أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محيي الدين ابراهيم - شيخ الفنانين التشكيليين المصريين حامد عويس ( الجزء الأول )














المزيد.....

شيخ الفنانين التشكيليين المصريين حامد عويس ( الجزء الأول )


محيي الدين ابراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 8337 - 2025 / 5 / 9 - 19:15
المحور: الادب والفن
    


الفن حين يُولد من رحم الأرض ويُسقى بدموع البشر
"كل صورة مرآة، لكن الفنان الحقيقي لا ينعكس فيها، بل يعبرها ليصل إلى جوهر الإنسان."
ليس الفن مرآة صامتة تعكس الخارج كما هو، بل هو حوار داخلي يختزل التجربة الإنسانية، ويعيد قولبة الواقع في هيئة جديدة: أكثر نبلاً، وأكثر فزعًا، وأكثر قدرة على الصراخ في وجه الظلم. ولئن كان الفن، عبر العصور، مرهونًا بالسلاطين والآلهة والنبلاء، فإن ما أنجزه الفن في القرن العشرين - خاصة في سياقه الاجتماعي الثوري - هو ذلك الانتقال الجوهري من بلاط الملوك إلى أقبية المصانع، من جماليات البرجوازية إلى أيقونة العامل والفلاح، من تمجيد الأبد إلى الاحتفاء بالعابر والملطخ بالعرق والتراب.
في هذا السياق، لا يمكن للحديث عن تجربة الفنان المصري محمد حامد عويس (1919–2011) أن يكون سردًا تاريخيًا أو تأريخًا لمراحل فنية أو تتبعًا لتقنيات ومواد وألوان، بل هو، بالضرورة، غوص في ما وراء اللوحة، حيث تقيم الحقيقة العارية للإنسان المصري: المكافح، المُغيب، المطحون، الحالم رغم القهر، الواقف دومًا على تخوم الانفجار الصامت.
إن فن محمد حامد عويس هو نوع من المقاومة البصرية، مقاومة لا تقوم على العنف أو المانيفستو أو الإقصاء، بل على الاختراق الصامت للجدران، وعلى إعلاء قيمة الإنسان البسيط بوصفه مركز العالم. لم يرسم القصور، بل رسم الورش. لم يخلد الزعماء، بل خلد ملامح الفلاحين والصيادين والعاملات المجهولات. لم يتكئ على الميثولوجيا، بل استخرج ملحمته من قلب الصعيد، من حقول بني سويف، من أحذية العمال الثقيلة، ومن انحناءات الأجساد المنهكة فوق الآلات.
كان في قلبه طين وفي عينيه نور، وفي روحه حنين إلى شيء لم يكن له اسم. وربما هنا تكمن عبقريته؛ في تحويل التجربة الخاصة إلى خطاب كوني، وفي مزج اليومي بالملحمي، وفي بناء بطل جديد لا يملك سيفًا ولا يلبس درعًا، بل يرتدي القميص الأزرق ويحمل المطرقة أو يجر شبكة الصيد، أو يقف منتظرًا على رصيف مهجور في لوحة "البطالة".
إن تجربة حامد عويس ليست محض تأثر بالواقعية الاشتراكية التي سادت بعد الحرب العالمية الثانية، بل هي انبثاق داخلي عن وعي مصري أصيل، وجد في الفن وسيلة لتحرير الإنسان لا من عدوه الطبقي فقط، بل من غربته عن ذاته. لقد أرسى عويس عبر فنه ميتافيزيقا العمل، أي جعل من العمل البشري ذاته شكلاً من أشكال العبادة. في كل ضربة فرشاة هناك صلاة صامتة، وفي كل كتلة لونية هناك نداء إلى الرحمة، إلى الحق، إلى النور.
والحق أن عويس لم يكن رسامًا بالمعنى التقني للكلمة، بل كان، كما وصفه الناقد كارلوس أريان سنة 1968، صانعًا للضمير البصري، يقدم تصويرًا عالميًا يضيء قضايا النمو والحق المشروع في الدفاع عن النفس. لم يرَ في الفلاح مجرد موضوع للرسم، بل كينونة يجب أن تُحتضن، تُحتفى، وتُقدس في صمت الصورة.
كل لوحة له هي نشيد طويل للحياة، لكنها ليست حياة مرسومة من الأعلى، بل حياة مغموسة بالألم والتحدي، مثل صرخة مكتومة على لسان من لا صوت لهم.
إن التأمل في مشروع محمد حامد عويس يعيدنا إلى السؤال الجوهري: ماذا يعني أن تكون فنانًا ملتزمًا؟ هل هي دعاية أيديولوجية؟ هل هي خضوع للثورة؟ هل هي خدمة للمجتمع؟ أم أنها حالة وجودية تلتقي فيها الذاكرة الشخصية مع التاريخ الجمعي، ويتحول فيها الفن من ترف إلى ضرورة؟
عويس لم يبتغِ المجد، ولم يسعَ للشهرة، بل كان، في جوهره، زاهدًا يسكن قاعات الرسم كما يسكن الناس محراب الصلاة. كان يعرف أن الإبداع لا يستجدي، بل يُزرع كما يُزرع القمح، ويُسقى كما تُسقى الأرض، ويُنتظر كما يُنتظر الفجر.
في كل لوحة من لوحاته، يفتح نافذة نحو الغد، يطل منها الأمل لا كشعار، بل ككائن حي يتنفس من وجوه الناس، ويضيء ظلالهم في عتمة المصير.
وهكذا، يدخلنا عويس إلى طريق طويل من التأملات الجمالية والفكرية والاجتماعية والروحية. طريق تبدأ من التراب ولا تنتهي عند السماء، لأنها تعود دائمًا إلى الإنسان، ذاك الطفل الكبير الذي يرسم الحياة بعرقه وأحلامه وألمه وأغنيته الداخلية التي لا يسمعها أحد إلا القلة من "العرفاء" في لغة الفن.
ولذلك، كان حامد عويس فنانًا – لا فقط بالمعنى الجمالي – بل بالمعنى الفلسفي العميق للوجود في العالم.



