أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - الشهبي أحمد - بين رصاص الحدود وظلال الوطن: مأساة العودة في قلب التوتر المغاربي














المزيد.....

بين رصاص الحدود وظلال الوطن: مأساة العودة في قلب التوتر المغاربي


الشهبي أحمد
كاتب ومدون الرأي وروائي

(Echahby Ahmed)


الحوار المتمدن-العدد: 8367 - 2025 / 6 / 8 - 18:12
المحور: حقوق الانسان
    


في لحظة تعكس تعقيدات الواقع المغاربي، وفي مكان لا يفصل بين بلدين سوى خط وهمي مغموس بمياه البحر المتوسط، تبرز قصة ثلاثة شبان جزائريين اختاروا سباق البحر عائدين إلى وطنهم، بعدما خابت آمالهم في عبور الحدود المغربية نحو إسبانيا، رحلة عكس التيار، يملؤها اليأس والخذلان، لكنها سرعان ما تتحول إلى مأساة كادت أن تُكتب بدماء أبرياء على شواطئ الحدود. هذا المشهد لم يكن مجرد حادث عرضي، بل رمز حي لتشابك الأزمات السياسية والإنسانية التي تعصف بالمنطقة، حيث حدود الدول ليست فقط فواصل جغرافية، بل أسواراً تمنع الإنسان من حقه الأساسي في العيش بكرامة داخل وطنه.

الأسلحة الموجهة إلى هؤلاء الشباب من جنود بلدهم، مع سوء الفهم الذي كاد أن ينهي حياتهم، ليست سوى انعكاس لحالة انعدام الثقة والفزع التي تتغلغل في عقول وأجساد منظومة عسكرية لم تعد ترى في شعبها إلا تهديدًا. النظام الجزائري الذي يتخذ من العسكر صمام أمانه، يعيش حالة من الهوس الأمني المفرط التي تُفقده بوصلة تمييزه بين الخصم الحقيقي والمواطن العائد. هذا الموقف يكشف هشاشة الدولة ومخاوفها العميقة من الداخل، مخاوف تعكس أزمة هوية مزمنة، حيث المواطن ليس جزءًا من الوطن بل مصدر تهديد محتمل، حتى وإن كان هو نفسه يبحث فقط عن وطنه.

تدخل الجندي المغربي لتنبيه نظرائه الجزائريين لهوية هؤلاء الشباب ليس فقط مشهدًا إنسانيًا نادرًا وسط هذه التوترات، بل إشارة قوية على أن الحكمة والإنسانية ما تزال ممكنة رغم كل الجدران العالية التي شُيدت بين البلدين. هو تدخل يحمل في طياته سؤالاً وجوديًا: ماذا لو غاب هذا الصوت الحكيم؟ هل كانت النتيجة ستكون قتل أبناء الوطن بأيدي جيشهم؟ هذا السيناريو المرعب يسلط الضوء على مدى هشاشة الواقع الذي تعيشه المنطقة، حيث التحالفات والعداوات السياسية تفوق في قسوتها أحيانًا القيم الإنسانية البسيطة.

الواقعة تكشف عن تناقضات صارخة؛ ففي الوقت الذي يُنتظر فيه من الدولة أن تكون ملجأ أبنائها، تصبح الحدود خط النار الذي يستقبلهم برصاص لا رحمة فيه. الحدود، التي يفترض أن تكون خط فصل تنظيمي، تحولت إلى خط موت حقيقي، يرمز إلى غياب الأمن الحقيقي والحرية التي يجب أن تُمنح للمواطنين. هذا المشهد يجعلنا نتساءل عن مصير كل من حاول العودة إلى الوطن في ظروف أقل حظًا، عن كم القصص التي لم تُروَ، وعن الأرواح التي ضاعت في صمت، بينما تبقى الخطوط العريضة لصراع سياسي أعمى.

ما هو أكثر إثارة للقلق هو أن هذا الحادث لم يكن صدفة، بل تعبير عن منهجية تتغذى على الخوف من المواطن، على فرضية أن المواطن هو العدو الأول، وعلى الاستعداد لاستخدام القوة المفرطة ضده. وهذا ليس بالأمر الجديد، لكنه يصل إلى ذروته في مثل هذه الحوادث التي تظهر الوجه المظلم للأنظمة التي تضع البقاء فوق كل اعتبار، حتى وإن كان على حساب دماء أبنائها. عسكر الكابرانات، كما وصفهم الكاتب، لا يرون في شعبهم إلا تهديدًا دائمًا، وهذا الوصف يعكس مدى عمق الشرخ بين السلطة والمجتمع، ويرسم صورة قاتمة عن مستقبل منطقة تتخبط في أزمات متتالية.

