حمودة المعناوي
الحوار المتمدن-العدد: 8401 - 2025 / 7 / 12 - 18:31
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
نَظَرِيَّةٌ مَا بَعْدَ الْحَضَارَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ (Post-Human Civilization) هِيَ مَفْهُومُ فَلْسَفِيّ وَعِلْمِي مُسْتَقْبِلِي يَتَنَبَّأ بِحُدُوث تَحَوُّلَات جِذْرِيَّة فِي طَبِيعَةِ الْوُجُودِ الْبَشَرِيِّ، وَ المُجْتَمَعَات، وَحَتَّى الْكَوْنِ نَفْسِهِ، نَتِيجَة لِلتَّقَدُّم التِّكْنُولُوجْيّ وَ الْعِلْمِيِّ الْهَائِل. هِيَ لَيْسَتْ نَظَرِيَّة وَاحِدَة مُوَحَّدَة، بَلْ مَجْمُوعَةٌ مِنَ الْأَفْكَارِ وَالرُّؤَى الَّتِي تَسْتَكْشِف سِينَاريوهَات مُخْتَلِفَةٌ لِلْمُسْتَقْبَل.
الْمَحَاوِر الرَّئِيسِيَّةُ لِنَظَرِيَّة مَا بَعْدَ الْحَضَارَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ
. التَّحَوُّلِ مَا بَعْدَ الْبَشَرِيّ (Posthumanism)
هَذَا هُوَ جَوْهَرٌ النَّظَرِيَّة. يُفْتَرَضُ أَنْ الْبَشَرِيَّةِ، كَمَا نَعْرِفُهَا اليَوْمَ، سَتَّتَجَاوَز حُدُودُهَا الْبَيُولُوجِيَّة وَ الْعَقْلِيَّة الْحَالِيَّةِ. مِنْ خِلَالِ تِقْنِيَات مِثْل التَّحْرِير الْجِينِيّ، الْهَنْدَسَة الْحَيَوِيَّة، دَمْج الْآلَة بِالْإِنْسَان (cyborgization)، وَالْوَاجِهَات الدِّمَاغِيَّة الحَاسُوبِيَّة (BCI)، سَيَتَمَكَّن الْبَشَرِ مِنْ تَحْسِينِ قُدُرَاتِهِم الْجَسَدِيَّة (الْقُوَّة، الْعُمْر، مُقَاوَمَة الْأَمْرَاضُ) وَالْعَقْلِيَّة (الذَّكَاء، الذَّاكِرَة). كَمَا يُعَدّ تَطَوُّر الذَّكَاء الِإصْطِنَاعِيّ إِلَى مُسْتَوَى يَتَجَاوَز بِكَثِير الذَّكَاء الْبَشَرِيّ أَحَد الرَّكَائِز الْأَسَاسِيَّة. قَدْ يُؤَدِّي هَذَا الذَّكَاءِ الِإصْطِنَاعِيّ إلَى تَسْرِيعٍ وَتِيرَة التَّطَوُّر التِّكْنُولُوجْيّ إلَى مُسْتَوَيَات غَيْر مُتَوَقَّعَة. كَمَا أَنَّ الوَعْيَ الرَّقْمِيّ (Mind Uploading) عِبَارَةٌ عَنْ فِكْرَةِ تَحْمِيل الْوَعْيِ الْبَشَرِيِّ إلَى وَسَائِط رَقْمِيَّة، مِمَّا يُمْكِنُ الْأَفْرَادِ مِنْ الْعَيْشِ فِي بَيْئَاتٍ إفْتِرَاضِيَة أَوْ فِي أَجْسَامٍ إصْطِنَاعِيَّة، وَ بِالتَّالِي تَحْقِيق شَكْلٍ مِنَ أشْكَال الْخُلُود الرَّقْمِيّ.
