عشتار الفصول:13954.المسيحية المشرقية في طريقها للزوال .


اسحق قومي
الحوار المتمدن - العدد: 7809 - 2023 / 11 / 28 - 18:52
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم     

مالم أقله بعد .جميع أفكار هذا البحث غير ملزمة
والبداية من مقدمة تعتمد على الأسئلة نعتقد بشرعيتها ومشروعيتها.
هل المسيحية المشرقية واقعة بين قهرين مزدوجين . أعني بين طقوسها ورجالات دينها من جهة وبين أغلب المسلمين ورؤيتهم تجاه أتباعها على أنهم كفرة من جهة أخرى؟!
هل الدساتير القطرية في الشرق غير عادلة تجاه المسيحية المشرقية ولماذا. وكيف لنا أن نغيرها ؟
هل ستُهاجر المسيحية كلياً من على أرض أجدادها خلال أقل من ربع قرن ٍ ، أم أنّ هناك انفراجات لبقائها؟
منْ قتل المسيحية المشرقية وأبادها خلال ألفي عام ،هل طبيعتها اللاهوتية أم الآخر الذي يعتبر إبادتها جهاداً سواء أكان في جزء ٍ من العهد الروماني أو العهد الإسلامي بكل فتراته بدءا من الغزو وحتى ما بعد داعش قبل سنوات ؟!
ماهي المعوقات التي تقف أمام تحقيق شخصيتها القومية .؟!
هل هناك من أمل في إقامة الدولة المدنية في الشرق الأوسط ؟!
هل المشكلة التي تُعاني منها المسيحية المشرقية تكمن في قراءة الأكثرية الدينية لها. أم في جوهرها وطقوسها ذاتها؟!
هل هناك من مشروع ٍ واقعي وموضوعي وقانوني يمنح المسيحيين حق إقامة أقاليم خاصة بهم ولو على جزء من أرض أجدادهم أم هذا مُحال في تحقيق هذا الحق لمن لهم الحق ؟
هل سلوكية بعض رجال الدين المسيحي الذين امتهنوا التجار والصيرفة والسمسرة والعمالة للحكومات القطرية على حساب أبناء شعبهم وتضحيات الأجيال التي سبقت هذا العصر لها علاقة بتهجير وهجرة المسيحية من الشرق؟
هل المسيحية المشرقية بحاجة إلى ثورة حقيقية تقوم على تغيير الموروث الكهنوتي ودساتير الكنائس ودور رجال الدين برتبهم كافة؟!
كيف نُحقق الثورة على المسيحية المشرقية ونحن نتوزع إلى عشائر وقبائل وتسميات مناطقية وكنسية . فهل لدينا ما يُمكننا من تولي دفة الثورة السلمية في إحداث طقوس كنسية جديدة تتماشى مع العصر وتخفف العبء عن المؤمنين بالمسيحية؟!
كيف سيكون حال رجال الدين المسيحي في المرحلة القادمة إذا ما طُبقت بحقهم محاسبات من قِبل لجنة عُليا تُسمى( لجنة الشيوخ )لأنّ سلوكية هؤلاء الرجال ومهمتهم ومسؤوليتهم تتعلق بمستقبل المسيحية إن شئنا أم أبينا؟!
وسؤال مهم نطرحه هنا .منْ يحمي الوجود المسيحي في المشرق هل تحميه البوارج الحربية والمدمرات الغربية ـــ رغم أن المسيحيين لم ولن يفكروا في هذا منذ فجر المسيحية حتى اليوم وكانوا دوماً يخضعون للسلطات الحكومية ــــ أم أنّ المثاقفة الوطنية والموضوعية بين جميع المكوّنات المشرقية على مختلف دياناتها وثقافاتها ضرورة هامة لوقف تصحر الشرق من أهله الأصلاء وأعني المسيحيين منهم ؟!!
هل من إدراك جمعي للغالبية الدينية بأنّ تصحر الشرق من مسيحييه يدعو للإسراع في صياغة دساتير حقيقية وفاعلة وموضوعية تقوم على النظام الفدرالي لمنح المسيحيين حق تأسيس أقاليم خاصة بهم والتعامل معهم ليس على أساس أنهم كفرة بل هم أصحاب الأرض والتاريخ .؟
وأخيراً نعتقد بأنّ تحقيق مشروع الشراكة الحقيقية ـــ وليست الخُلبية ــــ على أرض الواقع في الشرق مع جميع المكوّنات القومية واللغوية والدينية والمذهبية بعيداً عن تجار السياسة والدين والفلسفات الفارغة هي السبيل الوحيد لبقاء المسيحية كأقلية في الشرق الأوسط ؟
وبعد هذه الأسئلة نبدأ لنقول:
غايتنا من هذا البحث متعددة الجوانب والاتجاهات. ويمثل صرخة لضمير الإنسان المشرقي بكلّ مكوّناته القومية والدينية والمذهبية أولاً . ولرجال الدين المسيحي على اختلاف رتبهم الكهنوتية ثانياً .الذين أغلبهم يسلكون سلوكاً يُخالف 180 درجة سلوكية المسيحي العادي فكيف وهم يمثلون الراعي الصالح؟
كما أنّ هذا البحث يُذّكر الآخر الذي يُكفر المسيحي ليل نهار . بفضل المسيحيين على المشهد الإنساني والثقافي والعلمي والحضاري في الشرق خلال ألفي عام .
إضافة إلى محطات مهمة يتعرف فيها القارئ العزيز وأهمها حقيقة اللاهوت المسيحي والمذابح الوحشية التي تعرضت لها المسيحية المشرقية عبر تاريخها وكلّ هذه المحطات سنمر عليها خطفاً لضرورة الاقتصار على تسميات أهمها .
ولنا أن نقول : إنّ المسيحية ليست ديانة بل هي الحياة التي تنشدها الفطرة البشرية السليمة الخالية من الأمراض في جيناتها .
والمسيحية هي الحياة حين نتمكن من أن نعيشها ضمن قناعة تفرضها تعاليمها علينا ، تلك التعاليم التي تُطالبنا بأن نسمو بغرائزنا نحو القداسة .
فالجهاد في المسيحية ليس من أجل الله الذي خلقنا وهو قوي بذاته ولا يحتاج لمن يُدافع عنه ،وإذا كان الله بحاجة إلى حمايتنا وأن نُقتل من أجله ونقتل الأبرياء فتلك مصيبة ما بعدها مصيبة.
لهذا فالجهاد في المسيحية .هو جهاد ضد النفس التي تَسوقنا نحو ما يخالف روح القداسة والطهارة .كما أنّ تعاليم المسيحية تنفرد في أنها الوحيدة التي تفرض على اتباعها محبة الآخرين حتى محبة الأعداء والغفران لهم ،وتتسم بالسماحة والمسامحة ، بالرأفة والحنو والتضحية في سبيل الآخر مهما كان دون قيد أو شرط .ولو عددنا محاسنها وتفردها لملأنا عشرات الصفحات.
وهنا ينشأ السؤال المنطقي أيّ رسالة سماوية أو غير سماوية تُقدم لنا مثلما تُقدمها المسيحية في هذا الجانب. أليس أنها منهاج لا يعلو عليه أيّ منهاج تربوي وإنساني وأخلاقي وعملي وحياتي؟
وبعيداً عن الجوانب اللاهوتية في المسيحية .إنما جوهرها يقوم على عبادة الله الواحد أحد المكتفي بذاته ووحدانيته غير مطلقة .كما يتجلى ذلك بوضوح في قانون ايمانها المثبت والمرسخ في المجمع المسكوني في نيقية عام 325م ،يتجلى من خلال ثلاثة أقانيم هي واحد في الجوهر. ولكل أقنوم تجلٍّ خاص به .وأشبه الأقانيم بالماء Ho2في حالاته الثلاث ( سائل، وغازي، ومتجمد) ومطلع قانون إيمانها يقول :(( نؤمن بإله واحد، آبٍ ضابط الكلّ، خالق السّماء والأرض، وكلّ ما يُرى وما لا يُرى. وبربٍّ واحدٍ يسوع المسيح، ابن الله الوحيد، المولود من الآب قبل كلّ الدّهور......).
