عشتار الفصول:14000 آراء غير ملزمة في نهاية عام 2023م لكني أتبناها.موضوع اللغة العربية وتسميتها ،والمسيحيين العرب ، والتعصب القومي والديني والمذهبي ،وعقد الإدارة الذاتية.


اسحق قومي
الحوار المتمدن - العدد: 7851 - 2024 / 1 / 9 - 21:38
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم     

= جميعنا يعلم أن اللغة هي وسيلة للتفاهم والتخاطب. وهي التجسيد العملي لقدرة العقل على التكيف وتجسيد ذاته عبر ألفاظ وكلماتٍ ذات معانٍ من خلال واقع معين .كما ونعلم بأن اللغة والعقل توءمان وقد وجدت اللغة عبر عملية العمل.
السؤال الهام يقول: هل تتناسب تسميت اللغة التي نُسميها اليوم باللغة العربية مع مكوّناتها الأبجدية الأم ووجودها التاريخي وأين وكيف تشكلت ومن أبدعها وأوجدها ،وهل غناها جاء من فراغ، أم هي منْ ورث غنى اللغات السامية : كالأكادية (البابلية والأشورية )والآرامية والفينيقية والكنعانية .؟!
والسؤال الأخير ، لماذا لم يحض الرسول العربي حسان بن ثابت على تعلم اللغة العربية لو كانت موجودة في عصره ولماذا يقول له تعلم السريانية لأنها لغة الملائكة، لماذاأأأأأأأأأأأأأأأأأ؟!!!! وماهي الأدلة على هذا الرأيِّ أو ذاك؟!
=المحور الثاني :
عروبة بعض العشائر المسيحية في الشرق الأوسط حقيقة لا تقبل الجدل كأهل قرية القصور(الكولية) وقلعة مرا وقلث وبنيبيل وآزخ إنموذجاً.عدا العديد من العشائر المسيحية في رحاب حمص وحماة والقلمون وحلب والساحل السوري وحوران .
= المحور الثالث :
أخطر الآفات التي تُدمر المجتمعات التعصب القومي واللغوي والديني والمذهبي .
= المحور الرابع:
العقد الاجتماعي للإدارة الذاتية في شمال وشرقي الفرات ما بين استجابة لاستحقاق سوري وواقع منذ سنوات وأحلام شعوب تريد التحرر . ولماذا يجب أن نرفق وراء جملة الإدارة الذاتية لشمال وشرقي الفرات كلمة ( السورية) ؟!!!
اسحق قومي.
1
توطئة:
ربما يكون هذا النص هو آخر نص أكتبه في نهاية عام 2023م ولكنني أرى أنه هام وضروري حتى أقول كلمتي في هذه المحطات التي عيناها قبل قليل .
وسنبدأ بفاتحة ٍ نوصف من خلالها الباحث الرصين. إذْ أنه ذاك الذي يتمتع بمعرفة وثقافة واسعة الأرجاء في كلّ شيء ٍ خاصة فيما موضوع الأبحاث التي يتناولها .والأمر الثاني يتعلق بأنه يتبنى العلمية والموضوعية والمهنية والحيادية( ما استطاع إليها سبيلا ). كما ويكون قد عاش وعاشر عشرات البحوث العلمية وأخذ عنها محاورها الإبداعية وتأثر بها ويتمسك بجملة بديهيات تقوم على أن المجتمعات البشرية استمرارية وتتابع لمكوّنهم البدائي الأول الذي تطور عبر الزمان والمكان ،ونما وتوسعت معارفه ومداركه وعلومه وتربيته وتجربته العملية والذهنية لغوية كانت أم فكرية ، جسدية كانت أم حركية.
كما وليس بالضرورة أن يبقى هذا المكوّن كله في منطقة جغرافية واحدة بل من الطبيعي والبديهي أن يتخطى بعضه محيطه إلى محيط آخر ، ويبدأ يعيش هناك تجربة تُغاير نوعاً ما التجربة التي عاشها في بداية طفولته ومع مكوّنه الأول والأكبر .
نعم حمل معه مكوّناته الجينية واللغوية والعادات والتقاليد والتراث الشفهي والغناء والموروث الروحي والديني ولكن في نفس الوقت لابدّ أن نقر بأنه بدأ يتعايش مع تطور اجتماعي وبيئي جديد وكان من الضروري أن يُشركْ كلّ العناصر الجديدة التي اكتسبها لتتفاعل مع حياته ومع ما كان يختزنه من علوم ومعارف ولغة وعادات وتقاليد .
ومن هنا لابدّ أن تترك هذه المتغيرات في عقله ولغته أثراً ما تُغني ألفاظه اللغوية وتوقظ في ذاكرته معارف بدأ يلّم بها شيئاً فشيئاً. وكلّ هذا لا ينفي من أن الجماعات البشرية تتشارك في أصل لغاتها لأنها حصيلة تجربتها الحياتية والوجدانية والروحية والنفسية والعملية المستمرة التي تُثبتُ وحدتها الأم مهما تفرعت وتنوعت في أسمائها ومناطقها الجغرافية ولأنها حتماً من منطقة جغرافية واحدة في نشأتها الأولى.
ومن هنا فإنّ رأياً غير ملزم يقول بأنَّ اللغات الحالية والتي استقرت منذ ما يزيد عن ألف وخمسمائة عام وأكثر لايمكن لها أن تكون على هذه الحالة مالم تكن قد احتوت عبر عملية دينامية وتفاعل عضوي عُصارة كلّ اللغات التي سبقتها سواء أكان في مفرداتها أو معانيها أو مدلولاتها اللفظية أو في اشتقاقاتها أو في آدابها . كما أثرت الفترات التاريخية التي تلت ولادتها في تكوينها وغناها. لأنّ اللغة كائن حي ينمو ويكبر وتهرم منه بعض المفردات فيتخلى عنها تباعاً ويأخذ بمعان ٍ وألفاظ وكلمات جديدة فتدخل قاموسه القديم وتُغنيه .وهناك ملحوظة مهمة بالنسبة لتسمية اللغات فقد يكون اسم هذه اللغة أو تلك لا يستقيم ولا يكون معبراً عن مضمونها الحقيقي وتطورها التاريخي وأصل نشوئها ونسبتها سواء إنْ نسبناها لأقوام ٍ أو لجماعات ٍ أو لأماكن .
وإنما مع التواتر تُصبح التسمية حقيقة لا يقبلها بعضنا إلا على هذه الشاكلة، أو هذه التسمية.
مثالنا على هذا ،اللغة الآرامية التي تطورت من خلال التقدم والنمو المعرفي والحاجة الوظيفية لدورها في الحياة السورية مع العلم أنها نتاج وحصاد اللغة الفينيقية (الكنعانية) والمؤابية والآشورية والبابلية( الأكادية) وحتى في جانب الخطوط . الخط المسماري ومؤثراته والذي ظهر حوالي 3600 قبل الميلاد ،ومن أهم الأماكن التي نمت فيها اللهجة الآرامية كانت الرها ومنها دُعيت بالسريانية ولن ندخل في موضوع جدال ٍ حول الفكرة الأخيرة لأنه موضوع آخر .
لكننا نؤكد دون أدنى شك .من أنّ السريانية هي الآرامية في أبجديتها وجوهرها ومكوّناتها تلك التي وجدت في منطقة الرُّها وغيرها من مكان .أجل لأنّ الأبجدية واحدة وإن اختلف رسم الكلمتين ( الآرامية ، السريانية) والخطوط أيضاً هناك تبايناً وخلافاً بينهما وهذا أمر آخر لأنّ كلّ اللغات أصاب خطوطها التبدل والتغير .
إنما سؤال طبيعي يعترضنا يقول : هل أبجدية اللغة السريانية تختلف عن أبجدية اللغة الآرامية ؟!. وهل نجد إضافات على الأبجدية الآرامية من خلال اللغة السريانية كما أضاف النحاة العرب ستة أحرف على الأبجدية السريانية لتصير 28 بدلاً من 22 حرفاً أبجدياً؟ هل هذا حدث مع السريانية أم بقي العدد في السريانية كما الآرامية واحداً؟ والجواب الحقيقي والكامل أن اللغة السريانية هي نفسها( ذاتها،) اللغة الآرامية بكلّ جوهرها وفعاليتها ومفرداتها مع التحفظ على أنه كانت للغة الآرامية لهجات ربما أنضجها تجسد فيما سموه بالسريانية الرهاوية.
ومن هنا نجد أننا أمام رأيين يتعلقان بتسمية اللغة هل هي أسبق من المجتمع أم المجتمع أسبق منها ؟ خلاف بين كلّ من ( روسو ومونتبرد ) وجوهر الخلاف يقول:( أيهما أسبق اللغة أم المجتمع.؟!!! ).فرسو يقول: بحقيقة وجود المجتمع أولاً. بينما مونتبرد يقول :اللغة أولاً.لأنها الخاصة الغريزية المميزة للإنسان. ولأنها ترتبط بالتفوق العقلي له.
وأما نحن فنتبنى في هذه الجزئية الرأيين معاً لأننا لا يمكن أن نفصل ما بين الإنسان الاجتماعي ولغته ، والكائن الفرد ومجتمعه .
ونعود للقول والتأكيد على أن اللغات القديمة للحضارات التي مرت على الشرق كاللغة الأكادية التي تنقسم إلى ( بابلية وأشورية) وإلى اللغة الآرامية والفينيقية والكنعانية الجنوبية كلها شكّلت ينبوعاً ثراً للغة ستُسمى في العهد الإسلامي العربي وخاصة في نهاية القرن السابع الميلادي لبلاد ما بين النهرين وسوريا باللغة العربية.
فاللغة العربية التي نكتب بها اليوم لم توجد في جزيرة العرب أو اليمن الذي هو أصل العرب كما يُقال . وهذه حقيقة وليس ادعاء ،بل وجدت في رحاب بلاد ما بين النهرين وسورية الكبرى إن جاز لنا إسقاط هذا التعبير عن تلك الفترة من الزمان والمكان الجغرافي .مع العلم يُشير التاريخ بأنه كانت هناك مثاقفة لغوية ما بين بلاد الشام وما بين النهرين والحجاز حتى قبل الإسلام بأكثر من قرن من الزمن. ولكن اللغة السائدة آنذاك كانت اللغة الآرامية بلهجاتها المختلفة .وليس بلهجات اللغة الجنوبية التي كانت تُسمى بالعربية.
ومن خلال هذه المقدمة القصيرة التي سنأتي في مكان آخر من هذا البحث على تطور اللغة العربية الحالية يتبين للقارئ اللبيب بأنّ اللغة التي تُسمى اليوم باللغة العربية هي لغة تستحق تسميتها باللغة السورية . وهي الأكثر استيفاء لحقيقتها ،شكلاً ومضموناً ، تاريخاً ومكاناً وولادةً ولمن أبدعها وجسد بواكيرها الأولى . ومع هذا نؤكد ونقول بما (لا يُفسد عندي للود قضية) . وأَني أقولها جهاراً نهارا .
إنّ اللغة العربية الحالية هي لغة أسرتي التي ولدت بينها ونطقتُ بها، وأنا لازلت في الأشهر الأولى من عمري. وهي زوادتي، وأول لغة عرفتها وتعلمتها قراءة وكتابة في مدرسة المعارف بقريتنا تل جميلو عام 1957/1958م .على يد المعلم خليل جرّاح الذي جاءنا من قرية المشتاية التابعة لقضاء تل كلخ التابعة لمحافظة حمص .
وبها قرأتُ حديث الأربعاء لطه حسين بأجزائه الثلاثة وللمنفلوطي أغلب كتاباته وأدبه وعلى سبيل المثال (في ظلال الزيزفون ).وموسوعة جامع الدروس العربية لمصطفى الغلاييني وهي في ثلاثة أجزاء تتناول علوم النحو لابل هي أهم مرجع نحوي ،هذا كان وأنا لازلتُ في المرحلة الابتدائية وأتذكر شاكراً معلمي حنا عزيز الذي أولاني اهتماماً كبيراً في هذا المجال وذكره هنا واجب علي.
ومن خلال اللغة العربية أعبر عن شخصيتي ،كما وأعتز بها وأيّ اعتزاز ٍ .فهي أنا ،وهي ناقتي التي تحملني للعالم .كتبتُ بها أول وبواكير تجربتي الشعرية والقصصية والروائية منذ الربع الأول من ستينات القرن العشرين المنصرم ، وبها رسمتُ معالم البحوث التاريخية والفكرية والفلسفية والتربوية التي عشقتها منذ يفاعتي .