. الْمُجْتَمَعُ مَا بَعْدَ النَّقْص (Post-Scarcity Society)
بِفَضْل الأَتْمَتَّة الْمُتَقَدِّمَةِ، وَالرُوبُوتَات، وَالطِّبَاعَة ثُلَاثِيَّة الْأبْعَاد، وَتَقَنِّيَّات الطَّاقَةُ الْمُتَجَدِّدَة، يَعْتَقِدُ أَنَّ الْمُجْتَمَعَات الْبَشَرِيَّةُ قَدْ تَتَجَاوَزُ مُشْكِلَة النُّدْرَة الِإقْتِصَادِيَّة. قَدْ يُصْبِح إنْتَاج السِّلَع وَ الْخَدَمَات مُتَاحًا وَوَفَّيرا لِدَرَجَةِ أَنَّ الْحَاجَةَ إلَى الْعَمَلِ التَّقْلِيدِيِّ قَدْ تَقِلُّ بِشَكْلٍ كَبِيرٍ، مِمَّا يُغَيِّرُ طَبِيعَة الِإقْتِصَادَات وَ المُجْتَمَعَات.
. التَّوَسُّعُ الْكَوْنِيّ (Space Colonization)
مَعَ تَطَوُّرِ تِقْنِيَات السَّفَر الْفَضَائِيّ، وَالِإسْتِعْمَار الذَّاتِيّ (self-replicating machines)، قَدْ تَتَوَسَّع الْحَضَارَة الْبَشَرِيَّةِ أَوْ مَا بَعْدَ الْبَشَرِيَّةِ إِلَى خَارِجٍ كَوْكَبِ الْأَرْضِ، مُسْتَعْمِرِة الْكَوَاكِبِ، الْأَقْمَار، وَحَتَّى النُّجُومِ. هَذَا التَّوَسُّع قَدْ يُقَلِّلُ مِنْ مَخَاطِرِ الِإنْقِرَاض بِسَبَب الكَوَارِث الْأَرْضِيَّة وَيَفْتَح أَفَاقَا جَدِيدَة لِلْوُجُود.
. تَغَيَّرَ طَبِيعَةِ الْوُجُودِ وَالْقَيِّم
إذَا تَغَيَّرَتْ طَبِيعَةَ البَشَرِ إِلَى كَائِنَات مَا بَعْدَ بَشَرِيَّة، فَسَتَّتَغَيَّر بِالضَّرُورَةِ مَفَاهِيمِنا عَنْ الْهُوِيَّة، الْأَخْلَاق، الْعَدَالَة، الْكَرَامَة، وَ حَتَّى مَعْنَى الْحَيَاة. قَدْ تَنْشَأ أشْكَال جَدِيدَةٍ مِنْ التَّمْيِيزِ عَلَى أَسَاسِ القُدُرَات المُحْسِنَة، أَوْ تَظْهَرُ تَحَدِّيَات أَخْلَاقِيَّة غَيْرَ مَسْبُوقَةٍ تَتَعَلَّق بِحُدُود التَّعْدِيل الْبَشَرِيّ.
. تَحَدِّيَات وَإنْتِقَادَات النَّظَرِيَّة
هَلْ هَذِهِ التَّحَوُّلَاتُ تُهَدِّد الْكَرَامَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ؟ هَلْ سَيَبْقَى هُنَاكَ مَا يُمَيِّزُ الْبَشَرِ إذَا أَصْبَحُوا الَآت أَوْ ذَكَاء فَائِقًا؟ هَلْ سَيُؤَدِّي هَذَا إلَى فَجْوَةً بَيْنَ المُحَسِنِينَ وَ غَيْرُ المُحَسِنِينَ؟ الْعَدِيدِ مِنَ التِّقْنِيَّاتِ الْمُفْتَرَضَة مِثْل الْوَعْي الرَّقْمِيّ لَا تَزَالُ فِي نِطَاقِ الْخَيَال الْعَلَمِيِّ أَوْ الْبُحُوث الْأَوَّلِيَّة جِدًّا. مَنْ سَيُسَيْطِر عَلَى هَذِهِ التِّقْنِيَّات الْقَوِيَّة؟ هَلْ يُمْكِنُ لِلذَّكَاء الِإصْطِنَاعِيّ الْفَائِقِ أَنَّ يُصْبِح تَهْدِيدًا لِلْبَشَرِيَّة؟ هَلْ تُبَالِغ هَذِه النَّظَرِيَّات فِي تَقْدِيرِ قُدْرَّة التِّكْنُولُوجْيَا عَلَى حَلِّ جَمِيع الْمَشَاكِل، وَتُقَلِّلُ مِنْ أَهَمِّيَّةِ الْعَوَامِل الِإجْتِمَاعِيَّةِ، السِّيَاسِيَّةِ، وَالنَّفْسِيَّة؟
نَظَرِيَّةٍ مَا بَعْدَ الْحَضَارَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ هِيَ مُحَاوَلَةٌ لِلتَّفْكِيرِ فِي أَقْصَى حُدُود التَّطَوُّرُ البَشَرِيُّ و التِّكْنُولُوجْيّ، وَ تُثِير أَسْئِلَة وُجُودِيَّة عَمِيقَة حَوْل مُسْتَقْبَلِنَا كَنَوْع.
