الخديوي إسماعيل وبناء مصر الحديثة ( الجزء الثالث )

محيي الدين ابراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 8343 - 2025 / 5 / 15 - 14:03
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

الخديوي إسماعيل صاحب أول برلمان، وأول تعليم مجاني، وأول إنصاف للفلاح:
الفصل الثالث: تحرير الفلاح المصري – من عبودية السخرة إلى صوت البرلمان
لم تكن مسألة التعليم فقط هي ما شغل بال النواب في أول برلمان مصري، بل إن معاناة الفلاح المصري تحت وطأة السخرة، والإقطاع، ونظام "العهد"، كانت على رأس الأولويات الوطنية التي استحوذت على اهتمامهم. لقد أدرك النواب – بما فيهم من كبار ملاك وأبناء المديريات – أن نهضة مصر لا يمكن أن تقوم وفلاحوها عبيد في الحقول.
السخرة في مرمى النواب: اقتراح هلال بك ونواة الإصلاح
كان هلال بك، نائب مديرية الدقهلية، من أوائل من فجّروا قضية السخرة، حين تقدّم باقتراح ينادي بضرورة وضع نظام قانوني يخفف وطأتها، ويكفل العدالة في توزيع أعبائها، إن لم يكن إلغاؤها كليًا.
أُحيل الاقتراح إلى لجنة سُميت بـلجنة العمليات، وتكوّنت من:
محمد بك سعيد
حسن أفندي شعراوي
يوسف محمد
السيد أحمد الشريف
الشيخ محمد الصيرفي
لم تكن اللجنة منعزلة عن الواقع التنفيذي، بل اشترك معها في المناقشات عدد من كبار رجال الدولة والمهندسين:
إسماعيل باشا صديق (مفتش عموم الأقاليم)
سلامة بك إبراهيم (مفتش هندسة الوجه البحري)
ثاقب باشا (مفتش هندسة الوجه القبلي)
علي بك مبارك (رئيس هندسة المعية السنية)
التقرير الثوري: عدالة داخل المعاناة
انتهت اللجنة إلى تنظيم السخرة لا على أساس الإلغاء الفوري – الذي لم تكن ظروف الدولة تسمح به – بل على أساس اعتبارها من المنافع العامة، وفرضها فقط على الذكور من سن 18 إلى 50، وبالتساوي، مع إجراء إحصاء لتحديد من يُستدعى إليها بالدور. ورغم أن هذه الصيغة لم تنهِ السخرة، فإنها جعلتها خاضعة لضوابط تُخفف من وطأتها وتجعلها أقل تعسفًا.
وافق المجلس على التقرير بالإجماع، وكان ذلك أول تدخل نيابي يُقيّد سلطة الحكومة في تسخير الأهالي.
ضريبة المواشي: حين تحوّلت السخرة إلى عبء مزدوج
استتبعت مناقشات السخرة اقتراحًا من الحكومة بفرض ضريبة على المواشي الزراعية لتمويل الأدوات المستخدمة في الأشغال العامة. وافق المجلس على مضض على فرض:
20 قرشًا على الأبقار والثيران والجاموس والبغال
30 قرشًا على الجمال
10 قروش على الحمير
واستُثنيت مواشي المدن والبنادر. ورغم أن الضريبة أقرت، إلا أن الجدل كشف حساسية النواب تجاه مصالح الفلاحين.
قضية "العهد": إلغاء وساطة الإقطاعيين بين الفلاح والدولة
جاءت الضربة الثانية للإقطاع عبر مقترح ميخائيل أفندي أثناسيوس، نائب المنيا، الذي طالب بإلغاء نظام "العهد"، وهو النظام الذي كانت الحكومة تُسند فيه جباية ضرائب القرى إلى أعيان يتكفّلون بتحصيل المال مقابل امتيازات، مما أدى إلى استغلال صارخ للفلاحين.
أيد المقترح الحاج يوسف عبد الفتاح، الذي قدّم شهادة موثّقة عن كيف كان بعض المتعهدين يستخدمون هذا النظام لتسخير الفلاحين في مزارعهم الخاصة.
شُكّلت لجنة لبحث الاقتراح ضمّت:
الشيخ العدل أحمد
أحمد علي
الحاج شتا يوسف
أحمد عبد الصادق
محمد الوكيل
وفي جلسة 16 شعبان 1283 هـ، أقرّ المجلس بالإجماع إلغاء نظام العهد ابتداءً من السنة التالية، وهو قرار نفذته الحكومة بناء على إرادة البرلمان.
قضية الأراضي الزائدة: فلاح حر يملك أرضه
اقترح هلال بك مجددًا إضافة الأراضي الناتجة عن زيادة المساحة أو تجفيف المستنقعات إلى ملكية الفلاحين القريبين منها بأسعار رمزية أو مجانًا.
ناقشت لجنة العهد هذا المقترح بحضور:
إسماعيل باشا صديق (كممثل للحكومة)
انتهت الجلسة بقرارات جريئة:
بيع أطيان الجزائر بسعر إيجارها عن ثلاث سنوات
منح أطيان البور مجانًا لمن يرغب في استصلاحها مع إعفاء ضريبي مؤقت
تخصيص أطيان البراري مجانًا مع إعفاء ضريبي لمدة 15 سنة
وافق الخديوي على القرار، وأضاف سنوات للإعفاء الضريبي تشجيعًا للفلاحين.
نحو قرية أكثر عدالة: ضبط الجباية وتقييد العقوبات
اقترح محمد أفندي حمادي من جرجا تنظيم عملية تحصيل الضرائب لمنع التلاعب من جانب الصيارفة والشهود، وتم تشكيل لجنة بناءً على اقتراحه. كما طالب سليمان أفندي الملواني بإلغاء ضرب العمد، وهو ما أيده الشيخ محمد الشواربي، ووافق المجلس على ذلك بعدما أُبلغ أن الحكومة تنقّح القوانين لإلغاء الضرب كليًا.

#محيي_الدين_ابراهيم (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات