أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الشهبي أحمد - إيران بين الضربة والصفقة: من يرسم حدود الشرق القادم؟














المزيد.....

إيران بين الضربة والصفقة: من يرسم حدود الشرق القادم؟


الشهبي أحمد
كاتب ومدون الرأي وروائي

(Echahby Ahmed)


الحوار المتمدن-العدد: 8373 - 2025 / 6 / 14 - 04:52
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


ما حدث في إيران ليس صاعقة في سماء صافية، بل نتيجة متراكمة لنمط طويل من الضبط الجيوسياسي للشرق الأوسط. منذ سقوط بغداد، والسيناريو يتكرر بأزياء محلية: تفكيك دولة، إنهاك مجتمع، إعادة تشكيل سلطة، ثم إطلاق يد الحليف الإسرائيلي ليحوم فوق الخراب كصيّاد بلا منازع. إيران، ببنيتها المتشابكة وامتداداتها الإقليمية، كانت آخر العقد الصلبة التي تقف بين المشروع الأمريكي-الإسرائيلي وبين الفراغ الاستراتيجي الذي ينتظر المنطقة بعد اقتلاع جذورها المتعبة.

المفارقة أن النظام الإيراني لم يُستهدف لأنه نووي، بل لأنه لم يصل بعد إلى هذه العتبة. فالنووي في منطق الهيمنة ليس خطراً في ذاته، بل هو حصانة. إسرائيل، مثلاً، تمتلك ترسانة نووية متكاملة دون أن تُهدد أو تُستفز. أما إيران، فجرمها الوحيد أنها تجرأت على بناء توازن غير مرغوب فيه. لم يعد خافياً أن الولايات المتحدة لا تقبل بأي قوة مستقلة في هذه المنطقة، حتى وإن كانت معادية لها بالخطاب فقط. فالفارق بين "الدولة المارقة" و"الشريك المسؤول" هو في مدى طواعته للمصالح الأمريكية، لا في سلوكه أو نواياه.

الهجوم الأخير، الذي تجاوز كل الخطوط الرمزية، لم يكن مجرد تحرك عسكري. لقد مثّل إعلاناً صريحاً بنهاية مرحلة وبداية أخرى: من حروب الوكلاء إلى المواجهات المباشرة، ومن الضغط بالعقوبات إلى تقويض الدولة نفسها. إسرائيل لا تستطيع وحدها تنفيذ ضربة بهذه الجرأة، إلا إذا كانت متأكدة أن الغطاء الأمريكي حاضر، سياسياً وعسكرياً واستخباراتياً. لقد اعتادت واشنطن أن تتحدث عن القانون الدولي، لكنها في حالة إسرائيل تتحدث عن "الاستثناء التاريخي"، وعن "التهديد الإيراني" كذريعة لنسف كل قواعد السلوك الدولي المتعارف عليها.

اللافت أن دول الخليج لم تُفاجأ، بل كانت مستعدة – ولو بالصمت – لما سيجري. التنسيق الأمني المكثف، الزيارات عالية المستوى، وحتى إعادة تموضع بعض القوات، كلها دلائل على أن ما جرى لم يكن وليد لحظة. دول الخليج ليست شريكة كاملة، لكنها ليست بعيدة عن المدار. فهي تعرف أن سقوط إيران يعني نهاية التوازن الردعي في اليمن ولبنان، وربما بداية مرحلة "الاستقرار المنضبط" الذي يحلم به صُنّاع القرار في الرياض وأبو ظبي، لكنهم ينسون أن غياب إيران لا يعني بالضرورة انتصارهم، بل ربما يكشف ضعفهم.

في المشهد الكبير، يبدو أن النظام العالمي قد مات إكلينيكياً. لا أحد يحتج، لا أحد يفرض عقوبات على المعتدي، ولا أحد يجرؤ حتى على استخدام لغة واضحة في وصف ما جرى. الإعلام الغربي يتحدث عن "الضربة الاستباقية"، بينما يتجنب ذكر أن إسرائيل خرقت سيادة دولة ذات عضوية في الأمم المتحدة. وإذا كانت روسيا تُعاقب على غزوها لأوكرانيا، فلماذا لا تُعاقب إسرائيل على قصفها لإيران؟ الجواب بسيط: النظام الدولي ليس منظومة قانون، بل شبكة مصالح، ومن لا يملك فيها مقعداً يُسحب إليه جاثياً أو يُقصى نهائياً.

