كورونا يهدد الجميع، هل نحن في هذا كلنا معا؟


صوت الانتفاضة
الحوار المتمدن - العدد: 6516 - 2020 / 3 / 17 - 02:54
المحور: ملف: وباء - فيروس كورونا (كوفيد-19) الاسباب والنتائج، الأبعاد والتداعيات المجتمعية في كافة المجالات     

من المستحيل هذه الايام تجاهل الهلع والفوضى التي احدثه هذا الفايروس في كافة ارجاء العالم، ومن المعلوم ان احداث عالمية كهذه تشكل فرصة كبيرة لتلاحم وتضامن البشرية باجمعها، حيث الكل يترقب تطورات الاحداث والكل يتابع اعداد المصابين والضحايا وطرق انتشار المرض والوقاية منها ونسب المتعافين او اي امل في ايجاد علاج، والكل يعمل على نشر اية معلومة يرونها مفيدة وموثوقة. وتتضامن الجهود على جميع الاصعدة من اجل احتواء الفايروس والوقاية منه فها نرى ونسمع عن مبادرات لمجاميع طوعية لمساعدة الناس لبعضها البعض وهذا كله تذكير لنا بان البشرية على هذا الكوكب مهددة وتبحث عن حل بدون استثناء.
بغض النظر عن صحة المعلومات ودقتها علميا (حيث هناك تداور العديد من المعلومات الزائفة والخاطئة)، هذا ليس الموضوع، وبرغم كل الاجراءات الوقائية والتطورات الطبية المتاحة في عصرنا هذا، في نفس الوقت الذي وحد الفايروس المجتمع البشري ضده كعدو فتاك، اظهر لنا كورونا عمق اللامساواة في المجتمع الراسمالي الطبقي. فنرى ان الانظمة والبلدان المختلفة ترسم خططها الوقائية كل حسب المصالح الاقتصادية والسياسية للطبقة السائدة والهيئات الحاكمة بدلا من التنسيق والتضامن على نطاق اممي وعالمي لدرء خطر هذا الوباء.
الذي يجعل من وباء ككرونا اكثر فتكا في العديد من دول العالم وبضمنها العراق هو انعدام الخدمة الصحية العامة للجميع بالتساوي بغض النظر عن الامكانات المادية فان الخصخصة في ميدان الطب والعلاج والنظام الصحي يعني بالضرورة حرمان فئات كبيرة من الطبقات المحرومة من تلقي العلاج عند الحاجة. فليس هناك مايبرز الفوارق الطبقية اكثر من التمرض والحاجة الى العلاج الطبي. فعوائل العمال والعاطلين عن العمل وحتى الغالبية العظمى من الموظفين ذوي الدخل المحدود لايتيسر لها نفقات زيارة الطبيب والعلاج واذا اقتضت الحاجة الدخول الى المستشفى تتضاعف الفواتير عشرات ومئات المرات كثيرا ما تكون عواقبها كارثية على العائلة.
من المعلوم ان الامراض المعدية تنتشر بسرعة اكبر في المناطق الفقيرة المكتضة بالسكان والمحرومة من شروط الصحة الوقائية بالمستوى المطلوب. بالاضافة الى صعوبة امكانية الغالبية العظمى من الناس من الحصول على ادوات وقاية كافية كمواد التعقيم والتنظيف وغيرها او حتى في كثير من الاحيان الماء بكميات كافية وعلى مدار الساعة لغسل الايادي والتعقيم المتكرر المنصح به.
كثير من الدلائل تشير الى ان الفايروس اكثر ضراوة لدى المسنين في العمر والذين لديهم امراض مزمنة وقليلي المناعة ومن المعلوم ان الفئات المعدمة والفقيرة ينالها النصيب الاكبر من هذه الامراض وبالتالي اعدادا اكبر من الوفيات بين صفوفها.
تنصحنا الجهات الطبية العالمية باتخاذ "تدابير المسافة الاجتماعية" اي محاولة ابقاء مسافة 2 متر على الاقل عن اي شخص والمبادرة الى "عزل النفس" لمدة اسبوع او اسبوعين او اكثرحال ظهور عوارض المرض علينا. هذا كلام منطقي وجميل ولكن فقط يمكن تطبيقه اذا توفرت الامكانات المادية لتطبيقها.
فبالاضافة الى اكتظاظ المناطق الفقيرة بالسكان وصعوبة احتواء العدوى كما ذكرت اعلاه، فان الغالبية العظمى من فئات العمال والكادحين والعاملين في الوظائف الهشة ستعاني مباشرة من تدابير "عزل النفس" حيث سيفقد هؤلاء قوتهم اليومي وقوت عوائلهم في كل يوم يمنعون فيه عن الخروج للعمل بسبب الفايروس. هناك تقارير خبرية كثيرة عن ان العديد من العمال وخاصة العاملين في الوظائف الهشة في امريكا واغلبيتها غير مشمولة بالضمان الصحي تحاول اخفاء اصابتها تجنبا لفقدان لقمة عيشها وعوائلها اليومي. فهي مجبرة على الاختيار بين اما الجوع او المرض. وهذا عامل اخر يعيق امكانية احتواء الاصابة.
كورونا تهديد تواجهه البشرية جمعاء اليوم، ولكننا لسنا في هذه المواجهة كلنا معا. ففي المجتمع الراسمالي الطبقي تعمل كل قوانينه واجهزته لصالح فئة صغيرة طفيلية على حساب الملايين المعدمة. يثبت كورونا لنا ان الراسمالية ليست فقط عاجزة عن حماية البشرية المعاصرة امام تهديدات مثل كورونا وانما هي نفسها اكبر عائق امام مواجهتها لهذه التحديات.
شيرين عبدالله
15.3.2020