الخديوي إسماعيل وبناء مصر الحديثة ( الجزء الثاني )

محيي الدين ابراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 8343 - 2025 / 5 / 15 - 07:35
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    

الخديوي إسماعيل صاحب أول برلمان، وأول تعليم مجاني، وأول إنصاف للفلاح:
الفصل الأول: مجلس شورى النواب – ولادة البرلمان المصري من رحم الاستبداد:
في خريف عام 1866، ارتسمت على ضفاف النيل ملامح بداية غير مألوفة في تاريخ مصر السياسي، إذ شهدت البلاد أول محاولة جادة لإنشاء نظام نيابي تمثيلي، حين أصدر الخديوي إسماعيل أمره بتأسيس مجلس شورى النواب. لم يكن هذا المجلس ثمرة ضغط خارجي ولا تقليدًا أعمى للغرب، بل كان جزءًا من رؤية إسماعيل لتحديث بنية الدولة المصرية وتحويلها إلى كيان حديث ينبض بالمؤسسات.
الإرهاصات الأولى: من المجلس الخصوصي إلى أول مجلس نيابي
في يوم 22 أكتوبر سنة 1866، اجتمع المجلس الخصوصي برئاسة الخديوي إسماعيل، وبحث أمرًا لم تعرفه مصر منذ زمن طويل: تأسيس مجلس شورى يمثل أهالي البلاد. انتهت المداولات إلى وضع لائحتين أساسيتين: اللائحة التأسيسية التي تنظم انتخاب الأعضاء، واللائحة النظامية التي تحدد إجراءات العمل داخل المجلس.
حددت اللائحة التأسيسية أن يتكوّن المجلس من 75 عضوًا، ينتخبهم عمد البلاد ومشايخها في المديريات، والأعيان في المحافظات. يُشترط في المرشح ألا يقل عمره عن 25 عامًا، وألا يكون قد صدر ضده حكم جنائي أو إفلاس. أما مدة العضوية فكانت ثلاث سنوات، ويُعقد المجلس مرة واحدة سنويًا.
حفل الافتتاح والخطاب التأسيسي: ميلاد بصيغة العرش
في 25 نوفمبر 1866، افتتح الخديوي إسماعيل بنفسه المجلس في مقرّه بالقلعة. رافقه في هذه اللحظة التاريخية عدد من أبرز رجال الدولة:
إسماعيل راغب باشا: عُيّن رئيسًا للمجلس.
شريف باشا: وزير الداخلية.
حافظ باشا: وزير المالية.
عبد الله باشا عزت: رئيس مجلس الأحكام.
إسماعيل باشا صديق: مفتش الأقاليم.
رياض باشا: المهردار (حامل الختم).
خيري بك: كاتب الخديوي.
في خطبته التأسيسية، قال إسماعيل ما نصه: "كثيرًا ما كان يخطر ببالي إيجاد مجلس شورى النواب، لأنه من القضايا المسلمة التي لا يُنكر نفعها ومزاياها... فلذا استنسبت افتتاح ذلك المجلس بمصر، يتذاكر فيه المنافع الداخلية، وتبدى به الآراء السديدة، وتكون أعضاؤه متركبة من منتخبي الأهالي، ينعقد بمصر في كل سنة مدة شهرين".
هيكل المجلس وسلوك العمل البرلماني
تكوّن المجلس من عدة لجان تخصصية، وتوزع العمل بين الأعضاء، كما كفل لهم الحصانة البرلمانية أثناء الانعقاد. حدّدت اللائحة أن يُختار رئيس المجلس ووكيله بأمر من الخديوي، وأن تُصرف للأعضاء نفقات الانتقال والطعام.
وقد أقرّت اللائحة الآتي:
لا يُعقد المجلس في شهر رمضان.
لا تُقبل استقالة الأعضاء أثناء الدورة.
يجوز استدعاء الوزراء والمسؤولين الفنيين للمساءلة.
تُنشر جلسات المجلس في الجريدة الرسمية.
المقترحات الأولى: إشارات إلى حيوية سياسية مبكرة
بدأ أعضاء المجلس منذ دورته الأولى في تقديم مقترحات تتعلق بمصالح الشعب. وكان أكثر من تقدّموا بالمقترحات هم:
هلال بك (نائب الدقهلية): اقترح بحث مسألة السخرة.
إبراهيم أفندي الشريعي (رئيس لجنة المنيا): اقترح تقسيط الأموال الأميرية.
سليمان أفندي عبد العال (أسيوط): اقترح تنظيم المعاملات المدنية.
ميخائيل أفندي أثناسيوس (المنيا): طالب بإلغاء نظام العهد.
محمد أفندي حمادي (جرجا): اقترح تنظيم جباية الأموال.
سليمان أفندي الملواني (الغربية): دعا إلى إلغاء عقوبة الضرب.
تمت مناقشة هذه المقترحات داخل المجلس وأُحيلت إلى لجان متخصصة، ضمّت نخبة من النواب مثل: محمد بك سعيد، حسن أفندي شعراوي، السيد أحمد الشريف، عمر أفندي أبو يحيى، محمود حمودة، علي سيد أحمد، وأحمد أفندي أباظة.
شارك في المناقشات وزراء ومسؤولون كبار، أبرزهم:
حافظ باشا (وزير المالية): شرح عجز الحكومة عن تعديل مواعيد دفع الضرائب بسبب التزامات الدين العام.
شريف باشا (وزير الداخلية): تعهّد بتنفيذ بعض توصيات المجلس.
إسماعيل باشا صديق: لعب دورًا محوريًا في مناقشات السخرة والعهد.
هكذا بدأ المجلس أولى خطواته في ممارسة رقابة حقيقية ومساءلة فعلية على أداء الدولة، ما اعتُبر حينها سبقًا ديمقراطيًا غير مألوف في الشرق.

#محيي_الدين_ابراهيم (هاشتاغ)      

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات