أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محيي الدين ابراهيم - مفهوم الحياة من منظور الفلسفة














المزيد.....

مفهوم الحياة من منظور الفلسفة


محيي الدين ابراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 8298 - 2025 / 3 / 31 - 07:22
المحور: الادب والفن
    


الحياةُ نَفَسٌ مُتجلٍّ في مرآة الوجود، سَرَى من عينِ الأزلِ إلى فُلكِ الزَّمَن، تُناغِمُهُ الأرواحُ في رِحلَةِ العُبورِ من الظَّلامِ إلى النُّور. كُلُّ ذَرَّةٍ تَئِنُّ شَوْقًا لِلقُدْسِ، وَكُلُّ قَلْبٍ يَخْفِقُ طَمَعًا فِي الوُصُولِ. فهل الحَيَاةَ ليست سِوَى حَرَكَةٍ جَوْهَرِيَّةٍ تَسْعَى إِلَى التَّجَلِّي فِي مَلَكُوتِ الْحَقِّ؟ أَمْ هِيَ وَشْمَةُ الْعَشْقِ عَلَى صَدْرِ الْكَائِنَاتِ، تَنْدُبُ فَقْدَ الْكمالِ وَتَرْقُصُ عَلَى نَغَمِ الْإِلْهَامِ؟
إن بعض الرؤى الفلسفية ترتكز على أن أصالة الوجود، يُعدُّ حقيقةً عينيةً تتجاوز الماهية الاعتبارية. فالحياةُ هنا ليست مجرد ظاهرة مادية، بل هي تعبيرٌ عن الحركة الجوهرية التي تسري في كيان الكون. فالنفس الإنسانية، وفقًا لهذا المنظور، تتحرك من "العقل الهيولائي" (القوة المحضة) إلى "العقل المستفاد" (الفعلية)، لكن مسيرتها لا تتوقف عند هذا الحد، بل تتجاوزه إلى الاتحاد مع العقل الفعال، حيث تُصبح قادرةً على اقتباس النور الإلهي والمعرفة المطلقة.
"الحياةُ حركةٌ جوهريةٌ تَصْهَرُ المادةَ في بَوْتقةِ الروح، وتُحوِّلُ الكَمَّ إلى كَيْفٍ، والظلمةَ إلى نور."
كما ترى أيضا بعض التفسيرات الفلسفية أن الخلق مُنَظَّمٌ لتحقيق "أعظم خيرٍ بأقل شرٍّ"، وهو تعبيرٌ عن العناية الإلهية. لكن هذا لا يُلغي دور الإنسان في صياغة مفهوم حياته عبر الاختيار الحر، كما تُؤكده النصوص الدينية: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ (الذاريات: 56). فالحياة اختبارٌ يُوازن بين القَدَرِ والإرادة، بين الغاية المطلقة (القرب الإلهي) والمسار الفردي (التكامل الأخلاقي).
ويُضيف علم النفس بُعدًا آخر عبر نظرية ماسلو للاحتياجات، التي تَرْقَى من الأساسيات (كالأكل والشرب) إلى ما وراء الذات (كتحقيق القيم العليا). فـ معنى الحياة، وفقًا لـ فيكتور فرانكل، يَنبثق من القدرة على رؤية الهدف حتى في المعاناة، إذ يقول: «مَنْ يملك سببًا للعيش، يَستطيع تحمُّل أيّ كيفية». هنا يلتقي العلم مع الصوفية؛ فكلاهما يرى أن المعنى لا يُكتشف فحسب، بل يُخلق عبر التفاعل بين الذات والعالم.
والعشقَ في الصوفية هو "شوق الاتحاد بالمطلق"، وهو ذاتُه القوة الدافعةٌ نحو الكمال. فالعشقُ ليس مجرد عاطفة، بل هو حركة وجودية تُذيب الفواصل بين العاشق والمعشوق، وتجعل من الحياة قصةً مقدسةً للارتقاء. يقول ابن عربي:
"مَحْبُوبُ الْعَاشِقِ حُبٌّ لَا يَنْقَطِعُ، فَكُلُّ مَحْبُوبٍ هُوَ وَجْهُ الْحَقِّ فِي مِرْآةِ الْخَلْقِ."
وفي الرؤية الإسلامية، الموتُ ليس نهايةَ الرواية، بل انتقالٌ إلى فصلٍ أعمقَ من الوجود. فالنفس، بعد تَجَرُّدِها من المادة، تستمر في سُلَّمِ الكمال عبر العوالم البرزخية والقيامة. يُصبح الموتُ هنا مفتاحًا لفهم الحياة، كما يقول الغزالي:
"مَنْ عَرَفَ نَفْسَهُ، عَرَفَ رَبَّهُ، وَمَنْ عَرَفَ رَبَّهُ، أَدْرَكَ أَنَّ الْمَوْتَ بَابُ الْحَيَاةِ الْأَبَدِيَّةِ."
إن الحياةُ ما هي إلّا نداءُ الأبدِ في أذنِ الفاني، وهمسةُ الخلودِ في قلبِ العابر. من سارَ في دربِ النورِ لم يخشَ ظلمةَ العدم، ومن عانقَ الحقيقةَ لم يَخفْ من انحلالِ الجسد. فكما تُشرقُ الشمسُ على صفحةِ البحرِ دون أن تُمسِكها يدٌ، كذلك تتجلّى الروحُ في مرآةِ الوجودِ دون أن تُحَدَّ بزمانٍ أو مكان. إذا أدركتَ أنَّ الحياةَ ليست غايةً بل مَعبَرٌ، وأنَّ الدنيا ليست وطناً بل مَمرًّا، فقد أمسكتَ بسرِّ الحياةِ كما يُمسكُ العارفُ بِمِفتاحِ السرمدية.
"كُنْ مِثلَ الهَوَاءِ، يَمْضي حُرًّا ولا يُحبَس، وَكُنْ مثلَ النُّورِ، يَنْبَثقُ ولا يَنْطَفِئُ."