ولانريد هنا أن نؤسس لبحث ٍ عن المسيحية في قراءات لجوهرها اللاهوتي . وإنما نقول المسيحية سُميت بالمسيحية نسبة إلى السيد المسيح الذي سُميّ يسوع أو يشوع. وهو اختصار لاسم يهوشع، ويهوشع يتكوّن من مقطعين "يهو" أي يهوه، "شع" أي يخلص، فاسم يسوع أو يشوع أو يهوشع معناه "يهوه يخلص"، ولذلك قال عنه الملاك ليوسف " اسمه يسوع لأنه يخلص شعبه من خطاياهم" (مت 1: 21) وقال الملاك للرعاة " أنه وُلِد لكم اليوم في مدينة داود مخلص هو المسيح" (لو 2: 11) . ولد في بيت لحم من أمه مريم العذراء ابنة يهوياقيم (يوياقيم) وأمها حنة. بعدما كان الملاك قد بشرها بأن روح العلي تحلّ عليها والمولود منها يُدعى ابن الله ( والبنوة هنا ليست جسدية ) وللتأكيد من أنّ السيد يسوع هو روح الله علينا أن نقرأ سورة مريم والآية 16 في القرآن الكريم حيث تقول الآية :(( فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشراً سويا)) وعند مطالعتي في تفسير الجلالين لهذه الآية ومعنى جملة فتمثل لها بشراً سويا أي لا عيب فيه ولا خطيئة .هنا أيضاً تأكيد على أنّ طبيعة وجوهر السيد يسوع المسيح ،هي إلهية لأنه روح الله ،وليس مخلوقاً كالبشر العاديين أو حتى الأنبياء والرسل .ثم نرى بعد ولادته يعيش في مدينة الناصرة مع أمه وخطيبها يوسف النجار .ولأنه عاش في مدينة الناصرة فقد دُعيّ بالناصري ودعي أتباعه بالناصريين وليس النصارى .
فهناك فرق عظيم بين أن يُسمى من يؤمنون به بالناصريين وبين النصارى. فالنصارى فرقة مسيحية نشأت في جزيرة العرب وليست موضوعنا الآن .
وأثناء ولادة السيد يسوع كانت هناك مملكتان الأولى هي مملكة اليهودية والثانية مملكة السامرة . وكان يحكمهما الرومان .وأما اليهود حينذاك فكانوا يتعبدون في مكانين هما هيكل سليمان في أورشليم ومعبد للسامريين في جبل جرزيم .
وبعد أن أكمل السيد يسوع المسيح عامه الثلاثين بدأ يدعو إلى ملكوت الله وكان يُنادي بالتوبة ويصنع العجائب التي لا تُعد ولا تُحصى حتى أقام الموتى وأشفى البرص وجعل عيون العمي تُبصر . ولكن اليهود يتآمرون عليه لكونهم فهموا منه أنه يطرح نفسه معادلاً لله . وهكذا تمكنوا من أن يسلموه للحاكم الروماني بيلاطس البنطي. ويُحكم عليه بالصلب فيُصلب على جبل الجلجلة ( الجمجمة) .
ويُفارق الحياة ويُدفن في قبر ويُحكم بحجر كبير وحراسة من قِبل جنود رومانيين ،وفي اليوم الثالث يقوم من بين الأموات وبقي مع تلاميذه مدة أربعين يوماً ثم صعد إلى السماء أمام أعين تلاميذه .وهذه هي عقيدة المسيحيين حول العالم تسلموها من التلاميذ .
فالقيامة تمثل مركزية الإيمان المسيحي .وبعد صعوده وحلول الروح القدس عليهم في اليوم الخمسين ( العنصرة) .لأنه قال لهم من قبل سأرسل لكم المعزي ،وهو الروح القدس .وفي تلك الساعة التي حلّ بها الروح القدس طفق التلاميذ يتكلمون بلغات عدة .وبعدها بدأت رحلة التبشير كما أوصاهم معلمهم ابتداء من الجليل وما حولها ثم بلاد سوريا بكاملها وبلاد ما بين النهرين ومصر والعالم .
والمهم أن نعلم علم اليقين. بأنّ المسيحية فتحت العالم دون أن تقتل أحداً ولا تجرح طفلاً ولا تُجبر أيّ مخلوق على اعتناقها بل كان سيفها كلمة الله التي كانت الشعوب والأمم تعتنقها إيماناً بالسيد يسوع المسيح الذي قام من الأموات وهو باكورة الراقدين .
وكان قد أخبر تلاميذه سابقاً بأنهم سيُلاقون الصعاب ويضطهدون من الناس ويعذبون ويحرقون ويصلب بعضهم الآخر .ولكنهم ماضون في إيمانهم بالمخلص .ومن المعروف آمن العديد من اليهود بالمسيحية كما آمنت بها شعوب وقبائل لا تُعد ولا يمكن حصرها في بحثٍ كهذا .
وإنما نقول في الجانب السياسي والعسكري لمنطقة الشرق الأوسط آنذاك بقي خاضعاً للحكم الروماني والفارسي وكان الجيشان البيزنطي والفارسي قد أصابهما التعب والإعياء على أثر الحروب والقتال المستمر بين المملكة الرومانية والمملكة الفارسية .
لهذا حين جاءت الجيوش العربية الإسلامية غازية ، فاتحة .سيان فالمعنى واحد. إلى دمشق أولاً ودارت معارك دامية مع الرومان ومن كان معهم من الآراميين المسيحيين وتمت محاصرة دمشق بأربعة جيوش ٍ دخلوها من جهتين صلحاً وقتالا عام 634م .والموافقة سنة ثلاث عشرة للهجرة واستباحوا المدينة كما أرادوا حتى خضعت لهم دمشق وما حولها فالغوطة الشرقية والغربية ،ولكن تلك الجيوش تنطلق إلى أرض أورشليم وغيرها .
وكانت المسيحية تؤلف يومها أكثر من 96% من عدد سكان سوريا الكبرى( سورية الداخلية ولبنان وفلسطين والأردن) . كما أشار إلى ذلك أكثر من مرجع فكان عدد المسيحيين أثناء الغزو الإسلامي لبلاد الشام بحسب كتاب.( المسيحيون واليهود في التاريخ العربي الإسلامي والتركي) لـ فيليب فارج ويوسف كرباج. ترجمة وتحقيق يوسف السباعي حيث جاء في ال صفحة23 بأن عدد سكان سوريا آنذاك كان يتجاوز الأربعة ملايين نسمة .وكان في بلاد ما بين النهرين أكثر من 9ملايين نسمة وهؤلاء كان منهم يهود بنسبة اثنين ونصف 2,5% وكان هناك صابئة ( مندائيون) ولكن السواد الأعظم من السكان كانوا على المسيحية بمختلف قومياتها ومذاهبها .
هذا في سوريا وبلاد ما بين النهرين. ويؤكد هذا القول والنسبة العددية والعدد الدكتور فليب حتى في كتابه تاريخ سوريا ولبنان وفلسطين .في الجزء الثاني وفي الصفحة رقم 96 حيث يقول: بأن سكان سوريا ولبنان وفلسطين والأردن في القرن الأول الهجري يزيد عددهم عن ثلاثة ملايين ونصف المليون وكان عدد من دخل الإسلام لا يتجاوز المئتي ألف نسمة.
ولابدّ أن نذكر ونُذّكر بأهمية العهد الأموي فنقول لقد حدث تحولاً في شكل الدولة الإسلامية في العهد الأموي .حيث كانت دولة مدنية بمرجعية إسلامية وعاصمتها دمشق بدلاً من المدينة المنورة. وكان يوجد بها تعدد للأديان والطوائف والمذاهب والعرقيات وتحولت الدولة من ملكية وراثية والحكم شورى إلى دولة مدنية .واعتمدت التنظيمات الآرامية (السريانية) والبيزنطية التي كانت موجودة سابقاً بما فيها الناحيتين الإدارية والعسكرية .
