أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محيي الدين ابراهيم - حامد عويس شيخ التشكيليين العرب ( الجزء السادس )














المزيد.....

حامد عويس شيخ التشكيليين العرب ( الجزء السادس )


محيي الدين ابراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 8357 - 2025 / 5 / 29 - 08:18
المحور: الادب والفن
    


من الواقعية الاشتراكية إلى رمزية الوطن: تطور الموضوع والرؤية عند عويس:
"الفنان الكبير لا يلتصق بالأسلوب، بل يحرره. وعويس لم يكن ابن الواقعية الاشتراكية، بل والدها الروحي في مصر؛ فحين سقطت الخطابات، بقيت لوحاته تمشي على قدمَي الحلم."
حين نُمعن في تجربة محمد حامد عويس، نكتشف أنها ليست سيرة فنية مجزأة بقدر ما هي ملحمة بصرية متصلة، تتطور مثل نهر يغير مجراه دون أن يفقد ماؤه. بدأت رحلته من الواقعية الاشتراكية، لكنه لم يبق أسيرًا لها، بل عبرها نحو مرحلة أعمق وأغنى: رمزية الوطن، حيث يغدو كل إنسان جزءًا من سردية الأرض، وكل لوحة صلاة جماعية في معبد مصر.
المرحلة الأولى: الالتصاق العضوي بالواقع
في الأربعينيات والخمسينيات، بدأت رسومات عويس تتخذ شكلًا حادًا في ارتباطها المباشر بالواقع الاجتماعي والسياسي. حين انضم إلى جماعة الفن الحديث، عام 1947، كان المشهد المصري يشتعل بالأمل والاحتجاج. فكان طبيعيًا أن يختار الواقعية الاشتراكية، التي تحولت إلى صوت الطبقة العاملة.
إلا أن واقعيته لم تكن فوتوغرافية، ولم تُختزل في الشعارات. لم يكن يسعى إلى تصوير "حقيقة ظاهرية"، بل إلى حقيقة شعورية متجذرة. فلوحاته الأولى، مثل "الخياطة" (1949) و**"التريكو"** و**"المكوجي" (1952)** و**"خروج الوردية" (1953)**، لا تقدم نماذج بشرية محنطة، بل أرواحًا تتنفس داخل طقس مقدّس من العمل والكفاح.
كانت الأجساد ضخمة، الزوايا حادة، الخطوط قوية، والألوان تقشفية، تحمل أثر جماليات المدارس الروسية والمكسيكية التي تماهى معها عويس من خلال رحلاته لإيطاليا ومشاهدته لأعمال ريفيرا وسيكيروس.
وقد نال عن إحدى هذه اللوحات – "العمل" (1956) – جائزة جوجنهايم الدولية، وهي جائزة لا تمنح للفن التشكيلي إلا حين يكون قادرًا على تجاوز الحدود القومية إلى خطاب إنساني كوني. وكما قال الناقد الإسباني كارلوس أريان سنة 1968:
"إن تصوير محمد عويس ينبع من صميم العروبة والإسلام، لكنه يحمل هموم البشرية جمعاء، في لحظة معينة ومكان معين."
المرحلة الثانية: من الاشتراكية إلى الملحمة الوطنية
في الستينيات، ومع تصاعد المد القومي بقيادة جمال عبد الناصر، بدأ عويس يحوّل خطابه من الواقعية الاشتراكية المحضة إلى ما يمكن أن نسمّيه "الرمزية الوطنية الملحمية". لم يعد العامل هو البطل فقط، بل أصبح جزءًا من سردية أكبر: سردية الوطن الذي يتغير، يبني، يحلم، يُخذل، ويقوم من جديد.
من أبرز أعمال هذه المرحلة لوحة "السد العالي"، حيث يتجلى الجسد البشري في أقصى حالات القوة الروحية: رجل عملاق يجلس شامخًا، يتدفّق النيل من بين ساقيه، وتخرج الجماهير من حضنه. ليس مشهدًا وصفياً، بل تحوّل الوطن إلى كائن أسطوري، يتجسد في جسد الفلاح البطل. لم يعد الوطن مجرد أرض وحدود، بل جسدًا طينيًا ونورانيًا معًا، يقطر عرقًا وماءً وأملًا.
ومن خلال هذا التحول، بدأ عويس يؤنسن الرموز، ويمنح الطين نَفَسًا نبوئيًا، فتحوّلت لوحاته إلى نوع من الجداريات الشعبية الكبرى، التي لا تُمجّد السلطة، بل تُمجّد الحلم الجمعي.
المرحلة الثالثة: خيبة النكسة والنظر إلى الداخل
جاءت نكسة 1967 كصفعة مروعة هزّت المجتمع، والفنان عويس لم يكن استثناءً. توقف عن الرسم لفترة، ودخل في صمت وجودي، كأن الصدمة طغت على قدرته التعبيرية. لكنه، كما يروي الناقد عز الدين نجيب، عاد إلى مرسمه وهو يقول:
"لن أرسم السلطة، بل سأرسم من سقطوا معها... وسأعلي من ظلّوا واقفين."
فأنتج لوحة "حماة الحياة" (1968)، ثم "القيلولة" (1961) التي رغم أنها سبقت النكسة، إلا أنها حملت بُعدًا استباقيًا لشعور تعب الأمة. لم تعد الخطوط حادة، بل ناعمة ومنحنية، الألوان أغمق، الملامح أكثر تأملاً، كأن الوطن يعيد ترتيب وجعه الداخلي.
ومع هذه المرحلة، بدأت نزعة صوفية داخلية تتسلل إلى أعماله. لم يكن الحزن عنده انكسارًا، بل تطهيرًا وعيًا عميقًا بأن الفن لا يصنع الانتصار، لكنه يُحصّن الوجدان من الانهيار.
المرحلة الرابعة: العودة إلى الإنسان في زمن الخصخصة
في الثمانينيات والتسعينيات، ومع تراجع الخطاب الاشتراكي وصعود اقتصاد السوق، لم يتخلَّ عويس عن موقعه. لكنه تحوّل من الفنان المقاتل إلى الراهب المعتزل. عاد إلى الإنسان الفرد: العامل المعطّل، الفلاح المتروك، الطفل المتأمل.
في لوحته "البطالة" (1989)، نرى عاملًا قوي البنية، يجلس كأنما يحتضن ذاته، منكسر الرأس، عاجزًا. لا يوجد عمل، لا يوجد ضوء، واللوحة كلها يغمرها لون رمادي باهت، كأن الوطن قد انطفأ. خلفه سور حديدي، وعلى حافة الصورة قطة سوداء وحيدة، وكأنها آخر من تبقّى من الحلم.
هذه المرحلة لم تكن استسلامًا، بل نوعًا من العزوف الصوفي عن صخب الزيف. لم يعد يريد أن يصرخ، بل أن يهمس بما تبقى من حقيقة.
المرحلة الأخيرة: الوطن كحالة وجدانية كونية
بحلول الألفية الجديدة، أصبح عويس "شيخ الرسامين"، لكن لم تذبل فرشاته. ظلّ يرسم، لكن الوطن لم يعد عنده مشروعًا سياسيًا، بل حالة وجدانية، تشبه الابتهال.
في لوحاته الأخيرة، نجد اللون يخفت، والخطوط تلين، والتكوين ينحو نحو التجريد الرمزي، لكنه لا يفقد ملامحه الإنسانية. حتى في آخر أعماله، كانت الفرشاة ترتجف، لكن العين لا تزال تبصر: الرجل الجالس ينتظر شيئًا، المرأة تحمل طفلًا وتمشي، الشمس تشرق ببطء خلف سور حديدي.
لقد انتقل عويس من واقعية الطبقة إلى تجريد الوطن، ومن التظاهرة إلى الصلاة، ومن الحلم الجماعي إلى الذكر الفردي. وهو في كل هذا ظل وفيًّا لحقيقته الأولى: أن الإنسان، في لحظة تعبه، أكثر قداسة من كل الشعارات.



