أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محيي الدين ابراهيم - بين اختراع الحقيقة وأكتشافها ( الجزء الأول )














المزيد.....

بين اختراع الحقيقة وأكتشافها ( الجزء الأول )


محيي الدين ابراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 8352 - 2025 / 5 / 24 - 01:06
المحور: الادب والفن
    


اختراع الحقيقة – حين يصبح الزيف ضرورة
تمهيد: الفراغ الذي يخلّفه السقوط:
عندما تنهار أنظمة، أو تُقتلع أفكار كانت راسخة، لا يكون السقوط وحده هو المأساة، بل ما يخلّفه من فراغ. لا يوجد شيء أخطر على الإنسان من أن يعيش لحظة خالية من المعنى. ذلك الفراغ، في لحظات ما بعد الثورات، لا يُحتمل. فالعقل الجمعي حين يُسقط صنمًا، يتهيأ مباشرة لبناء صنمٍ جديد. ليس لأن الناس يحبون العبادة، بل لأنهم يخافون الضياع.
هنا، في هذا الفراغ بالتحديد، تبدأ عملية اختراع الحقيقة.
ليس لأن هناك من قرّر أن يكذب، بل لأن الصدق نفسه غائب. والوعي الجمعي، إن تُرك معلقًا بين هاوية الماضي وغياب المستقبل، قد ينفجر أو ينهار. وهكذا، يولد نموذج جديد للحقيقة — سريع، بسيط، قابل للترديد، مليء بالشعارات. ليس مهمًّا إن كان دقيقًا أو حقيقيًا، المهم أنه يُهدّئ القلق، ويملأ الفراغ، ويعطي شكلًا جديدًا للزمن.
اختراع الحقيقة: الحاجة إلى اليقين:
ما نسميه "اختراع الحقيقة" لا يعني أننا نخلق واقعًا من عدم، بل أننا نُنتج تأويلًا متماسكًا لأحداث مرتبكة. الإنسان لا يحتمل أن يرى الصورة مشوشة. ولذلك يلجأ لاختراع رواية — أي رواية — تُقنعه أن ما جرى كان لابد أن يجري.
في لحظات ما بعد الثورة، أو الانقلاب، أو الحرب، يحتاج الناس لتفسير منقذ، يضمن أن تضحياتهم لم تذهب هدرًا، وأن موتاهم ماتوا من أجل "قضية"، وأن الدم لم يكن بلا معنى. ولهذا، تُصاغ "الحقيقة الجديدة".
هذه الحقيقة تُصاغ غالبًا عبر منظومة متكاملة:
إعلام يعيد صياغة المشهد بلغة جديدة، خطاب ديني أو أخلاقي يُلبسها ثوب القداسة، نخبة فكرية تتبناها تحت ذريعة "المسؤولية التاريخية"، مدرسة تُعيد بناء الذاكرة وفق النموذج الجديد.
لكن كل هذا لا يتم في الظلام. إنه يتم تحت ضوء حاجة ملحّة إلى التوازن الداخلي، إلى الإيمان، إلى وهم المعنى.
حين تصبح الكذبة إيمانًا عامًا:
ليس هناك شيء أقوى من الكذبة التي تحولت إلى إيمان.
الناس لا يدافعون عن "الحقيقة" لأنهم تحققوا منها، بل لأنهم عاشوا بها، ولو هدمت لهم هذه "الحقيقة"، كأنك تمسح معالم وجودهم.
هكذا تتحوّل الحقيقة المخترعة إلى عقيدة.
بل يُعاد تشكيل الذاكرة لتخدم هذه العقيدة.
فتصبح صور القادة، وشعارات الثورة، وقصص البطولة… مقدّسة.
إنه شكل آخر من الدين، لكن بدون وحي.
أمثلة تاريخية: من الثورة إلى المعتقد :
1. الثورة الفرنسية:
بعد أن أسقطت الثورة الملكية، احتاجت لشرعنة الدم والدمار. فجاءت "عقيدة الجمهورية"، وتم اختراع قيم جديدة: الحرية، الإخاء، المساواة، لكنها كانت شعارات في ظل المقصلة. الحقيقة التي اخترعوها آنذاك كانت أن الدم ضروري لتحرير الإنسان، لكن الحقيقة المكتشفة لاحقًا أن هذا الدم أنتج ديكتاتورًا جديدًا اسمه نابليون.
2. الثورة البلشفية في روسيا:
اخترعت نموذجًا متكاملاً من "العدالة" و"التحرر الطبقي". لكن الحقيقة المكتشفة لاحقًا أن الدولة الجديدة كانت أكثر قمعًا من القيصرية، وأن "العدالة" التي تم التبشير بها لم تكن سوى واجهة لحكم مركزي قاسٍ.
3. الربيع العربي:
هنا تم اختراع "حقيقة" تقول إن الشعب انتصر، وإن الثورة أعادت الكرامة، وإن الطريق نحو الدولة المدنية بدأ. لكن، بعد سنوات، ظهرت حقائق أخرى: دول انهارت، ودماء أُهدرت، وشعوب هُجّرت، وبدأ الوعي الجمعي ينقسم بين من لا يزال يؤمن بـ"الاختراع"، ومن بدأ يكتشف شيئًا آخر.
الكذبة النبيلة؟
فهل نحن أمام كذبة؟
ربما لا. ربما نحن أمام ضرورة وجودية.
الوعي الجمعي لا يستطيع البقاء في منطقة رمادية. يحتاج لراية. لرمز. لحكاية. وإذا لم يجدها، يخترعها. بل إن بعض الفلاسفة كـ نيتشه وآخرين أشاروا إلى أن الإنسان لا يعيش على "الحقائق"، بل على "الأوهام التي تمنحه سببًا للعيش".
لكن الكارثة تبدأ حين تتحول هذه الأوهام إلى قيد جديد.
حين يُجبر الناس على التصفيق لها، ويُمنع السؤال حولها.
حين نتحوّل من مبتكرين للحقيقة، إلى عبيد لها.
البذرة الأولى للصراع:
بهذا نكون قد وضعنا البذرة الأولى للصراع الذي سيتفجّر لاحقًا، حين تظهر الحقيقة المكتشفة، ويُطرح السؤال الفادح:
هل كنّا نعيش في وهم؟
وهل نستطيع احتمال أن نعرف الحقيقة الآن؟



#محيي_الدين_ابراهيم (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فم الذئب
- الفنان حسن فايق أيقونة الكوميديا
- فيلم معركة الجزائر 1966 وثق كفاح شعب واستغله الأمريكان في غز ...
- قراءة نقدية مقارنة بين أدونيس وأمل دنقل
- مذكرات تحية جمال عبد الناصر ( الجزء الرابع - الحلقة الثانية ...
- الخديوي إسماعيل وبناء مصر الحديثة ( الجزء الثالث )
- حامد عويس شيخ التشكيليين العرب ( الجزء الرابع )
- الخديوي إسماعيل وبناء مصر الحديثة ( الجزء الثاني )
- مذكرات تحية جمال عبد الناصر ( الجزء الثالث - الحلقة الأولى ) ...
- مذكرات السيدة تحية جمال عبد الناصر ( الجزء الأول + الجزء الث ...
- حامد عويس شيخ التشكيليين العرب ( الجزء الثالث )
- القفز من نافذة الحكاية
- الخديوي إسماعيل وبناء مصر الحديثة: أول برلمان، وأول تعليم مج ...
- النجمة فاتن حمامة وجه القمر سيدة الشاشة العربية
- حامد عويس شيخ التشكيليين العرب ( الجزء الثاني )
- شيخ الفنانين التشكيليين المصريين حامد عويس ( الجزء الأول )
- القنوات الوثائقية وساحات النفوذ: كيف تصنع القنوات الوثائقية ...
- مصر القديمة... مهد الإخراج المسرحي وجذور الدراما الإنسانية:
- مسرح الطليعة يحيي الذكرى ١٥٠ لوفاة -بيزيه- ...
- الإسقاط النجمي: بين التجربة الباطنية والبنية الرمزية


المزيد.....




- الفنان باسم ياخور يعود إلى سوريا (صور)
- -رسائل حب من اليمن إلى قطر- قصائد الشاعر بعداني تضيء كتارا
- وفاة المخرج والمنتج الجزائري الكبير محمد لخضر حمينة
- الأكاديمي باسم الشمايلة يحمل الدكتوراه ويقدم الشاي والقهوة ف ...
- الفنانة نادين نجيم توثق -تعرضها للتحرش- وتنشر لقطات للموقف و ...
- أصغر مسارح العالم يستأنف عروضه بعمل ساخر.. المشهد الثقافي ال ...
- مهرجان كان يعرض أحدث أفلام الأخوين داردين الطامحين لتحقيق رق ...
- بخلاف القوانين..نجمات ارتدين فساتين جريئة في مهرجان كان السي ...
- مسقط تحتضن معرضا لأسلحة القياصرة الروس
- المؤرخ حسام أبو النصر يشارك في ندوة حول إبادة التاريخ والآثا ...


المزيد.....

- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري
- عشاء حمص الأخير / د. خالد زغريت
- أحلام تانيا / ترجمة إحسان الملائكة
- تحت الركام / الشهبي أحمد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محيي الدين ابراهيم - بين اختراع الحقيقة وأكتشافها ( الجزء الأول )