والمسيحيون الذين كانت أعدادهم في عام 700 ميلادية أربعة ملايين نسمة يتعرضون هم واليهود والصابئة واليزيديون إلى القتل كما أنّهم أُرهقوا بدفع الجزية والخراج والمضايقات المختلفة .فنرى خلال أقل من مئة عام يتحول 6 ملايين ممن هم في بلاد ما بين النهرين . إلى اعتناق الإسلام تخلصاً من دفع الجزية والخراج وبقي 3 ملايين على المسيحية.
وأما في سوريا فستُحافظ على غالبية مسيحية حتى القرن الثالث الهجري وبعدها في عام 900 ميلادية سيُصبح عدد سكان سوريا الكبرى مليوني مسيحي يُقابلهم مليوني مسلم .
ولكننا لو تتبعنا الحالة منذ عام 700 ميلادية إلى عام 1850ميلادية فسنجد انحساراً واضحاً للمسيحية ونؤكد على ما عانته المسيحية في كلّ العهود ولكن أقساها كان في عهد المماليك الأوائل.
وهكذا بقيت المسيحية تُشكل أقلية حقيقية ولكننا نورد من خلال كتاب المسيحيون واليهود في التاريخ الإسلامي والتركي وفي الصفحة 23 حيث يقول ( لقد استغرق الإسلام ألف عام حتى انتشر في مصر وسوريا كما هو عليه اليوم) هذه حقيقة يجب ألا نستخف فيها وبمضامينها وتعني ما تعنيه في جوانب عدة حتى الطريقة الوحشية التي اتبعتها جيوش الفتح ولمن يريد فليسأل خالد بن الوليد .
أما بالنسبة لليهود في سوريا خاصة فقد تضاءلت أعدادهم حتى أنه في أواخر القرن الخامس عشر يذكر الرحالة ميشو للام دوفولتير بأنّ عدد الأسر اليهودية في دمشق كان يتراوح ما بين أربعمائة إلى خمسمائة أسرة بينما كانوا يُشكلون أكثر من 3.5% من عدد السكان في بدء الغزو الإسلامي للشام.
وأما المسيحية في الديار المصرية ( القبطية) .
عندما غزى عمر بن العاص وجيشه المكوّن من أربعة آلاف مقاتل .كان الرومان يحكمون مصر آنذاك .وقد استغرق فتحها حوالي سبعة أشهر بعدما حاصرت جيوش المسلمين (حصن بابليون) وهذا الحصن ُ هو حصن قديم يقع بجانب المتحف القِبطي، ويُعدّ من أعظم الحصون والقلاع الشاهدة على الحضارة الرومانية التي قامت في مصر، يعود تاريخ بناءه إلى النصف الثاني من القرن السادس قبل الميلاد. وحتى يُحافظ المقوقس على دماء رعيته طلب الصلح من عمر بن العاص وكان فتح مصر في يوم 16 أبريل (نيسان) من عام 641م.وأول ما قاموا به في عام الفتح 641م هو أنهم حوّلوا كنيسة مسيحية في الإسكندرية إلى مسجد وسموه مسجد العطارين.
وكان عدد الأقباط المسيحيين آنذاك يتراوح ما بين أربعة إلى ستة ملايين(4- 6 ملايين) نسمة ولعدم وجود إحصائيات رصينة في هذا الجانب فإننا نُقدر عددهم بما يزيد عن أربعة ملايين ونصف المليون نسمة وكان هناك يهود تتراوح أعدادهم ما بين نصف مليون إلى 680 ألف نسمة.
وخلال أقل من أربعين سنة ما بين عامي 644و661 يتحول نصف الأقباط إلى الإسلام لعدم قدرتهم على دفع الجزية والخراج وما عانوه من معاملة تُغاير طبيعتهم وحياتهم السابقة من قِبل المسلمين .
وإذا كان المسيحيون قد تعرضوا للقتل والنهب والسلب وإجبارهم بالقوة على تقديم كل ما يملكون للجيوش الغازية حتى خبراتهم ومعارفهم لابل بيوتهم ومأكلهم ومشربهم وخيلهم وكان عليهم ألا ينشروا المسيحية في الدولة الإسلامية ،وأسلم قسماً كبيراً منهم بالقوة والترهيب والترغيب وتحت وطأة الحاجة والعوز والمظالم .فإننا في الوقت نفسه علينا أن نكون منصفين وموضوعيين. فقد كانت هناك مغايرة بين عهد إسلامي وآخر في جانب المعاملات على المسيحيين واليهود والصابئة (المندائيون) واليزيديون.
ولكن أقسى تلك المراحل التي عانتها المسيحية وأتباعها .كان في أثناء الغزو لبلادها وما ذُبح منها وقُتل واغتصبت نساء وفتيات وأجبرن على الزواج من هؤلاء الذين جاؤوا بدون نساء والحديث هنا يفوق تصور الغلاة في تعصبهم لهذا سنكتفي ونقول الحر تكفيه الإشارة .وعلينا أن نذكر فقد مُثل بجثث من قاوم أو عاند الغزو وبوحشية مفرطة تفوق ما قامت به داعش التي مثلت جزءاً يسيراً مما قامت به الجيوش العربية الإسلامية قبل ألف وأربعمائة وخمسة وأربعون سنة خلت في كلّ بقعة قامت بغزوها لنشر رسالة الإسلام .
ولهذا احتلت الجيوش الإسلامية العربية . الأرض والمدن والقرى والبلدات واستولوا على الخيل والممتلكات واستمر الحال إلى أن جاء عهد المماليك فنرى مصر ذات الغالبية المسيحية التي تحولت إلى دولة إسلامية مع حلول نهاية القرن الثاني عشر للميلاد تعيش التمييز والاضطهاد بحسب المؤرخ روبرت ب. بيتس، القائل: مع الفتح الإسلامي لمصر تم استبعاد الأقباط تدريجياً من قبل المسلمين. وتشير مصادر مختلفة إلى فترات من التمييز والاضطهاد للأقباط خلال العهد الأموي والعباسي والفاطمي والمملوكي والعثماني والتي شملت إغلاق وهدم الكنائس وأهمها هدم كنيسة القيامة في أورشليم ،والتحويل القسري إلى الإسلام ومَنع المسيحيين من مزاولة بعض الأنشطة التجارية والاقتصادية أو الإقامة في دور مرتفعة، ومن إطالة شعرهم وأمرهم بارتداء ألبسة مميزة صفراء اللون وعسلية الأكمام، ورفض شهادتهم في المحاكم وحرمانهم من حمل السلاح. وتشير الموسوعة الأمريكية أنّ أبرز موجات اضطهاد الأقباط كانت خلال العصر الفاطمي في القرن الحادي عشر والعهد المملوكي.
وبحسب المؤرخ كورت جي. ويرثمولير ويعقوب ليفي. لم يكن تحول الأقباط إلى أقلية تدريجياً بل حصل بسبب موجتين من التحول أولها .بعد القمع الوحشي للثوار الأقباط في القرن التاسع الميلادي ،والموجة الثانية خلال حقبة المماليك والتي تم فيها حملة اضطهادات للمسيحيين وتوفير الزخم الشعبي للعنف ضد المسيحيين. وهي أيضاً حقبة شهدت موجات كبيرة من التحول القسري إلى الإسلام وفقاً لمصادر مختلفة. ويشير المؤرخ كورت جي. ويرثمولير أنه في الحقبة الإسلامية المبكرة تعرض المسيحيون إلى ضغوطات اجتماعية واقتصادية ودينيَّة، وكان التحول إلى الإسلام من بين هذه الضغوطات، وفرصة مغرية للكثيرين للحصول على منافع اقتصادية ووظائفية. وتشير مصادر أنه بعد نهاية فترات الاضطهاد، أعداد كبيرة من المتحولين الجدد إلى الإسلام عادت إلى الديانة المسيحية، خصوصاً من سكان القرى النائية وممن أجبروا على التحول إلى الإسلام.
وإذا كانت فترة عمر بن عبد العزيز قاسية وذلك لكونه فرض ضرائب طائلة على المسيحيين وسنّ قيوداً عليهم في الملبس والتنقل. ولكن في عصر القوة والازدهار أي في العصر العباسي تتغير العلاقة بين الدولة ورعاياها من غير المسلمين وتتجلى تلك الفترة بالانفتاح والتسامح خاصة في عهد كلّ من المنصور وهارون الرشيد .
