أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محيي الدين ابراهيم - القنوات الوثائقية وساحات النفوذ: كيف تصنع القنوات الوثائقية خريطة الهيمنة في زمن الصورة















المزيد.....

القنوات الوثائقية وساحات النفوذ: كيف تصنع القنوات الوثائقية خريطة الهيمنة في زمن الصورة


محيي الدين ابراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 8323 - 2025 / 4 / 25 - 17:39
المحور: الادب والفن
    


1. مقدمة: زمن الوثائقيات... زمن الهيمنة الناعمة:
في زمنٍ تتسارع فيه الصورة أكثر من الكلمة، وتُعاد فيه كتابة التاريخ على شاشة التلفاز، لم تعد الوثائقيات ترفًا بصريًا أو منتجًا معرفيًا محايدًا، بل صارت أداةً استراتيجية تمارس بها الدول نفوذها الثقافي، وتُعيد من خلالها هندسة الإدراك الجمعي للجماهير داخل حدودها وخارجها. لقد أصبح الوثائقي، في نسخته الحديثة، سلاحًا ناعمًا يحفر في الوعي أكثر مما تفعل المدافع، ويعيد تشكيل خريطة النفوذ دون أن يُطلق رصاصة واحدة.
2. القناة ليست حيادية: عندما تُصنع الحقيقة في غرفة مونتاج:
الوثائقيات تُقَدَّم عادةً بلبوس "الحقيقة"، وهي تُمَثّل بذلك أداة تأثير هائلة لأنها تخاطب العقل والوجدان باسم الموضوعية. لكن هذه "الحقيقة" كثيرًا ما تُصاغ وتُركَّب وفقًا لرؤية سياسية أو ثقافية تقف خلف الكاميرا. المونتاج، زاوية التصوير، ترتيب الأحداث، طريقة السرد... كلها ليست حيادية. ومن يملك القناة الوثائقية، يملك القدرة على إنتاج وتوزيع سرديته الخاصة للعالم، أي يملك "الهيمنة الرمزية" بالمعنى الذي تحدث عنه بيير بورديو.
3. الهيمنة الغربية: BBC وNational Geographic كإمبراطوريات سردية:
المنظومة الغربية، وعلى رأسها بريطانيا والولايات المتحدة، أدركت باكرًا أهمية القنوات الوثائقية كأداة دبلوماسية ناعمة.
قناة BBC Documentary، على سبيل المثال، لا تكتفي بتقديم صور الطبيعة أو التحقيقات السياسية، بل تمارس دورًا سرديًا يُعلي من القيم الليبرالية، ويُعيد صياغة الذاكرة التاريخية لصالح السرد الإنجليزي، حيث تُقدم الإمبراطورية البريطانية بوصفها رائدة تنوير لا قوة استعمار.
أما National Geographic، فإنها تحمل خطابًا حضاريًا علميًا مدهشًا، لكنه مُشحَن برؤية أنتروبولوجية ترى العالم من خلال "عدسة غربية"، فالمجتمعات الأخرى تُعرض إما بوصفها غرائبية exotic أو بدائية تحتاج إلى إرشاد علمي.
هذه القنوات تُصدّر نموذجها القيمي على أنه الحقيقة الطبيعية، وتُزيِّن الهيمنة بصيغة "التثقيف".
4. الصين تصنع حكايتها: طريق الحرير الجديد في قالب بصري:
الصين لم تتأخر كثيرًا في فهم لعبة الوثائقيات. فأطلقت قناة CGTN الوثائقية بعدة لغات، وموّلت إنتاج أفلام تسرد "النموذج الصيني" كطريق ثالث بين الرأسمالية المتوحشة والاشتراكية الكلاسيكية.
من خلال وثائقيات مثل China: Time of Xi، تُظهر القيادة الصينية على أنها عقل جماعي رشيد، وتحكي قصة الصعود الصيني بوصفه مسارًا سلميًا عالمي النفع، وتُقدَّم مبادرة "الحزام والطريق" كفرصة إنقاذ لا كتمدد جيوسياسي.
كما تُعيد الصين سرد تاريخها من منظور قومي، تبرز فيه مفاهيم مثل "الوئام"، و"الهوية الحضارية الممتدة"، في مواجهة خطابات الغرب حول "الحقوق الفردية" أو "الديمقراطية التمثيلية".
5. العالم العربي: الغياب والارتجال وسط طوفان الصورة:
في مقابل هذا الحضور الكثيف للوثائقيات الغربية والصينية، يفتقر العالم العربي إلى منظومة وثائقية موحدة تُعبر عن الذات الحضارية للمنطقة.
هناك محاولات فردية عبر قنوات كـالجزيرة الوثائقية، وقناة العربية الوثائقية، لكنها غالبًا ما تتحرك وفق أجندات قطرية أو سعودية، وتفتقر لرؤية ثقافية عربية شاملة.
الوثائقيات العربية، في مجملها، إما اجترار لتاريخ قديم دون سياق معاصر، أو محاولات لتقليد السرد الغربي. والنتيجة أن الرؤية العربية للعالم لا تُبث إلا من خلال عدسات الآخرين، وهو ما يُضعف من الحضور الرمزي والثقافي للعرب على الساحة العالمية.
6. مصر... أمة بلا عدسة: لماذا لا نملك قناة وثائقية حضارية؟
مصر، صاحبة أعرق الحضارات، وأكثر الدول العربية امتلاكًا للأرشيف البصري والمعرفي، تفتقد قناة وثائقية عالمية المستوى تعيد سرد حكايتها، وتعرض للعالم ليس فقط ماضيها الفرعوني، بل مشروعها الحضاري المعاصر.
غياب هذه القناة يعني أن مصر، رغم قوتها الناعمة المتجذرة في الثقافة، والموسيقى، والسينما، والتعليم، لا تمتلك المنصة التي توصل بها صوتها للعالم في عصر المنصات.
لقد تركنا سرد "مصر القديمة" لقنوات مثل History Channel، التي تُفرغ الحضارة المصرية من بعدها الإنساني وتربطها بالأساطير والكائنات الفضائية، وتركنا سرد "مصر اليوم" لتقارير إخبارية غربية تُجزئ الواقع وفق مصالحها.
نحن بحاجة لقناة وثائقية مصرية تحمل رؤية ثقافية استراتيجية، تُجدد الخطاب البصري المصري، وتُعيد رسم خريطة الذات الوطنية على الشاشة العالمية.
7. خاتمة: من يملك الوثائقي، يملك المستقبل:
الوثائقيات لم تعد مجرد صناعة إعلامية، بل أصبحت أحد أسلحة القرن الحادي والعشرين. من يُنتج الوثائقي، يُنتج الحقيقة، ومن يملك الحقيقة، يملك الهيمنة.
وبينما تتنافس القوى العالمية في بث سردياتها إلى العالم، يظل الغياب العربي – والمصري خصوصًا – عن هذه الساحة فراغًا استراتيجيًا يُضعف من الحضور الثقافي في زمن الصورة.
لقد آن الأوان لأن ندرك أن عدسة الكاميرا ليست بريئة، وأن امتلاك قناة وثائقية ليس ترفًا، بل ضرورة وجودية وحضارية في معركة كبرى تُخاض بالصوت والصورة.

