أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - رانية مرجية - بين ميلاد الرب وميلاد الإنسان: رؤية لاهوتيّة تعيد تعريف الوجود














المزيد.....

بين ميلاد الرب وميلاد الإنسان: رؤية لاهوتيّة تعيد تعريف الوجود


رانية مرجية
كاتبة شاعرة ناقدة مجسرة صحفية وموجهة مجموعات

(Rania Marjieh)


الحوار المتمدن-العدد: 8549 - 2025 / 12 / 7 - 01:19
المحور: قضايا ثقافية
    


في عالم يزداد ازدحامًا بالأسئلة، وتضيق فيه المساحات الفاصلة بين الإيمان والقلق، يظلّ سؤال الميلاد—ميلاد الرب وميلاد الإنسان—واحدًا من أكثر الأسئلة قدرة على كشف جوهر الإنسان ومعنى وجوده. ليس لأنهما حدثان دينيان فحسب، بل لأنهما يشكّلان معادلة الوجود نفسها:

من أين جاء الإنسان؟ ولأي غاية يُمنح هذا الوجود؟ وما الذي يجعل الميلاد حدثًا يستحق أن يُعاد تأمله مرارًا؟



ميلاد الرب: حين يختار المطلق أن يجاور المحدود


في اللاهوت، ميلاد الرب ليس حدثًا وقع داخل الزمن، بل نافذة فتحها الله من خارج الزمن ليلتقي بالإنسان على أرض مشتركة.

إنه تجسّد المعنى في صورة بشر، دخولٌ إلهيّ إلى التاريخ ليس بدافع الحاجة، بل بدافع المحبّة؛ محبّة تقبل أن تُترجم بلغة الإنسان، وأن تُقاس بضعفه، وأن تتنفس هواءه.



ميلاد الرب هو إعلانٌ أن الله لا يكتفي بأن يوجّه الإنسان من علٍ، بل يختبر معه الحياة نفسها.

إنه نزول النور إلى العتمة ليس ليدينها، بل ليُضيئها من الداخل.

إنه تذكير أن الخلاص ليس قوة تُفرض، بل حضور يرافق الإنسان في هشاشته، ويثبت أن الإنسان لم يُخلق ليُترك وحيدًا أمام أسئلة العالم.



ميلاد الإنسان: بداية الوجود أم بداية البحث؟


يلد الإنسان محمولًا على بشارة الحياة، لكنه لا يعرف كيف يترجم هذه البشارة. يولد بجسد يعرف كيف ينمو، وروحٍ لا تعرف كيف تتّسع إلا حين تلامس المعنى.

فميلاد الإنسان في الرؤية اللاهوتية ليس دخولًا بيولوجيًا إلى العالم، بل دخول العالم إلى وعيه، ودخوله هو في علاقة مع من أوجده.



إن ميلاد الإنسان هو إمكان مفتوح، بذرة قابلة للثمرة أو للذبول.

يولد الإنسان مُعدًا للحقيقة، لكنه لا يمتلكها.

يولد قادرًا على الحب، لكنه لا يعرف حدوده.

يولد حرًّا، لكنه لا يدرك ثمن الحرية إلا متأخرًا.



وهذا ما يجعل ميلاده سؤالًا أكثر مما هو حدث.



بين الميلادين: الإنسان بوصفه مشروعًا إلهيًا مفتوحًا


سرّ التجسّد، في عمقه، يكشف أن الفاصل بين الميلادين ليس فاصلًا في الطبيعة، بل فاصل في الاستجابة. فالرب وُلد ليهب العالم فرصة جديدة، والإنسان يولد ليُختبر مدى استعداده لاقتناص هذه الفرصة.

إن ميلاد الرب يقدّم للعالم معنىً موضوعيًا، أما ميلاد الإنسان فيستلزم منه بحثًا شخصيًا عن هذا المعنى.



وبهذا تصبح العلاقة بين الميلادين علاقة دعوة واستجابة:

الرب يدعو بتجسّده إلى حياة تتجاوز الخوف؛

والإنسان يستجيب حين يكتشف أن الميلاد لا يتكرر إلا عندما تتجدد الروح.



إن الإنسان لا يفهم نفسه إلا إذا قرأ ميلاده على ضوء ميلاد الرب؛ لأن الميلاد الإلهي ليس قصة تُروى، بل مرآة تُكشف فيها حدود الإنسان وإمكاناته.

ومن هنا، يصبح التجسّد دعوة لإعادة تعريف الإنسان لذاته:

ليس ككائن عابر، بل كشريك في بناء معنى العالم.



الولادة الثانية: حين يتطابق الوعي مع الدعوة


ما يسميه اللاهوت «الولادة الثانية» ليس حدثًا سحريًا، بل لحظة يُدرك فيها الإنسان أن وجوده ليس معطى، بل مسؤولية. لحظة يرى فيها أن حياته لا تُقاس بطول الزمن، بل بعمق الاستجابة للنداء الإلهي الخافت الذي يمرّ في داخله كخيط نور.