وإذا كان الشعب الأشوري والآرامي السرياني والكلداني في بلاد ما بين النهرين قد أسس لنهضة إسلامية لابل هو أساس ما سُميّ فيما بعد بالحضارة الإسلامية. فإننا لا نُجانب الصواب إذا قلنا بأنهم أس عصر الترجمة في العصر العباسي من اللغات اليونانية والفارسية والهندية إلى العربية حيث جرى على يد جهابذة الفكر والفلسفة السريان الآشوريين الكلدان .
وهذا يستلزم الكثير من البحث لكن دار الحكمة قامت بهمة وإخلاص الشعب الآشوري الآرامي السرياني الكلداني ولنا في هذا الجانب بحثاً قدمناه إلى المؤتمر الثاني العالمي الذي أقامته جامعة القاهرة عام 2016م وكان المؤتمر بعنوان اللغة السريانية الآرامية.
وفي مصر نجد الجهود القبطية المسيحية لا تقل أهمية عن دور أبناء بلاد ما بين النهرين تجاه المسلمين .
فقد كان لهم الاسهام الأكبر في التطور العلمي في عهد الدولة العباسية وهم الذين قاموا ببناء الأسطول العربي في بداية العصر الأموي، وهم الذين أقاموا دار الصناعة في الإسكندرية ، ودار الصناعة في تونس ، وذهب عدد من العمال الفنيين الأقباط إلى الشام للهدف نفسه .
وقد وصف الجاحظ وضع المسيحيين خلال العصر العباسي: فقال:( إن النصارى متكلمين وأطباء ومنجمين وعندهم عقلاء وفلاسفة وحكماء.. وأنّ منهم كتّاب السلاطين وفرّاشي الملوك وأطباء الأشراف والعطّارين والصيارفة.. وأنهم أتخذوا البراذين والخيل واتخذوا الشاكرية والخدم والمستخدمين وامتنع كثير من كبرائهم من عطاء الجزية وبرز من المسيحيين في تلك الحقبة سعيد بن البطريق وهو طبيب ومؤرخ وأسقف ملكاني قال عنه ابن أبي أصيبعة كان متقدماً في زمانه وكانت له دراية بعلوم الطب .عُين بطريركاً على الإسكندرية وسمي أوثوشيوس له عدد من المصنفات أشهرها كتابه في التاريخ .نظم الجوهر المعروف أيضاً بتاريخ ابن البطريق الذي أخذ عنه ابن خلدون.
كما له كتاب كنّاس في الطب. والمؤرخ جرجيس بن العميد .والمؤرخ يوحنا النقيوسي وهناك ماسويه الطبيب والصيدلي المسيحي المادرديني الذي امتدت شهرته من بغداد إلى القاهرة وكان يخدم الحاكم بأمر الله .وهناك العشرات لابل المئات مالا يتسع البحث لذكرهم ممن خدموا وقدموا خدماتهم وخبراتهم وعلومهم ومعارفهم لتصب في نهر الحضارة التي سموها بالإسلامية.
والحقيقة لو كتبنا عن فترات الخلافات الإسلامية ومراحل كلّ منها بشكل دقيق لضاقت بنا الصفحات .لكن نريد أن نختصر التاريخ الدموي الذي عاشته المسيحية المشرقية منذ العهد الروماني فالعهد الإسلامي وأخر المجازر التي قام بها العثمانيون الأتراك على المسيحية بقومياتها سواء أكان اليونان البنط(البونتيك) أو الأرمن أم الآراميين السريان والآشوريين والكلدان حيث ذهب أكثر من 4مليون إنسان بدءا من عهد السلطان عبد الحميد الثاني وحتى عام 1922م.هذا غير الآلاف الذين ضاعوا بين القبائل والقوميات والعشائر والطرقات الجبلية الوعرة والصحاري القفار وعلى شطآن نهر الفرات ودجلة وغيرها من أنهار .
وأما الرقم المؤكد لدينا من خلال كتابنا الموسوم ( المسيحيون على ضفاف الفرات والسوقيات الأرمنية ) لعام 2022م.والذين قُتلوا وذُبحوا كالخراف في عهد الظلم والظالمين فقد تجاوز كما قلنا الأربعة ملايين نسمة .ولابدّ لنا من القول بأنّ المسيحية كانت قد فقدت منذ الغزو الإسلامي لبلاد سوريا الكبرى وبلاد ما بين النهرين وجنوب شرقي الأناضول والأناضول حتى جنوب البحر الأسود والقسطنطينية ومصر القبطية مساحة من الأرض تُقدر بأربعة أضعاف مساحة مصر والعراق وسوريا ولبنان والأردن .هذا إذا أضفنا لتلك البلاد التي سميناها أرض اليمن والحجاز والبحرين .
وتؤكد الباحثة الأمريكية كريستين ستليت بأنه في عام 1301م .اعتنق كثير من الأقباط الإسلام لعدة أسباب ٍ تتعلق بفرض قيود ٍ على حركتهم واستنزافهم اقتصادياً .
ولا يمكن أن ننسى ونتناسى معاملة الحاكم بأمر الله حين تولّى الخلافة فقد تغيَّر وضعُ اليهود و(المسيحيين) ، فقسا عليهم في المُعاملة، فأصدر الحاكم أمرًا ألزم أهل الذمَّة بلبس الغيار، وبوضع زنانير مُلوَّنة مُعظمها أسود، حول أوساطهم، ولبس العمائم السود على رؤوسهم، وتلفيعات سوداء وذلك لتمييزهم على المُسلمين.
وفي وقتٍ لاحق منعهم من الاحتفال بأعيادهم، وأمر بهدم بعض كنائس القاهرة، كما صدر سجل بهدم كنيسة القيامة في أورشليم كان ذلك عام 1004م ومنع الاحتفال بعيد الظهور الإلهي(النور المقدس ) وعيد القيامة واستمرت تلك الممارسة حتى سنة 1014. وفقا( لنسيم دانا)، وفي عام 1009م.فُرض على المسيحيين واليهود ارتداء ربطة على اعناقهم في الحمامات، معلق عليها صليب للمسيحيين وجرس لليهود، وتم تدنيس المدافن المسيحية، وإيقاع العقاب على عدد من الموظفين المسيحيين مما دفع العديد منهم إلى دخول الإسلام خوفاً. ويذكر أن هذه السياسة نالت بشكل عام رضى المسلمين، الذين كرهوا المسيحيين بسبب أعمال المحاباة من قبل الموظفين المسيحيين وأنّ هدم كنيسة القيامة كان سبباً رئيسياً للحملات الفرنجية(الصليبية) وقد تم إعادة بنائها عن طريق الإمبراطور البيزنطي سنة 1042 بموافقة خليفة الحاكم بأمر الله. وفقاً (لتوماس ووكر أرنولد) تغير الحال بالنسبة للأقليات الدينية بشكل عام .
ويذكر لنا التاريخ عندما فتح الفاطميّون مصر، سلك جوهر الصقليّ سُلوكًا دبلوماسيًّا هادئًا مع المصريين، فأعلن في خِطبة الجُمعة الأمان لأهل السُنَّة وللمسيحيين واليهود، واستقبل مُمثِّلُ الأقباط.
وكان المُعز لدين الله، ابن العزيز، أكثر تسامحًا مع أهل الكتاب من غير المُسلمين، فقد جعل عيسى بن نسطورس وزيرًا له، وتزوَّج من امرأةٍ مسيحيَّةٍ ملكانيَّة، وهي أُمُّ ولده الحاكم وشقيقة اثنين من البطاركة: أحدهما بطريرك كنيسة الإسكندريَّة، والآخر بطريرك كنيسة بيت المقدس، وكان يحتفلُ مع النصارى ويُشاركهم أعيادهم. ومن شدَّة تسامح الخُلفاء الفاطميين الأوائل مع أهل الكِتاب، قيل بأنَّهم كانوا يُشجعون إقامة الكنائس والبيع والأديار، بل ربما تولوا إقامتها بأنفسهم أحيانًا.
وفي القرن الرابع عشر نجد تسارع في عملية التحول الديني من المسيحية إلى الإسلام عند الأقباط للمعاملات الجائرة عليهم من قِبل الحكام والولاة.
