الشهبي أحمد
كاتب ومدون الرأي وروائي
(Echahby Ahmed)
الحوار المتمدن-العدد: 8344 - 2025 / 5 / 16 - 08:23
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
حتى حين نقنع أنفسنا بالنسيان، ينهض التاريخ من بين الأنقاض ليذكرنا. السادس عشر من ماي 2003 ليس مجرد يوم مضى، بل تاريخ محفور في الذاكرة الجماعية للمغاربة، تاريخ يرمز إلى لحظة اختناق وطني، يوم انقلبت فيه الدار البيضاء من مدينة نابضة بالحياة إلى مدينة مثقلة بالدخان، والدم، والصمت الثقيل.
في مساء ذلك اليوم، اهتزت العاصمة الاقتصادية على وقع خمسة وأربعين قتيلاً، بينهم مدنيون ورجال أمن، وأكثر من مئة جريح، إثر هجمات إرهابية منسقة ضربت مواقع مختلفة: مطعم إسباني، فندق فاخر، مقبرة ومركز اجتماعي يهوديين، مطعم إيطالي، ومحيط القنصلية البلجيكية. كانت التفجيرات صادمة ليس فقط في عنفها، بل في هويّة منفذيها، شباب في مقتبل العمر، خرجوا من أحياء تعيش التهميش، وقرروا بطريقة عبثية أن يفجّروا يأسهم في وجه الوطن.
ولم تكن الصدمة لحظة عابرة. أُطلقت حملات توقيف واسعة، وتمت محاكمات سريعة، لكن أسئلة كثيرة ظلت دون أجوبة. من خطّط؟ من موّل؟ من سهّل الطريق نحو هذا الخراب؟ لم تتبنَّ أي جهة تلك العمليات، ولا تزال الرواية الرسمية مفتوحة على أكثر من تأويل. وما زال الجرح مفتوحًا، ليس فقط لأن العدالة لم تكشف كل شيء، ولكن لأن المجتمع لم يحسم بعد في كيفية التعامل مع الجذور العميقة لهذه الفاجعة.
بعد خمس سنوات، وفي مشهد يبعث على الحيرة، هرب تسعة من المحكومين في تفجيرات 16 ماي من سجن القنيطرة عبر نفق حُفر بصبر تحت الأرض، في عملية وُصفت يومها بالهوليودية. أُعيد اعتقالهم لاحقًا، لكن الهروب أعاد للأذهان هشاشة الأمن داخل المؤسسات، وربما هشاشة التصور العام لما نحتاجه لنواجه مثل هذا النوع من التهديدات.
نحن لا نُحيي ذكرى 16 ماي من باب النوستالجيا أو الرغبة في استدرار الألم، بل لأن النسيان قد يكون خيانة لمن سقطوا، ولمن نجوا، ولمن ما زالوا يحاولون فهم ما جرى. إنها ذكرى لتذكيرنا بأن الأمن لا يُبنى فقط بالحواجز الحديدية، بل بالعدالة، والتعليم، والكرامة، والإدماج. أن مواجهة التطرف ليست فقط في تتبع أثره، بل في تجفيف منابعه.
ما وقع في الدار البيضاء قبل أكثر من عقدين ليس فصلًا مغلقًا، بل علامة استفهام ما تزال قائمة. تاريخ من اللازم أن نراجعه، لا لنبكيه كل سنة، بل لنستوعبه، ونفهم سياقه، ونمنع تكراره.
هذه ليست مجرد ذكرى، إنها جرح لا يندمل في جسد الوطن... وجب أن يُروى.
#الشهبي_أحمد (هاشتاغ)
Echahby_Ahmed#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