_ نَظَرِيَّةٍ مَا بَعْدَ الْحَضَارَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ مِنْ وِجْهَة نَظَر فَلْسَفِيَّة
مِنْ وِجْهَة نَظَر فَلْسَفِيَّة، نَظَرِيَّةٍ مَا بَعْدَ الْحَضَارَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ تَطْرَحُ (Post-Human Civilization) مَجْمُوعَة عَمِيقَة مِنْ الْأَسْئِلَةِ و التَّحَدِّيَات الْوُجُودِيَّة، الْمِعْيَارِيَّة، وَالِأنْطِولُوجِيَّة، الَّتِي تَتَجَاوَزُ مُجَرَّد التَّكَهُّنَات التِّكْنُولُوجِيَّة. إنَّهَا تَدْفَعُنَا لِإِعَادَة التَّفْكِيرِ فِي جَوْهَرٍ مَا يَعْنِيهِ أَنْ تَكُونَ إنْسَانًا، وَمُسْتَقْبَل الْوَعْي، وَطَبِيعَة الْوَاقِع.
1. إعَادَةُ تَعْرِيف الْإِنْسَانِيَّة وَالْبَشَرِي (Rethinking Humanity and the Human)
. مَا هُوَ الْإِنْسَانَ؟ (What is the Human?)
إذَا كَانَ بِالْإِمْكَان تَعْدِيل جِينَات الْبَشَرِ، أَوْ دَمجِهم بِالْآلَةِ، أَوْ حَتَّى تَحْمِيل وَعْيِهِم إلَى وَسَائِط رَقْمِيَّة، فَهَلْ سَتَبْقَى الْكَيْنُونَة النَّاتِجَة إنْسَانًا بِالْمَعْنَى التَّقْلِيدِيّ؟ هَلْ الْجَسَدُ الْبَيُولُوجِيّ ضَرُورِيّ لِتَحْدِيد الْإِنْسَانِيَّة؟
. الْحُدُودُ الِأنْطِوَلُوجِيَّة
هَلْ هُنَاكَ حُدُودٌ طَبِيعِيَّةٍ أَوْ فَلْسَفِيَّةٌ لَا يَجِبُ تَجَاوُزُهَا فِي تَحْسِينِ أَوْ تَعْدِيلٍ الْكَائِن الْبَشَرِيّ؟ وَمَا الَّذِي يُفَرَّقُ بَيْنَ التَّحْسِين وَالتَّحْوِيلِ إلَى شَيْءٍ آخَرَ تَمَامًا"؟
. الْوَحْدَة وَالتَّنَوُّع
هَلْ سَيُؤَدِّي هَذَا التَّطَوُّرُ إلَى أَنْوَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ مِنْ الْبَشَرِ أَوْ الْكَائِنَات مَا بَعْدَ الْبَشَرِيَّةِ تَتَفَاوَتُ فِي قُدْرَاتِهَا لِدَرَجَة خَلَق فَجَوَات لَا يُمْكِنُ تَجَاوَزَهَا؟ هَلْ سَيَبْقَى هُنَاك مَفْهُوم النَّوْعِ الْبَشَرِيِّ الْوَاحِد؟
2. أَسْئِلَةٌ حَوْل الْوَعْي وَالذَّات (Consciousness and Self)
إذَا أَمْكَنَ تَحْمِيل الْوَعْيِ الْبَشَرِيِّ إلَى جِهَازِ كَمَبِيُوتَر، فَهَلْ هَذَا الْوَعْيِ سَيَكُون "أَنَا" الْأَصْلِيِّ؟ هَلْ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ نُسَخٍ مُتَعَدِّدَةٍ مِنْ الذَّاتِ؟ وَ مَاذَا يَعْنِي ذَلِكَ لِمَفْهُومِ الْأَصَالَة الْفَرْدِيَّة؟
