أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - اعتراف ناقص قصة قصيرة














المزيد.....

اعتراف ناقص قصة قصيرة


رانية مرجية
كاتبة شاعرة ناقدة مجسرة صحفية وموجهة مجموعات

(Rania Marjieh)


الحوار المتمدن-العدد: 8544 - 2025 / 12 / 2 - 01:06
المحور: الادب والفن
    


ي مدينةٍ تُباع فيها الوجوه كما تُباع السلع، كان الناس يبدّلون ملامحهم دوريًا وفق «تعليمات الوجه» التي يفرضها المجلس. يصبح الوجه شأنًا إداريًا، والحزن خطأً في النظام، والابتسامة جزءًا من بروتوكول يوميّ لا علاقة له بالفرح.

لم ينجُ من هذا النظام إلا قِلّة قليلة. أجسادهم رفضت القناع كما يرفض الجلدُ زرعًا غريبًا. سمّاهم المجلس: الناقصين.
لم يذكر أسماءهم، فقط تركهم يمشون كهوامش بشرية في مدينة تخاف كل ندبة.

كان آدم واحدًا منهم.
ندبةٌ خفيفة قرب حاجبه تظهر فقط حين يخاف، لكنه لم يعرف من أين جاءت. كان يتفادى الضوء لأن الضوء يكشف ما لا يريد المجلس رؤيته.

في مساءٍ غريب، وجد ورقة صغيرة عند بابه، عليها نقطة حبر فقط. شعر أن النقطة ليست علامة، بل دعوة. تبعها إلى بيتٍ بلا لافتة، حيث استقبلته امرأةٌ بمعطف رمادي قالت له:

— اسمي ليلى… لأن اسمي الحقيقي سُرق مع أول وجهٍ ركبوه لي.

في البيت مرايا كثيرة، كلها مشروخة قليلاً. ناولته واحدة وقالت:

— أنت من الناقصين. جسدك يرفض النسخة. ندبتك ليست جرحًا… إنها سطرٌ ناقص ينتظر أن يُكتب.

لم يكن آدم وحده.
ظهر حسام، شابٌ ملامحه قابلة للنسيان، كأن وجهه تمارين محو متقنة. قال له:

— النقص ليس عيبًا يا آدم. العيب أن نعيش بملامح لا ننتمي إليها.

قادتهم ليلى إلى مكان تحت المدينة:
ممرات رطبة، شاشات قديمة، ووجوه محفوظة في محاليل كأنها ثمار بلا طعم.

— هنا الأصل، قالت ليلى.
— هنا تبدأ الوجوه قبل أن يُسكِتها النظام.

كان المجلس يظن أن القناع يُنقذ النظام من الفوضى، لكن ليلى آمنت أن النقص هو ما يحرّر الإنسان من أن يصبح نسخة.

معًا، حاول الثلاثة أن يقدّموا شيئًا آخر للمدينة:
لا ثورة، ولا صدام، فقط «عادة جديدة» تسمح للناس بأن يعترفوا بنقصهم دون خوف.

صاروا يعلقون في الشوارع شرائط ورقية عليها جُمل ناقصة كتبها الناس سرًا:

— «أحتاج أن أتنفّس دون ابتسامة جاهزة.»
— «أخاف من وجهي حين لا يشبهني.»
— «ندبتي ليست عيبًا… بل ذكرى.»

ببطء، تغيّر الهواء.
لم تعد الشاشات تنجح في توحيد الوجوه.
أصبح الأطفال يرسمون ضحكات غير متطابقة، والنساء يلمسن ندوبهنّ بلا خجل، والرجال يكتشفون أن التعب ليس خطأً في النظام.

قال آدم وهو ينظر في مرآة مشروخة:

— لم أكن ناقصًا لأن لدي ندبة… بل لأنني أخفيتها.

ضحكت ليلى:

— الوجوه التي تنجو ليست تلك الكاملة… بل تلك التي تمنح الفراغ فرصة ليتحول إلى معنى.

وفي أحد الصباحات، لم ينتبه أحد أن المدينة تغيّرت حقًا.
مجرد طفل ترك وجهه كما هو، دون تعديل.
امرأة خرجت من بيتها بلا قناع.
رجل نزع ابتسامة التعليمات ليرى شكل قلبه حين يرتاح.

لم يكن التغيير ثورة…
كان تنفّسًا.

وفي آخر مشهد، وقف آدم عند نافذة غرفته، فتحها، وترك الهواء يدخل بلا خوف.
لامست الريح ندبته فبردت.
همس:

— لو كان النقص خطأً… لما صمد كل هذا الجمال تحته.

وفي الأسفل، كانت ليلى تمشي في الشارع بابتسامة غير قياسية، لا تشبه إلا نفسها.

--



#رانية_مرجية (هاشتاغ)       Rania_Marjieh#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يومياتي – الصفحة التي لم أتجرأ على كتابتها من قبل
- 🌿 الذين باركوا القتل – قصة قصيرة
- قراءة نقدية في قصيدة «لستُ أنثى من رخام» للشاعرة نادرة عبد ا ...
- الأدب النسوي: كتابةٌ في فضاء الجسد والذاكرة…
- **حين تُصبح اللغة بيتًا للروح:
- صوتٌ يوقظُ المعنى: قراءة نقدية معمّقة في “ليلة القبض على الد ...
- **قصيدة: “تأملات امرأة تتفاوض مع الضوء”
- في القطار من الرملة إلى حيفا… وفي الذاكرة من اللد إلى رام ال ...
- الأمهات في السماء حاضرات
- ✒️ كيف نواجه أوجاعنا؟ رؤية إنسانية عميقة من زا ...
- ✦ قراءة وارفة في رواية “أنا من الديار المقدّسة” للفتي ...
- المرأة العربية… حين يصبح الأمان ترفًا والعدالة معركة
- قراءة نقدية موسّعة لرواية “الخطّ الأخضر” بين السرد والذاكرة… ...
- **استراتيجية القراءة والكتابة
- يزن… ذلك الجزء من الأم الذي لم يغِب يومًا
- حين تنحرف السياسة عن الإنسان… وتخسر الدول معناها
- تركتُ كلّ شيءٍ خلفي… واتّبعتُ ضميري وقلبي
- يا موت… مهلًا، ألا تتعب؟
- ما نتعلّمه حين نتوقف عن الهرب من الحقيقة
- قصيدة: بيتُ لحم… حين تنهض الأرض بوجوه النساء


المزيد.....




- فيلم -أحلام قطار-.. صوت الصمت في مواجهة الزمن
- مهرجان مراكش: الممثلة جودي فوستر تعتبر السينما العربية غائبة ...
- مهرجان غزة الدولي لسينما المرأة يصدر دليل المخرجات السينمائي ...
- مهرجان فجر السينمائي:لقاءالإبداع العالمي على أرض إيران
- المغربية ليلى العلمي.. -أميركية أخرى- تمزج الإنجليزية بالعرب ...
- ثقافة المقاومة: كيف نبني روح الصمود في مواجهة التحديات؟
- فيلم جديد يكشف ماذا فعل معمر القذافي بجثة وزير خارجيته المعا ...
- روبيو: المفاوضات مع الممثلين الأوكرانيين في فلوريدا مثمرة
- احتفاء مغربي بالسينما المصرية في مهرجان مراكش
- مسرحية -الجدار- تحصد جائزة -التانيت الفضي- وأفضل سينوغرافيا ...


المزيد.....

- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - اعتراف ناقص قصة قصيرة