في هذه اللحظة، يتقاطع ميلاد الرب وميلاد الإنسان:

الأول يمنح الضوء، والثاني يقرّر أن يمشي فيه.

الأول يقدّم الحقيقة، والثاني يختار ألّا يشيح عنها.

الأول يكشف الطريق، والثاني يجرؤ على السير فيه.



الختام: حين يصبح الميلاد مشروع خلاص شخصي


في عالم تتغير فيه القيم يوميًا، يبقى الميلاد—بشقيه الإلهي والبشري—حدثًا يعيد للإنسان ذاكرته الروحية.

فميلاد الرب يعيد تعريف الله بوصفه مشاركًا في آلام الإنسان، وميلاد الإنسان يعيد تعريف الإنسان بوصفه شريكًا في المعنى الإلهي.



وبين الميلادين، ينهض سؤالٌ لا يفقد أهميته:

هل نكتفي بالولادة الأولى، أم نبحث عن الولادة التي تمنح الحياة معناها؟

فالجواب، في نهاية المطاف، هو ما يحدد شكل العالم… وشكل الإنسان نفسه.



#رانية_مرجية (هاشتاغ)       Rania_Marjieh#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- *حين يتحوّل الكتاب إلى محكمة للوعي: قراءة وجودية-فكرية في كت ...
- اللاهوت وعصرُنا: حين يستعيد الإنسان وجهه في مرآة المعنى**
- بين نافذتين –
- ما معنى أن تكون صحفيًا محايدًا؟
- اعتراف ناقص قصة قصيرة
- يومياتي – الصفحة التي لم أتجرأ على كتابتها من قبل
- 🌿 الذين باركوا القتل – قصة قصيرة
- قراءة نقدية في قصيدة «لستُ أنثى من رخام» للشاعرة نادرة عبد ا ...
- الأدب النسوي: كتابةٌ في فضاء الجسد والذاكرة…
- **حين تُصبح اللغة بيتًا للروح:
- صوتٌ يوقظُ المعنى: قراءة نقدية معمّقة في “ليلة القبض على الد ...
- **قصيدة: “تأملات امرأة تتفاوض مع الضوء”
- في القطار من الرملة إلى حيفا… وفي الذاكرة من اللد إلى رام ال ...
- الأمهات في السماء حاضرات
- ✒️ كيف نواجه أوجاعنا؟ رؤية إنسانية عميقة من زا ...
- ✦ قراءة وارفة في رواية “أنا من الديار المقدّسة” للفتي ...
- المرأة العربية… حين يصبح الأمان ترفًا والعدالة معركة
- قراءة نقدية موسّعة لرواية “الخطّ الأخضر” بين السرد والذاكرة… ...
- **استراتيجية القراءة والكتابة
- يزن… ذلك الجزء من الأم الذي لم يغِب يومًا


المزيد.....




- كالاس لـ-يورونيوز-: ما زلنا حلفاء واشنطن ولا نتفق في كل شيء ...
- في أول زيارة له إليها.. ميرتس يؤكد التزام ألمانيا حيال إسرائ ...
- فنزويلا تجند آلاف المقاتلين وسط توتر متصاعد مع أميركا
- غزة مباشر.. شهداء بنيران الاحتلال وقطر تتفاوض لرسم مسار المر ...
- -وحش- نتفليكس.. كيف تحوّل القتلة الحقيقيون إلى ظاهرة جماهيري ...
- محللون: هذه العقبات تواجه الانتقال للمرحلة الثانية من اتفاق ...
- -مسار الأحداث- يناقش العقبات التي تواجه المرحلة الثانية من ا ...
- اليمن.. مقتل 4 من القوات الحكومية بانفجار في حضرموت
- زيلينسكي يكشف تفاصيل مكالمته مع ويتكوف وكوشنر
- يوم الهاتريك في بوندسليغا: بايرن يحافظ على صدارته يليه لايبز ...


المزيد.....

- علم العلم- الفصل الرابع نظرية المعرفة / منذر خدام
- قصة الإنسان العراقي.. محاولة لفهم الشخصية العراقية في ضوء مف ... / محمد اسماعيل السراي
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الأنساق الثقافية للأسطورة في القصة النسوية / د. خالد زغريت
- الثقافة العربية الصفراء / د. خالد زغريت
- الفاكهة الرجيمة في شعر أدونيس / د. خالد زغريت
- المفاعلة الجزمية لتحرير العقل العربي المعاق / اسم المبادرتين ... / أمين أحمد ثابت
- في مدى نظريات علم الجمال دراسات تطبيقية في الأدب العربي / د. خالد زغريت
- الحفر على أمواج العاصي / د. خالد زغريت
- التجربة الجمالية / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - رانية مرجية - بين ميلاد الرب وميلاد الإنسان: رؤية لاهوتيّة تعيد تعريف الوجود