وأتذكر نسائم وقعها في نفسي خاصة الأشعار أو القصائد التي كنتُ أنشدها مع انفعالات وحركات يدي وأنا في الصف الرابع الابتدائي بمدرسة الخابور للسريان الأرثوذكس بالحسكة ، وكان معلمي يعقوب توما عبدي يُشجعني حيث يأخذني إلى بقية الشعب(الصفوف) لكي يتأثر بي بقية التلاميذ، وقال يومها كلمته ( أنت ستكون شاعراً ).ــــــــ ومن جميل الصدف أني التقيته في السويد عام 2012م ــــــ ومع أَني قرأتُ وتعلمت اللغة السريانية بمدرسة الخابور للسريان الأرثوذكس بالحسكة حتى الصف الخامس فهي الأخرى أفاخر فيها وما أروع ألحانها الشجية ولا تقل أهمية عن العربية ولكن عندما كبرتُ وقرأتُ تاريخ اللغة العربية والمثاقفة بينها وبين اللغات القديمة. تأكد لي أن أستقر على رأيٍّ أقوله فيها دون أيّ تردد بعدما أمضيت مؤخراً في البحث عن ماهيتها ردحاً من الزمن وأخص منها أربعة أشهر أمضيتها من أجل كتابة بحث بعنوان ( من اللغات القديمة إلى اللغة السريانية) منذ سنوات ومن خلال تلك القراءات وصلت إلى نتيجة بأن ما ندعوه باللغة العربية اليوم وما تحتويه من غناء في مفرداتها ومرادفاتها ودلالاتها ، لم تأتي هذه اللغة من الجزيرة العربية سواء من جنوبها أو شمالها ، وقد تضمنت وضمنتْ لغات ولهجات أهل بلاد ما بين النهرين وسورية الداخلية والساحل السوري ونعني ما ورثته من غنى لغات أهل المشرق قاطبة ً ومعها أفصح اللهجات العربية ( لهجة قُريش )
أجل إنّ اللغة العربية لحماً ودماً، أساساً وبناءً . فهي لغة جديدة وسهلة وغنية وذلك لتمكن جهابذة أبناء بلاد ما بين النهرين وسوريا ومعهم العرب الذين تثقفوا باللغة السريانية والذين قاسوا على هجائها العربية مع إخوتهم من السريان والآشوريين والكلدان وكان ذلك مع مطلع القرن السابع الميلادي وهو الذي منحها الاسم الذي نعرفها به اليوم.
ومن الحكمة أن نعرف أساس تشكلها وأينَ ومتى ومن أبدعها ؟! هل من أبدعها كانوا أولئك القادمين من جزيرة العرب الذين لم يكن يكتبوا اللغة الآرامية( السريانية) أصلاً ولا غيرها بل كانوا يتحدثوا بلهجة من لهجاتها؟
ومن هنا نقول من السذاجة أن نتبنى التواتر القائل بأنها لغة عربية وأنها أم اللغات كما يدعي بعضنا إلا إذا كان الأمر يتعلق بفرض رأيّ الغالبية العُظمى ممن يتحدث بها ويتبناها على أنها لغة القرآن الكريم. ومع هذا فالأمر يُعاكس ويُخالف كلّ المعطيات التاريخية والقرائن والبدائل المادية والوجدانية حول تسميتها باللغة العربية بل نستطيع تسميتها باللغة السورية الحديثة .هذا إذا تحدثنا عن اللغة العربية الفصحى اليوم . أما إذا كان الحديث عن اللهجة السورية أو اللغة السورية والعراقية واللبنانية والفلسطينية والأردنية اليوم ومنذ ما يزيد عن ألفي عام فإنّ أكثر من 78% من المفردات نراها تتضمن اللغة العربية الفصحى كمرادفات لمفرداتها وألفاظها ومدلولاتها لأنّ الرواد الأوائل ضمنوا الألفاظ اللهجوية لبلاد الشام ومابين النهرين للغة العربية الحديثة .
ولا أريد الدخول في مماحكات وجدالات مع مغالين وأقدر لهم دفاعاتهم التي لا ترتكز في أغلبها على العلمية بل يندفعون بحسب دافعة التواتر الذي تحفظه الذاكرة الجمعية إذْ يعلق الأمر بوحي إلهي كما يدعي أصحابه وهنا أيضاً أحترم رأيهم ولكني قد لا أتبناه.
وأريد التأكيد على أني لا أنتقص ولا أسمح لأحد من أن ينتقص من قيمة وأهمية وغنى ورحابة اللغة العربية وهذه حقيقة لايمكن التنكر لها . ولكن أريد أن أؤكد على أنها لم تكن ولادتها بعد الحبل في الجزيرة العربية ــ بل في جنوبي ما بين النهرين ( في البصرة والكوفة )أولاً وهي ليست وليدة الدين الإسلامي ثانياً .
إلا إذا أكدنا رأياً يقول :بأن الدين الإسلامي الذي بين أيدينا اليوم قد وضع في العصر العباسي ، فهنا جائز أن نقول: بأنها وليدة ضرورات عدة ومنها ضرورة تشكيل مفردات دينية إسلامية وسيُخالفنا في هذا القول العديد ممن يقول بأنّ اللغة التي نزل بها القرآن لم تكن منقوطة .
لهذا نقول لهؤلاء وأولئك بأنّ هذه اللغة ليست بتلك اللغة التي يُقال بأنها لغة أهل الحجاز أو اليمن بل الوقائع اللغوية السائدة في الجزيرة العربية آنذاك والتي نزل بها القرآن الكريم كانت تختلف عن هذه التي نكتب ونقرأ بها اليوم .
وقد تحددت كلغة لها أبجديتها ومفرداتها وعوامل استمراريتها منذ القرن السابع الميلادي مع التأكيد على أنها ليست اللهجات التي عاشت في الجزيرة العربية إذا استثنينا لهجة قريش وإن كان النحاة قد استمدوا مفرداتها من أفصح الإعراب والقبائل العربية كما سيأتي معنا فيما بعد وهذا أمر يجب أن نقره ونتبناه .
ويؤكد الأثري الشهير فيليب برجه .في كتابه عن أصول الكتابة ص287. ما تعريبه (أنّ الكتابة العربية وجدت .وكانت نصرانية (سريانية، مسيحية)قبل أن تتحول إلى إسلامية). وهنا يُثبت بأنّ تكوينها كان باللغة السريانية وليس كما نُسميها باللغة العربية ونتابع ما قاله :(وإذا قلنا نصرانية فنقول بذات الفعل سريانية).فالفضل الكبير إذن في تعلم الكتابة للعرب يرجع لنصارى السريان الذين علموها لنصارى العرب حيث كانوا وحيثُ بشروا .ونحن إن قلنا عرب لا نقصد إلاّ سكان شبه جزيرة العرب.
ولا نعني مطلقاً سكان سورية من الذين يتكلمون بما يريدون تسميته اليوم بالعربية. لأنّ هؤلاء هم مسيحيون سريان أقحاح منهم من أسلم عند الغزو الإسلامي. ومنهم من بقيّ على دينه.
ولا يفوتنا قضاء القلمون. فهناك قرى أهلها لازالوا يتكلمون الآرامية إلى اليوم رغم أن معظمهم يدين بالإسلام. نذكر من تلك القرى: معلولا. جبعدين.قلدون. عين التينة. القسطل. بخعا.
وتعالوا لنتأكد من أن اللغة التي نكتب بها اليوم فعلاً لم تكن لغة قريش ولا يثرب ولا جزيرة العرب ذاك المكان الذي نزل فيه الوحي على النبي العربي فهاكم قصة حقيقة تشكل الأبجدية التي نُسميها بالعربية
فالنحوي الجهبذ أبو الأسود الدؤلي المولود في الكوفة عام 603م والمتوفي في البصرة سنة 688م . هو من قاس هجاء العربية على هجاء السريانية ،فالسريانية ( الآرامية) تسبق العربية وعلينا أن نقرأ بتمعن ودراية ما جاء في كتاب (لغة حلب السريانية) أنّ العرب تعلموا الكتابة من السريان وبنوا على قواعدها قواعد الإملاء.
وجاء في العقد الفريد لابن عبد ربهُ وفي الجزء الثاني. أنّ ثلاثة من طيء اجتمعوا ببقعة (وهم مرار بن مرة. واسلم بن سعدة. وعامر بن -جدره وهؤلاء كانوا سرياناً جنساً ولغة ) فوضعوا الخط وقاسوا هجاء العربية على هجاء السريانية. فتعلمهُ قوم من الأنبار، وجاء الإسلام وليس أحد يكتب بالعربية غير بضعة عشرة إنساناً وهؤلاء من المسيحيين العرب .
وهكذا قال:السيوطي في المزهر ج1. وصاحب الفهرست ص 40- نقلاً عن بن عباس ما يشبه قول صاحب العقد.كما روى البلاذري في فتوح البلدان ص471كلاماً مطولاً على هذا النحو. مفاده أن اللغة السريانية أساس العربية.
وأما ما جاء في كتاب صبح الأعشى للقلقشندي يوضح أمراً مهماً وخطيراً حيث يأتي على لسان النبي العربي نفسه .فقد روى محمد بن عمر المدائني. في كتابه القلم والمداواة. قول الرسول والذي يقطع الشك باليقين (لحسان بن ثابت أَتحسن السريانية؟! قال.لا.قال. تعلمها لأنها لغة الملائكة..).
ويقول صاحب صبح الأعشى. إنّ حسان ذهب وتعلمها في سبعة عشر يوماً.
وإذا سألنا أنفسنا ما الذي تعلمهُ حسان في هذه المدة القصيرة وهل كان عبقري زمانه…؟
لقد تعلم السريانية نحواً وصرفاً (قراءة وكتابة).لأنهُ كان يتحدث بها كلاماً. سيما وأن محمد بن عمر المدائني. يعد كلام الرسول من الأقوال المسندة لا الضعيفة.؟.
كما أن زوجة الرسول الأولى خديجة ابنة عم المطران ورقة بن نوفل الذي كان على مذهب النساطرة، كانت لغتها آرامية اللهجة الشرقية وهي اللغة التي سادت بلاد آشور .
وسؤال المليون نطرحه هنا حيث يقول: لماذا لم يحض الرسول العربي حسان بن ثابت على تعلم اللغة العربية لو كانت موجودة بل نراه يحثه على تعلم السريانية، لماذاأأأأأأأأأأأأأأأأأ؟!!!!
وفي انتماء العربية والسريانية للغة الآرامية يقول البير أبونا في كتابه( تاريخ الكنيسة الشرقية) ج1 (إن اللغتين العربية والسريانية تنتميان إلى دوحة واحدة هي الآرامية.) ومن هنا فاللغة التي سموها عربية هي تتابع زماني مكاني للغة الآرامية ومكوّناتها التاريخية وجوهر مفرداتها .
ولكي نقف على كلمة عرب وكيف ولماذا سموا عرباً تعالوا نرى ما جاء في
مادة عَرَبَةُ: بالتحريك هي في الأصل اسم بلاد العرب. وقال: أبو منصور. اختلف الناس في العرب ولِمّ سُمُوا عرباً. فقال: بعضهم أول من أنطق الله لسانهُ بلغة العرب. يعرب بن قحطان وكانت ولادته في حدود 8062 قبل الميلاد وهو أول من كتب اللغة العربية القديمة (ربما قصد بها الكنعانية أو الفينيقية)
وهو أبو اليمن. وأهل اليمن هم العرب العاربة.
قال: نصر وعربة أيضاً موضع في أرض فلسطين. وقال آخرون نشأ أولاد إسماعيل بن إبراهيم الخليل بعربة وهي من تهامة. فنسبوا إلى بلدهم.
وجاء ذكر العربة في التوراة في تثنية: الآية 6.(..وكلّ ما يليه من ،فعبرنا عن إخوتنا بني العَرَبَةِ والجبل والسهل…). وفي الإصحاح الثاني الآية 8تقول عيسو الساكنين في سعير على طريق العَرَبَةِ على إيلة..).والعربة الأرض التي إلى الشرق من خليج العقبة.15 وفي يشوع الإصحاح الآية 6 تقول:من بيت شمال بيت العَرَبَة. وفي الآية 16من نفس الإصحاح في برية العَرَبة ومدّين وسكاله.
وقد وردت كلمة إعرابي في أرميا الإصحاح الثالث الآية الثانية. وكأعرابي في البرية. ووردت كلمة اسم العربية في رسالة بولس الرسول إلى أهل غلاطية الإصحاح الرابع الآية 25.(لأن هاجر جبل سيناء في العربية).وجاء في يشوع الإصحاح12وال آية 3 بحر العَرَبَة. بحر الملح. الميت. فجميع الألسنة التي تجمع العربية كلّها قديمها وحديثها ستة أَلسنة وكلّها تنسب إلى الأرض والأرض عربة. ولم يسمع لأحد من سكان جزيرة العرب أن يُقال لهُ عربي إلاَّ لرجل أنطقهُ الله بلسان منها فإنهم وأولادهم أهل ذلك اللسان دون سائر السنة العرب. ألاّ ترى أن بني إسرائيل قد عمروا الحجاز فلم يُنسبوا عرباً لأنهم لم ينطقوا فيها بلسان لم يكن قبلهم؟.وقال هشام: قال أبي أول من تكلم بالعربية يقطن بن عامر بن شالح بن أرفخشد بن سام بن نوح.ويُقال: إنّ يقطن هو قحطان عُرّب فسميَّ قحطان لذلك سميَّ ابنهُ يَعْرُب بن قحطان لأنهُ أول من تكلم بالعربية.
وجاء في الإصحاح العاشر من التكوين الآية 21 حتى الآية 30 ما يلي:أولاد سام. عيلام.وأشور.وارفكشاد ولود وأرام.وأرام ولد عوص وحول وجاثر وماش. وأرفكشاد ولد شالح. وشالح ولد عابر ولعابر ولد ابنان اسم الواحد فالج في أيامه قسمت الأرض واسم أخيه يقطان ويقطان ولد الموداد وشالف وحضرموت ويارح وهدورام وأوزال ودقلة وعوبال وابيمايل وشبا وأوفير وحويلة ويوباب جميع هؤلاء بنو يقطان وكان مسكنهم من ميشا حينما تجيء نحو سفار جبل المشرق.