#محيي_الدين_ابراهيم (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- السعادة وإمكانية الحقيقة
- لماذا الحكمة أفضل من الجمال ؟
- الحب والكراهية عند نيتشة وفلسفة قلب الموازين
- سقوط الدول عنوانه: التدهور الثقافي والفروق الطبقية الحادة
- لماذا تنهار الأمم ؟
- دراما رمضان وصراع الهوية الوطنية بين -مصر الكومباوندات- و-مص ...
- قراءة في أشهر رباعية للشاعر صلاح جاهين كادت أنت تسجنه:
- قراءة في- قصيدة الناس في بلادي- للشاعر صلاح عبد الصبور
- الشاعر صلاح عبد الصبور .. حكاية أسطورة قتلها التنمر !
- مأساة الحلاج ونقد أحد أشهر أشعاره
- سيلفيا بلاث: حكاية اسطورة الشعر التي احترقت في فرن التنمر ال ...
- بابلو نيرودا: الكلمة التي حملت سرّ النار
- بين الفلسفة والتصوف والعلم: هل آن الأوان للثورة الفكرية الجد ...
- محمود ياسين صوت مصر ونجمها الذي أحبته
- -مسرح رمسيس- وقيمة الفنان في الشرق
- مسرحية لحظة حب على قاعة صلاح جاهين بمسرح البالون في مصر
- نظرة على تاريخ المسرح العربي في مصر
- نساء في حياة سيد درويش
- ثورة الفلاحين في قرية -بهوت- هي من صنعت صلاح جاهين !
- فولتير يعلن تفاؤله على خشبة المسرح القومي بمصر


المزيد.....




- خطوات الاستعلام عن نتيجة الدبلومات الفنية بالاسم فقط “هنــــ ...
- في ذكرى رحيل فلاح إبراهيم فنان وهب حياته للتمثيل
- الفنان صبيح كلش .. حوار الرسم والتاريخ
- مرتديًا بذلته الضيقة ذاتها .. بينسون بون يُصدر فيديو كليب سا ...
- -الزمن المفقود-.. الموجة الإنسانية في أدب التنين الصيني
- عبور الجغرافيا وتحولات الهوية.. علماء حديث حملوا صنعاء وازده ...
- -بين اللعب والذاكرة- في معرض تشكيلي بالصويرة المغربية
- مفاجأة علمية.. الببغاوات لا تقلدنا فقط بل تنتج اللغة مثلنا
- بيت المدى يستذكر -راهب المسرح- منذر حلمي
- وزير خارجية إيران: من الواضح أن الرئيس الأمريكي هو من يقود ه ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محيي الدين ابراهيم - مفهوم الحياة من منظور الفلسفة