أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - منار حسن… حين تكتب المرأة الفلسطينية كي لا تُمحى














المزيد.....

منار حسن… حين تكتب المرأة الفلسطينية كي لا تُمحى


رانية مرجية

الحوار المتمدن-العدد: 8362 - 2025 / 6 / 3 - 11:38
المحور: الادب والفن
    


في حضرة الحكاية، هناك دائمًا من يحاول إقصاء من لا يملك صوتًا جهورًا. وفي حضرة الوطن، هناك دومًا من يختزل البطولة في صورة رجل يحمل بندقية، ويُقصي كل امرأة تحمل صمتًا، دمعة، رحمًا، أو ذاكرة. في خضم هذا الطوفان من التهميش والطمس المتعمد، تُطل علينا منار حسن، لا كباحثة نسوية فحسب، بل كحارسة لذاكرة النساء الفلسطينيات، تلك الذاكرة التي لطالما عاشت على الهامش، في الظلال، خلف السواتر العالية للخطاب الذكوري الوطني والسياسي.

منار حسن لا تُكتب عنها المقالات العابرة، لأنها لا تُشبه المثقفين الذين يجلسون في صالونات التنظير ويتحدثون عن "الهوية" وهم يحملون جوازات سفر مزدوجة ويتنقلون بين المؤتمرات مثل السياح. منار ليست زائرة لذاكرة النساء، هي ابنة هذه الذاكرة، تربّت في ظلها، عاشت ألمها، وقررت أن تقاوم النسيان بالكلمة، والخذلان بالفكر، والإقصاء بالإصرار.

حين أنجزت أطروحتها للدكتوراه حول "النساء، المدينة الفلسطينية، والحرب على الذاكرة"، لم تكن بصدد تقديم ورقة بحثية لاختبار أكاديمي. كانت، كما أتصورها، تفتح قبرًا جماعيًا لذاكرة نسوية تم دفنها عمدًا تحت ركام الوطنية الذكورية. منار نبشت الحكايات المطموسة، استعادت همسات الجدات، طرقت أبواب البيوت الموصدة على أسرار النكبة، ورفعت أصوات النساء اللواتي لم يُسمع صراخهنّ إلا من بطون الذاكرة المحروقة.

إنها تدرك، ونحن ندرك معها، أن الذاكرة ليست حيادية. وأن ما لا يُروى، يُنسى، وما يُنسى، يُمحى. ولهذا اختارت أن تكون شاهدة على زمن اجتمع فيه الاحتلال والقهر الذكوري والليبرالية المزيفة على قتل المرأة الفلسطينية مرتين: مرة في الواقع، ومرة في الرواية.

في بحثها، في مقالاتها، في نشاطها، منار لا تتحدث بلغة مستعارة، بل بلغة النساء الفلسطينيات الحقيقيات – النساء اللواتي أُرغمن على مغادرة حيفا واللد ويافا وأُجبرن على الصمت، النساء اللواتي خضن المخاض في خنادق اللجوء، واللواتي أطعمن أولادهن من فُتات الكرامة. هي تُسميهن بأسمائهن، وتُعيدهن إلى مشهد الحكاية بوصفهن ركائز المجتمع، لا مجرد زينة على الهامش.

منار لا ترى في النسوية رفاهية أكاديمية. بل تُصر على أن النسوية الفلسطينية لا يمكن أن تُفصَل عن المشروع الوطني التحرري، ولا يمكن أن تكون تابعًا لأي خطاب مستورد. لذا أسست تنظيم "الفنار"، ليكون صوتًا نسويًا فلسطينيًا مستقلًا، لا يتلون بحسب الممولين، ولا ينصاع لخطاب الدولة الذكورية التي ما زالت ترى في المرأة أداة سياسية، لا إنسانًا كاملاً له حق الصراخ، الحلم، والكتابة.

في زمن باتت فيه بعض الأصوات تبيع وجع النساء الفلسطينيّات على طاولات "المنظمات غير الحكومية"، وتُمارس نسوية "استعراضية" بلغة إنجليزية صقيلة مفصولة عن واقع النساء في المخيمات والمضارب، منار تنتمي إلى نسوية الأرض والخبز والأمومة والصمت العالي. تنتمي إلى نساء لا يُغنين في المسارح، بل يربّين جيلاً بأكمله في صمت من دون أن يُصفق لهن أحد.

