الشهبي أحمد
كاتب ومدون الرأي وروائي
(Echahby Ahmed)
الحوار المتمدن-العدد: 8363 - 2025 / 6 / 4 - 14:57
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ردا على مقال أحمد الريسوني، في كل مرة تعود فيها صور القوات الإسرائيلية على التراب المغربي إلى الواجهة، ينهض البعض من سباتهم الأخلاقي لينصّب نفسه "ضمير الأمة" و"فم الشعب"، وكأن باقي المغاربة بلا رأي ولا إحساس، وكأن المؤسسات لا وجود لها إلا في البيانات، والأخلاق السياسية لا تُقاس إلا بعلو الصوت في قاعات شبه فارغة.
في مقاله الأخير، رسم أحمد الريسوني صورة بورتريه مثالية لعبد الإله بن كيران، صوّره فيها كآخر رموز "النصيحة السياسية"، و"الزهد في الزواق"، والحارس الأمين لبوابة القيم في المغرب، لا لشيء سوى لأنه قال "لا" لمشاركة الجيش الإسرائيلي في مناورات عسكرية على التراب المغربي.
لكن دعونا نتساءل:
هل النطق بـ"لا" يكفي ليُمنح السياسي صكّ الغفران؟ وهل التاريخ السياسي يُمحى بجملة معترضة؟ وهل الوطنية موقف لحظي يُبثّ على الفيسبوك، أم مسار كامل يتجسّد في القرارات حين كان صاحبنا رئيسا للحكومة وليس مجرّد معلّق على الأحداث؟
أليس هو ذاته ابن كيران الذي وقّع على تمرير قرارات موجعة باسم "الإصلاح" و"الواقعية"، ومنها ما مهّد لسياسات تطبيعية لاحقة، وفتح أبواب الاقتصاد الوطني أمام كل ريح دون مراجعة أو تمحيص؟ ألم يكن من موقع مسؤوليته قادرا على وضع خطوط حمراء واضحة حين كانت له سلطة القرار، وليس فقط حين بات يكتفي ببيانات إنشائية باسم المعارضة الأخلاقية؟
ثم لنقل الأمور بوضوح: من حقّ أي مغربي أن يرفض التطبيع وأن ينتقد مشاركة جنود الاحتلال في أي نشاط على أرض المغرب، لكن من غير المقبول أن يُختزل الشعب المغربي في رأي ابن كيران، وكأن لا أحد غيره نطق أو احتج أو كتب، وأن كل معارضيه هم "زمرة من النابحين" أو "كلنا إسرائيليون" كما جاء في لغة المقال. هذا احتقار صريح لذكاء الناس واختزال فجّ لتعقيدات السياسة في صراع خير وشر على طريقة القصص التبشيرية.
أما حديث الريسوني عن "الصمت الحزبي"، فهو انتقائي بدوره. فقد صدرت بيانات وانتقادات من هيئات ونقابات وشخصيات مدنية، لكنها لا تحظى بنفس الأضواء لأن الإعلام الموجّه يفضل صناعة الأبطال المنفردين لا المواقف الجماعية.
الواقع أن المشكل ليس في أن يقول ابن كيران "لا"، بل في أن تُحوَّل كلمته إلى خطاب دعوي، يُنتزع من سياقه السياسي، ويُقدم كآية أخلاقية، بينما تاريخه السياسي لم يكن دائما على هذا القدر من "النقاء"، ولا أقواله دائمًا على هذا القدر من الثبات.
السياسة ليست مجرد خطب، ولا الوطنية مجرد تنديد لحظي.
الوطنية الحقيقية تُبنى حين يكون للمرء سلطة، لا حين يكتفي بلعب دور المتفرّج الصالح على خرابٍ ساهم فيه بالصمت تارة، وبالاختيار تارة أخرى.
#الشهبي_أحمد (هاشتاغ)
Echahby_Ahmed#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