أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محيي الدين ابراهيم - أثر الفكر الشيوعي على هندسة الواقع السياسي المعاصر ( الجزء الأول )














المزيد.....

أثر الفكر الشيوعي على هندسة الواقع السياسي المعاصر ( الجزء الأول )


محيي الدين ابراهيم

الحوار المتمدن-العدد: 8355 - 2025 / 5 / 27 - 17:00
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


في كل عصر، تتسلل إلينا أفكار من الماضي، ليس على هيئة كلمات بل كأنها قوى خفية تنسج مصائر الأمم من وراء ستار. ليست الشيوعية فكرة انتهت بسقوط جدار برلين، بل ظلٌّ طويل يطارد أشكال الحكم، وأنماط التفكير، وصياغات العدالة. لا تنقضي الأيديولوجيا بزوال مؤسساتها، بل تبدأ آثارها العميقة حين تنزاح عن المشهد، وتتحوّل من واقع إلى "إرث". ومن هنا، يصبح سؤال الإرث سؤالًا عن قدرتنا على التحرّر من الماضي، لا بنسيانه، بل بفهم كيف استبطنّا أدواته من غير وعي، حتى أصبحت حاضرنا.
الفصل الأول:
علائق الماضي والسلطة – كيف يعيد الإرث إنتاج نفسه؟
في معنى "الاستمرارية التاريخية":
في أعماق التاريخ السياسي تكمن مفارقة لافتة: الأنظمة تموت، لكن آثارها لا تزول. بل لعلها، paradoxically، تبدأ حياتها الأكثر تأثيرًا بعد سقوطها. ذلك لأن فكرة الإرث السياسي لا تشير فقط إلى ما خلّفته أنظمة قديمة من مؤسسات أو قوانين، بل إلى ما غرسته من عادات إدراكية، وتحالفات اجتماعية، وأشكال تمثيل للسلطة لا تزال تحكم الحاضر من تحت الجلد.
يُعدّ سؤال "كيف يستمر الماضي في تشكيل الحاضر؟" من أكثر الأسئلة تعقيدًا في علم السياسة الحديث. ويجيب عليه نهجان بحثيان كبيران: التحليل التاريخي المقارن (CHA) والاقتصاد السياسي الحديث (MPE). هذان النهجان لا يقدّمان فقط تفسيرًا سببيًا لما يحدث، بل يحاولان تفكيك الخيوط الطويلة الممتدة بين نقطة تاريخية مفصلية ونتائج معاصرة، قد تبدو للوهلة الأولى بلا علاقة مباشرة.
جذور السببية السياسية الطويلة:
التحليل التاريخي المقارن لا يبدأ من الحاضر فقط، بل يعود إلى "المنعطفات الحرجة" التي غيّرت شكل الأنظمة والمجتمعات، مثل الثورات، الاستعمار، انهيار الإمبراطوريات، أو الانتقال من الشيوعية إلى الديمقراطية. في هذه اللحظات، تتشكل أنماط سببية تتجاوز لحظتها، وتظل تمارس تأثيرها لعقود.
خذ مثلاً التفاوت في توزيع التصويت السياسي في فرنسا أو الولايات المتحدة. منذ أوائل القرن العشرين، لاحظ علماء الاجتماع أن الدعم لليمين أو اليسار لا يتغير كثيرًا رغم تغيّر الأحزاب والأزمات. ما يفسّر هذا الثبات ليس الأيديولوجيا، بل تراكم طبقات من التاريخ السياسي المحلي، المبني على الهويات، والتحالفات الاقتصادية، والانقسامات الطبقية أو العرقية. ما حدث في الحرب الأهلية الأمريكية، أو في ثورة 1848 الفرنسية، لا يزال حيًا في صناديق الاقتراع حتى اليوم.
ثلاثة مسارات للانتقال التاريخي:
بناء على الأدبيات المراجعة، يمكن اختزال آليات الإرث السياسي إلى ثلاث فئات:
1. المؤسسات الرسمية: مثل القوانين والدساتير والبيروقراطيات، التي غالبًا ما تنجو من انهيار النظام وتستمر في تشكيل سلوك الأفراد وصنع القرار السياسي. حتى بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، ظل العديد من الدول يحتفظ بهياكل قانونية وسلطوية تعود لعصر الشيوعية.
2. التحالفات الاجتماعية والسياسية: هذه الشبكات، التي تربط بين النخب الاقتصادية والسياسية والبيروقراطية، تستمر في العمل داخل النظم الجديدة، مكيّفة نفسها مع السياق ولكن حافظة لمصالحها.
3. المعارف والإدراكات: مثل الأفكار الراسخة حول السلطة، الخوف من السياسة، أو الشك في الديمقراطية. هذه تنتقل عبر التعليم، التنشئة، وحتى الذاكرة الجماعية. في ألمانيا، مثلًا، أظهرت دراسات أن معاداة السامية التي بدأت خلال الطاعون الأسود في القرن 14، ما زالت تظهر في أنماط التصويت وجرائم الكراهية في القرن 20.
بين الطفرة والتحول المؤجل:
التحولات الجذرية، كالثورات أو الانهيارات الكبرى، لا تمحو التاريخ، بل تعيد تشكيله في قالب جديد. ويبدو أن الإرث السياسي يميل إلى البقاء عندما تكون التغيرات "قشرية" أو رمزية، بينما في التحولات العنيفة جدًا أو الثورية، قد نرى تبدّلًا حقيقيًا في الآليات.
إلا أن المفارقة أن بعض الإرث يبقى حتى حين تختفي كل آثاره المادية. فليس من الضروري أن تكون المؤسسة موجودة حتى تستمر أفكارها؛ مثلما يستمر الخوف من التجمعات السياسية في دول خرجت من حكم قمعي، حتى لو أصبحت ديمقراطية على الورق. إن ما يبقى، غالبًا، هو ما تم ترسيخه لا في القوانين، بل في الوعي.
ملاحظات منهجية حول البحث في الإرث:
تكمن صعوبة دراسة الإرث السياسي في تحديد "ما هو الإرث؟"، وكيف يمكن ربطه سببيًا بالحاضر؟ هل يمكن القول إن مؤسسة موجودة اليوم هي نتيجة مباشرة لسياسات قديمة؟ أم أن هناك متغيرات وسيطة كثيرة تعقّد هذه السلسلة؟
الباحثون في الاقتصاد السياسي يفضّلون تحليل البيانات، اختبار السببية باستخدام طرق إحصائية معقدة، واستعمال الحدود الجغرافية أو الكوارث الطبيعية كأدوات تجريبية. أما التحليل التاريخي المقارن، فيركّز أكثر على السرد والتحليل الكيفي، ويعتمد على تتبع المسارات السببية عبر الزمن داخل حالات محددة.
والأذكى من كل هذا هو الدمج بين المنهجين، بحيث يمكن تتبع قصة سببية مفصلة (كما في دراسات CHA)، ثم اختبار صلاحيتها على نطاق أوسع (كما في MPE).
خاتمة الفصل الأول: إرث لا يُرى ولكن يُحسّ:
إننا لا نعيش فقط في ظل أنظمتنا السياسية الحالية، بل في ظل اختيارات قديمة، وصراعات لم نحضرها، ومؤسسات لم نؤسسها. الماضي يعيش فينا، لا عبر الذكرى فقط، بل عبر ما نعتبره "طبيعيًا" و"بديهيًا" في حياتنا السياسية والاجتماعية. وإذا كان الحاضر هو زمن الفعل، فإن فهم الإرث هو أول شروط الحرية؛ لأن من لا يعي قيوده لا يمكنه تجاوزها.



#محيي_الدين_ابراهيم (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حامد عويس شيخ التشكيليين العرب ( الجزء الخامس )
- مذكرات تحية جمال عبد الناصر ( الجزء الخامس - الحلقة الثالثة ...
- العالم الحتمي والإرادة الحرة ( الجزء الثالث والأخير )
- العالم الحتمي والإرادة الحرة ( الجزء الثاني )
- العالم الحتمي والإرادة الحرة ( الجزء الأول )
- بين أختراع الحقيقة وإكتشافها ( الجزء الثاني والأخير )
- بين اختراع الحقيقة وأكتشافها ( الجزء الأول )
- فم الذئب
- الفنان حسن فايق أيقونة الكوميديا
- فيلم معركة الجزائر 1966 وثق كفاح شعب واستغله الأمريكان في غز ...
- قراءة نقدية مقارنة بين أدونيس وأمل دنقل
- مذكرات تحية جمال عبد الناصر ( الجزء الرابع - الحلقة الثانية ...
- الخديوي إسماعيل وبناء مصر الحديثة ( الجزء الثالث )
- حامد عويس شيخ التشكيليين العرب ( الجزء الرابع )
- الخديوي إسماعيل وبناء مصر الحديثة ( الجزء الثاني )
- مذكرات تحية جمال عبد الناصر ( الجزء الثالث - الحلقة الأولى ) ...
- مذكرات السيدة تحية جمال عبد الناصر ( الجزء الأول + الجزء الث ...
- حامد عويس شيخ التشكيليين العرب ( الجزء الثالث )
- القفز من نافذة الحكاية
- الخديوي إسماعيل وبناء مصر الحديثة: أول برلمان، وأول تعليم مج ...


المزيد.....




- فيديو لحظة انفجار غامض أدى لمقتل ضابط روسي بارز داخل روسيا.. ...
- الحكومة الإسرائيلية تعلن عن مشروع استيطاني ضخم يضم 22 مستوطن ...
- 12 عسكريا روسيا يحصلون على 15 مليون روبل مكافأة إسقاطهم مقات ...
- الولايات المتحدة ترفع العقوبات عن الغابون
- هزم القذافي وهتف لسقوط فرنسا.. قصة زعيم حكم بلاده بالحديد وا ...
- لبنان.. مداهمة منزل صحافي للتحقيق في اتصالات عاملته المنزلية ...
- -أتلانتيك-: واشنطن تغيب عن جولة مفاوضات التسوية الأوكرانية ا ...
- مقتل 13 شخصا في قصف إسرائيلي شمال وجنوب غزة
- - أسطول الحرية- سيبحر في رحلة إنسانية لكسر الحصار عن قطاع غز ...
- هجوم صاروخي على خاركيف وزيلينسكي يتهم روسيا بالخداع


المزيد.....

- الازدواجية والإغتراب الذاتي أزمة الهوية السياسية عند المهاجر ... / عبدو اللهبي
- في فوضى العالم، ما اليقينيات، وما الشكوك / عبد الرحمان النوضة
- الشباب في سوريا.. حين تنعدم الحلول / رسلان جادالله عامر
- أرض النفاق الكتاب الثاني من ثلاثية ورقات من دفاتر ناظم العرب ... / بشير الحامدي
- الحرب الأهليةحرب على الدولة / محمد علي مقلد
- خشب الجميز :مؤامرة الإمبريالية لتدمير سورية / احمد صالح سلوم
- دونالد ترامب - النص الكامل / جيلاني الهمامي
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 3/4 / عبد الرحمان النوضة
- فهم حضارة العالم المعاصر / د. لبيب سلطان
- حَرب سِرِّيَة بَين المَلَكِيّات وَالجُمهوريّات 1/3 / عبد الرحمان النوضة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - محيي الدين ابراهيم - أثر الفكر الشيوعي على هندسة الواقع السياسي المعاصر ( الجزء الأول )