هي تكتب المدينة من منظور أنثوي، لا بمعنى التجميل، بل بمعنى التعرية. تخلع عن المدن الفلسطينية كل زخرفٍ كاذب، وتعيد رسمها من خلال أثر الخطوات النسائية على عتباتها: الأرصفة، المطابخ، شرفات الصبر، وأبواب البكاء. المدينة ليست حجرًا في كتابات منار، بل جسدٌ نسائيٌ جريح. تنزف كما تنزف النساء. ويُعاد بناؤها فقط حين تُعاد لهن أصواتهن.

كلما قرأت نصًا لمنار، شعرتُ بأنني أقرأ مرآتي، مرآة أمي، وجدتي، وكل النساء الفلسطينيات اللواتي مررن على هذه الأرض. هناك صدق في صوتها لا يُشترى. هناك وجع لا يُصطنع. وهناك معرفة لا تأتي من الكتب، بل من الحياة المعاشة، من التناقضات، من المرارة، من الحب القاسي لفلسطين، تلك التي تخذلنا أحيانًا، لكننا لا نتوقف عن حبها.

لذلك أقول، ومن موقع امرأة فلسطينية عاشت وذاكرت:
منار حسن ليست فقط باحثة. هي كاتبة قدرها أن توثق من أجل نساء لا تُوثق حياتهن. هي حارسة لذاكرة من لم يُمنحن الحق بالحكي. وهي شاهدة لا تساوم على صراخ الأنثى وسط ضجيج البنادق.

في عالمٍ يحاول أن يُقصينا من المشهد، منار تُعيدنا إلى المركز. إلى حيث يجب أن نكون.



#رانية_مرجية (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المرأة التي تكتب من حبر الرحيل والنار: في حب ووجع مريم نجمه ...
- جبل الزيتون لا ينحني قصة للأطفال
- سليم نزال… سليل القلم المقاوم وأيقونة الفكر المستنير
- في حضرة الغياب.. بعد خمسة وعشرين عامًا على رحيل فيصل الحسيني
- تركي عامر… شاعر الجليل الذي لا يعود إلى المرعى
- مريم نجمة… ابنة الشمس والموقف والقصيدة
- سوزان دبيني… بين دفء القصيدة وصوت الوجدان
- -في انتظار اللحظة المُطلقة-
- دينا سليم... حين يكتب الغبار سيرة وطن
- شوقية عروق منصور: صوت فلسطين الأصيل بين الشعر والإعلام والقل ...
- إيمان القاسم سليمان… حين يتحول المايكروفون إلى وطن
- أحمد الطيبي… الطبيب الذي أصرّ أن يبقى قلبه في فلسطين ولسانه ...
- -غطوا رؤوسهم أولًا.. لا طفولتي!-
- نداء الجذور
- ‘ عبلين المجد... عندما تُصبح البلدة قصيدة - قراءة جمالية وجد ...
- القرآن والإنجيل… رسالتان من سماء واحدة لفلسطين واحدة
- رنا بشارة: الجرح الفلسطيني في جسد الفن المعاصر
- وحدة المحبة... طريقنا للحرية
- أصوات غير مرئية، كاميرا لا ترتجف: سامية عرموش تقاوم بالمعرفة
- العنصرية تسقط عند سرير الشفاء


المزيد.....




- فنانة لبنانية شهيرة ترد على منتقديها بعد رسالتها إلى أفيخاي ...
- شاما والجو فنانان يعيدان إحياء الثرات المغاربي بلمستهما الخا ...
- فنانة شهيرة توجه رسالة إلى المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي حول ...
- فنانة شهيرة توجه رسالة إلى المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي حول ...
- مكتبة الحجر: كيف تروي محمية الدبابية المصرية قصة مناخ الأرض ...
- ظهور سينمائي مفاجئ.. تركي آل الشيخ ينشر فيديو -مسرب- لزيزو ب ...
- نقابة الفنانين تنعى الفنانة غزوة الخالدي
- ” اضبطها وشوف أفلام العيد” تردد قناة روتانا سينما الجديد 202 ...
- توم كروز يدخل -غينيس- بمشهد مرعب في فيلم -المهمة المستحيلة - ...
- أوبرا دمشق تنتظر تغيير اسمها الرسمي وعودة نشاطاتها الدورية


المزيد.....

- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - منار حسن… حين تكتب المرأة الفلسطينية كي لا تُمحى