أما العصر العثماني بالنسبة إلى أقباط مصر فقد وُصِفَ بأنه عصر الذل .هذا ما أكده المؤرخ هنري لويس وجاء بعده المؤرخ المصري قاسم عبده قاسم والمؤرخ المصري عبد الرحمن الجبرتي حيث يؤكد الأخير على وقوع مجازر على الأقباط والشوام(الذين من بلاد سوريا الكبرى) من المسيحيين خاصة أثناء ثورة القاهرة ضد الاحتلال الفرنسي وهكذا تم سلب واحراق ممتلكات الأقباط لابل أموالهم ومحالهم التجارية كلها ونُهبت وسُرقت.
أما في عهد محمد علي باشا نجد انفراجاً في الحياة القبطية والمسيحيين لابل قربهم منه وتحسنت أوضاعهم .كما لابدّ لنا أن نذكر بأنه في الفترة التي نستطيع أن نسميها بالفترة الليبرالية ما بين عامي 1919و1952م تم تولي وليم مكرم عبيد وزارتي المواصلات والمالية ويعد من الوجوه البارزة في الحركة الوطنية وكذلك إبراهيم فرج وجاء بعدهما بطرس باشا غالي كرئيس وزراء لكن شاباً يقتله واسمه إبراهيم الورداني كان ذلك في عام 1910م .كما عُين يوسف وهبة باشا رئيسا للوزراء ما بين عامي 1919و1920م.
وبعد عام 1990 نجد العديد من الشخصيات المسيحية القبطية تتولى منصب الأمين العام الأمم المتحدة .كبطرس بطرس غالي ‏ الذي تولى كأمين عام لأمين سادس للأمم المتحدة للأعوام 1992 - 1996م. كما وتولى كنائب لوزارة الخارجية المصرية السابق.
ورغم كلّ ما قلناه فإنّ اضطهاد الأقباط لا يمكن تخيله إذْ أنهم يعيشون أزمة بناء كنائس لهم حيث أمرهم مشروط بالتشريع المعتمد فيما يُسمى (الخط الهمايوني )الصادر عن الدولة العثمانية لعام 1856م .(والشروط العشرة )التي صدرت عن الداخلية المصرية عام 1934م .والتي تُشكل إشكالية قهرية في بناء الكنائس أو في حال ترميمها إذا ما تهالكت .
وفي نهاية هذه الجزئية نقول بأن الفترات الإسلامية في حكم أهل البلاد في مصر وبلاد سوريا وما بين النهرين والأناضول كانت تمر في حالات ٍ مختلفة ومتغيرة ولم تكن ذات سمة واحدة بل تنازعتها كلّ أنواع الموبقات والمعاملة الحسنة.
ونعود لنذّكر أغلب من نسي بإنّ إكرام صاحب البيت فيما بقي له من بيت على أرض أجداده ليس بكرم أخلاق ،وإنما يندرج ذلك في تولى خلفاء فيهم من الإنسانية ما لا يتوقعه من يُحيطون بهم لكنها حقيقة .
ومع هذا فقد قدم المسيحيون لإخوتهم المسلمين وخاصة في دمشق قبل أن أنتقل إلى عهود متقدمة . لقد قدموا نصف كنيستهم ( كنيسة يوحنا المعمدان ولمدة 70 عاماً كان المسلمون المتحولون عن المسيحية إلى الإسلام يُصلون في قسم وأخوتهم وأولاد عمهم من المسيحيين يُصلون في نصفها الآخر وبعدها فقد استولوا عليها كلياً وطردوا المسيحيين من النصف الذي كان يأويهم للصلاة فيه .والحقيقة لا يمكن أن نلم بكل ما قدمه المسيحيون لإخوتهم المسلمين من أموالهم وبيوتهم وكنائسهم وأديرتهم وخبراتهم ولازالوا حتى يومنا هذا دون أن يتذكر أحد هذه الفضائل وخاصة أثناء الربيع العربي وما حمل معه من أحداث في ما سمي بالخلافة الإسلامية( داعش) فلم يُراع أحد كلّ ما قدمته المسيحية من مواقف تاريخية وإنسانية ووطنية .وأتذكر هنا وجهاً سورياً وضابطاً في البحرية هو جول جمال الذي بذل نفسه في سبيل مصر ومن يتذكر أوائل من رفعوا العلم السوري على سواري الثكنات وفي أعالي الجبال والوهاد؟
ولي أن أغبط نفسي فيما قدمه الباحث والكاتب الأردني الإنسان .الأستاذ جهاد العلاونة .في هذا الجانب ليُذكر من نسي أو تناسى فضل المسيحيين فماذا قال:((معلومات لا تعرفها عن المسيحيين:
(1= هل تعلم أن المسيحيين هم أول من طبع القرآن وقدموه هدية للمسلمين بعد أن كانت النسخة الواحدة منه تكلف بناء منزل وبعد أن كان حكرا على فئة الشيوخ الأزهرية أصبح في منزل كل مسلم !
٢ هل تعلم أن أول من قام بحماية المسلمين من بطش العرب هو النجاشي ملك الحبشة وكان مسيحياً وهو أول من قدّم للمسلمين حق اللجوء السياسي في بلاده وقدم لهم الحماية .
٣ هل تعلم أنه كادت أن تنتهي العربية على يد الأتراك سنة ١٩٠٨ م.من خلال سياسة التتريك التي اتبعها العثمانيون والذي نفخ الروح بهذه اللغة هم المسيحيون !
فبعد أن كانت كل مراسلات الخلافة العثمانية باللغة التركية جمع المسيحيون شتات اللغة العربية ورفضوا الخضوع لسياسة التتريك وقرارات حكومة الإتحاد والترقي فردت عليهم جمعية الإتحاد والترقي بمذابح الأرمن والسريان والروم(البنط اليونانيين) !
٤ هل تعلم أن أول مطبعة في العالم العربي كانت في لبنان وهى مطبعة حجرية جلبها الآباء الموارنة المسيحيون سنة ١٧٣٣م من حلب وهي التي كانت تسمى مطبعة دير الخنشارة .
٥ هل تعلم أن أول كتاب مطبوع بالحرف العربي هو كتاب بعنوان "ميزان الزمان" وقد طبع في هذه المطبعة
٦ هل تعلم أن أول دائرة معارف عربية مرتبة على غرار الموسوعات العالمية كانت من تأليف المسيحي المعلم بطرس البستاني !
٧ هل تعلم أن أول قاموس عصري في اللغة العربية "معجم محيط المحيط" سنة ١٨٧٠م. كان للمعلم المسيحي بطرس البستاني !والذي صار المرجع لترتيب كل القواميس والمعاجم اللاحقة وعندما قرأه السلطان العثماني قال: (عفارم عفارم" وأهدى المعلم البستاني الوسام المجيدي.
٨ هل تعلم أن القديس ديديموس الضرير هو أول من اخترع طريقة تساعد العميان على القراءة عن طريق الحروف المحفورة على الخشب قبل اكتشاف طريقة برايل ب ١٥ قرن !
٩ هل تعلم أن المسيحيين هم أول من أرسل بناتهم لتعلم مهنة التمريض والطب وهم أول من أرسل بناتهم للمدارس والجامعات .
١٠ هل تعلم أن كسوة الكعبة كانت تصنع من النسيج القبطي في مصر وقد ذكر المقريزي أحد مراكز صناعة القباطي بمصر وهي مدينة تنيس المجاورة لدمياط !
