أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محيي الدين ابراهيم - العشق ورحلة الفناء في الحقيقة














المزيد.....

العشق ورحلة الفناء في الحقيقة


محيي الدين ابراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 8300 - 2025 / 4 / 2 - 00:47
المحور: الادب والفن
    


العشق ليس شعورًا، بل هو كونٌ موازٍ تُكتَب فيه أسرار الوجود. في الرحلة الروحية، يصير العشقُ لغةً تفوق الكلمات، وجسرًا بين المحدود واللانهائي. هنا، لا نبحث عن "مَنْ" تُعشق، بل عن "ماذا" يُختبئ وراء هذا العشق. هل هو مجرد انجذابٌ بشري، أم هو نداءٌ من الروح تُعلن فيه عجزها عن الفصل بينها وبين مصدرها؟ هذا ما نستكشفه في رحاب العشق، حيث يذوب العاشق ليصير المعشوق.
يقول الحلاج: "أنا مَن أهوى، ومَن أهوى أنا". الشوق في هذه الرحلة ليس ألمًا، بل هو نورٌ يكشف زيف الانفصال. حين تشتعل نار الشوق في القلب، تذوب الفواصل بين "أنت" و"أنا"، بين "هنا" و"هناك". العاشق الحقيقي لا يبكي على فراق المعشوق، بل يبكي لأن الفراق نفسه وهمٌ. الغيابُ مرآةٌ تعكس حضورَ الحقيقة. وكما كُتِب: "الشوقُ هو دليلُك إلى البيت.. فكلما اشتعلت ناره، اقتربتَ من اللقاء".
الفناء في العشق ليس انتهاءً، بل هو بدايةُ الوجود الحقيقي. في هذه الرحلة، لا يموت العاشق لينتهي، بل ليُولد من جديد في حقيقة المعشوق. هنا، تختفي الرغبة في الامتلاك، لأن الامتلاك نفسه وهمٌ ناتج عن اعتقادك بأنك منفصلٌ عما تُعشق. وكما قيل: **"المحبُ هو المحبوب، والمحبوبُ هو المحب.. فكيف تطلب ما أنت فيه؟"**. الفناء هو اللحظة التي تدرك فيها أنك لستَ مُحبًّا فحسب، بل أنتَ العشق نفسه.
الوحدة عند العاشق ليست عزلةً عن العالم، بل هي اكتمالٌ فيه. حين يُعشق، لا يرى العاشق في المعشوق سوى وجهَ الحقيقة. اللقاء البشري يتحول إلى مناجاةٍ مع الأزل. وكما وُصِف: **"رأيتُ الجمال في كل شيءٍ، فصرتُ أعبده في كل شيء"**. في هذه الوحدة، يدرك العاشق أن العشق لم يكن يومًا بين اثنين، بل هو حوارٌ بين الروح وربها.
العشق دعوةٌ إلى رحلةٍ لا تنتهي: تبدأ بشرارةٍ في القلب، وتنتهي بذوبانٍ في نور الحقيقة. إنه ليس عاطفةً تُقاس باللقاءات أو الوعود، بل هو حالةٌ وجوديةٌ تُعيد تشكيل إدراكك للذات والكون. وكما خُتِم: **"من عرف نفسه، فقد عرف حقيقته.. ومن عشق نفسه، فقد عشق أصلَه"**.
فهل نجرؤ على أن نعشقَ بلا حدود، بلا شروط، بلا خوفٍ من الفناء؟ لأن العشق الحقيقي هو أن تُدرك أنك لم تكن يومًا إلا جزءًا من النور الذي تبحث عنه. هكذا يكون العشق، وكأنه مرآةً تُريك أنك، في النهاية، مَن تبحث عنه.
ليس العشق في دموع العاشق أو نظراته الحائرة، بل في تلك اللحظة المُضيئة التي تذوب فيها الذات كالشمعة، فلا يبقى إلا النور. الفناء ليس انتحارًا للروح، بل هو ميلادُها الحقيقي؛ فحين ينصهر "العاشق" في "المعشوق"، والمعشوقُ في النور، يدرك العاشق أن الفراق كان وَهْمًا، وأن اللقاء كان دائمًا هنا... في نبضة القلب التي تجمع بين الروح وربها.
العشق ليس نهايةً تُروى، بل هو بدايةٌ تُعاش. حين يذوب العاشقُ في معشوقه، لا يختفي، بل يكتشفُ أنَّ الحدودَ التي رسمها بين "أنا" و"أنت" كانت سرابًا. الفناءُ هو اللحظةُ التي تنكسرُ فيها المرآة، فيرى العاشقُ وجهَ الحقيقةِ عِوضًا عن انعكاسِ ذاته. المعشوقُ ليس جسدًا تُعشق، بل هو النورُ الذي يُضيءُ طريقَ العودةِ إلى الأصل.
وكما قيل: "مَنْ رأى الحقيقةَ رأى نفسَه، ومَنْ رأى نفسَه رأى الحقيقةَ". حين يُدركُ العاشقُ أنَّ شوقَه كان شوقًا إلى ذاته الكاملة، يصيرُ الفراقُ لقاءً، والجمرُ نورًا. الفناءُ ليس فَقْدًا، بل هو اكتشافٌ أنَّكَ لم تكنْ يومًا سوى المعشوقِ الذي بحثتَ عنه في كلِّ شيء.
كالبحرِ الذي يحتضنُ القطرةَ دونَ أنْ يسألَ عن مصدرها، يذوبُ العشقُ في سؤالٍ أخير: مَنْ يعشقُ مَنْ؟ "أنا مَنْ أهوى، ومَنْ أهوى أنا".
فهل نجرؤ على أن نُطفئَ مصباحَ الأنا، ونَعبرَ من ظلمةِ التملكِ إلى فضاءِ الوحدة؟ حيثُ لا عاشقَ ولا معشوق... لا صوتَ إلا صمتُ الأبدية.
يقولون إن البحر لا يرفض أيَّ قطرةٍ تذوب فيه، وهكذا العشق: كلما زاد شوقُك، كلما اقتربتَ من الحقيقة التي تُخفيها الأسماءُ والأشكال. المعشوقُ ليس جسدًا يُفتقد، بل هو رمزٌ لجمالٍ لا يُحَد، وحين يصل العاشق إلى قمة الفناء، يكتشف أن المعشوقَ لم يكن يومًا غائبًا، بل كان مرآةً تُريه وجهَ الحقيقة في كل نظرة.
فهل تنتهي الرحلة؟ لا، وإنما تبدأ: حين تصير العبادةُ عشقًا، والعشقُ عبادةً، وحين يتحول الألمُ إلى نشيدٍ يشبه صمتَ النجوم. الفناءُ هو أن تعرفَ أنك لستَ من يدعو، بل أنتَ الدعوة نفسها. وكما كُتِب: **"رأيتُ حقيقتي بعين قلبي فقلتُ: مَنْ أنت؟ قال: أنتَ"**.
فهل نجرؤ على أن نذوب؟ ليس بالموت، بل بالعشق الذي يمحو الهُوية ليُظهر أن العاشقَ والمعشوقَ وَهْمَانِ... وأن الحقيقةَ واحدة.



