رانية مرجية
كاتبة شاعرة ناقدة مجسرة صحفية وموجهة مجموعات
(Rania Marjieh)
الحوار المتمدن-العدد: 8573 - 2025 / 12 / 31 - 10:06
المحور:
الادب والفن
نَدْفِنُ مَوْتَانَا
لا لنُغلق الحكاية،
بل كي لا تتحوّل إلى أسطورةٍ مريحة.
نَدْفِنُهُم
حتى لا يُستَخدموا زينةً لغوية،
ولا وقودًا عاطفيًا
في خطاباتٍ تعرف كيف تبكي
ولا تعرف كيف تُغيِّر.
نُنزِلهم إلى التراب
ونبقى نحن فوقه
عُراةً من الأعذار.
هناك تبدأ الأسئلة الثقيلة،
حيث لا لغة تُنقِذ،
ولا استعارة تُخفِّف
ثقل المعنى حين يُطالِب بحامله.
نَدْفِنُ مَوْتَانَا
فنكتشف أن الموت
لم يكن ذروتهم،
بل ذروتنا نحن:
اللحظة التي يُختَبَر فيها الوعي
بلا مسكِّنات،
ويُسأل فيها الإنسان
إن كان قادرًا
على العيش بلا كذبة.
نَنْهَض.
لا كما ينهض المنتصرون،
بل كما ينهض من فهم
أن الانكسار ليس عيبًا،
وأن الاستسلام
هو العيب الوحيد
الذي لا يُغتَفَر.
ننهض
وقد سقطت الأوهام الكبيرة:
وهم العدالة السريعة،
ووهم العالم المحايد،
ووهم أن الألم
لغةٌ خاصّة لا يسمعها أحد.
ننهض
بأجسادٍ تعرف التعب،
وبعقولٍ لم تعد تطلب الإذن
لكي تفكّر.
نَدْفِنُ مَوْتَانَا
ونُعيد تعريف الأخلاق
خارج القطيع:
أن تكون إنسانًا
يعني أن تنحاز،
وأن الصمت
ليس حيادًا،
بل موقعًا
في الجهة الخاطئة من التاريخ.
نَنْهَض
حين يصبح الوقوف
فعلًا فلسفيًا،
وحين يغدو التنفّس
موقفًا،
وحين تتحوّل الذاكرة
من حنينٍ ناعم
إلى أداة مساءلة.
نَدْفِنُ مَوْتَانَا
ولا نبحث عن عزاء،
فالعزاء رفاهية
في زمن الحقيقة العارية.
نبحث عن معنى
لا يُصافح القتلة،
وعن لغة
لا تُجمِّل الخراب
ولا تتواطأ معه.
نَنْهَض
لا بصفتنا ضحايا،
فالضحية رواية ناقصة،
بل بصفتنا شهودًا،
والشهادة مسؤولية
لا تُكتب بالدموع
بل بالدقّة.
نَدْفِنُ مَوْتَانَا
ونفهم أخيرًا
أنهم لم يموتوا
كي يصيروا رموزًا،
بل ماتوا
كي لا نتحوّل نحن
إلى أرقام.
نَنْهَض
لأن الحياة، في جوهرها،
ليست استمرارًا بيولوجيًا،
بل موقفًا أخلاقيًا
طويل النَّفَس.
نَنْهَض
لا لأن الأمل سهل،
بل لأن اليأس
خدمة مجانية
لمن أتقن القتل
ويريد إتقان النسيان.
نَدْفِنُ مَوْتَانَا
ثم نمشي—
ببطء العارفين
وبعناد من فهم
أن من يدفن موتاه
ولا ينهض،
لا يفقدهم فقط،
بل يُعيد قتله
#رانية_مرجية (هاشتاغ)
Rania_Marjieh#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