11- هل تعلم دور المسيحيون في ترجمة العلوم المختلفة من اليونانية والسريانية إلى العربية كان أشهرهم يوحنا بن ماسوية الذى ألف وترجم خمسين كتابا في زمن المأمون وشمعون الراهب وإسحاق الدمشقي وغيرهم.). هذا في الزمن القديم ،أما في الزمن الحديث فهناك الكثير ، قد يتسع المجال لذكره في أقرب وقت إن شاء الله )لذلك أقول لأخوتنا المسيحين ..أنتم هنا متجذرون.أنتم من أصحاب هذه الأرض.أنتم لستم ضيوفاً. أنتم من صنّاعي الحياة والعلم.أنتم من حافظتم على عروبة واصالة هذه المنطقة.بكم أنتم تكتمل عروبتنا كل محاولات تهجيركم هدفها القضاء على هذه الأمة…1)
والمسيحيون هم من قاد النهضة القومية العربية، وانتقل بعض هؤلاء المفكرين ذوي الأغلبية المسيحية من سوريا ولبنان إلى القاهرة والإسكندرية التي كانت في ظل الخديوي إسماعيل المكان الأكثر انفتاحًا في الدولة العثمانية؛ كذلك فقد استقر بعض هؤلاء في المهجر، لقد أطلق هؤلاء المسيحيون بصحفهم وجمعياتهم الأدبية والسياسية النهضة العربية.
وفي مجال الطباعة كما أسلف الباحث الأردني جهاد العلاونة فقد وجدنا هذا النص فضمناه للفائدة جاء فيه ((فأول مطبعة بالأحرف العربية في الشرق هي المطبعة التي قدم بها البطريرك دباس إلى حلب، سنة 1706م.وأوكل مسؤوليتها للشماس عبد الله زاخر الحلبي الذي قام بدوره بصناعة الأحرف العربية والمسابك والكليشهات للمطبعة وكانت بداية المطابع العربية على يده، انتقل بعد ذلك إلى بيروت وأسس مطبعة ثانية هناك وبهذا تكون مطبعة الزاخر في حلب أقدم من مطبعة نابليون التي أدخلها مصر عام 1798م.
المطبعة المارونية في حلب بدايات عهد جديد في حياة الطباعة عام 1857م
أسسها عام 1857م المطران الماروني يوسف مطر، وكان من الأساقفة الحلبيين الذين خدموا الآداب في القرن التاسع عشر، وكانت المطبعة صغيرة سقيمة الحروف، وأول من عمل فيها الأب كيلون، كما استقدم المطران مطر من بيروت عام انشائها أحد اللبنانيين وهو سليم خطار، ليتولى إدارتها وتنظيمها، وأول كتاب طبع فيها هو (صلوات مقتطفة) عام 1857- 1870م، وفي بداية حياتها تخصصت بطبع الكتب الدينية المتعلقة بالطائفة المارونية، ثم طبعت بعض الكتب الأدبية والمدرسية ودواوين الشعر والتقاويم.
يعتبر خليل صابات عام 1868م بداية عهد جديد في حياة الطباعة في سورية, ويشير الى أن المطبعة المارونية منذ هذا التاريخ, خطت خطوات نحو الكمال, ثم غيرت حروفها عدة مرات, كما استخدمت حروفا من مسبك المطبعة الأمريكية في بيروت, إلى أن انشأت مسبكها الخاص بها عام 1925م, فصارت تصدر الحروف بواسطة وكيلها في دمشق وبيروت إلى مطابع سوريا ولبنان, بعد أن كانت هذه المطابع تتزود بحروف الآستانة ومصر وبيروت.قام بالعمل في مسبك المارونية عامل ماهر هو سليم مطر, وبعد وفاته اعقبه عبد الأحد عسه, لكنه مرض وانقطع عن العمل والتفت لتأسيس مطبعة خاصة به, وتوقف العمل في المسبك فلم يقدم أحد على هذا العمل نظرا لخطورته.
بدأت المطبعة في وقت سابق من القرن العشرين بطباعة أعداد من الصحف والمجلات الحلبية (كمجلة المحاماة والرحمة والكلمة والقربان والشهباء والعاديات والنشرة السريانية الطائفية) وغيرها. فضلا عن الكتب المتنوعة والطباعة الانيقة بلغات أجنبية ومنها كتاب (دليل حلب, لبول بوران بالفرنسية قامت بطبعه عام 1930 م.على ورق صقيل ومزينا برسوم جميلة).
في بداية الستينات, وبعد الغاء الصحف أجرت المطبعة المارونية لصالح ميتمها, آلات المطبعة لإبراهيم كوا, فاستثمرها فترة ثم توفي, فعادت إلى الطائفة التي عادت فأجرتها لمحمد تلاليني, وبقي أولاده يستثمرونها لفترة قريبة، ثم أغلقت نهائياً في مطلع الألفية الجديدة
إنّ المكتبة الحلبية مدينة بالكثير لهذه المطبعة، مقرها بشارع المطران بليط في الصليبة, وهي مسجلة في السجل الصناعي).
وقد تضمنت جميع العصور أسماء أعلام في الأدب والفن والموسيقا والفلسفة والترجمة والسياسة من المسيحيين .سواء من العهد ما قبل الإسلام والعهود الإسلامية وحتى العثمانية إلى أن نأتي على العهد الحديث ونذكر في لبنان: بطرس البستاني وإبراهيم اليازجي وناصيف اليازجي وسليم تقلا وأخيه بشارة تقلا مؤسسا جريدة الاهرام وجبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وسعيد عقل وبطرس البستاني وشكري غانم ويعقوب الصروف وأمين الريحاني ومي زيادة. وآل الخازن وجورجي قرداحي الإعلامي المشهور . وهناك شعراء المهجر من لبنان لو عددناهم لضاق بنا المقام
وفي فلسطين هناك أسماء لا يمكن حصرها منهم أدباء وكتّاب ومؤرخين ومفكرين أهمهم أدور سعيد والمؤرخ الفلسطيني الأصل السوري الهوى نيقولا زيادة وحنان عشراوي والمطران عطالله حنا وجورج حبش مؤسس الجبهة الشعبية وكمال ناصر والإعلامية شيرين أبو عقلة الشهيدة .
وهناك رجالات من سورية نذكر منهم الخال الكبير المرحوم سعيد اسحق. حيث يُعد أول نائب في المجلس النيابي السوري عن الجزيرة السورية ففي عام 1932م أنتخب السيد سعيد اسحق نائباً عن الجزيرة. وانتخب أميناً لسر مكتب المجلس النيابي .وانتخب عن محافظة الحسكة لخمس دورات انتخابية وانتخب نائباً لرئيس المجلس النيابي السوري عدة مرات. عضو بارز في الكتلة الوطنية وأمين سرها. وقد عانى النفي من خلال مواقفه الوطنية. حصل بعد الجلاء على وسام الاستحقاق السوري .وفي عام 1951م .كان يشغل منصب النائب الأول لرئيس المجلس النيابي وعند استقالة رئيس البرلمان السوري تولى السيد سعيد اسحق مهامه كرئيس للمجلس في 2/كانون الأول عام 1951م.وتلقى عندها استقالة رئيس الجمهورية من منصبه فأصبح السيد سعيد اسحق بحكم الدستور رئيساً للجمهورية السورية بالوكالة خلال المدة من (2/2/1951م.وحتى 19/12/1951م).وبهذا يكون أول قلعة مراوي يتسلم مهام رفيعة المستوى في سوريا (رئيساً بالوكالة).
ونذكر حفيده المحامي حمودة يوسف صباغ رئيس مجلس الشعب السوري لدورتين متتاليتين وخاله الدكتور البرفسور في الجامعات الأمريكية عبد العزيز سعيد اسحق والفنان التشكيلي العالمي يوسف عبدلكي والكاتب والأديب الكبير جان الكسان والمفكر السوري الياس مرقص وميشيل عفلق وأنطون سعادة وفارس الخوري وجورج صبرا وميشيل كيلو .وهناك المئات من الأسماء التي برعت في الصناعة والتجارة والإدارة والزراعة البعلية كما عائلة أصفر ونجار وعائلة هدايا وآل اسحق ( سعيد وملكي اسحق ) وعبد الكريم حنا وبيت مريمي وغيرهم ولابد أن نذكر في الغناء والموسيقا حبيب موسى والياس كرم والدكتور إبرهوم لحدو وفي الأدب والتاريخي اسحق قومي وفي المسرح والسينما عزيز قولنج وسميرة سعيد وجرجس جبارة وهناك أسماء لا يمكن حصرها.
