أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محيي الدين ابراهيم - حامد عويس شيخ التشكيليين العرب ( الجزء الخامس )














المزيد.....

حامد عويس شيخ التشكيليين العرب ( الجزء الخامس )


محيي الدين ابراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 8355 - 2025 / 5 / 27 - 01:05
المحور: الادب والفن
    


أبطال لوحات عويس: الفلاح، العامل، المرأة، والطفل... من التراب إلى الأيقونة:
"ليست البطولة في حمل السيف، بل في حمل المعول. ليست في صرخات النصر، بل في صمت الكدح. في لوحات عويس، يتحول البسطاء من عبيد للطين إلى أنبياء للكرامة."
في عالم محمد حامد عويس، لا وجود للفراغ. فكل تفصيلة، كل وجه، كل يد، كل انحناءة ظهر، كانت كائناً بصرياً مشعاً يُنحت من نور الأرض. لم يرسم النخبة، ولا شُغل بمنابر السياسة، ولا استهوته صرخات النصر في ميادين الخطابة، بل اختار أن يُقيم في هامش الحياة حيث الناس العاديون يصنعون العجائب اليومية دون أن يراهم أحد.
هؤلاء الذين لا تُذكر أسماؤهم في التاريخ، هم أبطال لوحات عويس. الفلاح الذي يحني ظهره في الحقل، العامل الذي ينهض في فجر الشتاء، المرأة التي تخيط بثبات، الطفل الذي يطل بعينين يملؤهما الحلم. كلّهم تحولوا، بفرشاة عويس، من كائنات اجتماعية مهمّشة إلى أيقونات قدسية في محراب الفن، تنبض بالمعنى، وترتّل نشيدًا جديدًا للجمال الحقّ.
الفلاح: الوليّ الحارس لأسرار الأرض
ليس الفلاح عند عويس مجرد رجل يحمل فأسًا أو يدوس على الطين، بل هو السادن الأكبر لمعبد الحياة. في لوحاته، يعلو الجسد الفلاحي بكامل وقاره، قويًا، متينًا، عاريًا من الزيف، مثقلًا بالحقيقة. وهو ليس ضحية، بل صاحب حقّ. يتقدّم الصورة بثبات، كما لو كان يعلم أن الأرض تدور بإرادته، وأن النيل لا يفيض إلا من يديه.
لوحته الشهيرة "الجندي"، التي هي في الحقيقة أنشودة للفلاح المقاتل، تجسّد هذا المعنى بجلاء. يجلس الجسد الفلاحي في المركز، ضخمًا، أبويًا، تخرج من بين ذراعيه الحياة: الناس، الحقول، المعامل، النيل. يحمي الجميع بظله، بصلابته، بسكونه. لا صراخ، لا عنف، بل هدوء الأنبياء وهم ينتظرون المطر.
وهذا الفلاح، في رمزياته الجسدية والبصرية، هو امتداد روحي لتمثال "أبو الهول"، وجذر وجودي لأهرامات النهوض. لم يكن الفلاح عند عويس بحاجة إلى رمح، فالأرض كانت رمحه، والسماء كانت عينه، والعرق كان دمه المقدس.
العامل: المقاتل الصامت في معركة الوجود
أما العامل، فله مكانة تكاد تكون متطابقة في القيمة، لكن مختلفة في السياق التعبيري. العامل هو الفعل اليومي الصامت، لا يملك أرضًا لكنه يملك الإرادة. يتكرر في أعمال عويس مثل اللازمة الصوفية، يحمل المطرقة أو يسير في صفوف، ينهض مع النشيد الوطني، يدخل المعمل كما يدخل العابد محرابه.
في لوحته "العمال في الصباح" (1953)، يرسم عويس صفًا من العمال يتقدمون في برد الشتاء، وجوههم متجهمة لكن عيونهم ممتلئة، خطواتهم راسخة، والأفق خلفهم مفتوح على ضوء رمادي باهت، وكأن الشمس تنتظرهم كي تشرق. الرسم هنا ليس تسجيلًا لحدث، بل تأليهٌ لحالة الوجود الجماعي: طقس قداسي جديد يُحتفى فيه بالعامل كقديس.
اللون الرمادي الذي يكسو ملابسهم، هو لون الطين حين يجفّ، ولون الصخر حين يبرد، ولون الغيم حين يتأهب للانهمار. كل عنصر في الصورة يوحي بأن هؤلاء الرجال ليسوا مجرد كادحين، بل هم صانعو الزمن الجديد، ومَن دونهم، لا وطن ولا حكاية.
المرأة: تجلّي العذوبة والجلَد والحياة
المرأة في لوحات عويس ليست رمزا للأنوثة بمعناها الغريزي أو الجمالي السطحي، بل هي رمز للإثمار والاتزان والتحمل. تمثل المرأة العاملة، الأم، الزوجة، الخياطة، المربية، الزميلة، وأحيانًا – بشكل غير مباشر – صورة الوطن ذاته.
في لوحاته مثل "الخياطة" أو "التريكو"، نرى امرأة غارقة في عملها، يداها منهمكتان، عيناها تسرحان في الأفق، وعلى شفتيها شيء من صبر النخلات، وقوة الجذور. ليس في وضعها شيء من التكلف، بل كل شيء فيها طبيعي، واضح، بليغ. تعمل بصمت كأنها تصلّي.
المرأة هنا ليست منكسرة ولا فاتنة، بل محور صلب في العائلة والبنية الاجتماعية. حتى حين تكون حزينة، فهي تحزن بنبل، كما تحزن الأمهات حين يُقصّ الجناح من فراخهن ولا يظهر الحزن في دموعهن، بل في العين الواسعة الساهمة التي تنظر إلى مكانٍ لا نراه.
الطفل: عين البراءة التي تبشّر بالغد
الأطفال عند عويس هم الآتون من الغد، الحالمون دون أن يعرفوا أنهم يحلمون. وجوههم دائرية، ناعمة، لكن عيونهم حادة، متسعة، كأنهم رأوا ما لم نره بعد. الأطفال في أعماله لا يبتسمون كثيرًا، ولا يلعبون، بل يراقبون، ويصمتون، ويشبهون الأنبياء الصغار الذين عرفوا المعاناة قبل الكلام.
في إحدى اللوحات، يجلس طفل بجانب أمّه، يمدّ يده نحو ورقة، كأنه يحاول أن يكتب، أو يرسم، أو يستعيد شيئًا فُقد من زمن. الطفل هنا هو الرهان المضيء وسط العتمة، هو مشروع المستقبل، لكنه لا يأتي مغلفًا بالأمل المعلّب، بل يحمل وجعًا كامناً في العين، ووصية غير منطوقة من الأجداد.
البساطة كبنية روحية
لقد اختار عويس أن يرسم هؤلاء الناس ببساطة متعمدة، تشبه الطريقة التي يحكي بها الفلاحون حكاياتهم: بدون تزويق، بدون خداع، بكلمة واحدة في الغالب تُقال فتفهمها الأرض والسماء معًا.
لكن هذه البساطة لم تكن ضعفًا، بل كانت أداة روحية دقيقة. فالفن عنده ليس "مسرحًا"، بل "ضريحًا"، واللوحة ليست "عرضًا"، بل "تجليًا". ولذلك، حين نتأمل هذه الوجوه – فلاح، عامل، امرأة، طفل – نشعر أننا في حضرة شيء يتجاوز الواقع: نحن في حضرة الوجود في أنقى حالاته.
في عالم عويس، أبطال اللوحة ليسوا من العظماء، بل من العُمّال. لا يحكمون، بل يُحمَل الوطن على أكتافهم. لا يُرفعون على منابر، بل يصعدون ببطء نحو المجد الداخلي، مجد الطين الذي يتحول في يد الفنان إلى ذهب روحي خالد.



