عارٍ لا تُمحى: فلسطين بين الجوع والخذلان
- حين رفعت المرأة سيفها على الرجل… فمزّقت قلبها
- اذا أردنا إصلاح المجتمع ...من أين سنبدأ؟
- محمد عبد السميع نوح في رواية حركة تنقلات: هجاء السلطة وفضح ا ...
- بوحمارة... حين امتطى المغربَ رجلٌ فوق حمارة
- ثورة الكوميرة: حين صرخ الفقراء فدوّى الرصاص
- إيران بين الضربة والصفقة: من يرسم حدود الشرق القادم؟
- بوجلود بين الذاكرة والتشويه
- مديونية المغرب: حين يتحوّل الدين إلى أسلوب حياة
- بين رصاص الحدود وظلال الوطن: مأساة العودة في قلب التوتر المغ ...
- مقبرة الصمت: لماذا تخشى الأمم المريضة أصوات المهرطقين؟
- من سيقود المغرب؟ سباق الأحزاب نحو حكومة ما بعد الإحباط
- ابن كيران: سياسة -الزواق- بخطاب -بلا نفاق-
- سبعة دراهم لفنجان قهوة... والقدرة الشرائية في غرفة الإنعاش
- الضباع تلتهم قيمنا
- سردٌ يُنصت لصوت الإنسان العربي بين جذور الماضي وتقلبات الحاض ...
- -شيء من بعيد نادني-: بين الهويّة المتجددة والاغتراب الوجودي
- -متتالية حياة-: نشيد الصبر في زمن الانكسارات الصغيرة
- حكايات الهدوء النبيل في زمن الاضطراب: تأملات الناصر التومي ف ...


المزيد.....




- السطوة الناعمة لهوليود.. كيف غيّرت أميركا شكل السينما العالم ...
- محللون إسرائيليون: نخسر معركة الرواية في كارثة الجوع بغزة
- -أشبه بأفلام التجسس-.. كيف وصلت طائرات بوينغ إلى إيران رغم ا ...
- صدر حديثا : صور من ذاكرة قروية للأديب والباحث مسعود غنايم
- -كل ما نريده هو السلام-.. مجتمع مسالم وسط صراع أمهرة في إثيو ...
- -ميغان 2- دمية القرن الجديد التي أعادت تعريف رعب الدمى في ال ...
- هل يحب أولادك أفلام الرعب؟ أعمال مخيفة مناسبة للأطفال
- -وحشتوني يا أهل الأردن-.. أحلام تشوق جمهورها لحفلها في مهرجا ...
- مايا ويند: هكذا تتواطأ الجامعات الإسرائيلية مع نظام الفصل ال ...
- منع فرقة -كنيكاب- الأيرلندية من المشاركة في مهرجان -سيجيت-.. ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - الشهبي أحمد - ركلة حمار