هَلْ يُمْكِنُ لِلذَّكَاء الِإصْطِنَاعِيّ الْفَائِقِ أَنَّ يُطَوَّر وَعْيًا حَقِيقِيًّا؟ وَ إِذَا فَعَلَ، فَهَلْ سَيُعْتَبَر شَخْصًا لَهُ حُقُوقٌ وَكَرَامَة؟ وَمَا هِيَ مَسْؤُولِيَّةٌ الْبَشَر تُجَاهَه؟
هَلْ الْخُلُود الْبَيُولُوجِيّ أَوْ الرَّقْمِيَّ هُوَ هَدَفُ مَرْغُوب فَلْسَفِيًّا؟ هَلْ يَفْقِد الْحَيَاة مَعْنَاهَا إذَا زَالَ خَطَرِ الْمَوْتِ؟ هَلْ يُمْكِنُ لِلْإِبْدَاع وَالتَّطَوُّر أَنْ يَسْتَمِرَّ فِي غِيَابِ الْحُدُود الزَمَنِيَّة؟
3. الْأَخْلَاقِ وَالْقِيَمِ فِي عَالَمِ مَا بَعْدَ بَشَرِي (Ethics and Values in a Posthuman World)
مَا هِيَ الْحُدُودُ الْأَخْلَاقِيَّة لِلتَّحْسِين الْبَشَرِيّ؟ هَلْ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُتَاحًا لِلْجَمِيعِ؟ هَلْ هُوَ حَقٌّ أَمْ إمْتِيَاز؟ هَلْ هُنَاكَ خَطَرٌ مِنْ التَّمْيِيزِ الْجِينِيّ أَوْ خَلْق طَبَقَات بَيُولُوجِيَّة جَدِيدَة؟ هَلْ لِلْبَشَر مَسْؤُولِيَّة أَخْلَاقِيَّة تُجَاه الأَجْيَال الْقَادِمَة فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِتَعْدِيل طَبِيعَتِهِمْ الْأَسَاسِيَّة؟ وَمَاذَا عَنْ مَسْؤُولِيَّتِهِمْ تُجَاه الإِكْوْينَّات الذَّكَاءُ الِإصْطِنَاعِيّ الْفَائِقِ؟ إذَا أَصْبَحَتْ الإِحْتِيَاجَات الْمَادِّيَّة غَيْرُ مَوْجُودَةٍ (مُجْتَمَعٍ مَا بَعْدَ النُّدْرَة)، فَمَاذَا سَتَكُون الدَّوَافِعِ الْأَسَاسِيَّة لِلْكَائِنَات مَا بَعْدَ الْبَشَرِيَّةِ؟ مَا الَّذِي سَيُعْطِي الْحَيَاةِ مَعْنًى وَهَدَفاً؟ هَلْ سَتُصْبِح الْقِيَمِ الْأَخْلَاقِيَّةِ الْحَالِيَّةُ مِثْلُ الرَّحْمَة، التَّعَاطُف، التَّضْحِيَة ذَات صِلَةٌ فِي هَذَا الْعَالَمِ الْجَدِيد؟
4. طَبِيعَة الْوَاقِع وَالْمَعْرِفَةُ (Nature of Reality and Knowledge)
إذَا أَصْبَحَ الْبَشَر يَعِيشُون بِشَكْل مُتَزَايِدٍ فِي بَيْئَاتٍ إفْتِرَاضِيَة، فَمَاذَا سَتَكُون حُدُودِ الْوَاقِعِ؟ هَلْ سَيُصْبِح الْوَاقِع الْمَادِّيّ أَقَلُّ أَهَمِّيَّةً؟ كَيْف سَتَتَغَيَّر طَبِيعَة الْمَعْرِفَة عِنْدَمَا يَكُونُ هُنَاكَ ذَكَاء إصْطِنَاعِيّ فَائِق قَادِرٌ عَلَى مُعَالَجَةِ الْمَعْلُومَات بِطُرُق تَتَجَاوَز الْفَهْم الْبَشَرِيّ؟ هَلْ سَيُصْبِح الْبَشَر مُجَرَّد مُتَلَقِّينْ لِلْمَعْرِفَة مِنْ هَذِهِ الكِيَّانِات؟