#محيي_الدين_ابراهيم (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أثر الفكر الشيوعي على هندسة الواقع السياسي المعاصر ( الجزء ا ...
- أثر الفكر الشيوعي على هندسة الواقع السياسي المعاصر ( الجزء ا ...
- أثر الفكر الشيوعي على هندسة الواقع السياسي المعاصر ( الجزء ا ...
- حامد عويس شيخ التشكيليين العرب ( الجزء الخامس )
- مذكرات تحية جمال عبد الناصر ( الجزء الخامس - الحلقة الثالثة ...
- العالم الحتمي والإرادة الحرة ( الجزء الثالث والأخير )
- العالم الحتمي والإرادة الحرة ( الجزء الثاني )
- العالم الحتمي والإرادة الحرة ( الجزء الأول )
- بين أختراع الحقيقة وإكتشافها ( الجزء الثاني والأخير )
- بين اختراع الحقيقة وأكتشافها ( الجزء الأول )
- فم الذئب
- الفنان حسن فايق أيقونة الكوميديا
- فيلم معركة الجزائر 1966 وثق كفاح شعب واستغله الأمريكان في غز ...
- قراءة نقدية مقارنة بين أدونيس وأمل دنقل
- مذكرات تحية جمال عبد الناصر ( الجزء الرابع - الحلقة الثانية ...
- الخديوي إسماعيل وبناء مصر الحديثة ( الجزء الثالث )
- حامد عويس شيخ التشكيليين العرب ( الجزء الرابع )
- الخديوي إسماعيل وبناء مصر الحديثة ( الجزء الثاني )
- مذكرات تحية جمال عبد الناصر ( الجزء الثالث - الحلقة الأولى ) ...
- مذكرات السيدة تحية جمال عبد الناصر ( الجزء الأول + الجزء الث ...


المزيد.....




- بعد تكرميه بجائزة الثقافة في مالمو 2025 - محمد قبلاوي ”صناعة ...
- هوليوود.. نهاية حلم صناعة السينما؟
- اكتشاف أثري تحت الركام.. ما مصير القرى الأثرية بعد سقوط نظام ...
- أعلام في الذاكرة.. حكايات شخصية مع رموز ثقافية عراقية وعربية
- -القسطنطينية- يفتتح الدورة السابعة لمهرجان -بايلوت- الروسي ( ...
- بيان رسمي بعد نزاع بين ملحن مصري وحسين الجسمي
- من غرناطة إلى تستور.. كيف أعاد الموريسكيون بناء حياتهم في شم ...
- مايك تايسون يتلقى عرضا مغريا للعودة إلى الحلبة ومواجهة أحد أ ...
- من غرناطة إلى تستور.. كيف أعاد الموريسكيون بناء حياتهم في شم ...
- فنانة وإعلامية مصرية شهيرة تعلن الصلح مع طبيب تجميل شوه وجهه ...


المزيد.....

- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محيي الدين ابراهيم - حامد عويس شيخ التشكيليين العرب ( الجزء السادس )