الانتخابات ... خطأ في التحليل


صوت الانتفاضة
الحوار المتمدن - العدد: 7825 - 2023 / 12 / 14 - 18:08
المحور: مواضيع وابحاث سياسية     

"أترون؛ عندما نخطىء في التحليل نخطىء أيضا في التوجه السياسي" بالميرو تولياتي... 1893-1964.

الانتخابات لعبة الديموقراطية الأساسية، لا يمكن الاستغناء عنها، فهي تمنح تجديدا للعقد السياسي بين السلطة والجمهور، وفق قناعة ان التغيير يأتي عبر الانتخابات، فكل اربعة سنوات يبدأ الهياج والهستيريا والصياح والزعيق حول المشاركة في الانتخابات، تمتلئ الشوارع والساحات بصور المرشحين، ويتصاعد الخطاب الديني بفتاوى المشاركة الفاعلة.

هذه ثالث انتخابات لمجالس المحافظات، اخرها جرى عام 2010، وفي عام 2019 ألغى مجلس النواب مجالس المحافظات، تحت ضغط انتفاضة تشرين-أكتوبر، الا ان قوى الإسلام السياسي وبمساعدة من قوى الثورة المضادة إعادة العمل بها، وقررت اجراء الانتخابات مرة أخرى، وقد حددت له موعدا.

من المعروف ان مجالس المحافظات هي الشكل القانوني لعمليات النهب والسرقة، سنتها قوى الإسلام السياسي لزيادة ثرواتها من النهب، فهي على مدار عمرها لم تقدم شيئا سوى محافظين ورؤساء مجالس فاسدين، بعضهم ولى هاربا خارج العراق، واخرين يحتمون بأحزابهم وميليشياتهم، ومنهم من رفعت عنه يد الحماية وتم التشهير به؛ أكبر حماقة وسخافة وابتذال وسطحية ان تسمع أحدهم يقول لك ان مجالس المحافظات أداة تغيير، فهذا يعني اما انه يضحك عليك او يضحك على نفسه، لا خيار ثالث.

لنأخذ على سبيل المثال محافظة السماوة، والتي هي الافقر في العراق، فعندما تتجول فيها يصدمك واقع مأساوي، تكاد تنعدم فيها أي نوع من الخدمات، لكنك وانت تسير في مركز المدينة تشاهد بناية مكتوب عليها "مجلس المحافظة"، تتساءل مع نفسك: ترى ما الذي فعله هذا المجلس؟ حتما لا شيء، سوى ازدياد الخراب والفقر في هذه المدينة، وهذا ينطبق تماما على بقية المحافظات.

الان، لنرى ونسمع ما الذي تقوله القوى "المدنية" المشاركة، انهم يجمعون على انهم يطمحون لتغيير ذلك الواقع، هذا جيد، لكن كيف؟

لنتوهم ان اثنين من القوى "المدنية" نجحوا في الوصول لمجلس محافظة س، وهذا المجلس مكون من عشرة أعضاء، ما الذي سيتحقق لهذه المحافظة؟ سيتحقق انه اضيف للثمانية من قوى النهب اثنان اخران.

المشكلة ان القوى "المدنية" المشاركة في الانتخابات، او لنقل المشاركة في العملية السياسية البغيضة، هذه القوى لا تملك سوى هذا التحليل السياسي، وهو تحليل خاطئ جدا، وقد جربوه في عدد من الانتخابات السابقة، وتبين انه لا يقدم او يؤخر شيئا، بل انه يزيد من عزلتهم وخسارتهم للكثير من القواعد الجماهيرية.

هذا البلد تحكمه قوى سياسية اسلامية، تمتلك ميليشيات مسلحة، تحوز على كل الثروة، لها رعاة خارجيون "دولا إقليمية وعالمية"، ولها رعاة داخليون "رجال دين وعشائر"، فكيف يتم التغيير عبر الانتخابات؟ لماذا الإصرار على تحميق العقول؟

طارق فتحي