5. الْعَوَاقِب الِإجْتِمَاعِيَّة وَالسِّيَاسِيَّة (Social and Political Implications)
مِنْ سَيُسَيْطِر عَلَى التِّقْنِيَّات الَّتِي تُمْكِنُ مِنْ هَذَا التَّحَوُّلِ؟ هَلْ سَتُسْتَخْدَمُ هَذِهِ التِّقْنِيَّات لِتَرْكيز الْقُوَّةُ فِي أَيْدِي قِلَّة قَلِيلَة؟ كَيْف سَتَتَغَيَّر هَيَاكِل الْمُجْتَمَع وَالسِّيَاسَة فِي عَالَمِ يَتَكَوَّنُ مِنْ كَائِنَات ذَات قُدُرَات مُخْتَلِفَة جِذْرِيًّا؟ هَلْ سَتَسْتَمِرّ الدِّيمُقْرَاطِيَّة أَوْ أَنْظِمَة الْحُكْم الْحَالِيَّة؟
مِنْ وِجْهَة نَظَر فَلْسَفِيَّة، نَظَرِيَّةٍ مَا بَعْدَ الْحَضَارَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ لَيْسَتْ مُجَرَّدَ سِينَاريو مُسْتَقْبَلِي، بَلْ هِيَ دَعْوَةُ مُلِحَّة لِإِعَادَة التَّفْكِير النَّقْدِيِّ فِي مَفَاهِيمِنا الْأَسَاسِيَّةِ عَنْ الْوُجُودِ، الْأَخْلَاق، الْهُوِيَّة، وَالْهَدَف. إنَّهَا تَتَطَلَّب حِوَارًا مُتَعَدِّد التَّخَصُّصَات لِضَمَانٍ أنْ أَيْ تَطَوُّر مُسْتَقْبِلِي يَخْدُم الْكَرَامَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ و الْعَدَالَةِ، وَلَا يُفْضِي إلَى نَتَائِج غَيْر أَخْلَاقِيَّة أَوْ كَارِثِيَّة.
_ تَّسَاؤُلَاتِ فَلْسَفِيَّةِ تَطْرَحُهَا الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَ نَظَرِيَّةٍ مَا بَعْدَ الْحَضَارَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ
إنْ الْعَلَاقَةِ بَيْنَ الْعِلْمِ وَنَظَرِيَّة مَا بَعْدَ الْحَضَارَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ (Post-Human Civilization) هِيَ عَلَاقَةٌ جَوْهَرِيَّة؛ فَالْعِلْمُ هُوَ الْأَدَاةُ وَالْمُحَرِّكُ الَّذِي يُمَّكِنُ مِنْ حُدُوثِ هَذَا التَّحَوُّلِ. وَمَعَ ذَلِكَ، فَإِنْ هَذِهِ الْعَلَاقَةِ تَطْرَحُ مَجْمُوعَةٌ مِنَ التَّسَاؤُلَاتِ الْفَلْسَفِيَّة الْعَمِيقَةِ الَّتِي تَتَحَدَّى الْمَفَاهِيم التَّقْلِيدِيَّة حَوْل الْأَخْلَاق، الْهُوِيَّة، وَالْهَدَف.