أما في العراق :فيمكن أن نسجل للتاريخ بأن جهابذة الأشوريين والكلدان والسريان هم من أسس للنهضة الفكرية والحضارة الإسلامية في بغداد ولكن نذكر في العصر الحديث أسماء مثل
البحاثة والمؤرخ كوركيس عواد ويعقوب سركيس أيضاً في التاريخ والبحث. ونعوم سركيس المولود في بغداد عام 1830م .ويذكر الباحث بيار جميل فيكتب بحثا عن المسيحيين الرواد في العراق يذكر أول رحالة عراقي ومشرقي كان الكلداني الياس بن حنا الموصلي والبرفسور يوسف عتيشة الموصلي المولود عام 1599م وتوفي في ألمانيا عام 1680م .والرحالة الموصلي خضر بن الياس هرمز الكلداني 1679و1755م . والعلامة اقليموس رائد النهضة وجرجس عبد يشوع خياط 1828و1899م.وأغناطيوس بهنام بن بني لعام 1830 و1897م حيث درس في روما والعلامة أدى شير 1867و1915م.ونعوم فتح الله سحار أول من أدخل الفن المسرحي للعراق والشاعر جان دمو والشاعر سركون بولص والشاعر الأب يوسف سعيد والشاعر العراقي يوسف سعدي وهرمز نورسو ونعوم فتح الله سحار وحنا رسام ويوسف هرمز ويوسف حناني اسحق وجوري عيسى وفؤاد بطي وحنا حبش.
وفي الموسيقا جميل بشير وأخوه منير بشير وحنا بطرس وناظم بطرس وسلطانة يوسف وزكية جورج وعفيفة إسكندر وسيتا كوبيان وباتريس آرام ارميناك والعلامة في اللغة العربية انستاس ماري الكرملي ورفائيل مازجي وداود صليو وعيسى محفوظ وتوفيق سمعان وفتح الله سرسم ولطفي الخوري ويونان عبو اليونان ورفائيل بطي وميخائيل تيسي صاحب أول نقد هزلي في العراق.
وسهيل قاشا واسحق ساكو وعبد الأحد جرجي والدكتور يوسف حبي والسيدة أميرة بيت شموئيل وماجد عزيزة .ويوسف سلمان بن فهد مؤسس الحزب الشيوعي العراقي ويوسف الصايغ وداود الصايغ وآرا خاجادور وكامل قزانجي وإبراهيم قسطو وطارق عزيز .
وفي التعليم رمو فتوحي والعلامة متي عقراوي والمؤرخ مجيد خدوري والمؤرخة البرتين جودة والدكتور منير بني.
وفي كرة القدم والتدريب نذكر ناصر جكو وعمو بابا ويورا إيشيا وأكرم عمائيل وعمو يوسف وشدراك يوسف وكوركيس إسماعيل .ومن المذيعات العراقيات المسيحيات نذكر كلاديس يوسف وشميم رسام . والمخرج عوني كرومي وعمانوئيل رسام والشاعرة دينا ميخائيل والممثلة أزاودهي صموئيل والفنان المصور في بغداد ارشاك والمصور في الموصل كوفاديس .
في مصر :سبق وتحدثنا عن أول الوزراء مكرم عبيد ومن تلاه .والحقيقة لو استحضرنا جميع أسماء المبدعين والمفكرين والعلماء والباحثين من المسيحيين لما وسعت صفحات بحثنا لكننا نقول :
موقف العثمانيون من اللبنانيين المسيحيين كان واضحاً حيث منحوهم مايشبه الحكم الذاتي وهذا موقف لابد أن نذكره للتاريخ .
وأما عن أعداد المسيحيين في العصر الحديث بعد 1445 سنة فقد تحولوا إلى أقلية عددية وسط أمواج سونامية من الزيادات.
فسوريا الكبرى التي كان عدد سكانها أثناء الغزو الإسلامي لسوريا يزيد عن الأربعة ملايين نسمة أغلبيتهم من المسيحيين وقلة من اليهود. تؤكد إحصاءات رصينة أن أعدادهم قبل الحراك السوري عام 2011م كانت بحدود ثلاثة ملايين نسمة بما يُساوي 11إلى 12% من سكان سوريا . وفي العراق لم يعد هناك من ال9 ملايين نسمة أثناء الغزو سوى أعداد لاتتجاوز ال300 ألف نسمة مانسبته أقل 1% من سكان العراق كافة.
وأما في تركيا أعني في طورعبدين فلم يعد إلا أعدد لاتتجاوز ال3500 نسمة وفي فلسطين بالضفة الغربية يشكل المسيحيون 2 إلى 3 % وفي قطاع غزة كانوا يُشكلون 25 إلى 30 % من فلسطين العالم لم يعد الآن ما نسبتهم 30 نسمة. أما في إسرائيل فيُشكلون حوالي 2% من سكان إسرائيل . وفي الأردن يُشكلون حوالي 6% أي بحوالي 220 ألف نسمة وهناك دراسات يصل عدد المسيحيين في الأردن إلى 390 ألف ومنهم أهم الأطباء داوود حنانية ويوسف القوس .
وأما في لبنان الذي كان مع مطلع القرن العشرين ذي غالبية مسيحية اليوم لايتجاوز عدد الباقين منهم 1.800مليون ألف نسمة على الرغم من أن مؤتمر الطائف والدستور اللبناني يؤكد على أن رئيس الجمهورية اللبنانية يجب أن يكون مسيحي ماروني .
بينما في مصر التي يبلغ عدد سكانها حالياً أكثر من 120 مليون نسمة هناك أكثر من 18 مليون قبطي مسيحي في مصر وهناك مايزيد عن ثلاثة ملايين موزعين في العالم هذه الملايين لايحق لها أن تحكم نفسها بنفسها بينما في أوروبا تم التأكيد على أن يكون هناك دولة للبوسنيين (كوسفو) وعدد سكانها لايتجاوز ال مليون ونصف نسمة .وهكذا نجد استمرار قهر الملايين من الأقباط والسريان والآشوريين ويخضعون لحكم غير ديمقراطي وغير مدني وغير حضاري بحجة أنهم أقلية .
ونذكر بأنه في الخليج العربي يعيش بعض المسيحيين كمواطنين كما في البحرين والكويت يُعدون بالمئات . ننتهي بعد هذه الأرقام والأسماء للمسيحيين الشرقيين إلى أمرين هامين الأول:
1= كيف للمسيحية بمثقفيها ومفكريها وقادتها الروحيين أن تُقدم مشروعاً حضارياً وموضوعياَ وواقعياً لتستمر في وجودها على أرض أجدادها باعتبارها مكوّنات قومية أثنية وليست دينية وحسب.؟
2= ما هي المشاريع الوطنية ( القطرية المشرقية) للحفاظ على المسيحية ؟
وبعد هذه الشذرات مما عانته المسيحية المشرقية بكلّ مكوّناتها القومية والطائفية سؤال يعترضنا قائلاً:المسيحيون هاجروا من لبنان وسوريا والأردن وفلسطين والعراق والهجرة في بلاد الأقباط أيضاً مستمرة وأما في تركيا فبقي أتباع المسيحية أشباحاً يتناثرون عبر مساحتها .
لماذا تُهاجر المسيحية وطنها وما هي الأسباب الحقيقية وكيف يمكن أن نوقف هذا النزيف ومن هم أولئك الذين يتنطعون لهذا المشروع الميؤوس منه؟
إذا أرادت المسيحية المشرقية أن تبقى على أرض أجدادها فلا بدّ من توافر أمرين اثنين.
الأول :هو أن الغالبية العُظمى تتعهد باستمرار وجودها وحريتها وحقها على أرض أجدادها وتحقيق شخصيتها القومية والدينية والمذهبية والسياسية. كما تتعهد الغالبية في قراءة تراثها قراءة جديدة تقوم على حق الآخر المخالف لها في الحياة ــــ وعلى نفس الأرض التي هي بالأساس أرض أجداد الأقليات الدينية والمذهبية.ــــ
وعلى الغالبية أن تنتقل في سلوكها من حالة إقصائية إلى تأسيس مشروع الدولة المدنية وإذا لم يكن فإنّ من حق المسيحية المشرقية كقومية قبل أن تكون دينية .إقامة أقاليم خاصة بها كي تستمر على أرض الشرق فلايمكن أن تستمر في وجودها بين زيادات سونامية من الأكثرية .فعدد سوريا اليوم إذا كان قد تجاوز ال24 مليونا فبعد أقل من ربع قرن سيتجاوز ال60 مليونا بينما المسيحيين في تناقص وهجرة وقل ماشئت هنا.
