أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - رانية مرجية - في اليوم العالمي للغة العربية: بيانٌ داخلي إلى الشعوب العربية














المزيد.....

في اليوم العالمي للغة العربية: بيانٌ داخلي إلى الشعوب العربية


رانية مرجية
كاتبة شاعرة ناقدة مجسرة صحفية وموجهة مجموعات

(Rania Marjieh)


الحوار المتمدن-العدد: 8560 - 2025 / 12 / 18 - 10:48
المحور: قضايا ثقافية
    


نحن لا نُحيي “يومًا” للغة العربية بقدر ما نُحاكم أنفسنا أمامها.

فاللغة ليست بطاقة هوية نُظهرها في المناسبات، ولا زخرفةً ثقافية نعلّقها على جدار الذاكرة، بل هي شرط الوجود: كيف نفكّر، وكيف نَفهم، وكيف نُسمّي الأشياء دون أن تُسمَّى لنا.

في اليوم العالمي للغة العربية، لا يكفي أن نقول إنها جميلة.

الجمال لا يحمي لغة.

الذي يحمي اللغة هو أن تكون نافعة، مُنتِجة، قادرة على حمل المعرفة، وعلى صياغة السؤال، وعلى بناء المفهوم، وعلى تحمّل توتر العصر دون أن تنكسر.

العربية لم تكن يومًا مجرد “لغة”، بل منظومة حسّ ووعي.

لغةٌ تعلّمت أن تجمع بين الدقة والروح: تُسمّي الفكرة وتُضيء ظلالها، تُمسك المعنى وتترك له مجالًا للتأمل.

هي لغة لا تكتفي بوصف العالم، بل تُعيد ترتيبه في العقل.

ولهذا كانت، عبر تاريخها، بيتًا للعلم والفلسفة والفقه والشعر، ومختبرًا لصناعة المعنى قبل أن يصبح “المعنى” سلعة في السوق.

لكن ما يحدث اليوم ليس تراجعًا طبيعيًا فحسب؛ إنه تآكلٌ بطيء في الثقة.

والثقة هي جهاز المناعة اللغوي.

حين يفقد الناس ثقتهم بلغتهم، يبدأون باستعارة أصوات غيرهم، لا لأن تلك الأصوات أعمق بالضرورة، بل لأنها تبدو أكثر قوة في سوق الهيبة.

وهنا تحديدًا تبدأ الهزيمة: حين نقتنع أن لغتنا تصلح للمشاعر لا للعلوم، وللخطابة لا للتقنية، وللماضي لا للمستقبل.

يا شعوب العربية،

لقد عرّينا لغتنا كثيرًا ثم تساءلنا لماذا ترتجف.

علّمنا أبناءنا أن العربية “مادة دراسية” لا طريقة حياة، ثم استغربنا لماذا تخرج من المدرسة منهكة، بلا رغبة ولا شغف.

جعلناها امتحانًا في القواعد، لا تدريبًا على التفكير.

حاصرناها بمناهج لا تفتح نافذة على العالم، ثم طالبناها أن تنافس لغات مدعومة بمؤسسات وبحث علمي وصناعة معرفة.

الأخطر من “الخلل اللغوي” هو الخلل المفاهيمي:

حين نُفقِد العربية حقها في إنتاج المصطلح، ونكتفي باستيراده؛

حين نقبل بأن تكون الترجمة بدلًا من الإبداع، وأن يكون الاستهلاك بدلًا من التأليف.

لغةٌ لا تُنتج مفاهيمها تصبح لاحقًا عاجزة عن إنتاج مستقبلها، لأن المستقبل يُبنى بالمفاهيم قبل أن يُبنى بالمشاريع.

ولنقلها بصراحةٍ لا تُجامل:

العربية لا تُهزم من الخارج إلا بعد أن تُهزم من الداخل.

تُهزم حين تصبح “لغة هامش” في الجامعات، و”لغة ثانوية” في الإدارة، و”لغة مصطنعة” في الإعلام، و”لغة خجولة” في البيوت.

تُهزم حين تتحوّل إلى لغة شعارات لا لغة سياسات، وإلى لغة مناسبات لا لغة اقتصاد ومعرفة وابتكار.

في المقابل، من السذاجة أن نُصوّر الدفاع عن العربية كمعركة ضد اللغات الأخرى.

لا أحد ينهض بإغلاق النوافذ.

اللغات الأخرى ضرورة، والانفتاح ضرورة، والتعددية نعمة.

لكن الفارق كبير بين من يتقن لغة أخرى بوصفها إضافة، ومن يستبدل لغته الأم بوصفها تنازلًا.

الفارق كبير بين الانفتاح والذوبان.

اللغة ليست “وسيلة تواصل” فقط، بل هي سيادة رمزية.

ومن يفقد السيادة الرمزية يفقد تدريجيًا القدرة على صياغة روايته:

كيف يشرح قضيته؟ كيف يكتب تاريخه؟ كيف يعرّف نفسه للعالم؟

حين تصبح مفرداتنا مستعارة، تصبح رؤيتنا مستعارة.

وحين تصبح رؤيتنا مستعارة، نصبح، دون أن نشعر، قابلين لأن يُعاد تعريفنا.

لهذا، المطلوب في يوم العربية ليس احتفالًا، بل مشروعًا أخلاقيًا ومعرفيًا:

مشروع يُعيد العربية إلى مكانها الطبيعي كلغة تفكير لا لغة زينة.

مشروع يبدأ من المدرسة: أن نُعلّم العربية بوصفها قدرة على بناء الحجّة، وصناعة السؤال، وقراءة النصوص الكبرى والواقع اليومي معًا.

ويصل إلى الجامعة: أن تُكتب بها أبحاث تُنافس، لا ملخصات تُترجم.

ويمتد إلى الإعلام: أن تكون العربية لغة دقيقة لا صاخبة، واضحة لا مبتذلة.

ويعود إلى البيت: حيث يبدأ كل شيء، وحيث تُصنع العلاقة الأولى مع اللغة: حبًا أو نفورًا.

نحن بحاجة إلى شجاعة جديدة:

أن نقول إن العربية ليست عبئًا، بل طاقة.

وأن نُعيد لها شروط الحياة الحديثة: مصطلحات متجددة، محتوى علمي رصين، منصات معرفة، أدب يُنصت للعصر دون أن يبيع روحه، وخطاب عام يحترم عقل الناس ولا يستخف بلغتهم.

في اليوم العالمي للغة العربية، فلنطرح السؤال الذي يوجع لكنه ينقذ:

هل نريد العربية “أن تبقى”، أم نريدها “أن تعيش”؟

البقاء يعني أن نحتفظ بها في المتاحف والمناسبات.

أما الحياة فتعني أن تدخل المختبر، والجامعة، ومركز الأبحاث، وغرفة الأخبار، وسوق العمل، وأن تظل قادرة على تسمية المستقبل بأسمائه الجديدة.

نختار العربية، لا لأنها وحدها الحقيقة، بل لأنها طريقنا إلى الحقيقة ونحن كما نحن.

نختارها لأننا نرفض أن نكون بلا لسانٍ يخصّنا، وبلا معنى يصدر من داخلنا.

نختارها لأن الكرامة ليست سياسية فقط؛ الكرامة أيضًا لغوية ومعرفية.

ومن لا يملك لغته، لا يملك تمامًا نفسه.

هذا يوم العربية.

فإما أن نجعله مناسبة للمديح العابر،

أو لحظة قرار: أن نستعيد لغتنا من الهامش إلى المركز…

لا بالكلام عنها، بل بالكلام بها—وبها فقط—حين نكتب العلم، ونصنع الفكرة، ونبني الإنسان



#رانية_مرجية (هاشتاغ)       Rania_Marjieh#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- **الرواية عند فلسطينيّي الداخل (عرب ال48): حين تصبح القلّة م ...
- «ومضات الروح»… حين تُصبح المحكية معرفةً لا لهجة
- قراءة أدبية تحليلية معمقة لقصيدة -حاملة الصوت- للشاعرة رانية ...
- جسدُ الطوائف
- حاملة الصوت قصيدة
- حين تُصاب الرعاية: بيان إنساني
- ⭐ سرّ ليلة الميلاد ⭐قصة للاطفال
- «مسّني جِنّ»… حين تكتب تفّاحة سابا من لحم المرأة ومن ظلّها و ...
- خُنتُ نَفسي
- قصة: “ذاكرة لا تعرف الدفء”
- ميلادٌ يتكوّن من كلمةٍ واحدة… «نعم»
- “سماءٌ تُكمِلُ ما ينقص العالم”
- ديوان “من تراتيل العارفين” للشاعرة والإعلامية رانية مرجية
- ✨ **قراءة نقدية في كتاب سراديب الذاكرة للكاتبة فوزية ...
- بين ميلاد الرب وميلاد الإنسان: رؤية لاهوتيّة تعيد تعريف الوج ...
- *حين يتحوّل الكتاب إلى محكمة للوعي: قراءة وجودية-فكرية في كت ...
- اللاهوت وعصرُنا: حين يستعيد الإنسان وجهه في مرآة المعنى**
- بين نافذتين –
- ما معنى أن تكون صحفيًا محايدًا؟
- اعتراف ناقص قصة قصيرة


المزيد.....




- -وسط حصار لفنزويلا-.. ضربة أمريكية على قارب مزعوم لتهريب الم ...
- واحدة من أكبر صفقات الأسلحة بتاريخهما.. إليكم تفاصيل ما أُبر ...
- عثرات بالبحث عن مطلق النار بجامعة براون تؤدي للقبض على الشخص ...
- -العربية- منذ الصغر، مبادرة إماراتية ورحلة هوية وانتماء
- استطلاع: غالبية الألمان تؤيد استخدام أصول روسية لصالح أوكران ...
- تواصل المواجهات بين كمبوديا وتايلاند وبنوم بنه تتهم بانكوك ب ...
- جدعون ليفي: أنى لمجزرة بوندي أن تحجب كل مجازر غزة!
- صحف عالمية: الخط الأصفر يشبه حدودا قاتلة للفلسطينيين في غزة ...
- مجزرة -بطن الهوى-.. إخلاء مزيد من بيوت المقدسيين لصالح المست ...
- ماذا تأكل عند الإصابة بالإنفلونزا؟


المزيد.....

- علم العلم- الفصل الرابع نظرية المعرفة / منذر خدام
- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - رانية مرجية - في اليوم العالمي للغة العربية: بيانٌ داخلي إلى الشعوب العربية