أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - رانية مرجية - من يستطيع أن يُعرب كلمة “صُمير”؟














المزيد.....

من يستطيع أن يُعرب كلمة “صُمير”؟


رانية مرجية

الحوار المتمدن-العدد: 8382 - 2025 / 6 / 23 - 08:40
المحور: قضايا ثقافية
    


سؤالٌ يبدو للوهلة الأولى بريئًا، لغويًا، تعليميًا، ربما سؤالًا طرحه تلميذ في الصف الثالث، مُتهكّمًا أو بريئًا، في حصة قواعد مهملة، تحت سقفٍ منهك في مدرسة حدودية، بلا طباشير، بلا تدفئة، بلا معنى.
ولكنّ “صُمير”، يا سادة، ليست كلمة عابرة.
إنها جرح لغوي، طعنة في خاصرة المعنى، نداء يتيم من طفلٍ لم تُعلّمه المدارس كيف يكتب “ضمير”، لأنه لم يجد يومًا من يُجسّده له حيًّا.
“صُمير”…
هكذا نطقها، على الأغلب، طفل فلسطيني أرهقه الحصار، نسي كيف يُصاغ الاسم الصحيح، فابتدع الكلمة من رحم حاجته.
قالها بعفوية، فصفّق له رفاقه، وضحك المعلّم، وربما قال له: “اجلس! لا وجود لكلمة كهذه!”
لكنني أقول اليوم، في هذا المقال، إن كلمة “صُمير” يجب أن تُدرّس، تُشرح، تُنقش على جدران الوزارات، تُعَلَّق فوق رؤوس السياسيين، ويُمنح كل طفل فلسطيني وسامًا على اختراعها.
“صُمير” ليست خطأ لغويًا، بل الحقيقة الوحيدة المتبقية من اللغة.
هي المجهول الذي لا يعترف به النحو، لأن الفاعل ضاع، والمفعول هُجّر، والضمير استُشهد.
هي الاسم المنصوب في جملة مفيدة تبدأ بـ”في وطنٍ يُعتقل فيه الحرف”، ولا تنتهي.
هي الفعل الناقص الذي كان يُفترض أن يُكمِل ذاته بالكرامة، لكن الكرامة فُقدت في المعاجم.

منذ سنوات، واللغة تُخاطبنا من عُلوّها الفارغ، بمجازاتها الكبرى وقواعدها الرتيبة.
لكن الطفل الذي قال “صُمير” قلب الطاولة، اخترع كلمة لا قواعد لها إلا الألم، لا اشتقاق لها إلا من الإهمال، لا جمع لها، لأنها مفردة كما اليُتم، وواحدة كما الخيبة.
“صُمير” ليست شيئًا يُعرَب، بل شيء يُبكَى عليه.
هي ضميرٌ مجرورٌ بحرف القهر، مكسورٌ بظرف المكان: “هناك”، في الزاوية التي لا تدخلها الكاميرات.
مرفوعٌ على رايات الصمت، منصوبٌ على المنابر التي تبيع اللغة وتشتري التصفيق.

من يُعرب “صُمير”؟
أيّ أكاديميّ جرّب أن يسأل نفسه، لا طلبته:
أين ذهب الضمير في مناهجنا؟
أين ذهب حين صمتنا أمام مذابح؟
حين صافحنا قاتلينا باسم الواقعية؟
حين استبدلنا الحرية بالتدجين، والمقاومة بالإملاء؟
أي معلّم وقف يومًا وقال لتلاميذه:
“اليوم لن نُعرب الجملة. اليوم سنتأملها. وسنبحث في ضميرها المستتر، إن وُجد”.
“صُمير” هي المرآة المكسورة التي نرى فيها تشوّه لغتنا، تشوّه أنفسنا.
هي كناية عن وطن لم نُجِد التعبير عنه، فاخترعنا له كلمات معطوبة.
هي استعارة لطفل حاول أن يتكلّم بلغة لم تعُد تخصّه، فاخترع لغته الخاصة.

فمن يجرؤ اليوم على إعراب “صُمير”؟
لا أحد.
لأنّ “صُمير” ليست جملة تحتاج إلى تحليل صرفي، بل وطن يحتاج إلى تحليلٍ أخلاقي.
لأن “صُمير” ليست اسمًا ولا فعلًا ولا حرفًا، بل صرخة.
“صُمير” هي الضمير حين يُطفأ، وحين يُستبدل بالمصالح.
هي الضمير حين يصبح علامة تعجب، أو فاصلة تُفصل بين الحقيقة والادّعاء.
فاحفظوها جيدًا:
“صُمير”: اسمٌ ممنوع من الصرف، لأنه لم يُصرف له شيءٌ من العدل.
مرفوعٌ بالرغبة في الحياة، منصوبٌ بالخذلان، مجرورٌ بالهزيمة.
“صُمير” هي قصيدتي القادمة، وأملي القادم، وربما – أخيرًا – لغتي القادمة



#رانية_مرجية (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من قال إن الكنائس لا تُفجّر؟! — دماء مار إلياس تصرخ في شوارع ...
- الرملة واللد ويافا: ثلاثية الجرح الفلسطيني من النكبة إلى معر ...
- الإصغاء كفعل مقاومة: من دورة توجيه المجموعات في مركز ريان، إ ...
- -همسات من الوطن العربي-- قصص قصيرة جداً
- أن تكون مثقفًا يعني أن تشجّع غيرك وتدعمه
- أمي، هل تسمعينني الآن؟
- ارتعاش الخلاص
- حين تنطق الأرض وتبكي السماء
- وصايا لعصر تائه
- يا مَن كُسِرَ قلبه ولم يصرخ، الربُّ معك!
- ثلاث نَفَسات… وإلهٌ واحد لا شريك له
- كيف تفقد وزنك؟
- قلمي
- ⟡ صلاة الأرواح وأهازيج الغياب ⟡
- كيف تصبح وزيرًا في دولة عربية؟
- قراءة في حكمة الفناء من منبر الإنسان الباحث
- “حين تُقصف الهشاشة: ذوو الإعاقة بين نيران الحرب وصمت الدولة”
- حين يغيب الضوء، نبقى نحن”
- الكتابة الإبداعية… حين نداوي الجرح بالحبر
- لن يكون ردًا إيرانيًا… اطمئنوا!


المزيد.....




- حرب غزة: لماذا يتعرض الفلسطينيون من طالبي المساعدات الإنساني ...
- -ما قمنا به في إيران كان رائعًا-.. ترامب: إذا نجحت سوريا في ...
- الاتحاد الدولي للسلة: إعلان هزيمة منتخب الأردن تحت 19 سنة أم ...
- ألمانيا... داء البيروقراطية حاجز بوجه العمالة من أفريقيا
- طهران تبدي -شكوكا جدية- بشأن احترام إسرائيل لوقف إطلاق النار ...
- الحكومة الفرنسية أمام اختبار سحب الثقة
- الموفد الأمريكي إلى سوريا: اتفاقات سلام مع إسرائيل أصبحت ضرو ...
- خبير عسكري: فقدان جيش الاحتلال قوات اختصاصية خسارة لا تعوض
- 40 عاما من الحكم.. الرئيس الأوغندي يترشح مجدّدا للرئاسة
- 47 شهيدا بغزة وعمليات نزوح كبيرة شمال القطاع


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - رانية مرجية - من يستطيع أن يُعرب كلمة “صُمير”؟