وأول ذكر للعرب جاء فيما كتبه جوديا السومري ملك لاغاش نحو2400قبل الميلاد وكما ذكر نارام سين حفيد سركون الأكادي العرب عام 2300 قبل الميلاد لكن الإشارة الأكثر وضوحاً إلى اسم العرب وردت في نقش الملك الآشوري شلمنصر الثالث عام 854 قبل الميلاد.
ونتابع توضيحات من أجل اللغة الآرامية ـ التي نعتبرها ونُقدرها على أنها أهم اللغات السورية القديمة وتنتمي إلى ما يسمونه باللغات السامية والتي تختزن في أبجديتها كل ما تضمنته أبجديات اللغة السينائية والأكادية بلهجتيها والمؤابية والعمورية والفينيقية والكنعانية.
وعلى عِلمنا عندما وضع الأراميون أبجديتهم فقد كانوا قد قرأوا وتأثروا وتحادثوا وخبروا بكلّ هذه اللغات التي كانوا يتحدثونها ضمن مفردات لغتهم المحكية والمدونة بالأبجدية الكنعانية ( الفينيقية) أما في بلاد أشور فكانوا يكتبون الآرامية بالخط المسماري.
فاللغة الآرامية نتاج جهدٍ بشري يمتد من بواكير الوجود البشري مروراً بحضارات الشرق ولغاته . وبهذا نستطيع أن نقول بأنّ اللغة الآرامية تضمنت غنّى اللغة الأكادية بفرعيها على الرغم من أنّ الأكادية تُكتب من اليسار لليمين على عكس الآرامية ( السريانية) التي تُكتب من اليمين لليسار .
ومن المؤكد بأن الآراميين قبل أن يُبدعوا لأنفسهم أبجدية كانوا قد كتبوا بالأبجدية الفينيقية ،الكنعانية قبل القرن العاشر وحتى القرن السابع قبل الميلاد بالخط المسماري, ومن يُدقق في نصوصهم سيجد ذلك التشابه بين كتاباتهم والكتابات الكنعانية الساحلية المعاصرة لها.ولكنهم مع القرن السابع قبل الميلاد نجد الآراميون يطورون لغتهم وكتاباتهم. ومع بدء القرن الثالث قبل الميلاد تفرّع عن الكتابة الآرامية كتابات محلية في مختلف أنحاء المشرق .
والشيء الهام الذي يجب أن نُشير إليه هو أن آراميي بلاد الشام استعملوا الأبجدية الكنعانية الساحلية في حين أن آراميي بلاد الرافدين اقتبسوا قلمهم الأول من الكتابة المسمارية , ثم ما لبث أن تطور لدى الطرفين كتابة آرامية موحدة في مختلف الدويلات الآرامية.
ويعود فضل وحدة تلك الكتابة إلى النشاط التجاري ، وهنا انتشرت لغة الآراميين وكتابتهم شرقاً حتى آسيا الصغرى والهند وبين القرن السادس قبل الميلاد والربع الأخير من القرن الرابع أصبحت الآرامية لغة دبلوماسية دولية في مختلف أرجاء الامبراطورية الفارسية – الأخمينية , وقد تسمت بآرامية الإمبراطورية.
لهذا نجد هناك عناصر مشتركة بينها وبين تلك اللغات. ولا أتحفظ على قولي من أنّ اللغة العربية التي نكتب بها الآن هي امتداد للغة الآرامية ( السريانية)وخير دليل ما نقوله هو أن العربية القديمة ( الجنوبية) ليست العربية التي نكتب بها اليوم .
وتتألف الأبجدية الآرامية من 22 حرفاً. وهي بهذا تتساوى مع عدد أحرف الأبجدية في اللغة الفينيقية( الكنعانية) .
ويعتقد أن أول ظهور للآرامية كان بين الآراميين في القرن الحادي عشر قبل الميلاد.
وبحلول القرن الثامن قبل الميلاد (800ق.م) أصبحت اللغة الآرامية مقبولة من قبل الآشوريين كلغة ثانية. ساعد في ذلك عمليات الترحيل الجماعي للشعب الآرامي من قبل الآشوريين واستخدام اللغة الآرامية كلغة مشتركة بين التجّار البابليين مما حافظ على اللغة وزيادة انتشارها.
وانقسمت اللغة الآرامية في العصور المبكرة للميلاد إلى صنفين شرقي وغربي، لهجات غربية مثل اللهجتين النبطية والتدمرية.
أما الآرامية الشرقية تتضمن لهجات مثل السريانية القديمة (الفصحى) والمندائية والآشورية الحديثة.
ونؤكد على أنّ اللغة الآرامية ظلت اللغة المحكية عند المجتمعات السورية رغم الغزوات المتكررة والمستمرة على سورية وسيطرة الثقافة الهيلينية عليها حيث ظلت لغة محكية ومكتوبة حتى ما بعد دخول المسلمين دمشق في أيلول لعام 635م.
إذْ أن العهد الأموي في أغلبه اعتمد اللغة الآرامية لغة الدواوين والمراسلات وكانت اللغة الشعبية للمجتمعات الشامية والقلمون وحمص وبادية الشام وحماة وشمال حلب والساحل السوري (الفينيقي).
وحتى نثق بما نقوله هاكم ما تؤكده كلّ المراجع والوثائق من أنّ اللغة التي كان يتكلم بها سكان المشرق منذ العصر السوباري حتى قُبيل فتوحات الإسكندر المقدوني عام 312 قبل الميلاد وما بعده هي اللغة الآرامية. وقد أصبحت لغة العامة. ومن ثمّ الرسمية للإمبراطورية الفارسية الاشمينية قبل انقسامها إلى عدة لهجات مع العصر الهلنستي (عام331ق.م.).
وكلمة آرام تعني في العهد القديم البلاد السورية. وهي مشتقة من السريانية أي بلاد السريان. أنها اللهجة الآرامية الشمالية(2).
وعلى الرغم من اشاعت الرأي القائل بأن سوريا سميت بسوريا بعد مجيء الإسكندر المقدوني إلا أنّ في مصر القديمة كان يُقال للسوري آرامي وأُرميا ( آرامي سرياني) وهذا نجده في قاموس هيروغليفي للسيد E.A.wallis Budge المطبوع عام 1920م.لهذا هناك عدة قرائن مادية ووثائقية تُثبت أن سكان شرقي البحر الكبير( المتوسط) كان أهل مصر يُسمونهم بالآراميين (السوريين) قبل مجيء الإسكندر المقدوني لسوريا.
وأما بشأن رأينا من أن اللغة الآرامية هي الأم الكُبرى للغات التالية .
تعالوا نقرأ ما جاء في التوراة في تثنية 26.وال آية5.كقوله تعالى: لموسى ( قل لشعبي ليقول). (كان أبي آرامياً تائهاً فهبط مصر وتغرب هناك في نفرٍ قليل فصار هناك أمة كبيرة وعظيمة).فإذا كان الجد الأكبر والأول للعبرانيين الذي هو إبرام(إبراهيم) آرامياً فهل يعقل أن تكون لغته غير لغة قومه والذين خرج من وسطهم؟ سيما أن لغة البلاد فيما بين النهرين وسوريا وفلسطين كانت لغة واحدة بدليل أن إبراهيم لم تعترضه مسألة وجود لغة جديدة لم يكن يعرفها سواء في حرّان أم عندما نزل إلى الجنوب .
وجاء في أعمال الرسل في الكتاب المقدس الإصحاح السابع والآية 2:فقال: أيها الإخوة والآباء اسمعوا ظهر إله المجد لأبينا إبراهيم وهو في بلاد ما بين النهرين قبل أن يسكن في حرّان. (حاران).وقال لهُ اخرج من أرضك ومن عشيرتك. وهلمَّ إلى الأرض التي أريك. وخرج من أرض الكلدانيين. وسكن حاران . ويظهر اسم أرام في عام 2300 قبل الميلاد.
ومن وثائق (إبلا ).تثبت أن الآرامية وجدت عام 2400قبل الميلاد ولكني أؤكد على أنها وجدت قبل هذا التاريخ بزمن بعيد حيث نمت مع أبناء وأحفاد آرام وأما تسجيلها أو تدوينها فكان في هذا التاريخ (2400 قبل الميلاد).
ويقول الطبري واليعقوبي إن السريانية لغة قبل الطوفان وإن لسان آدم وأبناء نوح هي السريانية. إذن خرج إبراهيم من بين شعبه الآشوري الكلداني والكلُّ شعبٌ واحد .وأما التسميات تابعة للحكومات التي تعاقبت على حكم بلاد ما بين النهرين مثلها مثل الدولة العربية في دمشق (الأمويين) وفي بغداد (العباسيين) . هكذا حال الحكومات التي حكمت بلاد ما بين النهرين. فأما الشعب واحد والجنس واحد واللغة واحدة بعد أن أصبحت اللغة الآرامية لغة تلك الأرض وهي لغة آشور. اللهجة الشرقية التي تخالطها بعض الألفاظ الأكادية.
وجاء في كتاب (من الساميين إلى العرب) للشيخ نسيب الخازن .وفي الصفحة التاسعة(الأرض الممتدة من المتوسط إلى الفرات ومن بلاد ما بين النهرين إلى شبه الجزيرة العربية. كانت تسود لغة واحدة وعليه فالسوريون (الآراميون والفينيقيون )والبابليون والعبرانيون والعرب كانوا أمة واحدة).
وأما لغة اليهود: فيقول إنها آرامية بحتة كما هو شأن اللغة النبطية(3).والقرابة بين الآشوريين والآراميين والعبرانيين تتضح قرابتها من لغاتها من دون لبس أو إبهام(4).
وكي لا نقع في حيرة من أمرنا ــ إذا قلنا آرامية أو سريانية فقد أوضحنا سابقاً أنها تسمت قبل ومع مجيء الإسكندر أولاً وهناك فريق ينسبها إلى آرام خامس أبناء نوح على ما ورد في سفر التكوين. الإصحاح العاشر الآية 22.ومنهم من ينسبها إلى الشعب السرياني. أو السوري القاطن بلاد الشام(سام)أو سوريا. لكن الكلمتين ترتقيان إلى أقدم الأجيال. ونخلص من بحوث كثيرة وأدلة عديدة وشهيرة أنّ الآرامية والسريانية لفظتان مترادفتان رغم اختلاف ذكرهما كتابة ولفظاً .وأنّ كلاً منهما تدل على الأُخرى بتمام معناها أينما وجدت ومنهم من يقول إن السريانية فرع من الآرامية.
وقرأنا في كتاب الموجز في تاريخ العلوم عند العرب .للدكتور محمد عبد الرحمن مرحبا.
وتقديم الدكتور جميل صليبا. وفي ص66دور السريان في ترجمة آثار اليونان(فكان السريان بغيتهم وضالتهم المنشودة. وهم قومٌ من النصارى كانوا يتكلمون اللغة السريانية. وهي إحدى اللغات الآرامية. انتشرت فيما بين النهرين والبلاد المجاورة لها. وكان من أهم مراكزهم الرها. ونصيبين…)
وأعجبني قول للدكتور عبد الهادي نصري والبعيد عن الانفعالية والذي ينم عن ضمير نير وموضوعي ولهُ باع في معرفة الأمر حيث يقول( إنّ انحداركم كسريان من الآراميين هو انحدار صحيح سليم لا غبار عليه. وأن أفضلية أجدادكم الآراميين تنحصر في دفاعهم عن الحضارة الذاتية للمنطقة بأسرها).
ويؤكد الدكتور شوقي ضيف. في كتابه( العصر العباسي الأول) أن أهل الجزيرة والعراق كانوا يتكلمون الآرامية وما انبثق منها من النبطية والسريانية.
وقد أصاب كبد الحقيقة أرنولد تونبي حين قال( إن الأبجدية الآرامية أحرزت بعد سقوط الإمبراطورية الفارسية التي كانت لغتها الرسمية انتصارات تضاءل بجانبها انتصارات جنكيزخان نفسهُ).
وعن الخط والخطوط . يؤكد العديد أنّ عرب الشمال لم يكن فيما مضى يقرؤون ولا يكتبون. حتى تعلموا صناعة الكتابة نحو القرن الخامس أو السادس الميلادي. حيث تعلموها من السريان. وأخذوا صورة الحروف العربية من الخط الكوفي. ثمّ لو أخذنا مثلاً ترتيب الحروف بالعربية. الذي يُقال في ( أبجد.هوز.حطي.كلمن..الخ.إذْ هو نفس ترتيب الحروف السريانية.ثمّ خذ القوة العددية التي للحروف العربية في حساب الجمل (ب- 2.والتاء- 400لأنها هكذا في السريانية. ثمّ إذا أخذنا الحروف فإنّ أسماءها واحدة.(الألف.الجيم.الدال.النون.الشين.والصاد.والغين.والقاف.والكاف.واللام. والميم. والنون.والهاء.والواو). هي كلّها سريانية صرفه (محضة).
ومن هذه أربعة رخمها العرب(ج.د.ص.اللام).كما أن كلّ حرفين يلفظان من مخرج واحد كما ولهما صورة واحدة كما في القلم السرياني.خذ (ت.ث.د.ذ.ص.ض. ط.ظ.ع.غ.) ويعلم الرضيع أنّ التنقيط في العربية كان مع مجيء أبو الأسود الدؤلي . الذي وضع اللبنة الأولى للنحو العربي الذي قاسمه على هجاء السريانية ، وقبل ذلك كانت الكتابة غير منقوطة. إلاّ أنه كان للعرب بعض الخطوط مثل الخط السبئي نسبة إلى مدينة سبأ. والخط المسند الحميري نسبة إلى قبائل حمير ولكنها كانت مزبورة على الحجارة .