ماذا بعد؟ السيناريوهات الثلاثة ليست متكافئة. الأول – وهو الأخطر – أن يتخلى الحلفاء عن إيران، فتنهار من الداخل وتُقسم كما قُسم العراق من قبْل. الثاني أن يشتعل الإقليم بحرب واسعة النطاق، لن تنجو منها أي عاصمة. والثالث أن تلجأ طهران إلى رد محسوب يمنحها وقتاً إضافياً لصناعة القنبلة التي طال انتظارها، لأنهم علموها أن البقاء لا تحققه إلا امتلاك سلاح لا يُستعمل. خيار رابع أيضاً يلوح في الأفق، أقل ذكراً وأكثر واقعية: أن يسقط النظام وتبقى إيران، لكن على هيئة دولة تُدار عن بُعد، كما يجري في أكثر من مكان من هذه الجغرافيا المنكوبة.

الزمن القادم لن يكون شرق أوسطياً، بل شرقاً إسرائيلياً يُعاد ترسيمه على ضوء "إمكانية الردع الشامل" وتوازنات السوق. في هذا الزمن، لن يُستشار أحد، ولن يُؤخذ برأي عاصمة خارج الحلف. ستُوزع الأدوار، وتُغلق الأبواب، وتُرسم الحدود الجديدة من فوق، لا من تحت.

أما من لم يتجاوز بعد عتبة الثلاثين من العمر، فعليه أن يستعد لرؤية طائرات إف-35 فوق أجواء بغداد والرياض وعمان، تنفذ غارات "ذكية" دون الحاجة إلى تنسيق مسبق، أو ربما تكتفي بإرسال إحداثيات الأهداف بعد التنفيذ، فقط من باب المجاملة.

في زمن كهذا، لا نملك ترف الحياد، ولا خيار الترقب. المنطقة كلها تُصاغ من جديد، ومن لم يكن شريكاً في المعادلة، سيكون بالتأكيد موضوعاً فيها.



#الشهبي_أحمد (هاشتاغ)       Echahby_Ahmed#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بوجلود بين الذاكرة والتشويه
- مديونية المغرب: حين يتحوّل الدين إلى أسلوب حياة
- بين رصاص الحدود وظلال الوطن: مأساة العودة في قلب التوتر المغ ...
- مقبرة الصمت: لماذا تخشى الأمم المريضة أصوات المهرطقين؟
- من سيقود المغرب؟ سباق الأحزاب نحو حكومة ما بعد الإحباط
- ابن كيران: سياسة -الزواق- بخطاب -بلا نفاق-
- سبعة دراهم لفنجان قهوة... والقدرة الشرائية في غرفة الإنعاش
- الضباع تلتهم قيمنا
- سردٌ يُنصت لصوت الإنسان العربي بين جذور الماضي وتقلبات الحاض ...
- -شيء من بعيد نادني-: بين الهويّة المتجددة والاغتراب الوجودي
- -متتالية حياة-: نشيد الصبر في زمن الانكسارات الصغيرة
- حكايات الهدوء النبيل في زمن الاضطراب: تأملات الناصر التومي ف ...
- -الوقوف على عتبات الأمس-: كتابة ضد النسيان في زمن القطيعة
- -المتشابهون-: احتجاج ناعم على صمت الأجيال
- قراءة في -عيد ميلاد ميت- لأحمد طايل: حين يتحوّل الموت إلى طق ...
- حين يرقص التعليم على جراحه
- الوطن ككابوس وحلم: تأملات في تناقضات الرواية المغربية «الوطن ...
- حين انفجرت الدار البيضاء... واهتزّ قلب الوطن
- -الطلياني: عندما يصبح العقل آخر ملاذ للبقاء- ـ قراءة نقدية و ...
- الأستاذ... من القسم إلى تيك توك


المزيد.....




- فيديو توضيحي لرادار حركة الطيران.. المجال الجوي لإيران وإسرا ...
- تفاصيل مسار بداية -النكسة- في قوة الردع الإيرانية
- الحرب الإسرائيلية الإيرانية... أي هامش للوساطة لإنهاء الصراع ...
- العاهل الأردني يترأس اجتماعا لمجلس الأمن القومي لبحث هجوم إس ...
- سفير واشنطن لدى تل أبيب: إيران تستهدف 700 ألف أمريكي يعيشون ...
- -يد من نار-.. أدرعي يرد على -ذباب إلكتروني- نشر تدوينات عن ي ...
- يسكنه نحو 4 آلاف شخص.. حريق هائل في ناطحة سحاب بدبي (فيديو و ...
- إعلام إيراني: تحذير لسكان تل أبيب ابتعدوا عن مطار بن غوريون ...
- الاختراق الصامت: كيف ساهم الداخل الإيراني في نجاح الضربات ال ...
- مصر تعترض مسيرة غزة العالمية وسط ترقب لوصول مسيرة غزة المغار ...


المزيد.....

- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - الشهبي أحمد - إيران بين الضربة والصفقة: من يرسم حدود الشرق القادم؟