أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محيي الدين ابراهيم - حامد عويس شيخ التشكيليين العرب ( الجزء الرابع )














المزيد.....

حامد عويس شيخ التشكيليين العرب ( الجزء الرابع )


محيي الدين ابراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 8344 - 2025 / 5 / 16 - 10:07
المحور: الادب والفن
    


تكوين اللغة التشكيلية عند عويس: اللون، الخط، البناء، والتقنية:
"ليست الألوان إلا أدعية، والخطوط إلا أذكارًا، والبناء التشكيلي محراب ينذر له الفنان روحه كلما انحنت يداه على القماش."
في حياة محمد حامد عويس، لم تكن العناصر التشكيلية مجرد أدوات تعبير، بل كانت وسائط سرية، أشبه بحروف أذكار يتلوها في خلوته الإبداعية الطويلة. لم يكن يرسم كما يرسم الآخرون، بل كان يتعبد باللون، ويتأمل في الخط، ويتنسك في التكوين. كان يرى في القماش الأبيض ساحة طهارة يجب ألا تُدنّس إلا بما يليق، فكل بقعة لون، وكل امتداد خط، وكل مفردة بنائية، كانت تؤدى عنده بكثافة نية لا تقل عن صلاة.
اللون: إشراقات القلب لا طيف الضوء
حين يتحدث النقاد عن تجربة عويس اللونية، فإنهم غالبًا ما يربطونها بتأثره بمدارس مثل الحوشية (الفوفية) ومثل ماتيس وبيكاسو. وهذا صحيح من حيث التقنية. لكنه، على نحو أعمق، كان يتعامل مع اللون كما يتعامل المتصوف مع نور الله: لا باعتباره مادة بصرية، بل حالة وجدانية تؤسس لحقيقة أعلى.
كان يبحث، كما في رؤيا صوفية، عن "لون متوهج"، ذلك التوهج الذي لا يأتي من خلطات الطلاء، بل من الاحتراق الداخلي في صدر الفنان. ألوانه ليست غنية وفيرة، بل مقتصدة، منتقاة، تُمنح للوحة كما تُمنح البركة للمحروم. وكأنه كان يردد في نفسه: "اللون الزائد يفسد النية".
وقد بلغت هذه الفلسفة أوجها في عمله الأثير "الصياد والسمكة"، حيث اقتصرت البقع اللونية على درجات ضيقة، لكن كل درجة منها مضمخة بروح التصميم وبهاء التكوين. اللون عنده لا يغري العين بقدر ما يستدرج البصيرة إلى عالمٍ من المعنى، وكأن لوحة عويس لا تُشاهد، بل تُذاق كما يُذاق الذكر الخافت في سكون الليل.
الخط: النَّفَس الصاعد من القلب إلى القماش
أما الخط، ذاك الرفيق السري للفنان، فهو عند عويس ليس تخطيطًا، بل تنفسًا. كل خط في لوحاته مرسوم بعين داخلية، عين عرفت الطين حين كان رطبًا، وعرفت الجسد حين كان مرهقًا، وعرفت الوجوه حين كانت تصلي وهي تعمل.
الخطوط في أعماله تحمل إيقاعًا متزنًا كإيقاع السبح في اليد، فهي لا تتكسر، ولا تتعثر، بل تنمو كما تنمو الشجرة من الجذر إلى العرش. هي خطوط حية، كأنما تهتز من ذكر، أو ترتجف من دعاء. ولا غرو أن كثيرًا من خطوطه تستدعي حركة الدوران والانحناء، كأنها مستلهمة من حلقات الذكر، من الرقص الصوفي، من حركة الفلك التي يراها المتصوف مرآة للروح في طوافها الأبدي حول الله.
لقد أدرك عويس أن الخط لا يرسم الشكل فقط، بل يرسم النية والمعنى والإيقاع الباطني، ولهذا جاءت خطوطه كما يصفها النقاد: "رشيقة، ناعمة، ذات عضوية حيّة"، لا تقف عند حدود الجسد، بل تتسلل منه إلى جوهره، تحاكي انحناءة الظهر لا كعلامة على الكد، بل كركوع صوفي أمام قدَر الأرض.
البناء التشكيلي: المعمار الروحي للإنسان
تأمل التكوين في لوحات عويس، ستدرك فورًا أنك أمام بناء متكامل أشبه بالقباب والزخارف والتكايا. فالصورة عنده ليست مجموعة من العناصر الموزعة اعتباطيًا، بل هندسة داخلية تتناغم مع قوانين صوفية دقيقة: اكتمال الجزء هو شرط اكتمال الكل، والتوازن لا يتحقق إلا حين تكتمل كل ذرة من اللوحة، تمامًا كما يؤمن المتصوف أن كل حرف في اسم الله يحمل التجلي الكامل له.
إن أعماله، وخصوصًا "الصياد والسمكة"، تظهر قدرة نادرة على تحقيق هذه المعادلة الصعبة: كل جزء من اللوحة له استقلاليته البنائية ومعناه الداخلي، لكنه في الآن ذاته جزء من نسيج محكم لا يقبل الانفصال. حركة الذراع تعانق حركة السمكة، والخط المنحني في الشراع يتقاطع مع الخط النازل من الكتف، في دوامة داخلية تُدخل العين في حالة تأملية لا شعورية.
كان يؤمن أن اللوحة يجب أن تُغلق على ذاتها، كما تُغلق الحضرة على أهلها، لا تخرج منها حركة، ولا تتسرب إليها عناصر غريبة. وهذا ما يجعل أعماله تحمل حدة داخلية من التركيز والانغلاق التأملي، كأنها سور روحاني يمنع التشويش، ويسمح فقط بالذوبان في المعنى.
التقنية: التوحد مع الأداة حتى الذوبان
أما على مستوى الأداء التقني، فقد ابتكر عويس طريقته الخاصة التي تشبه طقوس العارفين. كان يقص نصف شعيرات الفرجون (الفرشاة)، حتى تصبح خشنة وصلبة، ويستخدم فقط الأرقام الصغيرة، كأنما يرفض الانزلاق إلى السهولة، ويختار التعب كوسيلة للوصول.
إن عويس، كما يروى عنه، لم يكن "يفرش اللون"، بل "يدمجه" في القماش حتى يصبحا شيئًا واحدًا. لم تكن الفرشاة تفصل بينه وبين القماش، بل كانت مثل أصابعه. التقنية عنده ليست استعراضًا، بل نوع من الانمحاء داخل المادة. فكما يذوب العاشق في المعشوق، كان عويس يذوب في اللون، في الخط، في قماشة اللوحة، حتى لا يبقى إلا الأثر: لوحة تشبه أثر السجود على جبهة القلب.
إن هذه العلاقة الحميمة مع الأدوات تذكرنا بالمتصوف حين يختار مسبحة من خشب الزيتون لا من ذهب، لأنها تشبه الأرض وتحتمل دموع الأصابع. كذلك كانت أدوات عويس: بسيطة، متقشفة، لكنها تحمل نورًا داخليًا من العشق والعمل والمجاهدة.
بهذا البناء الفني المتكامل، تشكلت لغة عويس التشكيلية، لا بوصفها خطابًا بصريًا فحسب، بل بوصفها لغة روحية تصعد من الطين إلى السماء، ومن الجسد إلى المعنى، ومن العمل إلى العشق.