وهنا يجب الإشارة إلى أن هؤلاء عرب نصارى ومنهم الشهداء الحميريين. وكان للعرب القاطنين شمال الجزيرة خط يسمى النبطي نسبة للأنباط الساكنين مدينة سلع (البتراء) وهو الاسم الروماني لسلع والأنباط أو النبط: شعب قديم كان منهُ في أيام العرب بعد الهجرة. وكانوا في عزِّ ملكهم ينزلون بلاد ما بين النهرين والعراق وقد تقرر الآن أنهم كانوا سريانيين كلدانيين ولغتهم السريانية.
وقال: المسعودي في ص78ج1 من مروج الذهب. (ونزل ماش بن أرم بن سام أرض بابل على شاطئ الفرات فولد نمرود بن ماش وهو الذي بنى الصرح ببابل وجرّ بابل على شاطئ الفرات وهو ملك النبط).
وفي ص 94ج2 (وكان من أهل نينوى ممن سمينا نبيطاً وسريانيين والجنس واحد واللغة واحدة وإنما بأن النبيط عنهم بأحرف يسيرة من لغتهم ) وجاء في ص107 من الكتاب الثالث(ومنهم ملوك بابل الذين قدمنا ذكرهم وأنهم الملوك الذين عمروا الأرض ومهدوا البلاد وكانوا أشرف ملوك الأرض فأذلهم الدهر وسلبهم الملك والعز فصاروا على مــــــــا هم عليه مــــــن الذلة في هذا الوقت بالعراق وغيرها) وأنشأ النبيط في بلاد العرب بين بحر القلزم والفرات عمارة قاعدتها مدينة سلع المعروفة عند الأجانب باسم ( PETRA).
ونود هنا في نهاية هذه الجزئية أن نثبت القوة هجاء الأحرف :أ-1/ب- العددية لكلّ حرف 2/ج-3/د-4/ه-5/و-6/ز-7/ح-8/ط-9/ي-10/ك-20/ل-30/م-40/ن-50/س-60/ع-70/ف-80/ص-90/ق-100/ر-200/ش-300/ت-400/ث-500/خ-600/ذ-700/ض-800/ظ-900/غ-1000.(5).
فالسريان كانوا قد عملوا بهذه القوة العددية وجاء العرب وأخذوها عن السريان .
وإذا ما وضعنا بحثاً مقتضباً عن تاريخ تطور اللغة العربية في نهاية هذه المحطات كلها فإننا نقول: من المعروف لدينا أنّ علماء اللغات يقسمون لغات العالم ثلاثة أقسام:
سامية وحامية ويافثية، نسبة إلى أولاد نوح الثلاثة: سام وحام ويافث، والغريب جداً أنهم إخوة ونجد ظهور ثلاث لغات بينهم .ثم نذهب بعيداً إلى أن نقرأ في تاريخ اللغات بما سُميت باللغات الأعرابية وهي تشمل اللغة العربية والحميرية والعبرية والآرامية والبابلية .
وكتب الدكتور عبد العزيز بن سعد الدغيثر في نشأة اللغة العربية وتطورها حيث قال (بأنّ علماء اللغات يقسمون لغات العالم ثلاثة أقسام: سامية وحامية ويافثية)، ولكن الباحثين في تاريخ اللغة العربية يجزمون بأنه لا يُعرف عن طفولة اللغة العربية شيء. وأقدم ما يعرف عنها يصل إلى القرن الخامس الميلادي على أبعد تقدير. وأما النصوص الأدبية المروية تمثل اللغة العربية في عنفوان اكتمالها ولا أدري إذا كان الكلام عن الشعر الذي سُميّ بالشعر الجاهلي وموقف طه حسين منه يدخل في هذا المعنى الذي كتبه الدكتور عبد العزيز ورغم هذا فالشعر الجاهلي الذي يعود تاريخه إلى القرن السادس لم يكتب إلا في القرنين السابع والثامن الميلاديين حيث كان ينقل شفوياً. كما يُطالعنا رأياً يقول بأنّه بدأ التحدث باللغة العربية في جنوب الشام وشمال شرق شبه الجزيرة العربية أوائل الألفية الأولى قبل الميلاد. ومن الدلائل عن ذلك عثورهم على نص عربي في أوائل الألفية الأولى قبل الميلاد بعد أن انفصلت اللغة العربية البدائية عن السامية الوسطى في وقت غير معروف . ثم تكثر الدلائل عن اللغة العربية الشمالية القديمة في أواخر الألفية الأولى ق.م عبر نقوش في الأبجديات النبطية والصفائية وغيرها
وتاريخ اللغة العربية يبدأ مع السجلات المكتوبة باللغة العربية، فأقدم وثيقة مكتوبة هي المخطوطة القرآنية التي كتبت في عهد عثمان بن عفان 656-644م.
حيث يعود أقدم دليل على اللغة العربية إلى النقش الذي يعود تاريخه إلى سنة 328 م باللغة العربية وبخط نبطي متفرع عن الآرامية ومن مملكة الأنباط تتسع اللغة العربية شمالاً وجنوباً حتى تصل إلى الحجاز في القرن الأول الميلادي كان ذلك بعد استيلاء الأنباط على تيماء ودومة حيث استبدلت اللغة العربية اللغتين المحليتين (التيمائية والدومية) فيهما وظهرت لغة عربية موحدة بين القرنين الرابع والسادس بعد الميلاد بفضل التأثير التجاري . أما اللغة العربية الفصحى كلغة أدبية متطورة لم توجد إلاّ في منتصف القرن السادس الميلادي. حيث انتشرت مع ظهور الإسلام وفتوحات العرب في القرنين السابع والثامن وأطاحت باللغة السبئية في جنوب الجزيرة العربية وكذلك أثرت على فعالية وأهمية اللغة الآرامية ومع العلم أن العرب أسسوا للغتهم العربية من خلال اللغة الآرامية. التي كانت حروف أبجديتها 22 حرفاً أبجدياً. إلا أن العرب وجدوا أن لغتهم التي حوت ثمار اللغات السامية القديمة لا تكفيها أو تفي بالغرض أحرف الأبجدية الآرامية لهذا طوروا ستة حروف أخرى أكثر من الأبجدية الآرامية وأدخلوها إلى أبجديتهم.
ويذهب كثير من الباحثين في تاريخ اللغة العربية إلى أنها تنقسم قسمين: لهجات بائدة، وأهمها ثلاث: الثمودية والصفوية واللحيانية..وأما الباقية فمن أشهرها قريش وطيء وهذيل وثقيف وغيرها.
وأفصح اللهجات على الإطلاق لهجة قريش وأما اللهجات الأخرى فقد كانت مليئة بالكلمات الثقيلة على السمع ، والإبدالات الغريبة التي قد تخلط الكلمة بكلمة مختلفة
وتميز ت لغة قريش بهذه المكانة لأن العرب كانوا يحضرون موسم الحج كل عام، وكانت قريش تسمع من لغات العرب كلها فما استحسنوه من لغاتهم تكلموا به، فصاروا أفصح العرب، وخلت لغتهم من مستبشع اللغات ومستقبح الألفاظ
ومن الأسباب التي جعلتها أكثر فصاحة هو بعدها عن بلاد العجم، فلم يخالطوا الأعاجم من الفرس والروم والحبشة مخالطة تؤثر على لغتهم. وأن العرب كانوا يفدون إلى مكة في الموسم ويقيمون فيها قُرابة خمسين يوماً فيتخير القرشيون من لغات العرب ما استحسنوه ويهملون ما استبشعوه، فصاروا بذلك أفصح العرب
وهناك أكثر من إثبات على أن اللغة العربية الفصحى صناعة حديثة قياساً للغة التي خرجت من رحمها (الآرامية)بحسب ما نرى نحنُ وعلينا أن ندخل عالماً واسع الأرجاء يتناول كيفية جمع اللغة وتأليف المعاجم اللغوية.
فقد بدأت حركة التأليف في المعاجم العربية على أساس المادة التي جمعها اللغويون في البادية في القرن الثاني الهجري. وهو القرن الذي يطابق ما بين السنوات من 719 إلى 816 للميلاد.
ولاحظ كثير من البدو اهتمام اللغويين بتلقي اللغة عنهم، فهاجروا إلى جنوب العراق حيث ازدهرت علوم اللغة في البصرة والكوفة، وأخذوا يبيعون المادة اللغوية التي عندهم لكل من ينشدها من اللغويين. ولم تكن عملية جمع اللغة شاملة ، بل كان اللغويون يختارون من القبائل ومن الرواة على مبدأ أساسي هو تسجيل اللغة الفصحى والابتعاد عن الصيغ والألفاظ غير الفصحى. وبهذا المعيار ركز اللغويون عملهم على لغة تلك القبائل التي تقترب كل الاقتراب من العربية الفصحى والفصحى هنا يعنون بها تلك التي ولدت من رحم اللغة الآرامية ولا علاقة لها بالعربية القديمة الجنوبية أو لغة أهل اليمن .
وظل هذا الأساس سائدًا في عملية جمع اللغة في القرن الثاني الهجري. وبذلك حفظت لنا كتب اللغة الاستخدام اللغوي عند مجموعة من القبائل العربية الشمالية كقبائل( قيس وتميم وأسد وهذيل وبعض بطون قبيلة كنانة وبطون من قبيلة طيء.) وقد تجنبوا أخذ اللغة عن الحضر، وعن القبائل العربية التي عاشت بالقرب من جماعات لغوية غير عربية، فلم يؤخذ من قبيلة لخم ولا من قبيلة جذام، لمجاورتهم أهل مصر والقبط، كما تجنب اللغويون أخذ اللغة عن قضاعة وغسان وإياد لمجاورتهم أهل الشام. وأعرض جامعو اللغة عن قبائل تغلب لاختلاط هذه القبائل بالجماعات اللغوية غير العربية في الشام والعراق ومصر.
كما أخرج اللغويون من مركز اهتمامهم القبائل العربية في اليمن وشرق الجزيرة العربية ومدن الحجاز ، وفسروا ذلك لأنّ لغة أهل اليمن تغيرت لمخالطتهم للغات الهند والحبشة .
والواقع أن اللغويين لم يهتموا في القرن الثاني الهجري بالتنوع اللغوي في الجزيرة العربية بل جل همهم كان يرتكز على فصاحة لغة هذه القبيلة من عدمه. وأكدوا أن الاختلاط مع الأقوام الأعجمية قد أفسد اللغة ولم يأخذوا عنهم كما أنّ جامعي اللغة في القرن الثاني الهجري لم يهتموا بالعربية الجنوبية التي كانت دون شك منتشرة في المكان.
وقد أثمرت حركة جمع اللغة مجموعة من الكتب والرسائل اللغوية، للكلمات والألفاظ الفصحى ، وصنفها علماء اللغة إلى مجموعات دلالية وألفوا في هذا مجموعة كبيرة من الكتب. مثالنا على ذلك ما ألفه الأصمعي المتوفي في 216هـ، في (خلق الإنسان والإبل والخيل والوحش والنبات والشجر)، كما ألف أبو زيد الأنصاري في (اللبن والمطر والنبات والشجر،). وظلت الرسائل هي الشكل الوحيد الذي اتخذته دراسة الألفاظ العربية من الناحية الدلالية وقتاً طويلاً، إلى أن برزت إلى الدوائر العلمية حركة تأليف المعاجم. وكان ما ألفه الأصمعي وأبو زيد الأنصاري ومن عاصرهما من اللغويين أكبر الأثر في المعاجم العربية وفي نظرية اللغة عند العرب بشكل عام.
لقد أخذ مؤلفو المعاجم المادة التي دونها علماء القرن الثاني واحتفلوا بكل ما سجله الأصمعي وأبو زيد ومعاصروهما كل الاحتفال، ولذا تكررت أسماء هؤلاء اللغويين في المعاجم اللغوية الكثيرة التي ظهرت في القرون التالية. وإذا كان هؤلاء اللغويون في القرن الثاني قد قصروا جهدهم على جمع الصيغ والدلالات الفصيحة أو القريبة كل القرب من الفصيحة .
فإن الأكثرية المطلقة من علماء اللغة في القرون التالية قد لاحظوا تغير الاستخدام اللغوي بعد القرن الثاني ولذا توقفت حركة العمل اللغوي الميداني توقفًا تاما.
وظل اللغويون في القرون التالية يقصرون عملهم على المادة اللغوية التي اعترف علماء القرن الثاني بفصاحتها. وبذلك حددت حركة جمع اللغة في القرن الثاني الهجري إطار النظرية العامة للعمل اللغوي في القرون التالية. وظلت التعبيرات الشائعة في كتب اللغة مثل لغة الحجاز أو لغة أهل الحجاز أو لغة تميم أول لغة هذيل لا تعني الاستخدام اللغوي عند هذه القبائل عموما. بل تعني الاستخدام اللغوي عند هذه القبائل في القرن الثاني الهجري، وبذلك لم تختلف الظواهر التي عالجها السيرافي في القرن الرابع الهجري عن الظواهر التي ناقشها السيوطي في القرن التاسع الهجري، فهما يناقشان مثل باقي النحاة العرب ما سجله الباحثون في القرن الثاني الهجري. وعندما يذكر ابن منظور، ت 711هـ، والزبيدي، ت 1205هـ،في لسان العرب وتاج العروس مجموعة من الملاحظات حول دلالات الألفاظ، فإنهما لم يسجلا هذه الملاحظات عن الاستخدام اللغوي في القرن السابع الهجري أو القرن الثاني عشر للهجرة، بل نقلاها عن كتب تعود بدورها إلى كتب قام أكثرها على أساس ما جمعه اللغويون في القرن الثاني الهجري. وبذلك تعد حركة جمع اللغة في القرن الثاني الهجري أساس المادة اللغوية ونظرية اللغة عند أصحاب المعاجم العربية التالية.
