أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - بين عامٍ يَغيب وعامٍ يَقدِم… خرائطُ الرماد وامتحانُ المعنى














المزيد.....

بين عامٍ يَغيب وعامٍ يَقدِم… خرائطُ الرماد وامتحانُ المعنى


حامد الضبياني

الحوار المتمدن-العدد: 8573 - 2025 / 12 / 31 - 10:28
المحور: قضايا ثقافية
    


عند حافة الأعوام لا نقف بوصفنا مؤرخين بقدر ما نقف بوصفنا كائناتٍ مثقلة بالأسئلة، نودّع عام ٢٠٢٥ لا لأن صفحته أُغلقت حسابيًا بل لأن وعيًا جمعيًا أنهكته الوقائع يبحث عن معنى لما جرى وما سيجري، وفي هذا المقام لا يجوز للكاتب أن يتحوّل إلى مُنذِرٍ يبيع اليقين، ولا إلى قاضٍ يوزّع الاتهام، بل إلى قارئٍ للفلسفة السياسية بوصفها علم الظلال، حيث تتحرّك الدول كرموز، والقرارات كاستعارات، والحروب كنصوصٍ مفتوحة على تأويلاتٍ لا تنتهي، فالسؤال عن ٢٠٢٦ ليس سؤال نبوءة بل سؤال بنية، كيف تتشكّل القوى حين تتآكل الشرعيات، وكيف تُدار الفوضى حين تتقدّم على السياسة، وكيف يُستدعى الدين حين تعجز الدولة، وكيف تُستثمر الهويات حين ينهار العقد الاجتماعي.
لقد علّمتنا التجارب المؤكّدة في علم العلاقات الدولية أن الأنظمة حين تطيل البقاء دون إصلاح تتكاثر حولها الروايات الميتافيزيقية، ويُستحضر الغيب كتعويضٍ عن السياسة، فتتسع المسافة بين الوعد والواقع، ويصير “الانتظار” تقنية حكم، لا باعتباره إيمانًا بل إدارة زمن، ومن هنا يصبح السؤال عن سقوط العمائم أو غياب المخلّص سؤالًا عن نهاية السردية لا عن نهاية العقيدة، إذ إن السرديات السياسية حين تُستهلك تفقد قدرتها على الضبط، وتدخل المجتمعات طور التمرّد الصامت ثم الانفجار المرئي، وليس في هذا حكم على عقائد الناس بل قراءة في تاريخ الدول حين تخلط المقدّس بالسياسي دون ضوابط مؤسسية.
أما ما يُتداول عن ما بعد القائد، أيّ قائد، فليس سؤال الأسماء بل سؤال الفراغ، والفراغ في الجغرافيا السياسية لا يبقى فارغًا، تملؤه شبكات مصالح، وتديره مراكز قوى، وتستثمره قوى خارجية، وفي هذا السياق تتقدّم الاحتجاجات الداخلية، لا بوصفها فعلًا واحدًا بل كأعراضٍ متراكمة لاقتصادٍ مُنهك، وشبابٍ بلا أفق، ونخبٍ بلا إجابة، فتتحوّل الشوارع إلى نصٍّ سياسي مفتوح، ويصير الهامش مركزًا، وتدخل الأقليات القومية مرحلة اختبارٍ جديد، حيث يُطرح الدمج أو الانفصال لا كخيارٍ أخلاقي بل كمنتجٍ لتوازناتٍ إقليمية، وهنا تحديدًا تتقاطع الأسئلة الكردية عبر حدودٍ رُسمت في القرن الماضي ولم تُحسم في الوجدان، ليبقى الاحتمال قائمًا بين توسيع الحقوق داخل الدول أو انفجار الخرائط على حساب الجميع.وفي الإقليم العربي، حيث لم تُنجز الدولة الوطنية سرديتها الجامعة، تتكاثر مشاريع التفكيك الناعمة، لا عبر الجيوش وحدها بل عبر الموانئ، والممرات، والاستثمارات، والتحالفات الأمنية، فيتحوّل البحر الأحمر من ممرّ تجارة إلى مسرح صراع، وتغدو الاعترافات السياسية أوراق ضغط، وتدخل دول القرن الأفريقي في لعبة أكبر من قدرتها، حيث تتنازعها مشاريع متقابلة، أحدها يسعى للهيمنة عبر عقد لوجستي طويل النفس، وآخر يحاول كبحه بتحالفات مضادّة، وفي غياب مشروع عربي جامع، تُستدعى القوى غير العربية لتملأ الفراغ، فتتعقّد الصورة، وتزداد الكلفة على الشعوب قبل الأنظمة.
أما العراق ولبنان وسوريا واليمن، فهي ليست دولًا متجاورة بقدر ما هي طبقات في زلزالٍ واحد، كلّ طبقة تهتزّ على إيقاع مختلف لكن الصدع واحد، ففي العراق يتقدّم سؤال السيادة على سؤال الخدمات، وتتصارع السرديات بين دولةٍ تريد احتكار العنف ومجتمعٍ أنهكته الازدواجية، وفي لبنان يتآكل الاقتصاد حتى يصير السياسة رفاهية، وفي سوريا يتنازع مشروع الفيدرلة مع شبح التقسيم، وتتصارع القوى الكبرى على الساحل والبرّ، وفي اليمن يتقدّم الصراع من محلي إلى إقليمي ثم إلى دولي، حيث تتداخل الحسابات الأمنية بالممرات البحرية، ويصير الجنوب والشمال استعارتين لصراع أوسع.وفي هذا المشهد المتشابك، تتقاطع أدوار قوى إقليمية كبرى، بعضها يشعر بخطر الحصار الجيوسياسي فيعيد حساباته، وبعضها يراهن على إدارة الفوضى بوصفها أقلّ كلفة من بناء الاستقرار، فيما تراقب قوى دولية كبرى، كروسيا والصين، هذا التحوّل بعين المصالح لا بعين القيم، فالأولى تُعيد ترتيب نفوذها في ظل حربٍ استنزافية طويلة، والثانية تُراكم حضورها الهادئ عبر الاقتصاد والبنى التحتية، وكلاهما يختبر حدود الاشتباك دون الانزلاق إلى مواجهة شاملة، فيما تظل أوروبا أسيرة أزماتها، والولايات المتحدة ماضية في سياسة إدارة الملفات لا حسمها.
إن ٢٠٢٦، وفق منطق التحليل لا منطق التنجيم، يبدو عامًا لانتقال الأزمات من طور التمهيد إلى طور الاختبار، لا انتصارات حاسمة ولا هزائم نهائية، بل إعادة رسم خطوط تماس، واختبار صبر المجتمعات، وقياس قدرة الدول على الإصلاح قبل الانفجار، وكلّ قراءةٍ تدّعي اليقين تخون العلم، وكلّ خطابٍ يشحن الكراهية يخون الأخلاق، وما بين عامٍ رحل وعامٍ أتى، يبقى السؤال الفلسفي الأعمق: هل نتعلّم من التاريخ أم نعيد تمثيله بأزياء جديدة، وهل نمتلك شجاعة الدولة أم نكتفي ببلاغة الشعارات، فالأعوام لا تغيّر مصائر الشعوب، الذي يغيّرها هو وعيها حين يواجه الحقيقة بلا أوهام، ويختار الحياة المشتركة على حساب الخرائط المتكسّرة، والعدل المؤسسي على حساب انتظار المعجزات، والله أعلم بما سيكون، لكن المؤكّد أن المستقبل لا يُمنح، بل يُصنع.



#حامد_الضبياني (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حينما يجرح الحرفُ وجهَ المقدّس — تأملات في جحيم الحرية الأدب ...
- حين يُنقِذ الفنُّ الذاكرة من الركام.
- الشرق الأوسط… حين تمشي الجغرافيا على حافة الفلسفة.
- بيان الكلاب
- عند تخوم الضوء
- نص قصيدة -شَرْخ- لحامد الضبياني من واقعة عاطفية إلى بنية وجو ...
- عذابُلتي حين تعلّمتُ أن أكتب على شواهد الموت.
- شَرْخ
- أسطورة التقدّم: هل يتطوّر الإنسان أم تتطوّر أدوات السيطرة عل ...
- الجمجمة الأولى
- قَرِّبْ خُطاكَ
- عندما يرتدي القاضي خوذةً… وتصبح الدولة حاشيةً في بلاط السلاح ...
- إيطاليا… حين تتكلّم الحضارة لغة الشعر
- الصقور لا تستأذن الذباب: محمد صبحي في مواجهة إعلام الرداءة
- حين تُحاسَب السلطة ولا تُحاصَر الأرض
- بعيدُها
- سعدون شفيق سعيد حين يتكلم البركان بصوت الحكمة
- العالم على حافة إعادة التشكيل
- مرآة الغبار
- ريما…


المزيد.....




- حصاد 2025.. نظرة على أبرز الاكتشافات الأثرية في الدول العربي ...
- من الأزقة إلى العالمية .. -ملاعب القُرْب- تغيّر وجه الكرة ال ...
- بلغاريا تستعد لاعتماد اليورو رسميا رغم المخاوف من التضخم
- الصين توسع مناوراتها العسكرية حول تايوان وسط قلق أوروبي
- واشنطن تدقق في ملفات هجرة أميركيين صوماليين
- زوال السلام العظيم.. هل تقترب المواجهة بين الدول الكبرى؟
- خبراء أميركيون يفككون التوافق الذي يتحدث عنه ترامب بين سوريا ...
- بسبب خصوصية الأطفال.. تغريم ديزني 10 ملايين دولار
- سرقة القرن في ألمانيا.. 30 مليون يورو تختفي من خزائن بنك
- شرطة لندن في مواجهة الماسونية.. معركة -الشفافية- وصلت القضاء ...


المزيد.....

- قواعد الأمة ووسائل الهمة / أحمد حيدر
- علم العلم- الفصل الرابع نظرية المعرفة / منذر خدام
- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حامد الضبياني - بين عامٍ يَغيب وعامٍ يَقدِم… خرائطُ الرماد وامتحانُ المعنى