المراجع:
1. Nye, Joseph. Soft Power: The Means to Success in World Politics. Public Affairs, 2004.
2. Bourdieu, Pierre. On Television. New Press, 1999.
3. BBC Documentary Archives – https://www.bbc.co.uk
4. National Geographic: Programming Philosophy and Mission – corporate.natgeotv.com
5. CGTN Documentary Channel – https://www.cgtn.com
6. “China: Time of Xi”, Discovery Networks Asia-Pacific, 2017.
7. قطر تدشن شبكة وثائقية عالمية – الجزيرة نت، 2018.
8. The Use of Documentaries in Cultural Diplomacy – Journal of Media and Cultural Studies, Vol. 34, 2021.
9. تحليلات حول غياب الوثائقي المصري – مجلة الإذاعة والتلفزيون المصرية، عدد ديسمبر 2023.
10. "القوة الناعمة لمصر المعاصرة" – مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، 2022.



#محيي_الدين_ابراهيم (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مصر القديمة... مهد الإخراج المسرحي وجذور الدراما الإنسانية:
- مسرح الطليعة يحيي الذكرى ١٥٠ لوفاة -بيزيه- ...
- الإسقاط النجمي: بين التجربة الباطنية والبنية الرمزية
- المسرح النفسي: جدلية السيكودراما والعلاج بالدراما
- ماذا تبقى من القومية العربية؟
- المسرح المصري ١٩٨٠ - ٢٠& ...
- الكتاب الأكثر مبيعا في العالم لعام ٢٠٢ ...
- من أراد الحرية .. عليه أن يستعد للموت
- رواية دعاء الكروان حين تكون المرأة الشرقية ضحية لثلاثية المو ...
- النشيد الأول للعشق
- العشق ورحلة الفناء في الحقيقة
- قراءة في كتاب جماليات الصوفية لسايروس زارجار
- السعادة عند ابن سينا وابن عربي
- مفهوم الحياة من منظور الفلسفة
- السعادة وإمكانية الحقيقة
- لماذا الحكمة أفضل من الجمال ؟
- الحب والكراهية عند نيتشة وفلسفة قلب الموازين
- سقوط الدول عنوانه: التدهور الثقافي والفروق الطبقية الحادة
- لماذا تنهار الأمم ؟
- دراما رمضان وصراع الهوية الوطنية بين -مصر الكومباوندات- و-مص ...


المزيد.....




- تحية لروح الكاتب فؤاد حميرة.. إضاءات عبثية على مفردات الحياة ...
- الكاتب المسرحي الإسرائيلي يهوشع سوبول: التعصب ورم خبيث يهدد ...
- من قال إن الفكر لا يقتل؟ قصة عبد الرحمن الكواكبي صاحب -طبائع ...
- أروى صالح.. صوت انتحر حين صمت الجميع
- السعودية تخطط لشراء 48 فدانا في مصر لإقامة مدينة ترفيهية
- هل يشهد العالم -انحسار القوة الأميركية-؟ تحليل فالرشتاين يكش ...
- التمثيل النقابي والبحث عن دور مفقود
- الفنان التونسي محمد علي بالحارث.. صوت درامي امتد نصف قرن
- تسمية مصارعة جديدة باسم نجمة أفلام إباحية عن طريق الخطأ يثير ...
- سفارة روسيا في باكو تؤكد إجلاء المخرج بوندارتشوك وطاقمه السي ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محيي الدين ابراهيم - القنوات الوثائقية وساحات النفوذ: كيف تصنع القنوات الوثائقية خريطة الهيمنة في زمن الصورة