الشهبي أحمد
كاتب ومدون الرأي وروائي
(Echahby Ahmed)
الحوار المتمدن-العدد: 8362 - 2025 / 6 / 3 - 17:16
المحور:
كتابات ساخرة
اقتربت من باب المقهى هذا الصباح، متثاقل الخطى، أُمني النفس بلحظة صفاء مع فنجان قهوة دافئ، بادرني إعلان معلّق على الزجاج بخط يبدو وكأن صاحبه كتبه وهو يعتذر:
"نخبر زبائننا الكرام أن ثمن القهوة سيرتفع إلى 7 دراهم، بسبب الزيادة في أسعار حبوب القهوة. نشكركم على تفهمكم."
تفهمكم؟ لقد أصبح هذا الطلب لازمة وطنية، تُرفق بكل زيادات الحياة، من الماء والكهرباء إلى العدس والطماطم. المواطن المغربي لم يعد يُطلب منه أن يفهم السياسات، بل أن "يتفهم" تداعياتها فقط، وهو ما يقوم به بكفاءة تُحسد عليها الحِجارة.
القهوة، يا سادة، كانت آخر معقلٍ شعبي نتقاسم فيه الهمّ على مهل، ونسكب فيه قلقنا جرعة جرعة. كانت ملاذ العاطلين، ومنفى الحالمين، وملتقى المتقاعدين الذين يناقشون أسعار الخضر أكثر مما يناقشون أحوال أحفادهم. والآن، حتى هي لم تسلم من لعنة الارتفاع.
سبعة دراهم، في مشروب يُشرب في ثلاث رشفات، كثيرٌ على فنجان، قليلٌ على الكرامة. لكن لا بأس، فكل شيء قابل للزيادة في المغرب: ثمن الخبز، ثمن الزيت، ثمن الهواء المعلّب في بعض المدن الساحلية... كل شيء يرتفع ما عدا الأجور، فهي تُعامَل كما تُعامَل الآثار: تُترك على حالها كي لا تفسد هويتها التاريخية.
أما الحديث عن تحسين القدرة الشرائية، فقد صار أشبه بالحلم الذي يتكرر في نشرات الأخبار، لكنه لا يزورنا في الواقع. المواطن البسيط صار يزن قراراته اليومية بميزان الذهب: هل يُفطر أم يُشحن الهاتف؟ هل يدفع ثمن القهوة أم يوفره لشراء بطاطا، إن وجدت بسعر غير خرافي؟
الطرف الآخر من هذه المعادلة – الحكومة – لا يرى في الأمر إشكالًا، بل يعتبر أن الأمور تحت السيطرة، وأن التضخم "متحكم فيه". نعم، تمامًا كما نتحكم نحن في شهية الأكل عندما لا نملك ثمن الوجبة.
والسؤال الذي لا يجرؤ أحد على طرحه بصوت مرتفع هو: إذا كانت القهوة قد ارتفعت لأن حبوبها غالية، فلماذا لم يرتفع معها الحد الأدنى من الأجور مثلًا؟ أم أن الكرامة لا تُستورد من البرازيل؟
نعم، ارتفع ثمن القهوة، وقد يرتفع أكثر، لكننا نطلب من أصحاب المقاهي – على الأقل – أن يزيدوا معها القليل من الأمل، أو يرفقوا معها قطعة سكر معنوي... فالوطن لم يعد يحتمل كل هذا "المرّ".
ولمن لا يستطيع الدفع، نقترح مستقبلاً أن تعتمد المقاهي نظام "القهوة بالتقسيط"، أو أن توفّر كراسي فقط، بدون مشروب، لمن يريد أن "يتقهوى بالذكريات".
وهكذا، يبقى المغربي هو الكائن الوحيد في العالم الذي يشرب القهوة بطعم الصبر، ويدفع ثمنها من رصيده العاطفي، ثم يُطلب منه – بكل لطف – أن يتفهم.
#الشهبي_أحمد (هاشتاغ)
Echahby_Ahmed#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