كما ويُعد نشاط العلماء العرب في عصر الحضارة الإسلامية لتأليف المعاجم من أبرز مظاهر جهدهم العملي، وهم بهذا أهم من ألف المعاجم قبل العصر الحديث على الإطلاق. لقد بدأت حركة تأليف المعاجم العربية موازية لتدوين الرسائل اللغوية في النصف الثاني من القرن الثاني للهجرة.
وفي هذه الفترة أيضا ألف كتاب سيبويه. وبذلك عرف النصف الثاني من القرن الثاني للهجرة جمع اللغة وتدوين الرسائل اللغوية وبداية العمل المعجمي وبداية التأليف النحوي.
وإذا كان القرن الرابع الهجري قد عرف مجموعة كبيرة من أعلام النحاة فإن نفس الفترة الزمنية أخرجت لنا عددًا كبيرًا من المعاجم اللغوية التي تمثل اتجاهات مختلفة في التأليف المعجمي، وكانت حركة تأليف الموسوعات النحوية موازية لتأليف المعاجم الموسوعية مثل لسان العرب، كما كانت حركة تأليف الحواشي والشروح النحوية مصحوبة بتأليف حواش على المعاجم وشروح لها، وكان عبد القادر البغدادي، ت 1093هـ، بكتابيه (خزانة الأدب) وشرح شواهد مغني اللبيب ظاهرة موازية لتأليف مرتضى الزبيدي (لتاج العروس) شرحًا (للقاموس المحيط)، وإذا كانت كتب النحو تختلف اختلافًا بسيطًا في تبويبها الداخلي وترتيبها للموضوعات. فإن المعاجم العربية تقسم من ناحية ترتيبها للألفاظ الواردة فيها إلى مدارس مختلفة، لكل منها منهجها الخاص.
وأما عن تاريخ الكتابة .فيقول القلقشندي في كتابه ( صبح الأعشى..): من أهم المنجزات الحضارية للإنسانية لما فيها من حفظ للمعرفة "الخط أفضل من اللفظ لأن اللفظ يفهم الحاضر والخط يفهم الحاضر والغائب. فالكتابة هي التي تنقل الموروث الحضاري وتحفظه للأجيال اللاحقة.
ونؤكد على أننا لسنا بصدد كتابة بحث يخص كل مراحل نشوء اللغة عربية كانت أم آرامية ( سريانية) أو أكادية والخطوط لهذا سنقتصر على هذا الحد من الموضوع ومناقشته.
ولكن من الأهمية بمكان أن نؤكد ما قاله الجاحظ وابن عبد ربه في عقده الفريد من أنّ عرب الجاهلية كانوا أميين بالجملة ولم يعرفوا الكتابة والقراءة. وقد ذهب هذا المذهب الجاحظ إذ يقول:"...وكانوا أميين لا يكتبون" بينما يرى الكثيرون أن العرب عرفوا الكتابة والقراءة كالمسعودي الذي ذكر عدداً كبيراً من الكتّاب وابن فارس الذي أكد على معرفة عرب الجاهلية بعلوم اللغة. شائعة في العهد الجاهلي ولاسيما في الحواضر وكان للعرب إذ ذاك كتاتيب لتعليم القراءة والكتابة وكان العرب يكتبون على الجلد والقماش وجريد النخل والعظام والحجارة والبردي والورق، ويستعملون في الكتابة القلم من القصب والمداد من حرق الصوف وغيره. ومن هنا فقد تطور عبر عدة مراحل الخط عندهم .
فأول خط كتبوا به كان يُسمى بالخط المسند الجنوبي عند عرب اليمن أو خط حمير أو معين الذي تفرع إلى الخط الثمودي واللحياني والصفوي والنبطي.
وهذا الأخير يرى البعض أنه تطور عن الخط الآرامي والحقيقة أن الأنباط كتبوا بالمسند الجنوبي واتصلوا بالآراميين وأخذوا عنهم الخط الذي تطور إلى الخط العربي الحالي والذي انتشر بانتشار الإسلام .
فالخط العربي خط شمالي تطور عن الخط النبطي. وبه كُتب القرآن والمؤلفات الإسلامية، ومن الأهمية بمكان تأكيد تأثيرات الشكل الآرامي على ما نسميه بالكتابة العربية هو أنّ الحروف العربية كُتبت بدون نقط سواء نقط الإعجام (تلك النقط التي نميز فيها بين الحروف كالنقطة التي تميز الزاي عن الراء. أو نقط الإعراب التي تهتم بوضع الحركات على الحروف).
وقد اختلف الباحثون في معرفة العرب للنقط قبل وزمان ومكان وضعه . فهناك فريقاً من العرب يقول بأن اللغويين لم يكونوا على دراية بالنقط حتى جاء أبو الأسود الدؤلي ودليلهم أن أغلب النقوش والكتابات وصلتنا بدون نقط. بينما يؤكد الفريق الثاني أن العرب عرفوا النقط خاصة قبيل وبعيد الإسلام، ويستشهدون بقول ابن مسعود "جردوا القرآن " وهذا القول يحتمل وجهين أحدهما بمعنى جردوه في التلاوة ولا تخلطوا به غيره‏، وهذا لا استدلال فيه والثاني بمعنى جردوه في الخط من النقط ليحتمل أكثر من قراءة مثل فتبينوا تقرأ فتثبتوا بتغيير النقط. كما أن كلمة الرقش كانت منتشرة عندهم وهي بمعنى التنقيط.
والتحقيق في المسألة أن العرب لم يستعملوا النقط إعجاما بشكل منظم كما استعملت في القرآن واللغة في القرن الأول الهجري. أما نقط الإعراب فوضعها أبو الأسود الدؤلي خدمة لكتاب الله بعدما فشا اللحن بين الناس، من أجل ذلك قرر الدؤلي أن يستجيب لما دعاه إليه زياد ابن أبيه فصنع الحركات الإعرابية وكانت على شكل نقط، فالنقطة أسفل الحرف تعني الكسرة، وأعلى الحرف تعني الفتحة، وأمام الحرف تعني الضمة، أما التنوين فوضع له نقطتين
أما نقط الإعجام فقد وضعه نصر بن عاصم ويحيى بن معمر تلميذا أبي الأسود في عهد عبد الملك بن مروان بعدما انتشر التصحيف. ولاختلاط نقط الإعراب بنقط الإعجام قام الفراهيدي بتحويل نقط الإعراب إلى الحركات المعروفة وأخذها من الحروف، فالكسرة هي ياء صغيرة والضمة واو صغيرة والفتحة ألف منبطحة والسكون من الميم في كلمة جزم والشدة من الشين في شدة والهمزة رأس العين والوصل من الصاد. رغم معرفة عرب الجاهلية بالكتابة في وقت متأخر جداً إلا أنهم لم يستعملوها في حفظ تراثهم ونقله لأجيالهم اللاحقة، ( أي لم يكتبوا )بل اعتمدوا في ذلك على الرواية الشفوية فالشعر والنثر الجاهلي انتقلا جيلا بعد جيل مشافهة فقد " كان العرب بطبيعتهم أثبت الناس حفظاً وأتمهم حافظة وكانت الكتابة غير طبيعة في نظامهم الاجتماعي ومن ثم نشأ فيهم الأخذ والتحمل فكان كل عربي بطبيعته راوياً فيما هو بسبيله من أمره وأمر قومه"إلى أن جاء الإسلام وظهر ت الحاجة لتدوين القرآن في عهد الرسول، وقد مر تدوين القرآن الكريم وجمعه بثلاث مراحل: عهد الرسول وعهد أبي بكر وعهد عثمان بن عفان.
وأما علم العربية نحواً وصرفاً فهو علم شرعي لأنّ سبب وضعه كان هو حفظ الدين فبعد انتشار اللحن بين العجم والعرب خاف المسلمون من ضياع معاني القرآن وألفاظه .وهنا بدأوا بوضع شيء يحفظ المصحف وقد بدأ هذا الأمر مع أبو الأسود الدؤلي بصحيفته المعروفة بالتعليقة وتابعه تلاميذه كنصر بن عاصم ويحيى بن معمر وعنبسة الفيل وميمون الأقرن، وعلى يد نصر بن عاصم تخرج ابن ابي اسحاق الحضرمي عمرو بن العلاء اللذان تتلمذت لهما طائفة من أهل اللغة والأدب (كأبي زيد النصارى ويونس بن حبيب وأبي جعفر الرؤاسي والأخفش وعيسى بن عمر الثقفي أستاذ الخليل )عبقري زمانه الذي يعده الدكتور شوقي ضيف المؤسس الحقيقي للنحو العربي.
ويُقسّمُ علماء اللغة تاريخ النحو عند العرب إلى أربع مراحل:
الأولى :مرحلة التكوين: تلك التي بدأت مع أبي الأسود الدؤلي وتلاميذه في البصرة.
والثانية: مرحلة النشأة والنمو: حيث بدأت مع الخليل بن أحمد الفراهيدي في البصرة ومع أبي جعفر الرؤاسي في الكوفة.
والثالثة: مرحلة النضج: بدأت مع المازني في البصرة وابن السكيت في الكوفة.
والرابعة: مرحلة الشرح والتوسع في التأليف: وتميزت بظهور مدارس نحوية غير البصرية والكوفية كمدرسة بغداد والمدرسة المصرية ومدرسة المغرب والأندلس فيما بعد وهذا يقودنا إلى قول ذكرناه في غير موضع من أن اللغة العربية نحواً وصرفاً وخطاً نشأت في القرن الرابع الميلادي وإن كان اللغويون قد جمعوا مفرداتها من القبائل التي لم تُشارك الأعاجم لغتهم .
لهذا كان قد بدأ التأليف الحقيقي في النحو مع الفراهيدي صاحب الجمل في النحو، وسيبويه تلميذه صاحب الكتاب الذي رواه عنه تلميذه سعيد بن مسعدة ،الأخفش الأوسط) وعد بعضهم الكتاب قرآن النحو وقد تأثر النحاة به فشرحوه ولخصوه وردوا عليه. وقد جمع فيه النحو والصرف والأصوات وغيرها، أما أول من أفرد الصرف بالتأليف فهو المازني في كتابه (التصريف )الذي شرحه ابن جني باسم المنصف. والمازني كأنه سد باب التأليف في النحو بقوله من أراد أن يعمل كتاباً في النحو بعد سيبويه فليستح، لكن العلماء استمروا في التأليف ومنهم المبرد (ت285هـ) في المقتضب والسراج (316هـ) في الأصول في النحو، والنحاس (ت338هـ) في عمدة الكتاب، والمازني وابن جني.
وحتى الآن لم نأتي على ذكر علامات الترقيم في اللغة العربية التي تأخرت كثيراً في ظهورها وقد تُصيبنا الدهشة إذا قلنا إنها ابنة نهاية القرن التاسع عشر الميلادي .
فأول من أدخل علامات الترقيم ، كعلامة الاستفهام؟ وعلامة التعجب ! والقوسين(.) هو أحمد زكي بن إبراهيم بن عبد الله النجار المولود في الإسكندرية عام 1867 م. و لقب بشيخ العروبة. الذي تخرج من مدرسة الحقوق سنة 1887م.حيث كان قد درس فن الترجمة وكان يجيد الفرنسيّة والإنجليزية والإيطاليّة و اللاتينيّة .ومن أهم أعماله أنه:قام بإدخال علامات الترقيم على اللغة العربية و وضع أسسها و قواعدها و علامات الترقيم التي نقلها أحمد زكى باشا بلفظها و رسمها هي:الفاصلة ،الفاصلة المنقوطة ؛
النقطة .علامة الاستفهام ؟علامة الانفعال أو التعجب !النقطتان :نقط الحذف والاختصار …
الشرطة _التضبيب "..."القوسان ( )
كما قام باختصار حروف الطباعة العربية من 905 شكلًا إلى 132 شكلًا و 46 علامة و ذلك بعد أن قام بنفسه بتجارب يومية في مطبعة بولاق في عملية استغرقت ثلاثة أشهر.
ويعد أول من استخدم مصطلح "تحقيق" على أغلفة الكتب العربية.
وبعد هذا الجهد فقد توفاه الله في يوم 5 يوليو 1934 م على إثر نزلة برد حادة.
