أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - 🌿 الذين باركوا القتل – قصة قصيرة














المزيد.....

🌿 الذين باركوا القتل – قصة قصيرة


رانية مرجية
كاتبة شاعرة ناقدة مجسرة صحفية وموجهة مجموعات

(Rania Marjieh)


الحوار المتمدن-العدد: 8543 - 2025 / 12 / 1 - 10:01
المحور: الادب والفن
    


لم تكن قرية العبيل تعرف معنى الضوء.
كان الصباح يتسلّل إليها كما لو أنه يستأذن البيوت قبل أن يطرق نوافذها. وفي بيتٍ حجريٍّ فوق التلّ، عاشت ليلى… فتاةٌ خُلقت بحجم الشمس، لكنهم أرادوا لها حجم ظل.

كانت ليلى تحب الكلام.
تجلس تحت شجرة الرمان، ترسم، تكتب، وتعلّم البنات القراءة سرًّا خلف المسجد.
لم تكن تدعو إلى ثورة، ولا إلى عصيان؛ كانت فقط تقول:
"الله لا يريدكنّ صامتات."

جملةٌ صغيرة…
لكن في قريةٍ تخاف النور، تتحوّل الكلمة إلى سكين.

بدأ الهمس يتكاثر مثل فراشاتٍ سوداء.
رجال المقهى يذرّون الكلام كما يذرّ الفلاح بذور الشوك.
قال أحدهم:
– البنت صارت كثيرة الكلام.
وردّ آخر:
– والسكين أبلغ.

وفي البيت، شعرت الأم أن الجدران تضيق.
أما نوار، أخوها، فصار صوته يشبه صدى رجلٍ يمشي نحو هاويةٍ لا يعرف عمقها. كان يحاول حماية البيت من كلام الناس، لكنه لم ينتبه إلى أن كلامهم هو النار الأولى.

في ليلةٍ ثقيلة، اجتمع الرجال في مجلس الظلال.
لم يقل أحدٌ كلمة "اقتلوها"، لكن الصمت كان يردّدها عنهم.
وحين خرجوا، خرج معهم حكمٌ غير مكتوب، لكنه نافذٌ كحدّ السكين.

تلك الليلة، كانت ليلى أمام مرآتها تمشّط شعرها.
فتح نوار الباب ودخل.
كان وجهه متعبًا، وصوته يختنق بين حبّها والخوف عليها ومنها ولأجلها.

قالت له بهدوء الموقنين:
– جئتَ لتقتلني؟
لم يجب.
رفعت يده المرتجفة، وضعتها على قلبها.
– لا تخف… العدوّ ليس أنا. العدوّ هو الظلام الذي أقنعك أنك تحميني بالدم.

وحين انطفأ المصباح، لم يُسمَع صراخ.
سقط شيءٌ على الأرض، ثم سقط شيءٌ أكبر في قلب نوار.

لم تمت ليلى…
بل تجمّدت في اللحظة نفسها التي اكتشفت فيها القرية أنها قتلت نورها الوحيد.

في المحكمة، جلس نوار كمن انقشعت عنه سحابةٌ ثقيلة، لكنه ظل مبتلًّا بظلّها.
سأله القاضي:
– لماذا قتلتها؟
قال:
– لأنني صدّقت الناس حين قالوا إن الشرف في جسدها.
فقال القاضي:
– وهل الشرف ملكُ الناس… أم ملكُ الله؟

بكت الأم حين شهدت وقالت:
– ابني لم يقتلها وحده. نحن جميعًا أعطيناه السكين.

أجّل القاضي الحكم، لأن القاتل الحقيقي لم يكن حاضرًا:
الجهل… الخوف… الصمت.

بعد أشهر، عاد نوار إلى البيت.
كانت شجرة الرمان التي كانت ترسمها ليلى قد كبرت، كأنها تحمل آخر نفسٍ لفظته.
وفي صندوقٍ صغير وجد رسائل كتبتها قبل موتها.

أقرب رسالة إلى قلبه قالت:
“إن متُّ قبلك، فازرع شجرة رمانٍ جديدة… فربما يصبح الدم ثمرة.”

زرعها.
وبينما كانت البذرة تنام في التراب، شعر أن قلبه يوقظ نفسه.

فتح بيت ليلى وجعله "بيتًا للعلم والنور".
صارت البنات يدخلنه ليتعلمن، كما كانت تقول لهنّ سرًّا.

وفي مساءٍ رقيق، أزهرت شجرة الرمان ثمرةً حمراء.
حملها نوار، رفعها نحو السماء، وهمس:
– ها هي يا ليلى… دمك صار حياة.