1. الأَسْئِلَةُ الْفَلْسَفِيَّة حَوْل الْهُوِيَّة وَالْمَاهِيَّة الْإِنْسَانِيَّة
مَا هِيَ حُدُودٌ الإِنْسَانِ؟ العَلَمِ يُتِيح الْآن تَعْدِيل الطَّبِيعَة الْبَيُولُوجِيَّة لِلْإِنْسَانِ عَبْرَ التَّحْرِير الْجِينِيّ، الْهَنْدَسَة الْحَيَوِيَّة، وَ الدَّمْج بِالْآلَات. فَلْسَفِيًّا، يُطْرَح التَّسَاؤُل كَالْآتِي؛ هَلْ الكَائِنِ الَّذِي تَمَّ تَعْدِيلُه جِذْرِيًّا بِإسْتِخْدَام هَذِه التِّقْنِيَّات مَا زَالَ إنْسَانًا؟ مَا هِيَ السِّمَات الْجَوْهَرِيَّة (الْوَعْي، الْعَوَاطِف، الذَّاكِرَة، الرُّوحُ) الَّتِي تُحَدِّدُ الْإِنْسَانِيَّة؟ وَهَلْ يُمْكِنُ لِلْعِلْمِ أَنْ يُعِيدَ تَعْرِيفِ هَذِهِ السِّمَاتِ؟
هَلْ التَّحْسِين يُقَوِّضُ الْهُوِيَّة؟ إذَا تَمَكَّنَ الْعِلْمِ مِنْ تَحْسِينِ قُدُرَّاتِنَا الْبَدَنِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّة بِشَكْل فَائِق، هَلْ سَيُصْبِح الأَفْرَادِ الَّذِينَ خَضَعُوا لِهَذِه التَّحْسِينَات كَائِنَات ذَات هَوِيِّة مُخْتَلِفَةٌ عَنْ الْبَشْرِ غَيْر الْمُحَسَنِين؟ وَهَلْ سَيَفْقِد مَفْهُوم الْكَرَامَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ الْمُتَأَصِّلَة لِكُلِّ فَرْدٍ، بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ قُدُرَاتِه؟
إذَا تَمَكَّنَ الْعِلْمِ مِنْ تَحْقِيقِ الْخُلُود الْبَيُولُوجِيّ أَوْ الْوَعْي الرَّقْمِيّ (تَحْمِيل الدِّمَاغ)، فَمَاذَا يَعْنِي ذَلِكَ لِمَفْهُومِ الْحَيَاةِ وَ الْمَوْتِ؟ هَلْ يَفْقِد الْخُلُود الْمَعْنَى وَالْقِيمَةُ فِي الْحَيَاةِ، وَاَلَّتِي غَالِبًا مَا تُسْتَمَدُّ مِنْ مَحْدُودِيَّة الْوُجُود؟
2. أَسْئِلَةٌ حَوْل أَخْلَاقِيَّات التَّقَدُّمُ الْعِلْمِيّ وَالْعَدَالَة
إذَا كَانَتْ تِقْنِيَات مَا بَعْدَ الْحَضَارَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ كَالتَّحَسُّين الْجِينِيّ بَاهِظَة التَّكْلُّفِة، فَإِنَّهَا قَدْ تُصْبِحُ حَكْرًا عَلَى الْأَغْنِيَاءِ. فَلْسَفِيًّا، هَلْ يُصْبِح الْعِلْمِ أَدَّاة لِزِيَادَة التَّفَاوُت الِإجْتِمَاعِيّ وَ الْبُيُولُوجِيّ؟ هَلْ يَجِبُ أَنْ تُنَظَّمَ هَذِه التِّقْنِيَّات لِضَمَان وُصُول عَادِل لِلْجَمِيع؟
تُثِيرُ الْعَلَاقَةِ بَيْن الْعِلْمِ وَالرَّأْسِمَالِيَّة سُؤَالًا فَلْسَفِيًّا حَوْل أَخْلَاقِيَّات الْبَحْثُ. هَلْ يَنْبَغِي أَنْ يُوَجَّهَ الْعَلَمِ نَحْوُ الرِّبْح السَّرِيع وَالتَّطْبِيقَات التِجَارِيةِ الَّتِي قَدْ تُؤَدِّي إلَى تَطْبِيقَات تُهَدِّد الْكَرَامَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ كَـالتَّمْيِيز الْجِينِيّ، أَمْ يَجِبُ أَنْ يُرَكِّزَ عَلَى الْبَحْثِ الأَسَاسِيّ لِخِدْمَة الْمَعْرِفَة الْإِنْسَانِيَّة بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ الْمَنْفَعَةِ الْمُبَاشَرَة؟