لهذا فالمرحلة الأولى لكي تُحافظ المسيحية على وجودها وبقائها على أرض أجدادها . هو إعادة انتشارها في بقعة تكون فيها ذات أغلبية مطلقة .فليس من الصواب والواقعية أن تتناثر الأقليات على مساحة أرض الوطن بل يجب أن تتموضع في مكان واحد .وهذه المرحلة تسبق مرحلة التأسيس لإقليم خاص بتلك الأقلية القومية والدينية وخاصة المسيحية .
والمسيحيون كانوا وسيبقون عبر التاريخ مخلصين لمجتمعاتهم وأوطانهم فهم لايستمدون أمل بقائهم بكلّ قوى العالم بل يتمسكون بمفاهيم وقيم مجتمعاتهم العربية والإسلامية التي فيها الكثير من المحطات الإيجابية والقابلة للبناء عليها بعيداً عن بعض المدارس الدينية المتشنجة .فليس كل المسلمين هم راديكاليون . فإذا أكدنا على ما سبق .فإنّ هذا الحكم أيضاً بذاته راديكالي و يؤدي بحتمية مفردته إلى أن الجميع لهم نفس الخصال .
إلا أن الواقع ومفرزات جميع الحالات التي مرت على مجتمعاتنا المشرقية منذ مئة وعشرين عاماً يتبين لنا مدى ما قدمته المسيحية من شهداء قتلتهم وحشية التعصب الديني، أولئك الوحوش الذين لايشبعون من الدماء لأمور اقتصادية ودينية وغيرها من أسباب .
لكن سؤال يجب أن نطرحه إذا كانت البشرية عبر تاريخها تتصف بالهمجية والوحشية ليس في العالم الإسلامي أو العربي بل في العالم قاطبةً كيف نريد تأسيس مجتمعات ودول قائمة على التعددية القومية والدينية والسياسية دون قهر أو غبن ٍ لأحد؟
ما هي الآليات التي يتوجب التحضير لها قبل مؤتمر مشرقي يؤسس لبناء حضارة إنسانية بعيدة عن المرتكز الديني ويؤمن بحق الجميع في هذه الأرض وعلى أساس تحقيق الشخصية القومية والسياسية وهذا أول المطالب الهامة وكبداية لمشروع الشراكة الإنسانية.
الخاتمة
ليس دائماً الآخر هو السبب ولكلّ قاعدة استثناء ولكننا نوجه سؤالنا إلى الأخ رجل الدين المسيحي ونقول :ألا تخاف الله يارجل ؟! لماذا تتصرف وكأنك أحد أعتى رجالات الحرب الشرسين وأكبر تاجر في سوق البورصات العالمية .أو كأنك دنجوان عاشق ومعشوق للنسوان ألا تخاف على مسيحيتك ومسؤوليتك ودورك الذي من المفترض أن يكون دوراً معصوماً عن كل مايُسيءُ للمسيحية ،كونك تمثل دور السيد المسيح.؟! فإذا كنت لا تخاف على كل هذا .فخف على بقايا حسك وحيائك وتربيتك وأهلك وشعبك .وتأكد من أنه سيأتي اليوم وتُعريك أقلام المخلصين . فعيب عليك وأنت تسرق أموال الرعية وتبيع عقارات الأبرشيات وتجمع المساعدات وتنهب مع أتباعك صناديق الكنائس التي وجدت من أجل الفقراء والمساكين أو من أجل بناء دور ٍ لأبناء الرعية وتوفير العمل لمن هو بحاجة إليه ليعيشوا بكرامة .
لقد جعلت الخاتمة ياسادتي من حصتكم أيها الرجال الذين كُنا نُقدس ذكركم .لكن بعد أن طفح الكيل بسلوكيات أغلبكم المتمثلة بما لايسع أن نذكره هنا لابد أن نقول إنكم تماديتم إلى درجة لا أستطيع وصفها وتسميتها .لقد جعلتم أتباع المسيحية ينفرون منكم ويذهبون إلى كنائس أخرى ومنهم من لم يعد يطيق رؤيتكم حتى لو مات سيطلب من أي كنيسة تدفنه . أجل أنكم من جملة الأسباب التي جعلتنا نهاجر أوطاننا وتركنا كلّ شيء تأكله نيران سلوكياتكم ويستولي عليه الغرباء .
رسالتي إلى بعض من تمادوا . كفوا عن تصرفاتكم وسرقاتكم وإلا سيكون هناك فريقاً مسلحاً بكلّ الاثباتات التي تُدينكم وسيتم تقديمكم لمحكمة الشعب الذي كان يُقبلُ أياديكم وكان يظنكم أنكم خير الأبناء والرعاة .فإذا كانت المسيحية قد هاجرت موطنها وبلادها المشرقية فأعتقد أنكم أحد الأسباب وذلك لعمالتكم مع المخابرات والحكومات.وكنتم تفرضون الشخصيات التي أهلها يُغدقون عليكم الأموال والدعوات وأهملتم الشخصيات الوطنية التي كانت تكافح وطنياً واجتماعياً وكانت تستحق أن تكون في مراكز هامة في الدولة .فكفوا عن سلوكيتكم هذه وعودوا إلى ضمائركم التي أقسمتم بأنكم ستكونون رعاة بررة لشعبكم المسيحي.
وأنتِ أيتها المكوّنات ذات الغالبية القومية والدينية في الشرق من غير المسيحية .أقسم سيُهاجر المسيحيون دون عودة ولكنكم ستدفعون الثمن غالياً حين تكون المناهضة بين تياراتكم المذهبية والقومية .وستندمون حيث لايفيد الندم .
ونؤكد لكم بكلّ إخلاص وموضوعية وتقدير عليكم نعقد الآمال في أن تعملوا على حماية المسيحية التي ستبقى منارة الشرق إن شاء القدر أم انفلق القمر.وسيبقى أبناؤها حقولاً للعطاء والوفاء .ولهذا وحدوا جهودكم واستنبطوا ميثاقاً وطنياً يقوم على العدالة والحرية والمساواة لجميع المكوّنات والأثنيات فليس الشرق لدين دون الآخر.وليس هو لقومية دون الأخرى وأن تتثاقفوا حقاً بإعطاء المسيحيين حق تأسيس أقاليم خاصة بهم كي لايُهاجروا قسراً تحت ضغط الزيادات السونامية لكم .عليكم أن تضعوا أنفسكم مكانهم وعليكم أن تتأكدوا بأنه ما حصل عليه المسلمون وغيرهم من ديانات ومذاهب في أوروبا خلال عشرة أعوام من حقوق ومساعدات تُساوي مالم يحصل عليه أبناء المسيحية أصحاب الأرض والتاريخ منذ ألف وأربعمائة وخمسة وأربعون عاماً لماذا؟! لماذا وما هي الأسباب والمعوقات كلها أسئلة برسم مساعيكم لبناء قاعدة سياسية تقوم على العدالة والحرية والمساواة لجميع المكوّنات المشرقية.
وللبحث بقية.
# اسحق قومي. 27/11/2023م
المراجع :
1=الإنجيل .أنجيل متى.
2=سورة مريم والآية 16 في القرآن الكريم
3=المسيحيون واليهود في التاريخ العربي الإسلامي والتركي) لـ فيليب فارج و يوسف كرباج. ترجمة وتحقيق يوسف السباعي.
4=الدكتور فليب حتي في كتابه تاريخ سوريا ولبنان وفلسطين .في الجزء الثاني
=كتاب ضحى الإسلام لأحمد أمين
=كتاب البداية والنهاية لـ الحافظ ابن كثير
=الرحالة ميشو للام دوفولتير
=المؤرخ كورت جي. ويرثمولير ويعقوب ليفي
=المؤرخ روبرت ب. بيتس
=الباحث والكاتب الأردني الأستاذ جهاد العلاونة
https://bakhdida.ca/Articles/SayyarAl-jamil.htm=
المصدر:سيار الجميل.