في الجزائر، يبدو أن العودة إلى الوطن ليست مجرد خطوة جغرافية، بل مغامرة محفوفة بالمخاطر التي قد تفضي إلى الموت، لا لأن الوطن غير مرحب بأبنائه، بل لأن أجهزة الدولة لا تثق بهم ولا تفرق بين العدو والصديق. حالة من التوتر الداخلي المتصاعد، وأسلوب حكم مبني على التخويف والقمع، يجعل من كل لحظة في حياة المواطن احتمالاً لتهديد وجوده، ويجعل من الحدود ساحة لتمثيل مأساة إنسانية حقيقية. فكيف يمكن لمجتمع أن يبني مستقبله على هذه القاعدة؟ وكيف ستظل دول الجوار تشهد على هذا الواقع دون أن تحرك ساكنًا؟

هذه القصة تكشف أكثر من مجرد حادثة عابرة، إنها مرآة لحالة إنسانية وأمنية وسياسية معقدة، تكاد تخنق المواطن وتقتله قبل أن يخطو خطوة في حياته. كما أنها دعوة صريحة لإعادة النظر في العلاقة بين الدولة وشعبها، وإعادة بناء جسور الثقة التي دُمرت. لا بد من مراجعة السياسات الأمنية التي ترهب المواطن بدل حمايته، والتفكير في مستقبل يتخطى الخوف والريبة، ويؤسس لعلاقات إنسانية أكثر رحمة وصدقًا بين الشعوب التي تربطها أواصر الجغرافيا والتاريخ.

ما حدث على شاطئ السعيدية ليس قصة شباب جزائريين فقط، بل قصة كل إنسان يبحث عن الأمان، عن وطن لا يقيده الخوف، عن حقه في العودة إلى حيث ينتمي، عن حقه في الحياة بدون رصاص يقف في طريقه. هذا هو التحدي الحقيقي الذي تواجهه المنطقة، وتجاهله قد يكون فاتورة باهظة يدفعها الجميع في النهاية.



#الشهبي_أحمد (هاشتاغ)       Echahby_Ahmed#          



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مقبرة الصمت: لماذا تخشى الأمم المريضة أصوات المهرطقين؟
- من سيقود المغرب؟ سباق الأحزاب نحو حكومة ما بعد الإحباط
- ابن كيران: سياسة -الزواق- بخطاب -بلا نفاق-
- سبعة دراهم لفنجان قهوة... والقدرة الشرائية في غرفة الإنعاش
- الضباع تلتهم قيمنا
- سردٌ يُنصت لصوت الإنسان العربي بين جذور الماضي وتقلبات الحاض ...
- -شيء من بعيد نادني-: بين الهويّة المتجددة والاغتراب الوجودي
- -متتالية حياة-: نشيد الصبر في زمن الانكسارات الصغيرة
- حكايات الهدوء النبيل في زمن الاضطراب: تأملات الناصر التومي ف ...
- -الوقوف على عتبات الأمس-: كتابة ضد النسيان في زمن القطيعة
- -المتشابهون-: احتجاج ناعم على صمت الأجيال
- قراءة في -عيد ميلاد ميت- لأحمد طايل: حين يتحوّل الموت إلى طق ...
- حين يرقص التعليم على جراحه
- الوطن ككابوس وحلم: تأملات في تناقضات الرواية المغربية «الوطن ...
- حين انفجرت الدار البيضاء... واهتزّ قلب الوطن
- -الطلياني: عندما يصبح العقل آخر ملاذ للبقاء- ـ قراءة نقدية و ...
- الأستاذ... من القسم إلى تيك توك
- حين تُطل الحرب من نافذة كشمير: العالم على حافة الزر النووي
- الكيان الصهيوني: مشروع اغتصاب لا وطن
- الجابري... عقل لا يُنسى


المزيد.....




- تأجيل تبادل الأسرى يعمّق التوتر: كييف تتّهم موسكو بـ-الخداع ...
- وسط تصاعد شبهات الفساد.. عشرات الآلاف يتظاهرون في مدريد ضد ح ...
- اللاجئون بأوروبا وزيف ادعاءات الغرب
- مركز حقوقي يدعو للحفاظ على -اللهجات المحلية-: هناك 500 لهجة ...
- -الأونروا-: جياع غزة يزحفون تحت وابل القصف الإسرائيلي للبحث ...
- صحف عالمية: حماية الأطفال من الموت جوعا أحد أكبر تحديات العا ...
- الأمم المتحدة: الملايين في الساحل الأفريقي بحاجة لمساعدات عا ...
- مصير الأسرى الإسرائيليين في غزة منذ 7 أكتوبر
- مصدر روسي: ملتزمون باتفاق تسليم جثث الجنود الأوكرانيين والأس ...
- سوريا: وثائق سرية تكشف اعتقال وفصل مئات الأطفال عن عائلاتهم ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - الشهبي أحمد - بين رصاص الحدود وظلال الوطن: مأساة العودة في قلب التوتر المغاربي