#محيي_الدين_ابراهيم (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الخديوي إسماعيل وبناء مصر الحديثة ( الجزء الثاني )
- مذكرات تحية جمال عبد الناصر ( الجزء الثالث - الحلقة الأولى ) ...
- مذكرات السيدة تحية جمال عبد الناصر ( الجزء الأول + الجزء الث ...
- حامد عويس شيخ التشكيليين العرب ( الجزء الثالث )
- القفز من نافذة الحكاية
- الخديوي إسماعيل وبناء مصر الحديثة: أول برلمان، وأول تعليم مج ...
- النجمة فاتن حمامة وجه القمر سيدة الشاشة العربية
- حامد عويس شيخ التشكيليين العرب ( الجزء الثاني )
- شيخ الفنانين التشكيليين المصريين حامد عويس ( الجزء الأول )
- القنوات الوثائقية وساحات النفوذ: كيف تصنع القنوات الوثائقية ...
- مصر القديمة... مهد الإخراج المسرحي وجذور الدراما الإنسانية:
- مسرح الطليعة يحيي الذكرى ١٥٠ لوفاة -بيزيه- ...
- الإسقاط النجمي: بين التجربة الباطنية والبنية الرمزية
- المسرح النفسي: جدلية السيكودراما والعلاج بالدراما
- ماذا تبقى من القومية العربية؟
- المسرح المصري ١٩٨٠ - ٢٠& ...
- الكتاب الأكثر مبيعا في العالم لعام ٢٠٢ ...
- من أراد الحرية .. عليه أن يستعد للموت
- رواية دعاء الكروان حين تكون المرأة الشرقية ضحية لثلاثية المو ...
- النشيد الأول للعشق


المزيد.....




- في سابقة تاريخية.. CNN تعرض مسرحية لجورج كلوني في بث مباشر م ...
- “مفيش زن وعياط من تاني” اضبط فورا تردد قناة طيور الجنة 2025 ...
- بيبر يكشف حقيقة تعرضه لاعتداء جنسي من طرف ديدي حين كان مراهق ...
- ضباط القوات المسلحة الإندونيسية سيتعلمون اللغة الروسية
- -10 قصص عن الحب والموت-.. مسلسل تلفزيوني عن أحداث دونباس
- بعد غياب 3 سنوات.. توم كروز يعود إلى مهرجان كان بفيلم -المهم ...
- مهرجان كان السينمائي في دورته الـ78: خمسة أفلام عربية تنافس ...
- فاز بجائزة -بوليتزر- الأميركية .. مصعب أبو توهة: نحلم بالعود ...
- نواف سلام بمعرض بيروت الدولي للكتاب: مستقبل الأوطان يُبنى با ...
- -باريس السوداء-.. عندما كانت مدينة الأنوار منارة للفنانين وا ...


المزيد.....

- اقنعة / خيرالله قاسم المالكي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محيي الدين ابراهيم - حامد عويس شيخ التشكيليين العرب ( الجزء الرابع )