أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محيي الدين ابراهيم - أثر الفكر الشيوعي على هندسة الواقع السياسي المعاصر ( الجزء الثالث )














المزيد.....

أثر الفكر الشيوعي على هندسة الواقع السياسي المعاصر ( الجزء الثالث )


محيي الدين ابراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 8356 - 2025 / 5 / 28 - 17:20
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الفصل الثالث
الأثر الحيّ للأفكار – الذاكرة كفعل سياسي:
حين يتحول الماضي إلى سلوك:
إن أقسى أشكال الهيمنة لا تأتي من سلطة ظاهرة، بل من فكرة مزروعة بعمق في الوعي الجمعي، تتكاثر عبر العادات، وتعيد إنتاج ذاتها دون أن تحتاج إلى حراسة. هنا، يصبح الإرث الشيوعي ـ كما غيره من الأنساق الشمولية ـ غير مرئي، لا لأنه اختفى، بل لأنه أصبح مألوفًا... عاديًا... بديهيًا.
ما بقي من الشيوعية، بعد تفكك أنظمتها، لم يكن مؤسسات أو أحزابًا فقط، بل طريقة في رؤية العالم:
هل يمكن الوثوق بالدولة؟
هل يستحق العمل السياسي المخاطرة؟
هل العدالة تعني المساواة أم الولاء؟
أسئلة لم تَعُد تُطرح، بل تُجاب تلقائيًا من قِبَل مجتمعات شكّلتها الذاكرة، لا الخطاب.
الإدراك السياسي بوصفه ميراثًا لا واعيًا:
المدارس الحديثة في الاقتصاد السياسي (MPE) تذهب إلى أن المعارف الإدراكية التي تشكلت في ظل النظم الشيوعية، تستمر في تشكيل السلوك السياسي والاقتصادي بعد عقود، سواء عبر التنشئة الأسرية، أو التربية الرسمية، أو حتى الذاكرة الجماعية الصامتة.
تظهر دراسات أن سكان ألمانيا الشرقية أكثر ميلًا لتأييد تدخل الدولة في الاقتصاد من نظرائهم في الغرب، رغم توحيد النظام السياسي.
المواطنون الذين تربّوا في الأنظمة الشيوعية يميلون إلى تقبّل الضبط الأمني، والنظر إلى السياسة كصراع لا يُحتمل.
النظم التعليمية السابقة التي مجّدت القائد والحزب أفرزت أجيالًا ترى المعارضة خطرًا، لا حقًا.
إن الأفكار لا تموت بخروجها من المناهج، بل قد تستمر داخل مفاهيم "الصالح العام"، و"العدو الخارجي"، و"الحزب المخلّص"، وإن تغيرت الأسماء.
الوراثة السياسية – من الدم إلى الإدراك:
كشفت دراسات معاصرة أن السمات السياسية ليست كلها مكتسبة من الواقع، بل قد تكون موروثة جينيًا أو تربويًا:
أطفال العائلات التي تعرضت لقمع شيوعي مباشر أظهروا، بعد جيلين، مستويات أعلى من العداء للسلطة المركزية، وميلًا لتفسير الأحداث ضمن إطار "المؤامرة" و"الخطر الوجودي".
دراسات التوائم في أوروبا الشرقية أظهرت نسبة معتبرة من التوافق في السلوك السياسي تعود لعوامل وراثية لا بيئية.
حتى اللغة المستخدمة في وصف الدولة والحرية والعمل العام تختلف بين شعوب عاشت الشيوعية، وأخرى لم تعشها.
هذه النتائج تفتح بابًا فلسفيًا مذهلًا: هل يمكن أن تتنقل الأفكار الكبرى، لا عبر الكتب والمذكرات، بل عبر الحنين، والخوف، واللاشعور الجمعي؟
كيف تنكسر حلقة الإرث؟
إذا كان الإرث الشيوعي لا يعيش فقط في المؤسسات، بل في الأذهان، فكيف يمكن تجاوزه؟
التفكيك الواعي للرموز: لا يكفي تغيير أسماء الشوارع أو إزالة التماثيل، بل يجب تفكيك ما تمثّله من مفاهيم.
إعادة إنتاج التربية السياسية: التعليم لا يجب أن يكتفي بسرد التاريخ، بل تدريب الأجيال على النقد، والتعدد، والشراكة.
تحرير الحقل العام: خلق فضاء حر يسمح بممارسة الاختلاف دون خوف، يعيد تعريف "السياسة" بوصفها أفقًا لا خطرًا.
لكن هذه المهمة ليست سهلة. فالخروج من أسر الماضي يتطلب اعترافًا أولًا بأننا ما زلنا نعيش فيه، وأن قطيعتنا معه لم تكتمل بعد.
من النقد إلى الاحتمال – ما الذي نتعلمه من الشيوعية؟:
ورغم كل شيء، لا يجب أن نتعامل مع الشيوعية كجريمة فكرية ينبغي محوها بالكامل، بل كتجربة إنسانية كبرى سعت إلى تحقيق المساواة والعدالة، ولكنها وقعت في فخ المطلق، حيث تحوّلت الفكرة إلى جهاز، والحرية إلى رقابة، والحق إلى احتكار.
وهذا يعيدنا إلى الفكرة الجوهرية: ليس كل إرث ينبغي التخلص منه، بل تفكيكه، وإعادة تأويله. فربما تحمل بعض أفكار الشيوعية ـ مثل نقد التفاوت، أو مركزية الإنسان العامل ـ بذورًا لتحرر حقيقي، إذا ما تحررت من قيدها الشمولي.
خاتمة الفصل الثالث: حين يتحول الفكر إلى مصير
نحن لا نرث الأنظمة فقط، بل نرث أفكارها، وطريقتها في ترتيب الواقع. والخطر الأكبر ليس أن تبقى هذه الأفكار، بل أن نكفّ عن التساؤل حولها، فتصبح جزءًا من "الطبيعي". إن تحرر الإنسان يبدأ من إعادة النظر في ما ورثه بوصفه قدرًا.
الفكر الذي لا يُسائل، يصير مصيرًا. والمصير الذي لا يُفكك، يعيد إنتاج الاستبداد... ولو في لبوس جديد.