هبت ريحٌ دافئة، مرّت فوق الأوراق كأنها تصفق.
وسمع صوتًا خفيفًا يشبه ضحكتها:
"سامحتك… فسامح نفسك."

ومنذ ذلك اليوم، لم تعد القرية تخاف النور؛
بل صارت تبحث عنه في وجه كل طفلةٍ تحمل كتابًا،
وفي ظل كل شجرة رمانٍ تنبت قرب بيتٍ كان يومًا يخاف الضوء،
وصار الآن بيتًا يشبه قلب ليلى:
مفتوحًا… مشرقًا… لا يخاف شيئًا.



#رانية_مرجية (هاشتاغ)       Rania_Marjieh#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة نقدية في قصيدة «لستُ أنثى من رخام» للشاعرة نادرة عبد ا ...
- الأدب النسوي: كتابةٌ في فضاء الجسد والذاكرة…
- **حين تُصبح اللغة بيتًا للروح:
- صوتٌ يوقظُ المعنى: قراءة نقدية معمّقة في “ليلة القبض على الد ...
- **قصيدة: “تأملات امرأة تتفاوض مع الضوء”
- في القطار من الرملة إلى حيفا… وفي الذاكرة من اللد إلى رام ال ...
- الأمهات في السماء حاضرات
- ✒️ كيف نواجه أوجاعنا؟ رؤية إنسانية عميقة من زا ...
- ✦ قراءة وارفة في رواية “أنا من الديار المقدّسة” للفتي ...
- المرأة العربية… حين يصبح الأمان ترفًا والعدالة معركة
- قراءة نقدية موسّعة لرواية “الخطّ الأخضر” بين السرد والذاكرة… ...
- **استراتيجية القراءة والكتابة
- يزن… ذلك الجزء من الأم الذي لم يغِب يومًا
- حين تنحرف السياسة عن الإنسان… وتخسر الدول معناها
- تركتُ كلّ شيءٍ خلفي… واتّبعتُ ضميري وقلبي
- يا موت… مهلًا، ألا تتعب؟
- ما نتعلّمه حين نتوقف عن الهرب من الحقيقة
- قصيدة: بيتُ لحم… حين تنهض الأرض بوجوه النساء
- **قراءة نقدية في كتاب «أسلاك كهرباء مكشوفة للريح والمطر» ليا ...
- “سامر… حين اكتشف أن الظلّ ليس قدرًا”


المزيد.....




- فيلم جديد يكشف ماذا فعل معمر القذافي بجثة وزير خارجيته المعا ...
- روبيو: المفاوضات مع الممثلين الأوكرانيين في فلوريدا مثمرة
- احتفاء مغربي بالسينما المصرية في مهرجان مراكش
- مسرحية -الجدار- تحصد جائزة -التانيت الفضي- وأفضل سينوغرافيا ...
- الموت يغيب الفنان قاسم إسماعيل بعد صراع مع المرض
- أمين معلوف إثر فوزه بجائزة أدبية في المكسيك: نعيش في أكثر عص ...
- الدرعية تحتضن الرواية: مهرجان أدبي يعيد كتابة المكان والهوية ...
- أمين معلوف إثر فوزه بجائزة أدبية في المكسيك: نعيش في أكثر عص ...
- يهود ألمانيا يطالبون باسترداد ممتلكاتهم الفنية المنهوبة إبان ...
- هل تقضي خطة ترامب لتطوير جزيرة ألكاتراز على تقاليد سكانها ال ...


المزيد.....

- خرائط العراقيين الغريبة / ملهم الملائكة
- مقال (حياة غويا وعصره ) بقلم آلان وودز.مجلةدفاعاعن الماركسية ... / عبدالرؤوف بطيخ
- يوميات رجل لا ينكسر رواية شعرية مكثفة. السيد حافظ- الجزء ال ... / السيد حافظ
- ركن هادئ للبنفسج / د. خالد زغريت
- حــوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الثاني / السيد حافظ
- رواية "سفر الأمهات الثلاث" / رانية مرجية
- الذين باركوا القتل رواية ... / رانية مرجية
- المسرواية عند توفيق الحكيم والسيد حافظ. دراسة في نقاء الفنون ... / د. محمود محمد حمزة
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة. الطبعة الثانية / د. أمل درويش
- مشروع مسرحيات مونودراما للسيد حافظ. اكسبريو.الخادمة والعجوز. ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - رانية مرجية - 🌿 الذين باركوا القتل – قصة قصيرة