خلاصة القول أن اللغة العربية كانت تنقسم إلى عدد غير محدود من اللهجات وتشكلت كلغة بعد أن تأثرت باللغات الأخرى لابل هي نتاج رحم تلك اللغات وأهمها الآرامية ( السريانية) .وما نقوله يدل دلالة واضحة على أنّ العرب كقوم وجدوا منذ القديم أما لغاتهم لابل لهجاتهم فقد اختلفت حتى جاء القرن الرابع والخامس والسادس الميلادي لتكتمل ملامحها ونقصد بملامح اللغة العربية التي نكتبها اليوم .ولنا أن نعترف بأنّ بحثاً عن أيّ لغة هو من البحوث المهمة والدقيقة والواسعة والشاسعة .لهذا لا يمكن لنا أن نجزم بأيّ محور كان إلا أننا نُقدم مجموعة مقترحات وإثارات بحثية حول اللغة العربية وجميع الأدلة تبقى ناقصة لأننا نعتقد بأنّ التنقيب والبحث الأثري قد يوصلنا إلى حقائق غير التي بين أيدينا .لهذا لا نجزم في أيّ موضوع لا تكتمل شرعية البحث فيه. لكن كل ما جئنا عليه من خلال مراجع هي الأخرى أخذت عن من سبقها وننتهي للقول بأنّ القراءات المتتابعة تهدينا إلى حقيقة تقول: لقد تسمت لغات أهل بلاد ما بين النهرين وسورية الكبرى باللغة العربية بعد القرن السابع الميلادي لكون الفاتحين العرب المسلمين كانوا الأقوى حيث سيطروا على تلك المساحات الشاسعة من الأرض وشعوبها وفرضوا ما أرادوه على أهل البلاد ومن خلال تشجيعهم جهابذة السريان أبدع هؤلاء لغتنا العربية . كما ونؤكد على أنّ الفاتحين هم بالحقيقة من أخذ عن أهل البلاد التي فتحوها كل طبائعهم ولغاتهم ومفرداتها وغناها لكون أصحاب البلاد من الآراميين والآشوريين والكلدانيين والفينيقيين والكنعانيين كانوا أصحاب حضارة ضاربة في عمق التاريخ .
وما دليلنا على ذلك غير ما تبنته الدولة الأموية في الشام من أنظمة إدارية وغير إدارية وحتى اللغة الآرامية .وكذلك في الدولة العباسية وخاصة العصر العباسي الثاني منها حيث نشطت عملية الترجمة من السريانية إلى العربية الوليدة ومن اللغات اليونانية والفارسية إلى السريانية ثم إلى العربية وعبر هؤلاء السريان من الآشوريين والآراميين تم جمع مفردات كل اللغات السابقة وضمنوها باللغة الجديدة التي تشكلت من تلك اللغات أصلاً ومن خلال إبداعاتهم وإسهاماتهم في الحضارة التي سيُسمونها بالحضارة العربية التي تشكلت على أنقاض الحضارات القديمة ومن حجارتها وترابها وعلومها وثقافتها تشكلّ ما يُسمى بالحضارة العربية الإسلامية .
ولهذا نجد اللغة العربية اليوم هي غنية بمفرداتها ومرادفاتها لأنها ورثت كلّ ألسنة اللغات المشرقية خاصة لغات أهل بلاد ما بين النهرين وسورية الكبرى بتعبيرنا اليوم.
وإذا كانت مكانة اللغة السريانية قد بدأ بالانحسار مع القرن السابع الميلادي من قبل اللغة الجديدة( العربية) فإنّ العربية لم تتمكن من القضاء على السريانية إلا في نهاية القرن الرابع عشر الميلادي.
وهنا لابد من القول والإقرار بأنّ حدوث تقارض بين اللغة السريانية والعربية لا شك فيه وهو واضح كوضوح الاسمين .فالعربية أخذت الكثير عن السريانية والسريانية جددت في متونها من خلال تأثرها باللغة العربية في النحو والصرف والقافية في الشعر بعدما تطورت العربية لابل تأثرت بكلمات احتوتها اللغة العربية الجديدة ومع أهمية اللغة الآرامية( السريانية) كما ذكرنا بعضاً من تلك الأهمية ، يذهب بعض الأساتذة مع الأسف ومنهم القبيسي أستاذ اللغة الآرامية والكنعانية إلى رأيّ يقول بأنَّ العربية الفصحى هي أم اللغات السامية( الأم). وأنّ الآرامية والعمورية والبابلية والأكادية والأشورية والأبلية والسريانية والميتانية ماهي إلا لهجات استقت حروفها من اللغة الأم ويقصد هنا باللغة العربية الفصحى .
ونسأل ماذا يُخالف الأستاذ الكبيسي بقوله هذا برأيكمْ.؟ أولاً كأنه ينسف موضوع التاريخ والأقدمية ومتى ظهر ت اللغة الآرامية ( السريانية) وبين مصطلح أو كلمة عرب واللغة العربية التي نقرأ بها اليوم .وهنا يقع في مخالفة تاريخية كما أنه يُسمي اللغة الميتانية بأنها لغة سامية. وهذه النقطة أيضاً ليست كذلك لأن اللغة الحورية الميتانية ليست سامية وليست هندو أوروبية بل لها صلة باللغة الأورارتية (اللغة الأرمينية) .
ومع الأسف فمثل هذا الرأي يعتمده أغلب من يدعون بأنهم من رهط المثقفين .إن غلو بعض هؤلاء ومريديهم يُريدون أن يأخذوا تاريخ البشرية ومراحله ويرموه في البحر ويبتدعون رأياً يُخالف البديهيات وهذه من الأمور التي كَثُرت في أيامنا هذه وربما قبل مئة سنة لم يكن إلا عدد قليل جداً من يمثل هؤلاء الذين يعملون على رأي (خالف تُعرف).
وننتهي من موضوع اللغة العربية التي نقرأ ونكتب بها اليوم فهي إحدى اللغات السامية وقد ولدت وتشكلت من رحم اللغة الآرامية وتمكنت بفضل علماء اللغة السريان والآشوريين في دار الحكمة ببغداد وقبل ذلك بزمن طويل من أن تستوعب في رحابها كل مفردات اللغات القديمة والتي سبقتها أو كانت قد انتشرت بشكل أوسع مع انتشار الإمبراطورية الأشورية والبابلية .
خلاصة قولنا علينا أن نُعيد صياغة بعض الأسئلة حول نشأتها ووجودها كأبجدية نعرفها ونكتب بها اليوم وليس ما نقرأ عن لغة عربية قديمة بخطوط تتنوع في رسمها ولم نستخدمها.
أما الفرق بين اللغة العربية القديمة وبين اللغة العربية الحالية التي تشكلت مع نهاية القرن الخامس الميلادي واستكملت عناصر مقوماتها مع القرن السابع الميلادي ولا أتحفظ على قولي بأن الشعوب التي سُميت بالعربية كانت تعيش مع أخواتها من الشعوب التي سُميت بالشعوب الآرامية والآشورية والفينيقية .ومن يقرأ التاريخ بشمولية ومنهجية علمية سيُدرك أن العرب لم يوجدوا قبل الآراميين أو الآشوريين وجميع تلك الشعوب بتسمياتها كانوا يتحدثون بلهجات متقاربة شكلت فيما بعد .اللغات التي سُميت بالكنعانية والفينيقية والآرامية ( السريانية) والمؤابية والعمورية .
وهناك من يقول بأنّ اللغة العربية هي ابنة عم اللغة الآرامية وليست شقيقتها لأنها تنتمي إلى الفرع الشمالي الغربي أو تنتمي إلى لغات بلاد الشام القديمة والتي تضم الأوغاريتية واللهجات الكنعانية( الفينيقية، والعبرية القديمة ، والمؤابية والعمورية ) . وتتشابه الآرامية والعبرية المالطية مع العربية وهي أصل اللغات السامية وأقرب لغة للعربية هي اللغة المالطية .
وهكذا نعتقد بأنّ جزئية اللغة العربية واللغة الآرامية( السريانية) قد استوفيتا حدود البحث وأكثر ومنهما ننتقل إلى ما يتعلق بجزئية تقول:
هل هناك عشائر وجماعات مسيحية تنتمي للقومية العربية بالتعبير الحالي؟
إننا نقرّ ونؤكد بوجود عشائر وجماعات عربية القومية سريانية المذهب مسيحية الدين. فهذا ليس مستحيلاً ولا يُخالف الواقع الذي عاشته المنطقة ولا زالت تعيشه.
وكما هو معلوم فإنّ المسألة القومية والهوية مسألة هامة. وبعيدة الأغوار ومختلفة المشارب إلاّ أن علم اللغات يساعدنا على القول إن الكلمة والمعنى. الشكل والمضمون (الموضوع) تتداخل في رسم خرائط معينة.
وإذا كانتا كلمتا عرب وعروبة نتاج اللغة الآرامية. من (عربويو) أي لمن كانوا يعيشون غرب نهر الفرات من الآراميين.
إلاّ أنهُ لا يمكن القول بعدم استقلالية التسمية العربية والعروبة قبل الميلاد (سياسياً بمعنى يتناسب مع تلك الأيام لأن القبيلة والعشيرة كانتا تشبه وتمثل الكيان السياسي بالتعبير الحالي ) رغم أن أول مرة يظهر فيها اسم العرب في الوثائق عام 854 قبل الميلاد عندما حالف العربي جندبو.ملك دمشق برعدري(بهندد).وقدم له 1000 جمل في حربه ضد شلمنصر الثالث، وقد يكون أصل العرب من الآراميين البدو الذين ساعدوا دويلة بيت زماني الآرامية في ثورتها على آشور بانيبال في سنة 880ق.م،والأكيد أن بدو شبه الجزيرة العربية كانوا في الصحراء الممتدة بين الديار السورية وبلاد ما بين النهرين،وأن سوريا وهذه المنطقة التي تلي سوريا، هي المهد الأول للساميين،الذي أطلق عليهم أسماء مثل (آرام، وعبر، وخابيرو، وأمورو) (1).
وكانت القبائل العربية التي تنحدر من أصل آرامي والتي عاشت في بلاد ما بين النهرين تعتنق اليهودية ثمّ المسيحية.
وأثناء الغزو الإسلامي للبلاد أسلم أغلبها وبعضها بقيّ على مسيحيته حتى القرن الخامس للهجرة. أي حتى حوالي 1080م.ومن تلك القبائل. قبيلة تغلب وهي من ربيعة ومنازلها أرض الجزيرة التي سميت ديار ربيعة.-قبيلة بنو عقيل: -قبيلة النمر.- قبيلة بنو شيبان( ثعلبة).-قبيلة بنو بكر بن وائل. وديارها (آمـد) ديار بكر.-قبيلة طي.-قبيلة تنوخ.-وحوالي سنة 350م أنشأ مار هلاريون رأس نسّاك فلسطين كنيسة في بلدة الخلصة في البرية جنوبي بحيرة لوط لأهلها العرب الذين آمنوا وحادثوه بالسريانية.
انظر هذا ما جاء في الدرر النفيسة ص491.حيث قال: آمنوا وحادثوه بالسريانية وهم عرب.
وقد تنصر أهل اليمن وهي بلاد سبأ أو الحميريين. وكذلك بُصرى عاصمة حوران التي أشادها التنوخيون نحو سنة 106م وهم فصيلة من عرب سبأ وأن الملك عمربنى في بادية الشام كنائس عديدة.وفي النصف الثاني من القرن الرابع بشرّ عبد يشوع القناني الناسك السرياني أسقف دير محراق.جزيرة في اليمامة. وأنشأ ديراً باسم مار توما الرسول جنوبي قطر. ضمّ بين جدرانه سنة 390م مئتي راهب. وفي القرن الرابع أُنشئت في سائر أنحاء البلاد العربية عدة كنائس وأسقفيات ففي سنة 307م أصبحت جدر أم قيس كرسياً أسقفياً حضر أسقفها سابينوس مجمع نيقية 325م كما حضره كلّ من مار نيتس أسقف تدمر.ونيقوميدس أسقف بصري وقوريون أسقف عمّان (فلاديلفيا) وجنّاديوس أسقف حثبون( اسبو نتون) وسويرس أسقف سدوم. وبطرس أسقف إيلات(قلعة العقبة) في جزيرة سيناء. وسويرس أسقف رامة جلعاد.وقد آمن من أهل بطرا(سلع) عاصمة النبطيين وبنيت كنائس فيها وفي ضواحيها وبواديها الشرقية وحضر أسقفها استيريوس مجمعي سرديكا والإسكندرية عام 343و362م وبطرس أسقف هيب(خربة السمرة). ومجمعي سلوقية وإنطاكية سنة 359و 363م. وبين سنتي 373و378م رسم أساقفة أرثوذكسيين كانوا في المنفى موسى الناسك أسقفاً لعشيرة ماويّة أمير العرب في الحيرة.بناء على طلب أهلها كما ذكره مار ميخائيل الكبير في تاريخه ص151و152. وفي الاضطهاد العاشر كان شهداء العرب يقطعّون بأطبار ذات حدّين ومنهم كان الطبيبان الشهيدان قوزما ودميان سنة 306م.
كما استخدمت الكنائس العربية الطقوس السريانية في عبادتها وفي سنة 912م قلدّ مطران تكريت السرياني الأسقفية رجلاً عربياً ديناً فكان يقدس لقومه بالعربية.
هذا ما ذكره أبي نصر يحيى بن جرير السرياني التكريتي في كتابه المرشد.
وقد أتقن الكثير من علماء العرب المسيحيون اللغة السريانية ومنهم المتبحرون في اللغتين ومن هؤلاء من بني طي.وتنوخ وعقيل الذين نقلوا الإنجيل المقدس إلى العربية من السريانية في حدود سنة 643م بأمر البطريرك يوحنا أبي الشذرات إجابة إلى رغبة عمير بن سعد أمير الجزيرة. وقد ورد ذلك في المجلد الأول ص263 من كتاب الرهاوي المجهول والتاريخ الكنسي لابن العبري هذا فيض من غيض.
وقد جئنا على كلّ ذلك ليقتنع من ينفي وجود مسيحيين عرب القومية. علما بأن المسيحية انتشرت في جزيرة العرب بأكملها واليمن وحضرموت وبلاد الفرس وغيرها، أجل هناك عرب اعتنقوا المسيحية منذ فجرها الأول .
انظر يارعاك الله ما جاء في الكتاب المقدس الذي أنت لم تقرأه بشكل جيد. ففي الإصحاح الثاني من أعمال الرسل والآية 9. عندما تكلم الرسل بعدة لغات بعد حلول الروح القدس عليهم يوم العنصرة.
من بين تلك اللغات التي تحدثوا بها اللغة العربية (والعربية هنا ليست لغتنا الحالية بل لهجات عربية عديدة وأغلب الآراء ترى بأنها كانت أقرب إلى السريانية ) .فريتون(السريان الآشوريون) وماديون. وعيلاميون. والساكنون فيما بين النهرين. واليهودية. وكبدوكية. وبنتس.وآسيا. وفريجية. وبمفيلية. ومصر. ونواحي ليبية.التي نحو القيروان.والرومان المستوطنون يهودٌ ودخلاء. كريتيون. وعرب..).
ويوم العنصرة كما نعلم هو عيد حلول الروح القدس على التلاميذ وكان هناك احتفالاً لكل اليهود فهؤلاء كلّهم كانوا يهوداً والمناطق التي عددناها يسكن فيها يهود ومن بين هؤلاء اليهود من هم يهود عرب. وإلاّ لماذا تحدث التلاميذ بالعربية إلاّ من أجل أن يكون التبشير واضحاً لليهود الذين يجيدون العربية ( عربية آنذاك).
ومن العرب من أدان بالمجوسية وعبدوا النار والشمس (1). ومنهم من كان صابئياً كما دان اليمن بالمجوسية وعمان والبحرين وانتشرت المزدكية والمجوسية في تميم.وممن اعتنق المجوسية سادة تميم وهما زرارة بن عدي وابنه. والأفرع بن حابس وأبو الأسود. وكان العرب يعرفون شيئاً من ديانة المجوس.
وانتشرت اليهودية في الجزيرة: يهود حمير وبني كنانة وبني الحارث بن كعب وكندة وغسان وذكر اليعقوبي أن من تهود من العرب اليمن بأسرها كما تهود قوم من الأوس والخزرج ويهود خيبر وقريظة والنضير وقوم من جذام .ويرى أحمد أمين أن اليهودية انتشرت في الجزيرة قبل الإسلام بقرون.
وقال ياقوت الحموي أن يهود يثرب هم عرب تهودوا:
أما المسيحية كانت مثلها مثل اليهودية أشمل من الديانات الوثنية وحاول العرب النصارى أن يجعلوا من بيعتهم في نجران وكان اسمها القلنس. كعبة بديلة لكعبة مكة. ويحولوا حج العرب إليها وكعبة نجران بيعة بناها بنو عبد بن الديان الحارثي. على شاكلت الكعبة وكذلك انتشرت المسيحية في الخليج وكانت على المذهب النسطوري والمونوفيزية، وبعضها على المذهب الأريوسي.
ومن القبائل العربية التي دانت بالمسيحية الغساسنة .كما كان سكان (دوما الجندل) على النصرانية .وانتشرت في يثرب وأهل الطائف واليمامة. ومنهم حاكم اليمامة هوذة بن علي.وموالي وعبيد في الجزيرة كانوا نصارى أيضاً. وكان الرقيق النصراني( جبر النصراني) يفسر للناس ما جاء في الإنجيل والتوراة ويقص عليهم قصصاً. حتى أن قريش اتهمت الرسول في بدء دعوته بأنهُ يأخذ عن غلام أعجمي وقال: ابن هشام في السيرة النبوية إن الرسول فيما بلغني كثيراً ما يجلس عند المروة إلى بيعة غلام نصراني يُقال لهُ جبر.عبد لبني الحضرمي، فكانوا يقولون والله ما يعلم محمداً كثيراً مما يأتي به إلاّ جبر النصراني.
وأما بقية القبائل والتي ذكرناها سابقاً. طي ومنها حاتم الطائي وابنه حنظلة الذي تنسك وقبيلة بكر. ومنها جساس. وقبيلة تغلب. ومنها كُليب والمهلهل. وكندة ومنها امرؤ القيس. ومن الحيرة عدي بن زيد العابدي الشاعر. ويقول بعض المؤرخين عنترة كان مسيحياً .
وجاء في كتاب الملل والنحل للشهرستاني.ج2 ص590.أنَّ قس بن ساعده الأيادي أحد حكماء العرب ومن كبار خطبائها في الجاهلية. كان أسقف(مطران) نجران ويعد من المعمرين توفي سنة600م.. وأمية بن أبي السلط وهو من ثقيف في الطائف وهو من علّم العرب عبارة (باسمك اللهم) وهو الذي قال: (البينة على من ادعى واليمين على من أنكر).وكذلك عثمان بن الحويرث كان على المسيحية . وكانت المسيحية ديانة النخبة وبعض الشرائح الاجتماعية والفئات الأرستقراطيــة. (1)
ونخلص إلى رأيّ مرجح يقول المسيحيون في الشرق ليسوا كلهم سرياناً(آشوريين) أو آراميين قومياً أو أرمن أو يونانيين أو فرساً فحسب بل منهم من هو عربي القومية، وهذا الأمر لا يختلف عليه العقلاء.أما أن أنكر أحدهم العروبة عن بعض القبائل المسيحية فهذا يريد أن يغطي الشمس بالغربال. ولو أننا نرى أن العروبة قد وئدت. منذ زمن بعيد وقد طغت عليها أصوات المتعصبين وتُجار الدين وغلاته من المسلمين . لكنها لن تموت لكلّ من يفتش عن الحقيقة التي ذُبحت ودفنت تحت جبال من الحصى والرمال.كما دُفن الراهب( بَحيرى أو بَحيرا، أوسَرجِس أو عدّاس وهو من قبيلة عبد القيس ،وكل هذه الألقاب والأسماء جائزة على تلك الشخصية الفذة ).ذاك الذي استحق الرجم على أنه الشيطان أو إبليس بعد أن قدم ما قدمه من أعمال ستبقى رغماً عن الرجم.
وفي سياق تتابع صلة اللغة بالقوم رأينا أن نثبت ما قالهُ: المعلم نعوم فائق في بحر حديثه عن اللغة العربية واللغة الآرامية حيث يقول:(أن نصدر هذه الجريدة الآن بهاتين اللغتين أي الصحافة الآرامية . لعلمنا أنهما دارجتان بين جميع الآراميين فالأولى هي لغتهم القديمة والثانية لغتهم الحديثة. ولكي نحث الأبناء تعلم لغتهم القديمة وإيصالها إلى درجة لغتهم الجديدة فيصبحون إذْ ذاك متحدين لغة وفكراً. (1). واليوم ولعدم وجود الآراميين في وطن واحد نراهم قد تخلوا عن لغتهم الأم(الآرامية بلهجتيها الشرقية لغة آشور. والغربية(السريانية) لغة الرها).عدا قلة قليلة يتحدثون بها أو أنهم يتحدثون بلهجات مناطقهم وتعلموا لغات العالم فهل مِنْ وطنٍ يجمعهم شعباً ولغةً وهدفاً؟!
وموضوع القومية كما نعلم هو انتماء وقد فرضت الظروف والحروب في الزمن الماضي على الإنسان أن يغير في دينه ومذهبه وفي الكثير من معتقداته وأماكن سكناه.
ولكن القياس السليم بين أبناء آشور وأرام وكلدو لمعرفة التسمية السليمة لاسم القومية أكانت آشورية أم آرامية نتخذ من القومية العربية معياراً للقياس وأنموذجاً لنا.
فالقومية العربية مأخوذة من اللغة العربية التي يتحدث بها العراقي والسوري والخليجي والمصري والمغربي. ورغم وجود عدة لغات عربية قديمة ولهجات يتحدثون بها اليوم إلاَّ أن العرب حسموا أمر القومية قياساً من خلال اللغة، والعرب أيضاً فقدوا كيانهم السياسي مع سقوط الدولة العربية في بغداد لكن عندما بدأت طلائع المفكرين اللبنانيين من المسيحيين الموارنة بإحياء القومية العربية قالوا القومية العربية قياساً سليماً. فلم يقولوا سريانية أو آرامية ولاقومية فينيقية (كنعانية). أو فرعونية أو بربرية بل قالوا عربية. والعرب كما نعرف طبقات وهي ثلاث
1= العرب البائدة .. 2=العرب العاربة واليمن أصل العرب العاربة أي القحطانيون، ويُطلق عليهم اسم العارِبة للدلالة على أنهم كانوا ينطقون العربية مُنذُ الأزل، أي أن العربية هي لُغتُهم الأُم، ولم يكتسبونها من قومٍ آخرين، وقد كان موطنهم الأصلي في اليمن بالفعل.
3=العرب المستعربة .واللغة العربية نسبة إلى يعرب بن قحطان. وهنا نُعيد السؤال نفسه هل هناك مسيحيون عرب القومية ؟ فنقول:
المسيحية المشرقية ليست آشورية أو كلدانية أو آرامية( سريانية) أو أرمنية. بل هناك من هم عرب القومية .وهذا أمر لا يمكن أن أتنكر له بعدما ثبت بالدليل البحثي لدي خلال خمسين عاماً .
أحترم كل الآراء في أن المسيحية المشرقية تغلب عليها القومية الآشورية الآرامية( السريانية) بطوائفها المختلفة، وأقرّ بأنّ المسيحية انتشرت في الجزيرة العربية وبلاد ما بين النهرين. ومن يقرأ الفترات التاريخية والهجرات للقبائل العربية التي جاءت بلاد الشام وما بين النهرين قبل الإسلام كقبائل بكر بن وائل والمناذرة والغساسنة فقد كانت ديانة تلك القبائل على المسيحية وعلى مذاهب مختلفة أهمها السريان الأرثوذكس والنساطرة خاصة من القرن الأول وحتى القرن الرابع الميلادي .لكننا فيما بعد سنجد موضوع الخلافات المذهبية وانقسام القومية الواحدة إلى عدة مذاهب .ورأينا مدى الضرر الذي وقع على أثر خلاف المسيحيين على طبيعة السيد المسيح ولن نريد أن نوغل في هذا الموضوع لأنه ليس موضوعنا وإنما نؤكد على أنّ أغلب القبائل العربية المسيحية قد تحولت تدريجياً إلى الإسلام بعد القرن السابع الميلادي .
وبهذا فإنّ العشائر والقبائل العربية المسيحية في بلاد ما بين النهرين كثيرة إذا ما عددناها ولكن ما نؤكد عليه دون تردد هناك قبائل وعشائر ظلت على مسيحيتها وإنْ حدث عبر تاريخها عملية التطعيم من قِبل وافدين من المسيحيين الذين تعرضوا للمجازر في أماكن مختلفة ومن أقوام مختلفة في الجنس واللغة ولكنهم مع الزمن فقد تصاهروا معا . وهكذا نرى منذ عام 870 للميلاد تحولات جوهرية في التركيبة الهرمية للعشائر العربية المسيحية والسؤال الحقيقي يقول: من هم العرب أو القبائل العربية في العراق اليوم دون استثناء .أليسوا من الآشوريين والآراميين ( السريان) والقبائل العربية المسيحية ؟!
وإذا ما أثبتنا بعضاً مما نقوله فإنّ قسماً من أهل قرية القصور أو الكولية التي تقع جنوب مدينة ماردين والتي أنتمي إليها فهي قرية أجدادي بعض أهلها ينتمون إلى الغساسنة وبعضهم إلى تغلب وبعضهم إلى المناذرة ولكن الغلبة للتغالبة ومنهم من هو آشوري وبعضهم من هو آرامي ( سرياني) وبعضهم ينتمي إلى التسمية الكلدانية وبعضهم أرمن قديم ولكن مع التغيرات السياسية للمنطقة نجد أهالي القرية ومنذ عام 1350 م يتحدثون العربية حيث نجد ظهور ثلة من الشعراء ينتمون إلى هذه القرية يُشير إلى ذلك البطريرك أفرام برصوم في كتابه اللؤلؤ المنثور .ونؤكد على أن تاء التأنيث الساكنة في نهاية كنية الشعراء تدل على نسبتهم لقرية القصور .
ولايوجد من يؤكد أو ينفي أن لغة أهل القصور( الكولية فيما بعد) قبل ألف عام كانت العربية أو السريانية ولكنهم أجادوا في اللغة العربية والسريانية معاً. إلاّ أن الأراتقة فرضوا اللغة العربية على كلّ آمد(ديار بكر) وماردين. حتى على المسيحيين اليعاقبة واليونانيين.وأما اسم الكولية فهو حديث العهد وكانوا على الأرثوذكسية حتى 500 سنة مضت ومنذ حوالي 150 عاماً فقد تكثلك بعضهم وبعضهم مال إلى البروتستنتية .ونجد في كتابي ( القصور والقصوارنة عبر التاريخ تأليف عام 1968م والمطبوع عام 2020م شرحا مفصلاً عن كل ما يتعلق بالقصور والقصوارنة ولغتهم وتراثهم الغنائي والأمثال وأسلوب معيشتهم وأسماء الأسر التي كانت تُشكل القرية قبل مذبحة عام 1915م ومابقي منها بعد المجزرة التي راح ضحيتها أكثر من 2500 نسمة في ليلة واحدة .
