الشهبي أحمد
كاتب ومدون الرأي وروائي
(Echahby Ahmed)
الحوار المتمدن-العدد: 8335 - 2025 / 5 / 7 - 16:12
المحور:
التربية والتعليم والبحث العلمي
لم تعد وظيفة الأستاذ في المغرب محصورة في التعليم ولا حتى في التربية داخل أسوار المؤسسة، بل تحوّلت – بمرور الوقت وتراكم السياسات المرتبكة – إلى مسؤولية كونية شاملة، تبدأ من القسم، وتمر عبر الحي، وتنتهي على منصات "تيك توك" و"إنستغرام". فاليوم، يُساءَل الأستاذ عن تصرفات تلامذته خارج المدرسة، في الشارع، في المقاهي، بل وحتى في التعليقات الإلكترونية والمقاطع المصوّرة.
هل تشاجر تلميذ في باب الحي؟ يُستدعى الأستاذ.
هل نشر فيديو غير لائق في حسابه على "تيك توك"؟ يُلام الأستاذ.
هل عبّر عن أفكاره بشكل "منفلت" في إحدى المنصات؟ يُحاكم الأستاذ تربويًا.
كأن المطلوب من الأستاذ أن يتحول إلى رادار تربوي يرافق كل تلميذ في حياته اليومية، ويقرأ نيّاته قبل أن ينزلق، ويُعيد توجيه سلوكه عن بُعد.
هذه السريالية في تحميل المسؤولية تُغفل عمداً أن للأستاذ دورًا محددًا داخل القسم، وأن مهمة التربية الأولى تقع على عاتق الأسرة والمجتمع، لا على رجل التعليم الذي يقف يوميًا أمام العشرات، محاولًا التوفيق بين مقررات مثقلة، ووضعيات اجتماعية مضطربة، وبيئة مدرسية تفتقر لأبسط شروط الكرامة.
أما مذكرة "البستنة" الشهيرة، التي تدعو إلى العقوبات البديلة عبر الزهور والحوار، فهي فصل آخر من فصول العبث الإداري، إذ يُطلب من الأستاذ أن يستصلح سلوكًا عنيفًا بنفس أدوات البستنة، دون أي حماية قانونية أو دعم مؤسساتي. ولعل الأغرب من هذا كله، أن يُحمّل الأستاذ وزر الانفلاتات السلوكية التي تحدث في نهاية الأسبوع، أو أثناء العطل، أو داخل الفضاء الرقمي، وكأن دوره لا ينتهي بخروج التلميذ من الفصل، بل يمتد ليشمل كل لحظاته في الحياة العامة والافتراضية
إن تحميل الأستاذ هذه المسؤولية المطلقة ليس سوى انعكاس لفشل مجتمعي أوسع، يتنصل فيه الجميع من مهامهم، ويُلقى العبء على ظهر الحلقة الأضعف: رجل التعليم. فبدل أن يُحمى الأستاذ بقوانين صارمة تحفظ كرامته وتحد من العنف الممارس عليه، يُحوّل إلى شماعة نعلّق عليها كل اختلالات المنظومة التربوية، وكل انزلاقات الناشئة، وكأن المطلوب منه أن يُربّي من لم يُربِّه أحد.
الأستاذ ليس نبيًا، ولا رجل مخابرات، ولا خبير خوارزميات رقمية. هو موظف يحاول أن يُعلّم، وسط نظام لا يحميه، ومجتمع لا يُنصفه، ووزارة لا تكفّ عن إغراقه بالمذكرات النظرية. فهل نُحاسبه بعد كل هذا لأنه لم يضبط تلميذه وهو يُحمّل فيديو على "تيك توك"؟
#الشهبي_أحمد (هاشتاغ)
Echahby_Ahmed#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