#محيي_الدين_ابراهيم (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مذكرات تحية جمال عبد الناصر ( الجزء الخامس - الحلقة الثالثة ...
- العالم الحتمي والإرادة الحرة ( الجزء الثالث والأخير )
- العالم الحتمي والإرادة الحرة ( الجزء الثاني )
- العالم الحتمي والإرادة الحرة ( الجزء الأول )
- بين أختراع الحقيقة وإكتشافها ( الجزء الثاني والأخير )
- بين اختراع الحقيقة وأكتشافها ( الجزء الأول )
- فم الذئب
- الفنان حسن فايق أيقونة الكوميديا
- فيلم معركة الجزائر 1966 وثق كفاح شعب واستغله الأمريكان في غز ...
- قراءة نقدية مقارنة بين أدونيس وأمل دنقل
- مذكرات تحية جمال عبد الناصر ( الجزء الرابع - الحلقة الثانية ...
- الخديوي إسماعيل وبناء مصر الحديثة ( الجزء الثالث )
- حامد عويس شيخ التشكيليين العرب ( الجزء الرابع )
- الخديوي إسماعيل وبناء مصر الحديثة ( الجزء الثاني )
- مذكرات تحية جمال عبد الناصر ( الجزء الثالث - الحلقة الأولى ) ...
- مذكرات السيدة تحية جمال عبد الناصر ( الجزء الأول + الجزء الث ...
- حامد عويس شيخ التشكيليين العرب ( الجزء الثالث )
- القفز من نافذة الحكاية
- الخديوي إسماعيل وبناء مصر الحديثة: أول برلمان، وأول تعليم مج ...
- النجمة فاتن حمامة وجه القمر سيدة الشاشة العربية


المزيد.....




- فنانة وإعلامية مصرية شهيرة تعلن الصلح مع طبيب تجميل شوه وجهه ...
- الكتابة في زمن الحرب.. هكذا يقاوم مبدعو غزة الموت والجوع
- أداة غوغل الجديدة للذكاء الاصطناعي: هل تهدد مستقبل المهن الإ ...
- نغوغي وا ثيونغو.. أديب أفريقيا الذي خلع الحداثة الاستعمارية ...
- وجبة من الطعام على الرصيف تكسر البروتوكول.. وزير الثقافة الس ...
- بنعبد الله يعزي أسرة الفقيدة الممثلة المغربية نعيمة بوحمالة ...
- فيلم رعب في السينما يتحول إلى واقع (فيديو)
- جوان رولينغ توافق على الممثلين الرئيسيين لمسلسل -هاري بوتر- ...
- هتتذاع النهاردة مترجمة؟ موعد عرض مسلسل المؤسس عثمان 193 عبر ...
- وفاة الكاتب الكيني المشهور نغوغي وا تيونغو عن 87 عاما


المزيد.....

- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محيي الدين ابراهيم - حامد عويس شيخ التشكيليين العرب ( الجزء الخامس )