أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محيي الدين ابراهيم - أثر الفكر الشيوعي على هندسة الواقع السياسي المعاصر ( الجزء الثاني )














المزيد.....

أثر الفكر الشيوعي على هندسة الواقع السياسي المعاصر ( الجزء الثاني )


محيي الدين ابراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 8356 - 2025 / 5 / 28 - 00:42
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الفصل الثاني - الشيوعية بعد الإنزواء – كيف تحيا فينا؟
أطياف لا تغادرنا:
قد تُهدم الأسوار، وتُسقط التماثيل، وتُبدّل الأعلام... ولكن ليس بالضرورة أن تموت الأفكار. الشيوعية، كمنظومة فكرية ومؤسساتية، كانت من أكثر الأيديولوجيات التي سعت إلى صياغة واقع شامل، لا يقتصر على الدولة، بل يمتد إلى العقل والسلوك والضمير الجمعي. ومع زوالها الرسمي من مسرح السياسة في أواخر القرن العشرين، لم تُدفن، بل استحالت إلى طيف يطلّ برأسه في ملامح أنظمة، وسلوك شعوب، وشكل إدراك الواقع السياسي.
هذا الفصل يحاول أن يقرأ أثر الشيوعية كإرث لم يُمحَ، بل أعيد تدويره، سواء في المؤسسات التي نجت من الزوال، أو في العقليات التي تشبّعت بروح "الحزب الواحد"، أو في آليات الدولة التي بقيت، وإن تزيّنت بقشور من الديمقراطية.
المؤسسات .. البنية التحتية للشبح:
حين سقطت الأنظمة الشيوعية في أوروبا الشرقية، أُعلن موت الإيديولوجيا، لكن بقيت الهياكل. الشرطة، القضاء، الإعلام الرسمي، النقابات، والنخب الإدارية… لم تتغير جذريًا، بل أعادت تشكيل نفسها لتناسب النظام الجديد. فما يسمى بـ"الديمقراطيات الجديدة" بُنيت غالبًا فوق أساسات بيروقراطية قديمة، صيغت في عقل مركزي تسلّطي.
مثلًا، أظهرت دراسات أن النظم القضائية في بعض دول أوروبا الشرقية احتفظت بنفس القضاة الذين خدموا في النظام الشيوعي، ما أدّى إلى بطء في إصلاح العدالة.
نظم الرفاه الشيوعية، رغم انهيار الاقتصاد، بقيت راسخة، وغالبًا ما استخدمتها الأنظمة الجديدة كوسيلة للسيطرة الناعمة على الجماهير.
النتيجة: مؤسسات هجينة، ظاهرها ديمقراطي، وباطنها يحمل طقوسًا بيروقراطية قمعية، لا تختلف كثيرًا عن مؤسسات الشيوعية.
التحالفات... من الحزب إلى الشبكة:
لم يكن سقوط الشيوعية مجرّد هدم لنظام، بل لحظة إعادة توزيع للنفوذ. كثير من النخب التي نشأت في حضن الحزب الشيوعي استطاعت أن تعيد تموضعها داخل النظم الجديدة، بل وأصبحت جزءًا من النخبة الحاكمة في ظل الديمقراطية الليبرالية.
ورثة الأحزاب الشيوعية القديمة، مثل الحزب الاشتراكي في رومانيا أو روسيا الموحدة في روسيا، استثمروا في رأس المال الاجتماعي القديم، وفي شبكات النفوذ البيروقراطي، ليصنعوا ما يشبه "الاستبداد الديمقراطي".
النخب الاقتصادية التي نشأت في الحقبة الشيوعية (المديرون، مسؤولو التخطيط، كبار ضباط الأمن) أصبحت في كثير من الدول هم أنفسهم "الطغمة" الجديدة بعد الخصخصة، مستفيدين من ثروات الدولة السابقة.
إن الشيوعية لم تغادر مواقع النفوذ، بل ارتدت عباءة جديدة، واحتفظت بمفاتيح السوق والإعلام والقرار السياسي.
المعارف والذهنيات... السياسة كخطر:
لكن الأثر الأعمق للشيوعية لا يكمن فقط في المؤسسات أو النخب، بل في الناس أنفسهم. لقد صنعت الشيوعية، على مدى عقود، ثقافة سياسية قائمة على الخوف من السياسة، والارتياب من المعارضة، والإيمان بأن "الدولة تعرف مصلحتنا أكثر منا".
في دراسات متعددة، تبين أن المجتمعات التي عاشت تحت أنظمة شيوعية، حتى بعد التحرر، لا تزال تُظهر مستويات منخفضة من الثقة بالمؤسسات الديمقراطية.
الانتساب إلى أحزاب، أو الانخراط في منظمات مجتمع مدني، ظلّ ضعيفًا في كثير من دول أوروبا الشرقية.
الناس الذين ترعرعوا في النظام الشيوعي يُظهرون ميلًا أقلّ للابتكار، أو خوض المخاطر، أو الدفاع العلني عن رأي سياسي مختلف.
كأنما الخروج من الشيوعية لم يكن قطيعة، بل انتقال بطيء ومضطرب، تُسيّره مخاوف الذاكرة.
الشيوعية كبنية رمزية:
في كثير من المجتمعات ما بعد الشيوعية، تم إفراغ الشيوعية من مضمونها الأيديولوجي، لكنها بقيت رمزًا. أحيانًا تُستعاد كشبح تهديدي في الخطاب السياسي (كما في بولندا أو المجر)، وأحيانًا كـ"حنين جماعي" لأزمنة النظام والانضباط (كما في روسيا وبيلاروسيا).
وهذا يجعلها قوة رمزية مزدوجة:
أداة بيد الأنظمة لإحياء الخوف من الماضي من أجل تحصين الحاضر.
أو وسيلة للمهمّشين لاستعادة معنى في زمن الاضطراب الرأسمالي.
هنا تتحول الشيوعية إلى حكاية مفقودة تُستدعى لا بوصفها نظامًا، بل كتصور بديل لما يجب أن يكون عليه العالم، حتى لو كان هذا التصور محض وهم أو انتكاسة.
خاتمة الفصل الثاني: النظام الذي لم يسقط بعد:
إن الشيوعية، رغم سقوطها، تظل كامنة في ذاكرة المجتمعات، وسلوك الأفراد، ومؤسسات الدول. ليست العودة إلى الشيوعية حتمية، ولكن استمرار بعض آلياتها يمنع تحقق ديمقراطية حقيقية أو اقتصاد عادل أو مجتمع مدني فعّال. فحين ينهار البناء، تبقى الأساسات عالقة في الأرض، وما لم يُقلع الجذر، فإن شبح النظام سيواصل الهيمنة، لا كإيديولوجيا، بل كعادة.



#محيي_الدين_ابراهيم (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أثر الفكر الشيوعي على هندسة الواقع السياسي المعاصر ( الجزء ا ...
- حامد عويس شيخ التشكيليين العرب ( الجزء الخامس )
- مذكرات تحية جمال عبد الناصر ( الجزء الخامس - الحلقة الثالثة ...
- العالم الحتمي والإرادة الحرة ( الجزء الثالث والأخير )
- العالم الحتمي والإرادة الحرة ( الجزء الثاني )
- العالم الحتمي والإرادة الحرة ( الجزء الأول )
- بين أختراع الحقيقة وإكتشافها ( الجزء الثاني والأخير )
- بين اختراع الحقيقة وأكتشافها ( الجزء الأول )
- فم الذئب
- الفنان حسن فايق أيقونة الكوميديا
- فيلم معركة الجزائر 1966 وثق كفاح شعب واستغله الأمريكان في غز ...
- قراءة نقدية مقارنة بين أدونيس وأمل دنقل
- مذكرات تحية جمال عبد الناصر ( الجزء الرابع - الحلقة الثانية ...
- الخديوي إسماعيل وبناء مصر الحديثة ( الجزء الثالث )
- حامد عويس شيخ التشكيليين العرب ( الجزء الرابع )
- الخديوي إسماعيل وبناء مصر الحديثة ( الجزء الثاني )
- مذكرات تحية جمال عبد الناصر ( الجزء الثالث - الحلقة الأولى ) ...
- مذكرات السيدة تحية جمال عبد الناصر ( الجزء الأول + الجزء الث ...
- حامد عويس شيخ التشكيليين العرب ( الجزء الثالث )
- القفز من نافذة الحكاية


المزيد.....




- فرنسا: حظر شامل للتدخين في الأماكن العامة والمتنزهات وعلى ال ...
- ماذا نعرف عن مقترح ويتكوف لوقف إطلاق النار في قطاع غزة؟
- الكوليرا في زمن الحرب: الوباء يحصد أرواح السودانيين
- لماذا يجب على أوروبا تطوير منظومة -قبة ذهبية- خاصة بها؟
- ألمانيا تكافح نقص العمالة: سفينة تعمل بالتحكم عن بعد
- مستوطنون يشيدون سياجا حول قرية فلسطينية في غور الأردن (فيديو ...
- قيادي في -حماس-: قدمنا خطة بضمانات أمريكية.. ولكن -كل شيء تغ ...
- بيسكوف: وفدنا جاهز للتفاوض.. ولقاء بوتين مع ترامب وزيلينسكي ...
- وسائل إعلام: طائرة الرئيس الليبيري كادت أن تتحطم أثناء الهبو ...
- ليبيا.. تحقيقات موسعة في وفيات سجن -الجديدة- وانتهاكات أمنية ...


المزيد.....

- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محيي الدين ابراهيم - أثر الفكر الشيوعي على هندسة الواقع السياسي المعاصر ( الجزء الثاني )