#محيي_الدين_ابراهيم (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في كتاب جماليات الصوفية لسايروس زارجار
- السعادة عند ابن سينا وابن عربي
- مفهوم الحياة من منظور الفلسفة
- السعادة وإمكانية الحقيقة
- لماذا الحكمة أفضل من الجمال ؟
- الحب والكراهية عند نيتشة وفلسفة قلب الموازين
- سقوط الدول عنوانه: التدهور الثقافي والفروق الطبقية الحادة
- لماذا تنهار الأمم ؟
- دراما رمضان وصراع الهوية الوطنية بين -مصر الكومباوندات- و-مص ...
- قراءة في أشهر رباعية للشاعر صلاح جاهين كادت أنت تسجنه:
- قراءة في- قصيدة الناس في بلادي- للشاعر صلاح عبد الصبور
- الشاعر صلاح عبد الصبور .. حكاية أسطورة قتلها التنمر !
- مأساة الحلاج ونقد أحد أشهر أشعاره
- سيلفيا بلاث: حكاية اسطورة الشعر التي احترقت في فرن التنمر ال ...
- بابلو نيرودا: الكلمة التي حملت سرّ النار
- بين الفلسفة والتصوف والعلم: هل آن الأوان للثورة الفكرية الجد ...
- محمود ياسين صوت مصر ونجمها الذي أحبته
- -مسرح رمسيس- وقيمة الفنان في الشرق
- مسرحية لحظة حب على قاعة صلاح جاهين بمسرح البالون في مصر
- نظرة على تاريخ المسرح العربي في مصر


المزيد.....




- وزيرة الثقافة الروسية: زاخار بريليبين مرشح لإدارة مسرح الدرا ...
- “وأخيرا بعد طول انتظار” موعد عرض مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 1 ...
- وزير الثقافة والاتصال الموريتاني يوضّح موقف نواكشوط من من مق ...
- جودة خرافية للمباريات.. تعرف على أحدث تردد قناة MBC أكشن 202 ...
- -الدين المعرفي-.. هل يتحول الذكاء الاصطناعي إلى -عكاز- يعيق ...
- هوليود تنبش في أرشيفها.. أجزاء جديدة مرتقبة لأشهر أفلام الأل ...
- رئيس هيئة البحرين للثقافة والآثار: التعاون الثقافي مع روسيا ...
- -بيت الشعر في المغرب- يتوّج بجائزة الأكاديمية الدولية للشعر ...
- عودة الأدب إلى الشاشة.. موجة جديدة من الأعمال المستوحاة من ا ...
- يجمع بين الأصالة والحداثة.. متحف الإرميتاج و-VK- يطلقان مشرو ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محيي الدين ابراهيم - العشق ورحلة الفناء في الحقيقة