#محيي_الدين_ابراهيم (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أثر الفكر الشيوعي على هندسة الواقع السياسي المعاصر ( الجزء ا ...
- أثر الفكر الشيوعي على هندسة الواقع السياسي المعاصر ( الجزء ا ...
- حامد عويس شيخ التشكيليين العرب ( الجزء الخامس )
- مذكرات تحية جمال عبد الناصر ( الجزء الخامس - الحلقة الثالثة ...
- العالم الحتمي والإرادة الحرة ( الجزء الثالث والأخير )
- العالم الحتمي والإرادة الحرة ( الجزء الثاني )
- العالم الحتمي والإرادة الحرة ( الجزء الأول )
- بين أختراع الحقيقة وإكتشافها ( الجزء الثاني والأخير )
- بين اختراع الحقيقة وأكتشافها ( الجزء الأول )
- فم الذئب
- الفنان حسن فايق أيقونة الكوميديا
- فيلم معركة الجزائر 1966 وثق كفاح شعب واستغله الأمريكان في غز ...
- قراءة نقدية مقارنة بين أدونيس وأمل دنقل
- مذكرات تحية جمال عبد الناصر ( الجزء الرابع - الحلقة الثانية ...
- الخديوي إسماعيل وبناء مصر الحديثة ( الجزء الثالث )
- حامد عويس شيخ التشكيليين العرب ( الجزء الرابع )
- الخديوي إسماعيل وبناء مصر الحديثة ( الجزء الثاني )
- مذكرات تحية جمال عبد الناصر ( الجزء الثالث - الحلقة الأولى ) ...
- مذكرات السيدة تحية جمال عبد الناصر ( الجزء الأول + الجزء الث ...
- حامد عويس شيخ التشكيليين العرب ( الجزء الثالث )


المزيد.....




- صانعة المحتوى اللبنانية عبير الصغير تحتفل بخطوبتها في أجواء ...
- صانعة المحتوى عبير الصغير تحتفل بخطوبتها.. تفاصيل حصريّة عن ...
- -بخطوة نادرة-.. مسؤول يكشف لـCNN: وزير الخارجية السعودي سيزو ...
- ترامب: بكين -انتهكت بالكامل- الاتفاق مع واشنطن بشأن الخفض ال ...
- -برا وبحرا وجوا-.. -نيويورك تايمز- تكشف بنودا من مذكرة أوكرا ...
- الولايات المتحدة.. سحب طماطم ملوثة بالسالمونيلا قد تفتك بالم ...
- السيسي يتلقى اتصالا من رئيس وزراء اليونان بعد أزمة دير سانت ...
- تحذيرات من -أسلوب جديد- لسرقة أموال المصريين عبر الهواتف
- -سبيس إكس- تخطط لإرسال روبوتات إلى المريخ
- كاتس يهاجم ماكرون: اعترافكم بفلسطين مجرد ورق يلقى بمزبلة الت ...


المزيد.....

- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محيي الدين ابراهيم - أثر الفكر الشيوعي على هندسة الواقع السياسي المعاصر ( الجزء الثالث )