3. أَسْئِلَةٌ حَوْل الْوَعْي الِإصْطِنَاعِيّ وَمُسْتَقْبَل الْوَعْي
مَعَ تَقَدُّمِ الْعِلْمِ فِي تَطْوِيرِ الذَّكَاء الِإصْطِنَاعِيّ الْفَائِق، يُطْرَح التَّسَاؤُل الْفَلْسَفِيّ حَوْلَ مَا إذَا كَانَتْ هَذِهِ الكِيَّانِات سَتُطَّوِرُ وَعْيًا أَوْ إحْسَاسًا. وَإِذَا حَدَثَ ذَلِكَ، هَلْ سَيَكُونُ لَهَا حُقُوقٌ أَوْ كَرَامَةً؟ وَ كَيْف يُمْكِنُنَا تَحْدِيد ذَلِكَ؟
هَلْ سِيقَلص التَّقَدُّمُ التِّكْنُولُوجْيّ مِنْ وَكَالَةِ الْإِنْسَانِ أَيْ قُدْرَتِهِ عَلَى إتِّخَاذِ الْقَرَارَات الْحُرَّة وَ الْمِسْوَولَة؟ فَإِذَا كَانَتْ حَيَاتِنَا تَعْتَمِد بِشَكْل مُتَزَايِد عَلَى خَوَارِزْمِيَّاتِ الذَّكَاءُ الِإصْطِنَاعِيّ، هَلْ سَيَبْقَى لِلْإِنْسَان سِيَادَة عَلَى مَصِيرُه؟
4. أَسْئِلَةٌ حَوْل السُّلْطَة وَالْمَسْؤُولِيَّة
مِنْ يُحَدِّد الْمُسْتَقْبَل؟ الْعِلْم يُعْطِينَا الْقُدْرَةِ عَلَى تَشْكِيلِ مُسْتَقْبَلِنَا بِشَكْل جِذْرِيّ. فَلْسَفِيًّا، يُطْرَحُ السُّؤَالَ الْآتِيَ؛ مَنْ يَمْتَلِك السُّلْطَة الْأَخْلَاقِيَّة لِتَحْدِيد مَسَارُ الْحَضَارَةِ مَا بَعْدَ الْإِنْسَانِيَّة؟ هَلْ هِيَ الْحُكُومَات، الشَّرِكَات، الْعُلَمَاءِ، أَمْ الْمُجْتَمَع كَكُلٍّ؟
فِي ظِلِّ غِيَابِ أَطِرْ أَخْلَاقِيَّة وَتَشْرِيعِيَّة مُنَاسَبَةُ، يُمْكِن لِلتِّقْنِيَّات أَنْ تُسْتَخْدَمَ لـلِمُرَاقَبَة الشَّامِلَة أَوْ زِيَادَةٍ الْقُوَّةِ أَوْ الرِّبْحِ دُونَ رِقَابَّة، مِمَّا يُهَدَّد الْكَرَامَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ وَالْحُرِّيَّاتِ الأَسَاسِيَّةِ.
الْعَلَاقَةَ بَيْنَ الْعِلْمِ وَنَظَرِيَّة مَا بَعْدَ الْحَضَارَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ تُشْكِل تَحَدِياً فَلْسَفِيًّا كَبِيرًا. إِنَّهَا لَيْسَتْ مُجَرَّدَ مَسْأَلَةِ مَا يُمْكِنُنَا فِعْلِهِ، بَلْ مَا الَّذِي يَجِبُ عَلَيْنَا فِعْلُهُ. تَتَطَلَّبُ هَذِهِ الْعَلَاقَةِ حِوَارًا مُسْتَمِرًّا حَوْل الْقَيِّم، الْأَخْلَاق، وَ الْمَسْؤُولِيَّة لِضَمَانٍ أَنَّ التَّقَدُّمَ الْعِلْمِيَّ يَخْدُم الْكَرَامَةِ الْإِنْسَانِيَّةِ وَيُحَقِّقُ الْعَدَالَةَ لِلْجَمِيع.
#حمودة_المعناوي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