نصائح حول الحب بين نيتشه و سارتر ، سكاي سي كليري

محمد عبد الكريم يوسف
مدرب ومترجم وباحث
(Mohammad Abdul-karem Yousef)

الحوار المتمدن-العدد: 7762 - 2023 / 10 / 12 - 03:24
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    

قفل الشفاه والأصابع المتشابكة غير ضار بما فيه الكفاية، لكن الحبس في الحب أمر خطير بشكل مغر - مجازيا وحرفيا. أصبح عشاق القرن الحادي والعشرين مفتونين جدا بهذه الاستعارة، لدرجة أنه في عام 2015، كان لا بد من تحرير جسر الفنون في باريس من الوزن الساحق البالغ خمسة وأربعين طنا من الأقفال التي قام العشاق بتعليقها به. المفاتيح، الملقاة فوق القضبان، تتناثر في نهر السين. في حين تم بيع أقفال الحب الباريسية بالمزاد العلني لجمع الأموال للجمعيات الخيرية، إلا أن الأقفال لا تزال تخنق النصب التذكارية في جميع أنحاء العالم - من الجسور الأخرى في باريس، إلى جسر بروكلين، إلى الأسوار في هاواي وأستراليا. لقد أصبح المخططون الحضريون الآن أبطالا بالصدفة في الحملة ضد هذا الهوس، على الرغم من استمرار هذه الظاهرة و بذل قصارى جهدهم لإحباطها.

في عيد الحب الذي يأتي في أعقاب حملة #MeToo،يجدر بنا التفكير في بعض طقوسها ورموز الحب. على سبيل المثال، بينما آمل أن تكون أحزمة العفة من بقايا الماضي، فإن المصنوعات الحديدية مثل خواتم الزفاف لا تزال من بين دلائل التزامنا النهائية - وربما أكثر من شهادة الزواج التي تلزمنا قانونا. في بعض النواحي، هذا منطقي. الأيقونات الفولاذية قوية ومستقرة ومتينة. إن الرموز المعدنية تبقى أطول عمرا منا إلى حد أنها تذكرنا بإمكانية الحب الأبدي. معظمنا يريد الحب، ونريده أن يبقى، لذا فلا عجب أننا نميل إلى تقييده بالسلاسل. ومع ذلك، فإن هذه الرموز السامية تثير قلقا عميقا بطرق أخرى. فهي ليست فقط باردة وقاسية وغير مرنة، ولكنها أيضا بقايا من تقليد طويل من التملك:

ربما أصيب فريدريك نيتشه بخيبة أمل، لكنه لم يتفاجأ، عندما علم أننا مازلنا مهووسين بالأقفال التي ترمز إلى الحب. كان يعتقد أن الحب يمكن أن يكون "الغريزة الأكثر ملائكية" و"أعظم حافز للحياة". لكن في كثير من الأحيان، يظهر الحب على شكل رغبة جشعة ومنحلة في التملك. وكما افترض نيتشه، فإن العشاق يتصرفون في كثير من الأحيان مثل "التنين الذي يحرس كنزه الذهبي" ويعاملون الحبيب مثل طائر غريب - "كشيء أيضا يجب حبسه لمنعه من الطيران بعيدا". يمكن أن تكون القيود مريحة، مثل أذرع العشاق، لكن نيتشه كان من دعاة تحرير أنفسنا من هذه الأغلال التافهة التي تفرضها الأساطير الرومانسية، وخاصة فكرة تأمين الحب. الحب شعور، ومن السخافة الاعتقاد -ناهيك عن التعهد- بأننا سنشعر بطريقة معينة وسنستمر حتى يفرقنا الموت.

جان بول سارتر، الذي قرأ نيتشه (وسخر منه بلا رحمة) في الكلية، قضى معظم وقته في شرب المقبلات في مقاهي سان جيرمان دي بري على بعد خطوات فقط من جسر الفنون، ويخربش في دفاتر الملاحظات، ويلاحق الشابات الجميلات. . بصفته بطلا للحرية الوجودية، زعم سارتر أن قبول وجهة نظر الآخرين حول الطريقة التي يجب أن تعيش بها ينطوي على نوع من خداع الذات الذي وصفه بسوء النية. ولم يكن صديقا للمعايير البرجوازية، فقد زعم أن كل واحد منا مسؤول عن اختياراته في الحياة. لا ينبغي للفرد الحر أن يحبس نفسه في علاقة قد تصبح قفصا غير مريح. تخلص من المفتاح، وسوف تتخلص من حريتك. أن تكون حرا يعني أن يكون لديك إمكانية تغيير المسار، وإعادة تعريف نفسك، وقلب الصور التي يتصورها الآخرون عما يجب أن تكون عليه.

وفقا لسارتر، الحب موجود فقط في الأفعال والممارسة. لذلك، إذا كان شراء قفل نحاسي وتركه، مع الآلاف من الاقفال الآخرى، لوزن نصب تذكاري، هو بالنسبة لك عمل حب خاص وجميل وهادف، فربما لم يكن سارتر ليمنعك. ومع ذلك، كان سيشكك في صحة مثل هذه البادرة. قفل الحب ليس تقليدًا قديمًا، بل هو بدعة بدأت في روما عام 2006 بعد شهرة الكتاب (والفيلم اللاحق)  I Want You ، للكاتب فيديريكو موتشيا. في القصة، يقفل عاشقان سلسلة حول عمود إنارة على جسر بونتي ميلفيو في روما ويلقيان المفتاح في نهر التيبر. لقد كان يرمز إلى فكرة أنهم سينتمون دائما لبعضهم البعض.

قد يبدو رمز القفل معاديا تماما لوجهة النظر الوجودية للحب. بمجرد رمي المفتاح بعيدا، لا يوجد مخرج. ومع ذلك، استخدم سارتر نفس الاستعارة بشكل مختلف، مما يشير إلى أن العشاق لا يمكن أن يكونوا بمثابة قفل، بل كمفتاح لفتح كيانك الداخلي. بدون أن يقوم شخص ما بفحصك والتفاعل معك وتقديرك، قد تكون هناك جوانب في نفسك ستظل غير مرئية إلى الأبد. العلاقة الحميمة بين الحبيب يمكن أن تكشف عن تلك الرغبات والمواقف.

بالنسبة لسارتر، متعة الحب هي عندما نشعر بالأمان في امتلاكنا لبعضنا البعض ونجد معنى حياتنا في الشخص الآخر ومن خلاله. المشكلة هي أن هذا مجرد وهم. لا يوجد شيء آمن على الإطلاق في الحب الرومانسي. وبما أن العشاق أحرار في اختيار أن يكونوا في علاقة، فإنهم أحرار أيضا في المغادرة، وهذا يجعل الحب عرضة للخطر على الدوام. وفقا لسارتر، فإن هذا يدفع العشاق إلى حلقات مفرغة من ألعاب القوة السادية المازوخية. إنهم يحاولون السيطرة على بعضهم البعض والمطالبة بنوع الحيازة الذي يتضمنه القفل. والنتيجة هي أن العشاق ينتهي بهم الأمر إلى محاولة سرقة بعضهم البعض من حريتهم دون تحقيق كامل للملكية التي يشتهونها، ولهذا السبب استنتج سارتر أن الحب صراع.

لا حرج في الأمل في أن الحب سوف يستمر. في الواقع، الأمل في أن يستمر هو ما يميز الرومانسية عن الشهوة. بالنسبة لسارتر، يُعرِّف العشاق أنفسهم باختيارهم أن يحبوا بعضهم البعض الآن وفي المستقبل. مع ذلك، هذه هي مفارقة الحب: لا يمكننا أن نعرف كيف سنكون في المستقبل، وبقدر ما يمكننا أن نختار بحرية الالتزام به، فإن تقييد الذات المستقبلية هو إنكار للحرية.

قد يتساءل المرء: ألا يمكننا أن نتخلى عن الرغبة في أن نكون كرة تتدحرج وسلسلة لبعضنا البعض؟ من المؤكد أن سيمون دي بوفوار تساءلت عن ذلك وقالت إن أفضل العلاقات هي العلاقات الحقيقية. في العلاقات الحقيقية، يحترم العشاق حرية بعضهم البعض ويستمرون في ممارسة حريتهم. كانت علاقة بوفوار وسارتر مفتوحة، وهو خروج جذري عن الأعراف السائدة في ذلك الوقت. ومع ذلك، طالبوا بضمان أنهم الشريك الأساسي لبعضهم البعض، الأمر الذي ربما حرمهم من بعض الحريات الأخرى.

يعتقد سارتر أن التملك أمر أساسي للغاية في تجربة الحب، لدرجة أن التغلب على الرغبة في امتلاك الحبيب قد يكون بمثابة التغلب على الحب نفسه. ومع ذلك، فمن نواح عديدة، كان يدعو إلى التقليل من أهمية القفل وزيادة من أجل المفتاح: فالحب يشبه إلقاء نفسك من فوق الجسر في نهر السين. يتطلب الأمر شجاعة للدخول في علاقة، ولا تعرف أين ومتى ستستقر، إن وجدت. لقد فعل سارتر ذلك على أي حال، وكان سيوصي بأن نفعل ذلك أيضًا.

 

سكاي سي. كليري هو مؤلف كتاب الوجودية والحب الرومانسي،  ويقوم بالتدريس في جامعة كولومبيا، وكلية بارنارد، وكلية مدينة نيويورك.

النص الأصلي:
=========

©2023 ذا باريس ريفيو. كل الحقوق محفوظة

Advice on Love from Nietzsche and Sartre

By Skye C. Cleary February 14, 2018

ARTS & CULTURE

https://www.theparisreview.org/blog/2018/02/14/advice-love-nietzsche-sartre/

#محمد_عبد_الكريم_يوسف (هاشتاغ)       Mohammad_Abdul-karem_Yousef#          

---

---

الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل	حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات