أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - “سماءٌ تُكمِلُ ما ينقص العالم”














المزيد.....

“سماءٌ تُكمِلُ ما ينقص العالم”


رانية مرجية
كاتبة شاعرة ناقدة مجسرة صحفية وموجهة مجموعات

(Rania Marjieh)


الحوار المتمدن-العدد: 8551 - 2025 / 12 / 9 - 00:28
المحور: الادب والفن
    


في أقصى المصنع المحمي، حيث لا يصل صخب الحياة إلا بعد أن يتعب في الطريق، كان سامر يجلس أمام لوحته الخشبية في قاعة العلاج الفني. لم يكن يرسم فحسب؛ كان يعيد ترتيب العالم ليصبح قابلًا للعيش… قابلًا للنجاة.



الصمت حوله لم يكن فراغًا، بل حصنًا من الضوء.

صمتٌ يعرف أن بعض الأصوات تُطفئ القلب بدل أن توقظه.



جاء إلى المركز قبل أشهر، بعد حادثة لم يتحدث عنها أحد بوضوح—حادثة جعلته ينسحب من كل شيء إلا من الرسم. لم يكن أحد يعرف ما حدث بالضبط، لكن كل من رأى عينيه أدرك أن شيئًا ثقيلًا سقط عليه ذات يوم، ولم ينهض عنه تمامًا.



كانت أمينة، المشرفة التي تُتقن الإصغاء لما لا يُقال، تراقبه من بعيد.

لم تُجبره يومًا على الكلام، لكنها كانت تحضر كظلّ مطمئن.

كان حضورها يشبه نافذةً تُفتح بهدوء كي يدخل الهواء، لا كي يرحل أحد.



وفي ظهيرة شتوية باهتة، بدأ الحدث الذي غيّر كل شيء.



رفع سامر ريشته المغموسة في الأزرق، كعادته، ثم توقّف فجأة. ارتجفت أصابعه قليلًا، ورسم نقطة ضوء صغيرة، دقيقة جدًا، كأنها شرارة تشقّ سماء اللوحة من داخلها.



اقتربت أمينة، وهمست:

“ما هذه؟”



لم يُجب.

لكن في النقطة كان كل ما لم يقله من قبل:

كانت خوفًا قديمًا… ونجاة حديثة.

كانت طفلًا لم يفهمه أحد.

كانت محاولةً أخيرة لقول الحقيقة دون كلام.



وفي اليوم التالي، حدث ما لم تتوقعه أمينة.



وضع سامر لوحة جديدة، وبدأ يرسم السماء ذاتها… لكن هذه المرة مرّ بخط أبيض طويل، كأنه مسار طائر نجا من العاصفة. كانت السماء تتحرك في عينيه، كأنها بوابة لشيء انتظر طويلًا كي يُقال.



تقدمت أمينة وجلست بقربه لأول مرة دون أن تخشى إزعاجه.



قالت بهدوء:

“أتعرف يا سامر… أحيانًا لا يحتاج العالم إلى الحقيقة كاملة. يحتاج فقط إلى من يومئ بالضوء.”



توقّف عن الرسم.

نظر إليها.

كانت هذه نظرته الأولى منذ وصوله.



وفي تلك اللحظة، قال أول جملة بعد صمتٍ طويل:



“كنتُ أبحث عن مكانٍ لا يصرخ.”



لم تبكِ أمينة، لكنها شعرت أن السماء التي يرسمها اتسعت قليلًا.



ومنذ ذلك اليوم، لم يعد سامر يرسم ليهرب من العالم؛

صار يرسم ليكمّله.



صار الأزرق أعمق، وصارت النقاط البيضاء أكثر وضوحًا، كأن السماء تعلمت منه كيف تشفى.



وفي نهاية الأسبوع، أقيم معرض صغير داخل المركز لعرض أعمال المشاركين. وقف الزوار أمام لوحة سامر الأخيرة—سماء كبيرة، تتوسطها شرارة ضوء تشبه وعدًا.



سألت إحدى الزائرات:

“ماذا تمثّل هذه النقطة؟”



لم يتكلم سامر هذه المرة أيضًا…

لكن أمينة ابتسمت، وقالت وهي تنظر إلى النور في اللوحة:



“تمثّل الجزء الذي يحاول العالم إخفاءه… والجزء الذي يحاول سامر إنقاذه.”



عندها فقط، ومضت النقطة من جديد،

وكأن السماء نفسها أومأت له امتنانًا.



#رانية_مرجية (هاشتاغ)       Rania_Marjieh#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ديوان “من تراتيل العارفين” للشاعرة والإعلامية رانية مرجية
- ✨ **قراءة نقدية في كتاب سراديب الذاكرة للكاتبة فوزية ...
- بين ميلاد الرب وميلاد الإنسان: رؤية لاهوتيّة تعيد تعريف الوج ...
- *حين يتحوّل الكتاب إلى محكمة للوعي: قراءة وجودية-فكرية في كت ...
- اللاهوت وعصرُنا: حين يستعيد الإنسان وجهه في مرآة المعنى**
- بين نافذتين –
- ما معنى أن تكون صحفيًا محايدًا؟
- اعتراف ناقص قصة قصيرة
- يومياتي – الصفحة التي لم أتجرأ على كتابتها من قبل
- 🌿 الذين باركوا القتل – قصة قصيرة
- قراءة نقدية في قصيدة «لستُ أنثى من رخام» للشاعرة نادرة عبد ا ...
- الأدب النسوي: كتابةٌ في فضاء الجسد والذاكرة…
- **حين تُصبح اللغة بيتًا للروح:
- صوتٌ يوقظُ المعنى: قراءة نقدية معمّقة في “ليلة القبض على الد ...
- **قصيدة: “تأملات امرأة تتفاوض مع الضوء”
- في القطار من الرملة إلى حيفا… وفي الذاكرة من اللد إلى رام ال ...
- الأمهات في السماء حاضرات
- ✒️ كيف نواجه أوجاعنا؟ رؤية إنسانية عميقة من زا ...
- ✦ قراءة وارفة في رواية “أنا من الديار المقدّسة” للفتي ...
- المرأة العربية… حين يصبح الأمان ترفًا والعدالة معركة


المزيد.....




- فيلم -أوسكار: عودة الماموث-.. قفزة نوعية بالسينما المصرية أم ...
- أنغام في حضن الأهرامات والعرض الأول لفيلم -الست- يحظى بأصداء ...
- لعبة التماثيل
- لماذا يا سيدي تجعل النور ظلاماً؟
- نشطاء يريدون حماية -خشب البرازيل-.. لماذا يشعر الموسيقيون با ...
- -ماء ونار-.. ذاكرة الحرب اللبنانية في مواجهة اللغة وأدوات ال ...
- أردوغان يستقبل المخرج الفلسطيني باسل عدرا الفائز بأوسكار
- توقيع اتفاق للتعاون السينمائي بين إيران وتركيا
- تسرب مياه في متحف اللوفر يتلف مئات الكتب بقسم الآثار المصرية ...
- إطلالة على ثقافة الصحة النفسية في مجتمعنا


المزيد.....

- ليلة الخميس. مسرحية. السيد حافظ / السيد حافظ
- زعموا أن / كمال التاغوتي
- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - “سماءٌ تُكمِلُ ما ينقص العالم”