#محيي_الدين_ابراهيم (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القنوات الوثائقية وساحات النفوذ: كيف تصنع القنوات الوثائقية ...
- مصر القديمة... مهد الإخراج المسرحي وجذور الدراما الإنسانية:
- مسرح الطليعة يحيي الذكرى ١٥٠ لوفاة -بيزيه- ...
- الإسقاط النجمي: بين التجربة الباطنية والبنية الرمزية
- المسرح النفسي: جدلية السيكودراما والعلاج بالدراما
- ماذا تبقى من القومية العربية؟
- المسرح المصري ١٩٨٠ - ٢٠& ...
- الكتاب الأكثر مبيعا في العالم لعام ٢٠٢ ...
- من أراد الحرية .. عليه أن يستعد للموت
- رواية دعاء الكروان حين تكون المرأة الشرقية ضحية لثلاثية المو ...
- النشيد الأول للعشق
- العشق ورحلة الفناء في الحقيقة
- قراءة في كتاب جماليات الصوفية لسايروس زارجار
- السعادة عند ابن سينا وابن عربي
- مفهوم الحياة من منظور الفلسفة
- السعادة وإمكانية الحقيقة
- لماذا الحكمة أفضل من الجمال ؟
- الحب والكراهية عند نيتشة وفلسفة قلب الموازين
- سقوط الدول عنوانه: التدهور الثقافي والفروق الطبقية الحادة
- لماذا تنهار الأمم ؟


المزيد.....




- نزلت حالًا مترجمة على جميع القنوات “مسلسل المؤسس عثمان الحلق ...
- دميترييف: عصر الروايات الكاذبة انتهى
- عن قلوب الشعوب وأرواحها.. حديث في الثقافة واللغة وارتباطهما ...
- للجمهور المتعطش للخوف.. أفضل أفلام الرعب في النصف الأول من 2 ...
- ملتقى إعلامى بالجامعة العربية يبحث دور الاعلام في ترسيخ ثقاف ...
- تردد قناة زي ألوان على الأقمار الصناعية 2025 وكيفية ضبط لمتا ...
- مصر.. أسرة أم كلثوم تحذر بعد انتشار فيديو بالذكاء الاصطناعي ...
- تراث متجذر وهوية لا تغيب.. معرض الدوحة للكتاب يحتفي بفلسطين ...
- -سيارتك غرزت-..كاريكاتير سفارة أميركا في اليمن يثير التكهنات ...
- -السياسة والحكم في النُّظم التسلطية- لسفوليك.. مقاربة لفهم آ ...


المزيد.....

- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد
- رواية: -النباتية-. لهان كانغ - الفصل الأول - ت: من اليابانية ... / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محيي الدين ابراهيم - شيخ الفنانين التشكيليين المصريين حامد عويس ( الجزء الأول )