وكذلك هناك أهالي قرية( قلعة مرا) وقرية (قلث)( وبنيبيل )(وقرية آزخ )فهم سريان المذهب وهناك من هو كاثوليكي وبروتستنتي كما سبق وذكرنا قبل قليل ومنهم من هو سرياني ( آرامي) وأشوري وكلداني الجنس ومنهم من ينتمي للقومية العربية ومن قبائل بني تغلب وربيعة والمناذرة وقبل الانتهاء من هذه الجزئية لابدّ أن نطرح سؤالاً مهماً للغاية حيث نؤكد على أننا سنختلف حول هذا الرأي فبعضنا سيقول نحن سريان والآخر نحن آراميون وبعضنا أشوريون وبعضنا كلدان ولكن سؤالنا يقول هل تسمية عرب أقدم من التسمية الآرامية ( السريانية فيما بعد) وأقدم من التسمية الآشورية؟
إنّ من يقرأ التاريخ للأقوام في الشرق قراءة منهجية وبحرفية الباحث الرصين سيُدرك من البداهة والبديهيات أنّ تاريخ العرب لم يوجد قبل التاريخ الآشوري ولا الآرامي ولا الفينيقي ولا الكنعاني ولا اليبوسي سواء أكان تسمية لقوم ما أو للغتهم إلا إذا أكدنا على أنّ الجميع هم عرب وعندما هاجروا إلى مناطق بلاد ما بين النهرين والساحل السوري وغيره تسموا بتسميات جديدة وعندها يجوز أن نسمي الجميع عرباً بناءً على أنهم هاجروا من الجزيرة العربية ولكننا نعلم بوجود عدة نظريات بشأن الهجرات. فكما نعلم هناك نظريات يغلب عليها الرأي القائل إن الهجرات البشرية لسكان بلاد ما بين النهرين وسورية الكُبرى جاءت من جزيرة العرب وبعضها يقول : جاؤوا من أفريقيا .ولماذا لا تكون الهجرات قد تمت من موزبوتاميا( بلاد ما بين النهرين) إلى جزيرة العرب وغيرها من مكان . لِمَ لا؟! والأرض خصبة ونهري دجلة والفرات وحتى المرويات الدينية تؤكد على أن عدن تقع في شمال العراق .
وقد جئنا على موضوع الهجرات لعلاقتها بالتلاقح اللغوي بين الأقوام والشعوب وهذه ظاهرة كانت منذ أن تبلبلت اللغات وتوسعت القبائل والعشائر منذ زمن طويل .
كما ونؤكد على التنوع العرقي واللغوي لسكان المشرق قاطبة، وبرأيي ليس هناك من نظرية محكمة في هذا الجانب أيّ أن التعدد القومي يُرافقه تعدد لغوي وجئنا من قبل على هذه الفكرة .
وإذا كانت الأقوام قد هاجرت من مكان ٍ إلى مكان فإنها حملت بالـتأكيد اللغة الأم التي ولدت عليها ولكن مع مرور الزمن لابدّ أن تُصاهر تلك اللغة لغات أهل البلاد الجديدة فتنصهر اللغات في بوتقة لغة جديدة ستكون الأكثر تأثيراً.
ولهذا علينا أن لا نتعصب لقوميتنا ولا للغتنا ولا لديننا ولا لمذاهبنا .لأنّ التعصب آفة من آفات تدمير المجتمعات وعلينا أن لا ننفي كل ما نجهله ولم ندخل عوالمه من الأمور في المجالات كافة.
وعلى الأجيال تقع مسؤولية البناء المستقبلي السليم لتلك المجتمعات والتي يجب أن تتبنى الحرية المنظمة والمسؤولية والعدالة والمساواة وعدم رفض الآخر والتعالي عليه أو اعتباره كافراً أو نطعن في حقوقه المشروعة وألا تتبنى ونتعصب لمفهوم ٍ لم يستقر البحث العلمي عليه لأنّ علم الأثار يخبئ لنا احتمالات كثيرة كما ونرى أن يكون العقد الاجتماعي بين المكوّنات المشرقية عقداً يقوم على مفهوم الدولة المدنية لأنها السبيل الوحيد لتحقيق مفهوم العدالة والحرية والمساواة .
والأمر الآخر الذي لايمكن إلا وينتهي الجدل فيه هو أن شعوب الشرق الأوسط تحمل في جيناتها الوراثية تشابهاً كبيراً فيما بين مكوّناتها العرقية وذلك من خلال التزاوج القسري عبر الغزو أو التزاوج بالتراضي فقد امتلكت جينات متعددة المشارب .
ومن هنا فإنّ ما نسميهم بالمسيحيين( أشوريين أو سريان أو كلدان أو موارنة أو أرمن ) أو مسلمين أو يهود أويزيديين أو صابئة (مندائيون) والشبك والدروز الموحدون والاسماعيليون وغيرهم من باقي الفرق الدينية ليسوا على صفاء في جيناتهم بل هم يُشكلون فسيفساء فريدة في نوعها وخصائصها ومانريد أن نخلص إليه في نهاية هذه الجزئية هو أنه لو حذفنا من تفكيرنا التعصب في محورين أو لموضوعين اثنين( الدين والقومية) وآمنا بأننا بشر ولنا نفس الحقوق في كلّ شيء لتحول الشرق والعالم إلى فردوس حقيقي.
أما عن الجزئية الأخيرة في هذا البحث وهي موضوع
العقد الاجتماعي للإدارة الذاتية في شمال وشرقي الفرات ما بين استجابة لاستحقاق الواقع السوري وأحلام شعوب تريد التحرر من سطوة وسيطرة أحادية القومية على المشهد السياسي.
نعتقد بأنّ مع نشوب الحِراك في سورية في منتصف آذار لعام 2011م .ولأننا رأينا أن يكون لنا رأياً مستقلاً قمنا بتأسيس (رابطة المثقف السوري الحر المستقل) وكان معي الكاتب السوري يزيد عاشور والأديبة والروائية والشاعرة اللبنانية فاديا الخشن وانتسب لها أعضاء تجاوزوا ال256 عضواً . وبدأتُ أكتب بيانات الرابطة على مجريات الأحداث. وكتبتُ حينها بياناً حول الفدرالية وبينت أهمية هذه الفكرة لوئد الفتنة والقتل والذبح والتهجير .
وفي نيسان من عام 2016م . دُعيتُ إلى ندوة حول المأساة السورية في إستنبول وكان لي الرأي نفسه فقلتُ يومها إذا توافقت كلّ الجماعات السورية حول نوع الحكم الإداري في سورية الموحدة ( الفدرالية) فأرى أن يكون للمسيحيين السوريين فدراليتين في وادي النصارى ووادي الخابور.
وموقفي هذا لم يكن من العبث ولا متأثراً بما يطرحه غيري إنما رأيتُ أنه بعد عام 1942م عندما وحدوا الدويلات السورية في أخر العهد الفرنسي لسورية كانت عملية الوحدة لتلك الدويلات باعتقادي خطأ جسيما ً وأن تسمية محافظة على التقسيمات الإدارية للأرض السورية لم تتم بالوحي وهكذا كلمة فدرالية لو نحن أجمعنا على وحدة الأرض السورية أولاً وإعطاء كل جماعة عرقية ودينية فدرالية خاصة بها . وأما ما طرحه الإخوة في الإدارة الذاتية لشمال وشرقي سورية مما سموه العقد الاجتماعي فلن أتناوله بالملاحظات لأنّ الأمر يتطلب دراسة مستوفية الشروط أولاً ولكن ملاحظتي منذ زمن بعيد على أدبيات الإدارة الذاتية وخاصة السياسية منها هو أنني لم أجد بنداً يؤكد تأكيداً تاماً على (وحدة الأرض السورية ) أولاً لأننا كُنا نسمع غالباً كلمة (روج آفا) وتعني إقليم غربي كردستان كما وأعتقد بأن المكوّن العربي يُشكل في تلك المقاطعات غالبية مطلقة دون منازع تبلغ 73% وأكثر ومن هنا لماذا نرى أعلاماً لحزب واحد وسيطرة لفصيل واحد على الحِراك بشكل عام ؟!! وهذه ملاحظة ثانية لي على الإدارة الذاتية والسؤال لماذا لا يكون الاتفاق على علم يمثل المجموعات العرقية والدينية في تلك المقاطعات رغم أننا نجد حرية رفع الأعلام والرايات للمكوّنات السياسية المشاركة في الإدارة الذاتية؟ ونحن نعلم أن طرح موضوع العقد الاجتماعي أو الدستور للإدارة الذاتية لشمالي وشرقي سورية وفي الشهر الأخير من عام 2023م وبحضور أمريكي ودولي يُشكل إشارة استفهام كُبرى وإن كنتُ مع أسلوب التقسيم الفدرالي الإداري وليس السياسي لسوريا . أكرر تقسيمات إدارية وليست سياسية.
ويبقى الحكم الوحيد للشعوب السورية بمكوّناتها القومية والدينية واللغوية على أسلوب الحكم والتقسيمات الإدارية ووضع الدستور الكامل والكلي والجامع من حق تلك الشعوب بتوافقها وموافقتها بحرية مطلقة لأنها هي الحكم الوحيد والمسؤول في هذا الأمر .
وأقول لمن يحلم بأن سورية ستعود كما كانت وسيتم حكمها كالسابق فهو واهم.
ولهذا يجب أن يتوافق أهلها على أفضل الحلول لئلا تجري الدماء أكثر من ذي قبل ولأنّ الأمر ليس كما يتصوره بعضنا .
وفي ختام هذا البحث الطويل علينا أن نتبنى منهج الحوار الفاعل والمفيد والعاقل والمتوازي والمتوازن ولا نتبنى الشوفينية والتعصب والغلواء .ومن يريد أن يُضيف للمشهد الوطني والشرق الأوسط من فائدة عليه أن يتخلى عن كل الأفكار السلبية والشوفينية والقومية التي تتعارض مع حقوق شركاء الوطن مهما كانت تلك الأفكار فليس أقدس من الإنسان إلا الإنسان والشرق لن تقوم له قيامة إلا إذا تبنى أسلوب الحكم وإدارة الدولة بمفهوم المدنية .وللحديث صلة.
اسحق قومي.31/12/2023م
ملاحظة عن المراجع التي اعتمدنا عليها :
حاولنا أن تكون في نهاية البحث وليس وراء كل فكرة المرجع الخاص به وذلك بغية عدم قطع تتابع فقرات البحث واثبتناها بحسب الأقدمية وجاءت على الشكل التالي:
1=عالم المعرفة الكويتي. قصة الانثروبولوجيا. العدد 98.ص.104
2=مجلة آرام العدد الخامس.صيف عام 1993م.الرقم العالمي للمجلة.20790 /1104.ARAMISS
3= كتاب أصول الكتابة .ص 287 للأثري فيليب برجه.
4= الكتاب المقدس بجزأيه . التكوين والتثنية ورسائل بولص الرسول.
5=من الساميين إلى العرب. الشيخ نسيب الخازن. مكتبة الحياة. بيروت لبنان.
6= تاريخ الحضارات القديمة.سبتينو موسكاني.ترجمة الدكتور.السيد يعقوب بكر.
7=المقدمة.لابن خلدون. باب الإخبار بالمغيبات.ص199.
8=صُبح الأعشى للقلقشندي.مج1.ص.165.وفجر الإسلام لأحمد أمين.ص142
9=ياقوت الحموي. معجم البلدان.ج4.ص 109.ط1.دار الكتب العلمية بيروت.
10=الشيخ نسيب الخازن. من الساميين إلى العرب.ص. 151.دار مكتبة الحياة.بيروت
11=الدكتور جواد.علي،المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام.
12=العودات.حسين،الموت في الديانات الشرقية،دار الفكر.دمشق.1986م
13=مراد فؤاد جقي.كتاب نعوم فائق ذكرى وتخليد.المطبعة الحديثة. دمشق.1936م
14= مجلة أرام: العدد الثالث والرابع.خريف وشتاء عام 1992م.
15= كتاب قبائل وعشائر الجزيرة السورية لمؤلفه اسحق قومي.1982م. 2020م.
16= كتاب القصور والقصوارنة عبر التاريخ . لمؤلفه اسحق قومي. 1968م.2020م
17= القلقشندي صبح الأعشى في صناعة الإنشا، دار الكتب العلمية، بيروت.
18=الجاحظ، البيان والتبيين، مكتبة هلال، 1423هـ، الجزء3.
19= الفاخوري، الجامع في تاريخ الأدب العربي، دار الجيل 1986.
20=فروخ عمر، تاريخ الأدب العربي، ج1، ط6، دار العلم للملايين، بيروت.
21= شوقي ضيف، تاريخ الأدب العربي: العصر الجاهلي، دار المعارف 2004.
22=السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1974.
23= شوقي ضيف، المدارس النحوية، دار المعارف،ط7.
24=شوقي ضيف، تاريخ الأدب العربي:العصر الجاهلي الجاهلي، دار المعارف 2004.
25=حسين نصار، المعجم العربي، نشأته وتطوره، دار مصر للطباعة.
26=كارل بروكلمان، تاريخ الأدب العربي، دار المعارف بمصر، ج2.
27=القلقشندي صبح الأعشى الجزء3، ص3.
28=الجاحظ، البيان والتبيين، مكتبة هلال، 1423هـ، الجزء3، ص28.
29=السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1974، ص 186.
30=حنا الفاخوري، الجامع في تاريخ الأدب العربي، ص116.
# اسحق قومي.27/12/2023م